الاثنين، 23 فبراير 2009

حكايات المرايا

أمامها طفل:
يسحب أشهره الأولى يواجه السطح الأملس، ذلك الذي يسميه الكبار المرآة، كانوا قديما يدلعونها بـ(المنظرة)، ويطلقون على المتفرج في ملامحه عبرها: يتمنظر.. يحذرون الطفلة من مشاهدة (غواها) في (المنظرة)، لا تأبه الطفلة/الطفل بأساطيرهم ويمضي متفرجا على وجه يراه في الزجاجة (الصّحنية) أمامه، قد لا يعرف أن ذلك المنعكس هو وجهه، شكله، ملامحه، وتلك عيونه.. يتفرج ببراءة (قد نظنها لحسن ظن فينا)، في غفلة قد يكسر الطفل ما في يديه، ويبكي، ليس لأن أصبعه يسيل دما حيث أصابته الشظايا.. ربما لأنه شاهد وجهه بملامح غريبة متشظيّة فتتت بتفتتها الوجه الذي يحمله انعكاسا في وجه تساقط على الأرض في لحظة دهشة قد لا يسمح له مرة أخرى بتكرارها.

أمامها فتى/فتاة:
ملامحه كبرت.. أمعن النظر في ما بين أنفه وشفته، اخضرار جميل يشي برجولة قادمة لا محالة، تأكد من عمق علاقة بينه وهذه الساحرة التي يرى في وجهها وجهه.. لو لم تكن كيف له أن يدرك وسامته..
كيف لها إدراك أنوثتها التي تخبؤهما العينين العاشقتين؟
كيف تتخيل كيف يراها؟ كيف يتخيل كيف هي تراه؟!
كل صبية ترى أن ثمة جمال تمتلكه، لا يمكنها أن تكون خاوية من جمال، إن لم تره في الوجه فإنها تراهن على جمال داخلها، تقنع نفسها أنه الأبقى، أنه الأنقى، أنه الجوهر الذي لا يصدأ حتى مع تحرك السنوات فوق مفاصل العمر.

أمامها امرأة:
أي تسمية هذه التي تقرب بين المرأة والمرآة؟!
صنعت منها وهج التخيل، العلاقة الحميميّة بين الشيئين، لا يمكننا تخيل امرأة دون مرآة.. أو مرآة بدون امرأة، يعبرها الرجل سريعا لكن المرأة تصادقها، ترى في صحنها هجوع الأيام إلى أعشاش وجهها.
الكحل الساكن العينين لا سواد له إن لم تساعد مرآة في رسم قصيدته على دفتر العينين، أحمر الشفاه (أو بسائر ألوان الطيف) لا يستطيع أن يقبّل الشفتين ذهابا وإيابا إن لم تقف المرآة كشاهد إثبات على حرفية التقبيل وحدود المسافة على مساحات الجدولين الشهيين.

أمامها بكائيات العمر:
في المشاهد الدرامية تقف الممثلة في مواجهة المرآة.. مواجهة الزمن الحاصد لنضارة الوجه، التجاعيد التي قاومت الاندساس والمعلبات الصناعية، كل العيوب يمكن ردمها بطبقات من المساحيق لكن الجلد المنكمش لا تقدر عليه حيلة العطار، قد مرّ الدهر فأفسد، وتخلى العمر عن فتوّته وفتونه.
لن يدسّ الماكياج ما قد أفسده الدهر، ولا يمكن الوقوف في وجه الزمن، المرآة ستفضحنا قبل العيون التي تفتش في حقائب وجوهنا عن ما أحدثه الزمن في عبوره من مطبات وحفر.
المرآة ستفضحنا أمام أنفسنا، لو لم تكن موجودة لاعتقدنا أننا كما كنا منذ لحظة الميلاد، كبر الوجه فقط لكن النضارة لم تزل، ربما سيصفنا الآخرون لكننا سنشكك في وصفهم، سنصدق من يقول أننا على شباب دائم، أما من يرى الهرم البادي على الخدود الناعمة (أو التي نعتقدها كذلك) فلن نصدق وصفه، سنقول أنه كاذب وحاسد، يريدنا أن نكون مثله، رجل شاخ به العمر، أو امرأة لم ترحمها الأيام المتكاثرة فوق ظهرها.. أقصد على ملامح وجهها.
المرآة تفضح عرينا، المرأة قد تمارس فعل الستر، محبة أو لغرض في نفس الأنثى.

مشهد للمر.. ة:
المرآة المتكسرة موحية، تبدو كامرأة من شظايا، المرأة المتكسرة تظهر في خلفية الصورة كمرآة متهشمة، قد تجرح رغم أنها فقدت قيمتها، قد تؤذي العابر في سبيله مع أنه لم يقصد أن تدوس قدمه على هشيم المرآة (وليس المرأة).
في زاوية أخرى، لا تثيره المرآة (أعني المرأة ربما)، يتحسس ذقنه التي استطالت فوق الاعتياد..
قد يفكر في المرآة أمامه..
قد يتذكر المرأة التي ليست أمامه..
قد يغيب هو عن الاثنتين دونما إحساس بفقد.
هكذا هو العمر: حكاية أمام مرآة، من يعبر أمامها نتذكر، من يختفى من المشهد سننساه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق