السبت، 28 فبراير 2009

الفن المتشرد

من مدن الصفيح والفقر جاء المليونير المتشرد ليكتسح الأوسكار في ليلة مشهودة ربما قد يتذكرها أصحاب التيتانيك، أولئك الذين عزفوا على وتر العشق، المدسوس في بقايا سفينة انهارت في فم الماء، لكن هناك ثمة قصة حب لتروى، تماما، كما بقي من حياة الفقر ما يروى، ويصلح فنا يكسب أهم جوائز الدنيا.. سينمائيا.
فيلم مصنوع بإمكانيات ليست كتلك التي صنع منها كاميرون فيلمه التيتانيك، لكنه قادر على الإبهار بإنسانيته، قدم ثقافة مختلفة، قادمة من حضارة قد تنتمي للعالم الثالث لكنها تتكىء على عالم مبهر بلمعان صفيح منازله، فكان الحصاد ثمان جوائز (عالمية).. ومئات الملايين كأرباح من وراء شباك التذاكر.
الطفلان اللذان قاما ببطولته خرجا من ما يشبه منزل ليسيرا فوق السجاد الأحمر كما فعلت وينسلت (الفائزة بأوسكار أفضل ممثلة) وجميع النجوم الذين يحصدون عشرات الملايين، أولئك الذين يبيعون حق صور أطفالهم بالملايين وهم لا يزالون نطفة في بطون أمهاتهم، لكن الفقراء مشوا هذه المرة فوق السجادة الحمراء وأذهلتهم عاصمة الفن السابع هوليوود، لكن بعد الحفل مباشرة عادوا لمدينتهم مومباي، أو بالأحرى إلى الحياة الهامشية المكتظة بالفقر وما دون خط الفقر.
قبل أعوام فاز المخرج اللبناني أسد فولادكار بجوائز مهمة عن فيلمه لما حكيت مريم، إمكانيات بسيطة أحالت العادي إلى فن رفيع.. الفريق التقني مكون من طلاب متطوعين في والقصة ليست ضربا من خيال إنما نعيشها بشكل أو بآخر في واقعنا، فتاة وشاب يعيشان قصة حب لكن عدم الإنجاب (ووسط الضغوط الأسرية) تجبر الفتاة على زواج الحبيب /الزوج بأخرى، ومن يشاهد الفيلم يدرك أن الإبداع لا تصنعه الأرقام الكبيرة.
ويقال دوما أن المسرح هو حالة اجتماعية تتوازى مع كونها فنية، هو أبو الفنون لأنه الأقرب للناس، يقدم الفرجة بأفكار قادرة على إحداث حالة من الهوج في عقلية المتلقي، مسرحيات عبقرية بإمكانيات قليلة، وفي ما يسمى بالمسرح الجوال دلالة على قدرة المرء على تجاوز مبرر الإمكانيات لإيجاد إبداعه.
أكرر هذه الأمثلة وفي بالي خطاب محلي يستدعي دوما غياب الإمكانيات، غياب الدعم، قلة المكافآت، ندرة التشجيع، وغيرها من المفاهيم التي أضاعت علينا فنونا لم ترتبط يوما بفضاءات فنادق النجمات الخمس أو القاعات ذات الستائر المخملية بل بالناس الذين يشكلون الدعامة المحورية للتواصل.
الفيلم السينمائي الذي نريده لا بد أن يكون مبهرا، وعلى الجهات (عامة وخاصة) تقديم الدعم لإنجاز هذا الإنجاز.. مع أن التجربة الأولى تحتاج إلى إعادة نظر.
والفعل المسرحي يشتكي من غياب الدعم، فيما أن الفرق العاملة حاليا استطاعت الحضور (إلى حد ما) في المشهد المسرحي المحلي، وبقليل من تضحية الإداريين والممثلين وصلوا إلى أبعد مما يتصورون فحفزهم النجاح للعمل بصورة أفضل.
والمطرب العماني يحلم بالدعم وشركات الإنتاج الفني وهو لا يغادر منزله للبحث عن فرصة يؤكد فيها إخلاصه لما يشكله الفن والإبداع لديه من قضية وجود.
والمخرج التلفزيوني لا يزال يعمل بعقلية الموظف الذي عليه إنجاز المطلوب ثم يثرثر ليل نهار عن غياب الدعم وذهاب الفرص الذهبية لآخرين.. لم يسأل نفسه ما هو الإبداع الذي قدمه ليجبر الآخرين على احترام عمله.عناصر إبداعية كغيرها من الإبداعات الأخرى تحتاج إلى مفهوم الإخلاص والتضحية والعمل الدؤوب، حينها سنجد قول الحق تبارك وتعالي: إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

الجمعة، 27 فبراير 2009

صباح الخير.. يا ثقافة

أسماء جاذبة:
سألني صديق عن الأسماء الحاضرة في فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب، أجبته بأنها معروفة جدا وقادرة على ملء القاعة بالجماهير، تلك التي لن تفوتها الإشادة بمعرض تنظمه ثلاث جهات رسمية، وكل عام فيه الجديد دائما على مستوى الأفكار..
لا يدرك صديقي أننا مع العادات والتقاليد التي تتحول مع الأيام إلى سنة مؤكدة لا يجوز تغييرها حتى لا تتحول.. بدعة.
حفزته على استيعاب كل كلمة يقولها المعنيون مع البصم بالعشرة على أنها صادقة، فالأسماء الكبيرة لم تحقق نجاحا في معارض كتب عربية أخرى، ولم يقل أن (موازنة) المعرض لا تكفي لاستضافة الأسماء (المهمة)..

كلام رقابي:
.. والحق يقال أن الرقابة على معرض مسقط للكتاب متساهل رقابيا، وأن الرقباء يغضون الطرف عن عناوين هامة من كتب تمنعها عواصم (خليجية) أخرى، هذا الانتصار للمشهد الرقابي ضروري ليتعرف الآخر على انفتاحنا المعرفي والنضج المفترض في قارىء يعرف ماذا ينتقي، وممتلك لحس النقد الذاتي المفرق بين كتاب يهوّم في فضاءات قد تكون غريبة على معتقداتنا وأفكارنا، لكنها حرية الرأي، طالما أنها تبحث مع ذات القارىء قضايا فكرية لن تجعله يرتد عن المسجد ولن تدفعه لحمل الرشاش.. هذا الصخب الفكري مهم لجلاء بعض العقول التي اعتادت على بديهيات محفوظة من قرون مديدة وتوارثت مسلماتها أبا عن جد دون أن تجد من يقول لها أنه غير تلك الدائرة المعاشة دوائر أخرى متسعة على رؤى وأفكار، ليس مطلوب منها أن تزعزع إيماننا.. ولكن تفتح مداركنا على معارف إنسانية لها دوائرها الخاصة، نتفق معها أو نختلف، هذا شأننا.. وذلك شأنهم.

الانتشار العماني:
مشهد الإصدارات العمانية تغير كثيرا في السنتين الأخيرتين، ربما هو مدفوع بمحفزات أطلقت طاقاتها (مسقط عاصمة العرب الثقافية).. من عام 2006 ونحن نعيش في مدن من الكتابات المحلية تفتح أبوابها في مدن النشر العربية، أصاب الكتاب العماني جمال على مستويي الشكل والمضمون.. وحصد قرّاء كثر يدفعون المشهد الثقافي العماني باتجاه أوسع أفقا، عشرات الإصدارات مدعومة من مؤسسات وأفراد تقدم شهية القراءة في معرض الكتاب الحالي، فلم تعد إصداراتنا العمانية محسوبة على التراث وحده، بل ثورة أدبية حديثة تشتغل على القصة والرواية والشعر والدراسات المعاصرة..
يبقى العنصر الأهم: كيف سنجد كل ذلك الهم من الإصدارات بعد ختام المعرض.. وأين.. ومتى؟.. هذه الـ(متى) قد تقودنا إلى انتظار عام يصلنا بمعرض الكتاب 2010.

ثورة ثقافية:
فعاليات في النادي الثقافي بشكل مستمر، حيوية في جمعية الكتاب، وفي جمعية الصحفيين، وفي أنشطة معرض الكتاب (مهما اختلفنا عليها وحولها).. وإصدارات عمانية بالعشرات، ومعارض فنية مستمرة، وسوق صحار الأدبي، جميع ذلك وغيره يرسم أفقا ثقافيا جميلا تعززه الأقلام القادرة على اجتياز الأفق المحلي نحو آفاق كبرى، نحتاج فقط إلى صدق النوايا والإيمان بأن في هذا الوطن طاقات يمكنها فعل شيء لو امتلكت الإرداة.. ووجدت الإدارة.

الثلاثاء، 24 فبراير 2009

خواطر بلون الورد

نكتشف أبعادنا أكثر فأكثر..
نبتعد لنقترب، تحاصريني بحضورك، رغم الغياب.
تقولين أن ذلك فوق استطاعتك على الفهم، تلحين بالسؤال أن أوضح الأشياء، أضعها كنقش حنا بسيط فوق راحتيك.
حينما تغيبين تتركين لك حضورك القاسي، أشعر انك معي ولست معي، أحسك ساكنة كل تفاصيلي، رغم أنك غائبة بعيدا في كون ما، أشعر أنك كوني كله، وحضوري، وأنفاسي.. أتساءل أحيانا: ما هو الغياب اذا كان لك كل هذا الحضور؟ وما هو الحضور ما دمت أشعر معك بكل هذا الغياب.
ذات صباح ألح علي وجهك، كفنجان قهوة صباحي، استيقظ على تفاصيلك، ضحكتك، صوتك، مشاكساتك الصغيرة، قررت أن أكتب للحضور/الغياب، أضعك كلما أضناني أحدهما على ورقة مشاغبة، أمارس مراهقتي مع الحروف، جميل أن يقوم المرء من نومه فيفكر بمراهقة، هل الحب والعشق مراهقة؟
نتخلى عن الحياة اذا فقدنا قدرتنا على الحب، لنبقى صغارا ونعشق بروح الفتى الحالم، ذلك الجالس على ضفة النهر أو شاطىء البحر يفكر في حبيبته وكأن قلبه تقفز من صدره، حتى الأحلام باتت كلاسيكية وكأنها من الماضي؟!
مدفون في نبضك، كلما حاصرني وجهك أشعر بأنفاسك دافئة وحانية، قريبة كمواعيد متخيل يحلم بعشق سيهبط عليه فجأة..
لنضع أوهامنا في سلة يومنا ونفكر:
قدر مشتعل يدعونا لمواصلة الدرب معا، رغم جميع خلافاتنا وحماقاتنا وأحزاننا، ثمة فرح يهطل علينا كمطر ربيعي، سنفتح رئتينا لوقع المطر، وقد عهدتك حبيبتي مفتونة بالمطر، دعيه يغسل عنك مخاوفك، ثمة باقات ياسمين ستتناثر كلما مشينا، يبللنا الحب ويجمعنا المطر.
يبعثرنا الغياب، كورقة جافة في يوم عاصف..
كل تحمله أقداره نحو منافيه، إلا أنا يا أميرة أحلامي، معك للكون وهج، وللسنوات تتكاثر فوق خطوط يدينا أعياد لا حصر لها.
في ذاتي الشاعرة تندسين كأنثى مستحيلة..
قادمة من أزمنة بعيدة جدا، من زمن الأساطير، أستدعيك ليلى يستدعي خيالها قيس فيكتب جنونه في قصيدة، أستدعيك بلقيس يجمّلها نزار كأنها الأسطورة المولودة في شكل امرأة.
حاضرة أنت فوق قسوة الغياب..
غائبة أنت، أكثر من قدرة الحضور على الهجوع في كفي، وكفي قصيدة بكر، أحلم بها كل حين، هي حياتنا، تفاصيلنا، ثرثراتنا، هي الفعل الحالم والفعل الممل، لأبجديات الحياة من حولنا.
الحياة أنثى، والأنثى حياة، قدر ممتد من الصرخة الأولى في حضن أم، وصولا إلى قدر أخير، في هجوع أبدي في حضن الأرض، الأرض أنثى أيها الغافل، من أنثى خرجت، إلى أنثى ستعود، وبينهما زوابع ستكون فيها الأنثى البطل الأشد حضورا.

مسجات

ضميني إليك شالا حريريا
أداري عن شعرك
غبار السفر
ورماد العيون.
#
ردي الي
بعض روحي
سأكتبك قصيدة
أو حكاية لا يصدق روعتها أحد.
#
ضعيني على كراستك
سطرا ملونا
أو حتى كلمة
أو ربما فاصلة.. بيني وغيابك.
#
ارسميني فوق كراستك
عصفورا متناهي الصغر
سأكبر حينها ريشة ريشة
وسأطير عمري اليك.. فقط
#
أو اتركيني لحظة
أنام كقطرة عرق على جبينك
ربما تسلل الى طرف عينيك
أذوب فيهما للأبد.

.. إلى امرأة

صديقتي:
ما عادت الأيام تأتي كما نشتهي..
لك مخاوفك، لك الليل كله تسردين له قصصك وأمسك.
تقولين لليل ما لا تودين أن يسمعه النهار، قاس ذلك الوقت الذي انسل من بين يديك، وأنتي زهرة تفتش عن الماء لتورق أكثر.
طفلة ما زلت، تحنين الى ألعابك الأثيرة، وتحضنين وسادة منقوش عليها قلب ملون، أدرك أنك ممزقة بين أن تكوني الطفلة والأنثى، أن تكوني حبيبة لا تنتظر الليل وحيدة في غيابه، أن تنام كدمعة على صدره فيزهر شعر صدره أزهارا تداري عنك غبار السنين.
تحلمين أن تكوني فراشة تتنقل من زهرة الى زهرة..
تحلمين أن تكوني أغنية يرددها أكثر من عاشق، وعاشقك لا يأتي، يضن بحضوره، تفقدين الرغبة في الأحلام، يأتي اليك الليل وحيدة، كما يأتي الليل الى طفلة، كما يحاصر عاشقة، مثلما يباغت منتظر لمجهول قد يأتي مع أية نبضة.
لليل منافيه يا صديقتي،
وللغياب وحشته.
قدرك أن تبقي بين حد العشق وجمر اللقاء، بين دنيا تتجاذبك، تشعرين أن الزمن يسرق أحلامك، لا تضعي كل أحلامك في غرفة واحدة، تنمو اذا وجدت الماء، وطوال سنوات أحلامك تبحثين عن ماء يمنح صحراءك معنى الحياة.
ليلك طويل..
ليل الظلمة، وليلك الداخلي، كلما اشعلتي شمعة في داخلك باغتتك الريح فأطفأتها، خائفة أن تنتهي شموعك ولا تقف الريح قليلا لتتمكنين من الوقوف، والسير في العتمة على أمل في بقعة ضوء، هكذا انتي تشعرين دوما بأن نفق حياتك طويل لا آخر له، ولا أمل فيه.. قاس أن نفقد الأمل في الغد، يزهر العمر اذا تمسكنا بأمل ما، قد يأتي به حتى شعاع شمس أو قبلة من قمر، فراشتي الصغيرة.. احلمي، جميل أن نحلم.

مسجات

ح
اماكننا سفر واحد
وقصتنا لا ضفاف لها
فسافري الي
أنا الساكن جميع تفاصيلك.

ي
أروي قصتي لروحي
فتستيقظ حواسي السبع
تبحث عنك
يا حاستي الأخيرة.

1
كلما ظمئت
افتش عن نهرك
اغترف منه بيدي
فادمن ماءك

ت
كمن يعاند ظله
تأخذني شمسك
تغرقني فيك
دون ظل.

ي
أفكر فيك
اذن أنا موجود!

أناقة ورشاقة!!

الأشياء الصغيرة تكون أروع.. وروعة الأشياء في صغرها.
ينطبق هذا على (عاشقي النساء) و(عاشقي التكنولوجيا)، كأن هناك أوجه تشابه تجمع المرأة والهاتف النقال على سبيل المثال: الأناقة والرشاقة.
يقال أن الرجل (الكبير في السن.. وليس العقل بالضرورة) إن كان مزواجا سيبحث عن نساء صغيرات، كأنه يستعيد بهن شبابه (الضائع)، أو كأنه يحسب عمره إلى عمرها و(يطلع) بمتوسط العمر بما يعده حقنة حيوية لحياته.
ويفعلها الشاب حينما يفتش عن جهاز هاتف نقال.. (وايضا حسب آلي من المسمى لاب توب).. صغير في الحجم ورشيق، مع أن الشاشات الكبرى نعمة على من فقد نعمة الرؤية التامة دون استخدام (مقويات) بصرية، أما الشاشات الصغرى فهي كالمرأة الصغيرة تختزل مقومات ومميزات تكبر في عين الرائي أكثر مما ينبغي.
ولأن السير في درب النساء يأتي بعواقب لا تحمد سأكتفي بالأجهزة الالكترونية، فلا مضرة من تلك الفيروسات القادمة من أقصى بلدان الدنيا لتعبث بملفاتنا.
كان لديّ جهاز (اللاب توب) بما لا يمكن تفريقه عن ذلك الجالس فوق طاولة المكتب، يخلع الكتف ويؤثر على أعصاب الرقبة (ويفشع) الظهر، وفي دورة تدريبية في عاصمة عربية كان زملائي الخليجيين يستعرضون حواسيبهم الصغيرة وكأنها نموذج من العبء الذي أحمله على كتفي وأدعي (حمقا) أنه حاسب آلي محمول، ويتواصلون عبر الإنترنت مع مفهوم (الواير لس)، ويتحدثون عن (البلوتوث) والفتح بالبصمة.
حاولت إقناعهم بأن هذا الثقل له مميزاته التي لا تتوافر لهم، شاشته مريحة للبصر، ومحمي ضد الفيروسات القادمة من (البلوتوث) .. ويكفي (الواير) بدون (للس).. ولكن.. على من تقرأ زبورك يا...
وعزمت أمري على أن ألحق بالعالم المتقدم، وحملت جزءا كبيرا من راتبي إلى محل بيع الأجهزة لأسأله عن أحدث التقنيات، وما لا يزال صوت المسكين يرن في رأسي وهو يخبرني بمصطلحات تتعلق بالسرعة والتخزين وغيرها من (الطلاسم) العصية على فهمي الالكتروني، لكني رؤية أحجام الأجهزة واضحة فاخترت إحداها ونقدته الثمن فورا، وسرت مختالا ومتمنيا أن تتاح لي دورة تدريبية أخرى أستعرض فيها هذا الجهاز العجيب..
يفتح بالبصمة: مع أنه لا يحمل داخله سوى مقالات ونصوص لا تستدعي تشغيل خاصية الفتح إلا بما كنت أفعله سابقا.
تقنية (البلوتوث): تعطلت لغة التواصل عبرها من أول أسبوع، وتعب الرجل من إصلاح (قاموسها) كما تعبت من مراجعته، وتركت هذه الميزة.. أيضا.
السعة والسرعة: حتى الآن لا أعرف عنهما شيئا، ويقال لي دائما أن الكلام (المخزّن) لا يحجز سعة ولا يعطل سرعة، وذهبت خاصية أخرى غير مستفاد منها.
وهكذا اكتشفت أنني دفعت مئات الريالات ولم أستفد من المميزات الأخرى سوى ما يساوي ربع المبلغ تقريبا، يندرج هذا على الهاتف (المحمول أيضا)، فما كدت أستوعب تقنية الجيل الثالث حتى أصبحت 3,5، ويشتغل العالم على ما بعدها وقد تصل 4,5 ولم أزل أتساءل عن كيفية برمجة (البلوتوث).. هذه التي كالعبث في أيدي الصغار.
ما أريد الوصول إليه هو أننا ندفع المئات لشراء أجهزة ولا نستخدم سوى مائة ريال فقط، فالأحجام الصغيرة والرشيقة واللامعة تغرينا دوما، وندفع ثمنا كبيرا من أجلها، فيما يمكننا ادخار أشياء لا تحصى للمستقبل.. وهذا ما يثير حنقنا أيضا.. منذ أطفال ونحن نقول المستقبل، العمر يمضي ونحن بانتظار.. هذا المستقبل!!

الاثنين، 23 فبراير 2009

حكايات المرايا

أمامها طفل:
يسحب أشهره الأولى يواجه السطح الأملس، ذلك الذي يسميه الكبار المرآة، كانوا قديما يدلعونها بـ(المنظرة)، ويطلقون على المتفرج في ملامحه عبرها: يتمنظر.. يحذرون الطفلة من مشاهدة (غواها) في (المنظرة)، لا تأبه الطفلة/الطفل بأساطيرهم ويمضي متفرجا على وجه يراه في الزجاجة (الصّحنية) أمامه، قد لا يعرف أن ذلك المنعكس هو وجهه، شكله، ملامحه، وتلك عيونه.. يتفرج ببراءة (قد نظنها لحسن ظن فينا)، في غفلة قد يكسر الطفل ما في يديه، ويبكي، ليس لأن أصبعه يسيل دما حيث أصابته الشظايا.. ربما لأنه شاهد وجهه بملامح غريبة متشظيّة فتتت بتفتتها الوجه الذي يحمله انعكاسا في وجه تساقط على الأرض في لحظة دهشة قد لا يسمح له مرة أخرى بتكرارها.

أمامها فتى/فتاة:
ملامحه كبرت.. أمعن النظر في ما بين أنفه وشفته، اخضرار جميل يشي برجولة قادمة لا محالة، تأكد من عمق علاقة بينه وهذه الساحرة التي يرى في وجهها وجهه.. لو لم تكن كيف له أن يدرك وسامته..
كيف لها إدراك أنوثتها التي تخبؤهما العينين العاشقتين؟
كيف تتخيل كيف يراها؟ كيف يتخيل كيف هي تراه؟!
كل صبية ترى أن ثمة جمال تمتلكه، لا يمكنها أن تكون خاوية من جمال، إن لم تره في الوجه فإنها تراهن على جمال داخلها، تقنع نفسها أنه الأبقى، أنه الأنقى، أنه الجوهر الذي لا يصدأ حتى مع تحرك السنوات فوق مفاصل العمر.

أمامها امرأة:
أي تسمية هذه التي تقرب بين المرأة والمرآة؟!
صنعت منها وهج التخيل، العلاقة الحميميّة بين الشيئين، لا يمكننا تخيل امرأة دون مرآة.. أو مرآة بدون امرأة، يعبرها الرجل سريعا لكن المرأة تصادقها، ترى في صحنها هجوع الأيام إلى أعشاش وجهها.
الكحل الساكن العينين لا سواد له إن لم تساعد مرآة في رسم قصيدته على دفتر العينين، أحمر الشفاه (أو بسائر ألوان الطيف) لا يستطيع أن يقبّل الشفتين ذهابا وإيابا إن لم تقف المرآة كشاهد إثبات على حرفية التقبيل وحدود المسافة على مساحات الجدولين الشهيين.

أمامها بكائيات العمر:
في المشاهد الدرامية تقف الممثلة في مواجهة المرآة.. مواجهة الزمن الحاصد لنضارة الوجه، التجاعيد التي قاومت الاندساس والمعلبات الصناعية، كل العيوب يمكن ردمها بطبقات من المساحيق لكن الجلد المنكمش لا تقدر عليه حيلة العطار، قد مرّ الدهر فأفسد، وتخلى العمر عن فتوّته وفتونه.
لن يدسّ الماكياج ما قد أفسده الدهر، ولا يمكن الوقوف في وجه الزمن، المرآة ستفضحنا قبل العيون التي تفتش في حقائب وجوهنا عن ما أحدثه الزمن في عبوره من مطبات وحفر.
المرآة ستفضحنا أمام أنفسنا، لو لم تكن موجودة لاعتقدنا أننا كما كنا منذ لحظة الميلاد، كبر الوجه فقط لكن النضارة لم تزل، ربما سيصفنا الآخرون لكننا سنشكك في وصفهم، سنصدق من يقول أننا على شباب دائم، أما من يرى الهرم البادي على الخدود الناعمة (أو التي نعتقدها كذلك) فلن نصدق وصفه، سنقول أنه كاذب وحاسد، يريدنا أن نكون مثله، رجل شاخ به العمر، أو امرأة لم ترحمها الأيام المتكاثرة فوق ظهرها.. أقصد على ملامح وجهها.
المرآة تفضح عرينا، المرأة قد تمارس فعل الستر، محبة أو لغرض في نفس الأنثى.

مشهد للمر.. ة:
المرآة المتكسرة موحية، تبدو كامرأة من شظايا، المرأة المتكسرة تظهر في خلفية الصورة كمرآة متهشمة، قد تجرح رغم أنها فقدت قيمتها، قد تؤذي العابر في سبيله مع أنه لم يقصد أن تدوس قدمه على هشيم المرآة (وليس المرأة).
في زاوية أخرى، لا تثيره المرآة (أعني المرأة ربما)، يتحسس ذقنه التي استطالت فوق الاعتياد..
قد يفكر في المرآة أمامه..
قد يتذكر المرأة التي ليست أمامه..
قد يغيب هو عن الاثنتين دونما إحساس بفقد.
هكذا هو العمر: حكاية أمام مرآة، من يعبر أمامها نتذكر، من يختفى من المشهد سننساه.

"سوبر ماركت".. للطب والعلم

أتاني يضرب أخماس بأسباع، ونسي الأسداس لأنه يفكر في الأسبوع الذي سيمضي وابنته في المستشفى الخاص، فبعد نحو 12 ساعة عرف أن (السوبر ماركت الصحي) يطالبه بفاتورة أولى تفوق الـ120 ريالا.
هذا الصديق عرف قيمة المستشفيات الحكومية على علات كل ما هو محسوب على أنه (حكومي)، وما يلاحقه من سمعة (غير طيبة) حتى وإن اكتسب سمعة (طبية)، وحينها أدرك أن نار (الحكومي) أكثر صدقا من جنة (الخاص)، وطرحت عليه المثل العربي مع بعض التحريف: ليس كل ما يلمع.. خاصا!!
ميزة المراكز الصحية الخاصة أنها تطالبك ببضعة ريالات فور أن تقول السلام عليكم، وتدفعك للفحوصات (ما خفي منها وظهر) أملا في زيادة العائد، كل فحص يستلزم الدفع مسبقا، وليظهروا اهتمامهم (الكبير) فكل أنواع الفحوصات واجبة (شرعا وقانونا).
أما وقد حانت ساعة المواجهة الأخرى فإن الدكتور يصدر فرمانا بوجوب (السقاية) وإبرتين أخريتين، حينها دفع العشرين ريالا يصبح عاديا ومتقبل نفسيا من المريض الذي هدأت أوجاعه، وفي زخم الألم يود لو يدفع أضعاف ذلك.. إلا أن ولي الأمر (المغلوب على أمره) يشعر بحرقة الدفع حتى وإن رأى الابتسامة تعود لطفله، فما يعوزه البيت يحرم على (المستشفى).
ذكّرت صاحبي هذا بمؤسسة تعليمية فتحت أبوابها لتسجيل الأطفال، ولا تتطلب السنة التأسيسية الأولى إلا نحو 1100 ريال عماني فقط، تم تقسيمها على أبواب للصرف كي لا ينصدم ولي الأمر مما يسمع.
وسردت عليه ما وقع من أمر كلية خاصة جعلت من شراء الكتب أمرا إلزاميا محددة قيمته بما تراه هي، وأضافت مبلغا آخر للخدمات، وهكذا تحوّل الهواء في سماء الكلية إلى خدمة ينبغي الدفع لها، أو أن (شرطي) المحاسبة يمنع الطالب من استلام ورقة الامتحان.
فهل من منظم (حكومي) يضبط إيقاع مؤسسات التعليم الخاصة كي لا تتحول إلى (هايبر ماركت) يفرض الرسوم كما يرى، وآخر يحاسب (محاسبي) المراكز الطبية الخاصة كي لا تكون أرباحها الكبرى من آلام المرضى، مع عدم الإغفال أنها ليست مؤسسات خيرية لكنه يفترض أن لا تكون مؤسسات هدفها الربح.. وفقط.
ربما:
من يبحث عن التفوق سيجده في كراسي مدارس (الحكومة) أو الشركات، ومن كتب عليه الغباء وكراهية العلم فلن يجده حتى في.. السوربون.
وكذلك من يبحث عن الشفاء فقد يجده في وصفة من إحدى جداتنا بما لا تقدر عليه (مايو كلينك) أو مستشفيات ألمانيا المعروفة، وربما بمشية (وقت العصرية) تغني عن الانتظار أمام باب (الطبيب الحكومي) أو عصر المحفظة كما يتطلب صراف (المستشفى الخاص)!
إلا أن سعي الإنسان لراحة نفسه قدر نفسي ينشده من كتب الله له سعة في الرزق، وفي عصر السوق الحر فنخشى أن لا تتحول الحرية إلى.. مص دماء.

الأحد، 22 فبراير 2009

في سبلة المثقفين

يحتفي النادي الثقافي في اثنينيته اليوم بالشاعر هلال العامري، محظوظ هذا الشيخ الجميل بأنه تم تذكره في حياته لينال أكثر من تكريم، وإن جاءت الأشياء متأخرة أفضل بكثير أن لا تأتي .. بالمرة.
ويبدو أن (الكبد) الصينية المزروعة في داخل الشاعر جلبت له الحظ من بلاد كونفشيوس وهو المستحق منذ سنوات طويلة لتذكره (حتى إن اختلفنا كعادتنا على استحقاق هذا وذاك) فهذا الهلال (نتفق أو نختلف) رقم فاعل في الحياة الثقافية العمانية (رضينا بها أو نسفناها) خلال العقود الثلاثة الماضية، منذ أن كان على رأس إدارة التلفزيون ثم الجامعة وبعدها ممسكا بأجندة النشاط الثقافي بالهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية (سابقا) وهناك ولد الملتقى الأدبي ليتواصل مع العامري بدءا بدورته الثانية وحتى الرابعة عشر (العام الماضي).. وأخيرا يمسك العامري بالآداب والفنون في وزارة التراث والثقافة.
أسعدنا (ككتّاب) خروج الشاعر من وعكته الصحية (الصعبة) وعودته إلى وطنه القلم الذي قرأناه منذ أن كنا نشاكس الحرف في كلماتنا الأولى، ولا حق لنا أن ننقد أو ننتقد تجارب آخرين، مادحين أو ناسفين، فالرؤية حول الإبداع مختلف عليها، واختلافنا على قيمة ما يتركه الآخرون من آثار كتابية بديهي لا يلغي أن ثمة خطوات مرت قبلنا وسلكناها لأننا قرأنا ملامحها، بهكذا فرح إنساني أنستنا عودة الشاعر هلال العامري قلقنا عليه وهو المعاني من إحباطات كبده المرهقة، وإحباطات نفسه المتعبة من زوابع العمل المؤسسي الثقافي، ومن غبار ينثره المثقفون في مجالسهم، وليس له من ذنب سوى أنه محسوب على كرسي حكومي!
هذا الإعتناء ليس كثير على رجل وصل به الإحباط ليحلم بتقاعد (كريم) وقد أنهكه المرض، إلا أننا في بلد له حساباته الخاصة مع من يبرز قليلا في سماء (الظهور)، فلا سماء تستوعب النجوم التي تريد التوهج ولا الأقمار التي ترفض البقاء خجلة وراء كتل السحاب.
نال العامري وساما تكريميا من المقام السامي فقلنا أنها الثقافة العمانية حظيت بالتكريم في شخص رجل عمل من أجلها.. مجتهدا ما أمكنه، وفي شخص شاعر قدم للمكتبة العمانية القصيدة الخارجة عن نمطية اعتياديتها ليقف بها في منتصف الطريق، بين نظم منه ما يحفل بالوزن والقافية (فقط) وحداثة (أكثرها) تهدم السبك التقليدي ولا تقدم البديل (الفني والإبداعي).
فشكرا للنادي الثقافي الذي سجل مبادرة جديدة في مفكرته الإبداعية، نريد نتذكرهم أولئك الذين قدموا وأعطوا واجتهدوا حتى ونحن نختلف على سؤال: ماذا قدموا؟ لأننا سنسقط في هوة الإلغاء وفقط.

تشاؤل أخير:
غدا سيبدأ معرض مسقط الدولي للكتاب..
فهل يعرف أحدكم من هم نجوم الفعاليات الثقافية التي ستضيء أمسيات المعرض، أم أن الأمر سر كوني يستدعي الكتمان.. إلا إذا تعذر الحصول على المسئول (المطلوب) لإقامة مؤتمر صحفي يحفزنا أكثر لحضور كل الفعاليات بالأسماء المهمة القادمة لمنحنا فرصة معرفة.
11 يوما من اللقاء تحت سقف الثقافة، هذا الكتاب الذي يسحر الناس رغم الحصار المضروب حوله تحت مسميات الوقت والتقنيات الالكترونية.. وأول حسنات المعرض وأكبرها هي تخفيف قيود الرقيب عليه، لنلتقي بأكبر قدر ممكن من الكتب..

السبت، 21 فبراير 2009

من شاب ودّوه الملعب!

حدثتني نفسي بالذهاب إلى مجمع السلطان قابوس ببوشر، يومئذ كانت المباراة الحاسمة للأحمر العماني مع شقيقه العراقي..
قلت انها فرصة لمشاهدة مباراة على الطبيعة بعد سنوات من المقاطعة، وقد كانت المدرجات تعرفني، ففي بدايات عملي الصحفي كنت أشعر بأن جميع الملاعب عليها فتح الأبواب لي، فأنا.. صحفي، وأتذكر أنه في ملعب بيت الفلج، وكانت التذكرة حينها نصف ريال، استخرجت بطاقة العمل وأريتها الواقف على الباب، رفض بشدة، وغضب وزمجر، كما غضبت أنا وزمجرت لأنه لم يحترم الصحفي، مع أنني كنت أحمل بطاقة مكتوب عليها: فنى مونتاج.
أعود لليوم المشهود في حياتي المعاصرة، تلك التي بدأت قبل عامين أو أقل، حينما عبرت حاجز الأربعين (بالطبع للمرة الأولى) وعبرت حاجز العشرين (للمرة الثانية)، قلت أنها لفرصة سانحة أن أحضر مباراة في خليجي 19، فلا يعقل أن أجلس أمام التلفزيون، وحالي كحال أي مشاهد في أي بقعة من هذا العالم الذي تدور فيه أقمار (صناعية) لا حصر لها ولا عد، مع أن الملعب لا يبعد سوى عدة كيلومترات.
ولأن النفس أمّارة بالمشي حدثتني بالمشي من منزلي بالخوير وحتى المجمع الرياضي في بوشر، وقلت إنها تشبه عبور (عقبة) جبلية كما اعتدت في طفولتي، والآن هي رملية تفصل بين المدينتين، كانت الجبلية مناسبة لعنفوان تلك الفترة، والرملية تراعي هذه المرحلة.
كانت السيارات تعبر، وأشعر بها كأنها في رالي وهي تزيح الهواء بقوة في الفضاء أمامي ومن حولي، طلبت من الله السلامة، ورفعت يدي عدة مرات أحيي من يحييني من المحتفين بالزمن الكروي الجميل بطابعه الأحمر المحبب للقلب على أنه لون القلب، ولون الدم.
وحينما كانت البوابات تغلق، وبحراسة لا تستجيب لتوسلات الجماهير كنت أمنّي النفس أن تفلح مناشدات المتأخرين (أمثالي)، فالأرجل تكاد لا تحمل الأجساد الواقفة عليها، وقلت أن الأمر لا بد له من واسطة، وكلما اتصلت بصديق من الذين نستعين بهم في وقت الضيق أجده في مكتبه أو لا يرد أصلا، لكن فجأة انفتحت بوابة على الملعب، وقيل لنا ادخلوا بسلام آمنين.
ما هذه الروعة؟
كأنني استعدت شبابي وعاد بي الزمن عشرين عاما، حيث كنت أذهب يوميا لمتابعة الدورة السابعة في استاد الشرطة عام 1984، الملعب يضج باللون الأحمر، وكلما صعدت سلما قلت في نفسي أن الكرسي الفارغ سأجده في السلم الذي بعده، جمهور أكثره في العشرينات، تقل قليلا أو تزيد بقليل، هناك من وضع علما على الكرسي دلالة على أن المقعد محجوز، ولا عزاء (للشيّاب) سوى الجلوس أمام الشاشة الصغيرة (التي كبرت وسميت بالشاشة المسطحة).
وجدت كرسيا في منتصف الجولة، قبل أن أصل إلى سطح المكان، ويا لجمال المشهد، وراء المرمى مباشرة، بمعنى أنني أرى الهدف في كلا الحالتين.
وبدأت المفاجأت بالتقاطر..
عدسات نظارتي لا تكفي للوصول إلى المرمى الأبعد.. ولسوء حظي (ولسعده ايضا) سجلت في ذلك المرمى ثلاثة أهداف عمانية..
ولا يكفي النظر لتبيّن وجوه اللاعبين، خاصة وهم في نصف الملعب الآخر، الأبعد عني، أشعر بمن حولي يتقافزون فرحا فأدرك أن الكرة هدف فعلا، وأنها عانقت الشباك، كل من حولي شباب متحمس، ألوان وأعلام وتسريحات وتقليعات ومفردات وأهازيج، ووحدي أبدو كالأطرش في الزفة، فقد عودتني الأيام على طباع الهدوء، أستمتع باللحظة، أشاهد المكان والكرة كأني في معرض فني، أواجه اللحظة بمتعة المتأمل، بينما الجمهور الشبابي له وصفات الحماس المختلفة عن تركيبتي.
سمعت شاب قدرت أنه لم يكمل العشرين بعد يقول لصاحبه غامزا لقناتي بأن العالم كله يرقص فرحا بالأهداف إلا ذلك الشخص، قلت في نفسي أنني سأغلبه، وحينما أتى الهدف الرابع وقفت فرحا، فما كان من الشاب إلا أن حمد الله على أنني استطيع الوقوف!!وفيما كنت أسحب أقدامي عائدا في نفس الطريق كنت أضحك مع نفسي مسترجعا كل المشاهد، ومن بينها ساعة الملعب التي كانت تقول: عمان 4 العراق 0.

بصراحة ما صارت

أستعير هذا العنوان من صديقي المحرر الرياضي راشد السيابي الذي أطلق هذا العنوان صرخة قوية عبر الكلمة، حدث ذلك بعد إحدى الفرص الذهبية التي (ينعشلها) منتخبنا الكروي بسبب عدم (تعوده) على حمل الألقاب والبطولات، مع أمل كبير أن يحدث هذا ذات يوم.. أو شهر.. أو سنة!!
سأكتب هذا المقال بروح رياضية، وأطالب الجهات المختصة أن تقرؤه كذلك، فلا ينبري أحد بتهديدي بأنه سيرفع علي قضية كما حدث قبل عدة أسابيع، لمجرد أنني كتبت معلومة.
أقرأ إعلانات المحاكم يوميا، فربما يدعي أحد فوق هذه البسيطة ولسبب (أجهله غالبا) أن له عليّ حقا تتم كتابته بالحروف وبالأرقام منعا لأي لبس يحدث، ولأن المحاكم لا تعرف عنواني كما لا تعرف عناوين آلاف المواطنين سيثبت عليّ الحكم.
وهذه الحالة النفسية المتأصلة فيّ ليست متشائمة، فهي تدفعني يوميا لقراءة أسماء الفائزين بسحوبات بنوك لا أملك حسابا فيها، ومحلات تجارية لم أدخلها يوما، مع أني أمتلك عشرات الكوبونات (التي لا تسمن ولا تغني من جوع).
عشرات الإعلانات كل يوم، مئات منها كل شهر، آلاف منها كل عام، وإذا حسبنا كم نسبة المعرّضين لرفع قضايا ضدهم سنجد أننا نواجه أزمة حقيقية، فنصف المواطنين أو أكثر من ذلك لا يمتلكون عنوانا تستدل بهم المحاكم عليهم.. فهم لا يعملون في أي جهاز من أجهزة الدولة، ولا توجد لهم سجلات مدنيّة تظهر أمكنتهم وعناوينهم.. فهل هذه الإعلانات فرصة للتشهير أو أداء الواجب في أننا بلغناه.. ولو بهذه الطريقة، تلك التي تسهل على المحاكم والمحامين الإبلاغ.. وتصعّب الحياة على من تم التبليغ لهم!
طرحت الموضوع سابقا، وبدلا من دراسته والرد بتوضيح ضروراته التي تبيح أضراره تزايدت هجمة الإعلانات الدالة على مواطنين ليس لهم عنوان، مع أنني أجزم بأن هذا غير صحيح، ولا ينافس هذه (الإعلانات الدعائية السلبية) سوى إعلانات الهروب، بمعنى أن لدينا مئات الآلاف من السكان: وافدون هاربون ومواطنون تائهون، أو لنخفف المفردة بالقول أنهم لم يستدل عليهم، وهناك نوعية أخرى من السكان: مواطنون يبحثون عن عمالهم (وشغالاتهم)، وعددهم يتضاعف كل يوم.
أيتها الجهات المختصة، أو تلك التي ندعي أنها مختصة، وتراقب أمر المحاكم التي تتعامل مع القضايا بميكانيكية يبيحها القانون، وليس انتقاصا من مكانة المحاكم أو العدالة التي نعتز بمكانتها الجلية، لكن: ألا يوجد حل آخر غير هذه اللغة التشهيرية التي تلاحق مواطنا لمجرد أن عليه بضع مئات من الريالات، مع الإقرار بأن القانون لا يفرق بين من عليه ريال أو عليه مليون ريال، لا نبتغي من وراء ذلك سوى المحافظة على صورة مجتمع متراحم متواد لا تحرم الحياة المعاصرة شريحة كبيرة من ساكنيه من وجود عنوان واضح لهم، حيث يمكن الاستدلال عليهم بطرق متعددة، إلا إذا كانت المخالفات المالية الخاصة لا تستدعي البحث الجيد كما تستدعي المخالفات الأخرى!!
معلومة بسيطة لكنها مؤكدة:
نشرت صحيفة مثل هذه الإعلانات، ولأننا وفق لغة السوق الذي لا يرحم ولا يحترم فقد كان اسم المواطن الذي لم يعرف مقر إقامة له هو عضو في مجلس الدولة، ولا تستغرب عزيزي القاريء إذا قلت بأنه يقيم في شقة يملكها صاحب الدعوى!

المختلف: التصادم والصدمة

أزمتنا مع المختلف أنه يصدم ثوابتنا وقناعاتنا، يزلزل كيانها، وما اعتدناه في تركيبتنا النفسية والروحية، وتتفاوت الهزة بين كونها عقلية سريعة أو وجودية صعبة التقبل، حتى الجسد قد يصاب بشد عضلي حينما تباغته حركة غير محسوبة، أو خارج اعتياديته من حركات لا يستطيع احتماله فينجم عن ذلك تمزق أو كسر.
هذا التمزق وذلك الكسر أمران يحدثان في زجاج نفسياتنا حينما يباغتها المختلف: موقف غير متوقع من صديق أو هجران حبيب أو انفعال شخص، أو كل ما كنا نحسبه أنه دائر في اعتياديتنا وضمن حدود تصورنا للأشياء.
وما يواجهه العالم من تصادم بين مكوناته الحضارية هو الحلقة الأكبر التي نشاهد لهيبها لأنها احتكاك قوى كبرى ينتج عنه الشرار لأنها تركت للمتناقضات أن تلتقي ببعضها البعض فيما توارت مشاعل التوافق بسبب أحجبة التعصب والجهل وعدم رؤية الآخر إلا من وراء ما وصل عنه من نتوءات التصادم.
حتى الأخبار الصادمة لا تكون كذلك إلا بمقدار تفاوتها عما يختلف عن ثقافتنا، ربما هو التصادم الخفيف الذي لا يصل حدود الصدمة، والحياة حبلى بالكثير من هذه المشاهد اليومية، وبما تحفل به الصفحات الأخيرة من الصحف يوميا، الخبر ظريف لأنه خارج المعتاد، كاسر لما ألفناه وتربينا عليه مع أن التربية والأخلاق مسائل نسبية تختلف من شعب لآخر، فما يصدمنا هنا قد لا يكون له ذات التأثير هناك، فكشف المرأة لوجهها في مناطق عمانية معينة قد يكون عيبا في مناطق تعتمد في عاداتها وتقاليدها على البرقع كجزء أساسي من زي نسائها، وهذا الحجاب الخفيف قد يكون رجعية ومبالغة في تغطية المرأة لنفسها لدى شعوب أخرى تعتمد تقاليدها على التخفف قدر الإمكان مما يثقل المرأة من ملابس.
قبل أيام أهدت إلينا جريدة ثلاثة أخبار تقع في دائرة الصدمة، والبعد عن المختلف في فكرنا وثقافتنا: مظاهرات في الهند احتجاجا على النجم الهوليودي ريتشارد جير لأنه قبّل إحدى نجمات السينما الهندية، في تقاليدهم لا يجوز فعل ذلك بعكس ما يحدث في الولايات المتحدة، بجانب هذا الخبر خبر آخر من دولة أوروبية تبرعت إحدى فتياتها بتوزيع الدفء والحنان على الناس في الشوارع، أحضان مجانية، والمسكينة اكتشفت (وكأنه اختراع علمي) بأن الناس سعدوا جدا بما تقدمه لهم، خاصة مع البرد الشديد الذي تكتسب فيه الأحضان دفئا وحنانا.. يحتاجه كل رجل.
خبران مدهشان، دهشتهما سببها الصدمة، صدمة الاختلاف والدخول في مناطق لا مألوفة في منجزنا الحضاري المتراكم، نجم سينمائي قبّل نجمة أخرى، اعتقدناه أنه عادي، فالنجوم هكذا عادتها خاصة في بلدان لا نحسب أنها ضمن التقبيل العلني، بينما تلك الأوروبية توزع الاحضان بالمجان في الشوارع لطالبي الحنان الآدمي، وأحسبها تسير في البلدان العربية لتجد الملايين من طالبي الدفء (حتى وإن كانت درجة الحرارة فوق الخمسين) والحنان، خاصة من فتاة شقراء تكتسب جمالا أكثر من فتنة المختلف عما عرفناه واعتدناه من المرأة التي لا نجد فيها لا شقرة شعر ولا زرقة عيون.أما المختلف الأجمل الذي كتبه خبر آخر فهو أن ثلاث صديقات تعاهدن أن يتزوجن شخصا واحدا، ووجد شاب سعودي نفسه زوجا لثلاث نساء دفعة واحدة استأجرن ثلاث شقق في نفس البناية، ومن تحن ليلتها فإن السهرة تكون في شقتها حتى يغادرنها مع انتهاء (وقت السهرة) ولعل أخونا (المحظوظ) سيجد الزوجات الثلاث يمضين الليل في ثرثرة لا تنتهي، تعززها الغيرة من تركه لصاحبة الليلة، فلا يطول بلح الشام، ولا عنب اليمن.. ولا حتى دهشة المختلف.. الرجل الذي حصد كل هذا المجد النسائي في (خبطة) واحدة.

الجمعة، 20 فبراير 2009

حاكموا القتلة

يسقط صوت مجلس الأمن، أو سوطه بالأحرى، على جلودنا العربية (قبل أسماعنا) فنتخاطفه بسرعة البرق، لنجلد به أنفسنا، فهو قرار دولي يستوجب التنفيذ، فعلناه حينما صدرت قرارات المحاصرة على ليبيا والعراق (وغيرهما)، واعتبرنا أن الشرعية هي كالشرع، واجبة التنفيذ، والخروج عنها كالخروج على الدين، كفر والعياذ بالله، وهو ليس فرض كفاية إن قام به البعض سقط عن الآخرين، بل على جميع بلدان العالم العربي، عاربة ومستعربة، تطبيق القرار الأممي، وخنق الأخ والشقيق، مجلس الأمن قال ذلك، ومن يستطيع مخالفة الشرعية الدولية؟!
وحدها إسرائيل، تصفعنا بالكف ونقول هل من مزيد؟!
نركض إلى مجلس الأمن، كأنه الأم الرؤوم عليها أن تحمينا من الكائنات الشريرة، ومع أن الأم الحنون تعاند أحيانا، وتخشى الفيتو الأمريكي لكننا لا نيأس، نعم، نحن أمة لا تيأس من مجلس الأمن، ونثق فيه ثقة كبيرة، ليس لأنه قوي جدا.. بل لأننا ضعفاء جدا.. جدا.
بعد طول جهد واجتهاد واجتماعات ماراثونية وسعي عربي دؤوب قال مجلس الأمن كلمته، وطالب وقف فوري لإطلاق النار.. لكن إسرائيل استعارت منا المقولة العربية "إملاء خارجي"، وواصلت توزيع الموت على الكائنات التي لا تعتبرها الولايات المتحدة تابعة لبني البشر فيستحقون وقفتها من أجل حقوق الإنسان، ولا تشعر بهم حتى حيوانات فينتخي من أجلها جمعيات الرفق بالحيوان المنتشرة في أمريكا وسائر البلدان الأوروبية.. هي كائنات عربية، تجب إبادتها، هكذا سيقضون على حماس، وحكومة حماس.. بمنتهى الحماس!!
شعرت الولايات المتحدة بأن الوقت الممنوح للقاتل لينفذ جرائمه طال أكثر من المتوقع فسمحت لمجلس الأمن بهذا القرار التاريخي المرعب في حق دولة الإرهاب، ورأى القتلة أن التوقف يعني الهزيمة، وستنبعث نيران أخرى في جسم الدولة العبرية إن توقفت آلة القتل عن ممارسة العقيدة التي قامت على أساسها الدولة.. القتل.. والقتل المستمر.
لا وقت للوم حماس، وأنها استفزت آلة القتل الوحشية معتقدة أن لديها ما تدافع به، وأنها محور أجندة إقليمية تريد تحييد الدور العربي، وتذكر التصريحات النارية التي قذف بها هنية وبقية الحمساويين قبل أن تنطلق قوى الشر من مكامنها..
هناك أكثر من 800 شهيد، وآلاف الجرحى، في مشهد مأساوي مروّع، لن يمسح كل ذلك الغضبات العربية المتصاعدة في جميع العواصم، ولا التصريحات المتضمامنة التي تحاول أن تتقن منهاج الفضائيات في صنع الأبطال، وحدها غزة البطلة وما عداها فهو إنهزام وتخاذل وعنتريات لا تعيد الدم إلى أوردة شهيد، ولا تمسح دموع الثكالى والجوعى.
.. وإن توقفت آلة الحرب عن نفخ الموت بدعم أمريكي صريح، من يحاكم القتلة على ما ارتكبوه من وحشية سقط ضحايا لها آلاف الأبرياء بين قتيل وجريح، فهل أصاب العالم العمى كي لا يرى كل تلك الجثث، وكل ذلك الرعب، ألم تهزه صور جثامين الأطفال المعروضة على فضائيات الكرة الأرضية وصحف الدنيا فاكتفى بمطالبة قوى الشر أن توقف طلقات نارها تجاه غزة؟!
كل عام تقيم إسرائيل حفلة موت تسكب فيها دمنا العربي بغزارة كما تشتهي..
وتنتهي الحفلة، وينفس السامر، وسنجد من يتغنى بالنصر مع أن الأرض حوله خراب، وعدد الشهداء لم تكفه المقابر.. وسيعود المغامرون ليعبثوا بأصابع الديناميت وكأنها لعبة مسلية لإضحاك طفل..
نعم للمقاومة، قلوبنا معها حينما يكون ذلك أضعف الإيمان.. لكن عليها أن تثبت أنها مقاومة حقيقية لا تقدم دم الشهداء فداء رخيصا من أجل لعبة سياسية أرخص.

نحن أثرياء؟!

في العرف الاقتصادي يقال أن ضعف القوة الشرائية للمواطنين تصيب السوق بحالة كساد، حيث أن المعروض لا يجد من يطلبه، ويتمسك هذا الواقف بعزة على الأرفف بقيمته الشرائية على أساس أن مواده الخام مصنعة بتكلفة عالية، وهذا العلو لم يطله (ولن يناله) المواطن بريالاته القليلة، تلك الغير قادرة على ملء كيس عدس فكيف بها تملؤ سلالا واسعة تكفي لجلوس رجل بالغ دون أن يهتز لها (عيّاص).
أما في عرفنا العماني فإن هذه المقولة تحطمها احتمالات عديدة، تجعل من هذه الحكمة الاقتصادية وهم كبير عاشه الاشتراكيون والرأسماليون دون أن يصل إلينا، خاصة مع هذه التظاهرات في المحلات الكبرى، والانتفاضات الغذائية التي تحيلك للتفكير في أن مجاعة قادمة لا محالة وعلى المواطنين والمقيمين التزود بما أمكن، فلا أشد من جوع من اعتاد الشبع، ولا صعوبة العيش على من توسد الراحة.. الاحتمالات في ذلك متعددة لكن منها:
الاحتمال الأول: أن المواطن يمتلك القدرة الشرائية التي تمكنه من ملء عربة التسوق (مرة كل أسبوع على الأقل) حتى أنها تفيض بحمولتها، والقاعدة الاقتصادية تقول أن من لا يملك سيولة مالية لن يجد حصته كاملة في العيش الكريم، كل هذه الطوابير في المجمعات التجارية، هذه الآلاف المتسوقة تدفع العربات وتعاني من نقص في الأموال؟!
سينتفض أحدهم وسيتهمني بأني أسخر من الفقراء والمساكين، إن لم يكن من المواطن (الغلبان) الذي يقولون ويرددون بأنه (لا حول له ولا قوة) أمام ارتفاع الأسعار، وأتساءل: هل رحمنا أنفسنا لننتظر رحمة من الآخرين؟! ما أراه هو أن الأسعار ترتفع، والطلب على المواد الغذائية يتضاعف، ولم نشاهد في يوم من أيامنا الغابرة تلك الطوابير الواقفة أمام نقاط المحاسبة!!
الاحتمال الثاني: أن المواطن غير قادر على الشراء، وكل ما يفعله هو الصبر، ذلك الذي يعينه على شراء المستلزمات الرمضانية، فالتسوق وملء العربات فرض عين وليست فرض كفاية، بمعنى أنه إذا قام به البعض سقط عن البقية، فالحق في التسوق لا يسقطه قيام تلك الآلاف بالتسوق كل يوم، من مطلع الشمس إلى مغيب القمر (على افتراض أنه يغيب منتصف الليل)، ويمكننا الجزم بأن عشرين ساعة من يومنا سنجد فيها شخصا ما يتسوق في مكان ما، فشعارنا هو احتمال الديون ولا ترك المعجنات والحلويات والمشويات وأنواع الأجبان والألبان.. لو توقفنا من أين ستربح المحلات (العودة)؟!
الاحتمال الثالث: أن ارتفاع الأسعار وهم، وأنه لا علاقة لنا نحن العمانيين (والمقيمين بيننا) بالارقام المكتوبة على كل سلعة.. لا بد أن نتحداهم أولئك الذين يرفعون الأسعار فنشتري البضاعة غصبا عنهم.
والاحتمال الرابع وهو الأقل: أننا نحتسب أجر كل تلك المشتريات عند الله سبحانه وتعالى، فهي نوع من الزكاة نؤديها مطلع كل رمضان أو صدقات من فائض مالنا نقدمها للمحلات التجارية الكبرى التي فتحت أبوابها من أجلنا فلا اقل علينا من واجب أن نفتح جيوبنا لها، ولينظر أحدنا كم من (الكوبونات) التي يخرج بها نهاية كل شهر ليعرف على وجه التقريب كم أنفق من صدقات دخلت حسابات هذه المحلات، تلك التي وظفت مجموعة صغيرة من العمانيين وبالمقابل أغلقت عددا كبيرا من المحلات الصغرى، تلك التي كنا نسميها دكاكين، وعندما تم تعمينها كانت الطيور قد طارت بأرزاقها.. والحمد لله على كل حال.
ولوحة أخيرة: وقفت ساعة كاملة في طابور العربات، وقدر الله أمامي مواطنة صالحة خرجت فاتورتها بـ150 ريال.. فقط، يعني راتب شهر لعامل في القطاع الخاص!!

دعني أختلف معك

كتبت عن أهمية ثقافة الاختلاف عدة مرات، وأثارني حديث الناقد الكبير جابر عصفور للحديث مرة أخرى عن هذه الثقافة المهمة التي نفتقدها، وإن ادعينا امتلاكنا لناصيتها، بينما هي بعيدة عنا (كبعد الأرض عن جو السماء) كما يقول الشاعر العربي عنترة بن شداد في حديثه عن بعد الفحشاء عنه مفتخرا بسواد لونه.
ثقافتنا التقليدية، وهي دالة على منشئنا وتربيتنا (وما درجنا عليه من تلقيم وانتقال لجينات) تعزز البحث عن تفوق ما في شخصياتنا، وإن ارتبط بوهم، لكنه مهم في رفد هذه الشخصية بعوامل ثقة (مهما كانت غير حقيقية)، تفتش عن اختلاف ما: لوني وثقافي وديني ومذهبي، وغيرها من الأسباب الداعية لفتح هوّة (تفصل) أكثر من بناء جسر (يوصل).
بكل بساطة فأن تقبلنا للمختلف عنا ضعيف إلى درجة لا تحتمل، يضيق صدرنا بمن نراه لا يشبهنا، ليس له لون بشرتنا، ليس من جنسيتنا، لا يدين بديننا (وربما لا يتبع مذهبنا.. إلى حد ما).. وغيرها من الاختلافات اللاقابلة للتواصل بين الأفراد فيما تنهال علينا دعايات الحوار والتسامح والجلوس مع الآخر.. أما نحن فمختلفون حتى مع أنفسنا .. (وهذا طبيعي جدا).
يرى النافد جابر عصفور في أنه وهو الداعي من أجل تقبل المختلف قد يمارس إلغاء مع أقرب الناس إليه، ولده، هذا الشاب (الكبير) الذي يواجه والده بحقيقة مرة وهي أنه يمارس ثقافة الاختلاف على الورق (ليدعو بها الآخرين) فيما لا يتقبل اختلاف ولده عنه في وجهة نظر.
هذه الحقيقة نمارسها (غالبا) مبتدئين بأصغر الدوائر في وجودنا البشري، أنفسنا، فلا نقبل منها أن تختلف في أفكارها، عليها أن تلتزم حتى لا يقول الناس أن هذا الرجل متناقض وليس له كلمة، ويتعاملون مع المعطيات والمستجدات بذات الفكر القديم (من باب الثبات) وتتحول (نشافة الرأس) إلى مبدأ، والمبدأ إلى جوهر حياتي مهم لا يقبل القسمة على اثنين.
نؤمن بمعنى الكلمة، من منا لا يؤمن بأن الآخر مختلف عني، فكريا وثقافيا ونفسيا وذهنيا؟.. طرح منطقي لكن الواقع ينسف ذلك الإيمان ليبقيه نظريا فقط، فالعملي مترصد من ثقافة عميقة اعتادت أن الكبير ممتلك لسلطة الحقيقة وكمال الرؤية، الكبير قد تعني الأب الذي له الكلمة العليا في المنزل، لا أحد يناقشه في أمر، وحده له حق رفع الصوت والسوط، الحاكم بأمره في كافة غرف المنزل (وملحقاتها).. والكبير قد تعني مسئولنا في العمل، كبيرنا في الحارة، في القرية، في الولاية.
هذا (الكبير) لا يفترض الخروج عن نطاق (التوافق) معه باتجاه الاختلاف، يراه البعض كفر (وخروج عن ولي الأمر).. ولي الأمر في المنزل أو في المكتب.
الأغرب أن البعض يريدون من حولهم أن يكونوا نسخة منهم، عليهم أن يفكروا مثلهم، ويتبعون خياراتهم، يلام الآخر دوما من قبلهم، سواء اشترى هذا النوع من السيارة أو اختار ذلك اللون لها، ولماذا لم ينتظر قليلا لتهبط الأسعار، وألف لماذا.. هذا لقرار بسيط قد يتخذه المرء (على سبيل المثال).. أما لو تعلق بالديانة فإن القبول بالأخر خيانة للدين، وليس علينا بما يتم طرحه من أفكار حول التسامح والقبول بالآخر، فهذه أفكار كبيرة لا تمس الطبقة الوسطى بما تستحقه من ربع اهتما (فكيف بالأقل منها)؟!
لا نريد من الآخر سوى أن يشبهنا، يحرجنا إذا اختلف، نتوجس منه، عليه أن يمسح ملامحه التي تفصله عنا لينال شرف التشابه معنا، إن لم يكن التطابق.. تماما.

الثلاثاء، 17 فبراير 2009

مرة أخرى.. حدثتني نفسي

صدق رب العزة حينما قال بأن النفس أمّارة بالسوء..
وأما نفسي فأمّارة بالأحلام والتخيلات.
خاصة حينما تقرأ عقود لاعبي كرة القدم، وأتذكر بأن اللاعب بالقلم (الآن بلوحة المفاتيح) لا مجال له في أن يكون لديه عقد كالذي لمن تهتف له الملايين، ويوقع القلوب لتصل البطن، كما حدث لي مع ركلة الكابتن محمد ربيع، والتي أتمنى رؤيتها حتى الحين خارج وصف الزملاء لها، لم أستطع مشاهدتها في حينه، متذكرا ما فعله هاني الضابط حينما لم يضبطها جيدا في خليجي17، فطارت البطولة من بين يدينا، وكان بإمكاننا أن نكون أبطال الخليج طوال الخمس سنوات الماضية.
أعود إلى تخيلاتي، وأرى نفسي ذات يوم أنال المركز الأول في مسابقة ثقافية كبرى على مستوى الخليج، وأن عدد كبير من الناس سيضعون صورتي في أماكن شتى مع الشعار الدائم: عمان نبض واحد.
وتخيلت نفسي أنني، وبعد أن يعلن أمين الجائزة الأدبية (العودة واجد) النتيجة أركض فرحا، وارفع دشداشتي لأكشف أنني على الفانلة الداخلية كتبت عبارة (تضامنا مع غزة) وتتناقل وكالات الأنباء الصورة، ولا تخلو صحيفة في اليوم التالي منها، تماما، كما حدث مع النجم الأنيق بدر الميمني.
أكتب تخيلاتي، أو أوهامي، متذكرا فوز أصدقاء بجوائز أدبية لها دلالاتها، ربما لم يقل لهم أحد كلمة مبروك من الجهات الرسمية المعنية بالثقافة، وهم معذورون، فربما لا تصلهم الأخبار، أو تنقل إليهم الصورة على أن الجائزة لا معنى لها، وأنه حصل عليها صدفة، ويجعلون من الجائزة والقائمين عليها والفائزين بها مجرد صدف طبيعية حدثت في هذا الكون المترامي الأطراف.
قلت في نفسي أن التخيل أكثر سلامة، وأن رجل الأعمال الذي قال لي مرة يأنكم يا معشر الكتاب حظكم كبير في رحيلكم، فقلت له يا شيخنا أريد الحظ الذي تعيشه في دنياك، والمثل يقول: حظ في اليد خير من ألف في بطن الغيب، أو كما يقول المثل الآخر: حمار في اليد خير من عشرة (تحت) الشجرة.
وهكذا.. كلما أود في حسد أحدهم على أمر ما يذكّرني بأني كاتب، ومهمتي في الحياة أكبر، وشهرتي بعد الممات أكثر، وينقلب الحسد على الحاسد، مذكرا إياي بأن لي معجبين ومعجبات، لكنه لا يهديني حتى.. سيارة مستعملة.
ولا ألوم إلا نفسي: فلا (طلعت) لاعب كرة ولا مطرب، مع أن الفنان عبدالمجيد المجذوب (الذي قدم عملا رائعا عن المتنبي) أغراني ذات يوم بفكرة أن أكون ممثلا، وقد كنّا نستمتع بقدرته العجيبة على الحديث الجذّاب، يمثّل الموقف الكوميدي أمامك بحرفية رائعة، طلب مني أن أمثل، ولدّي شهود على هذا العرض، كما عرضت عليّ شركة إنتاجية القيام بدور البطولة في عمل درامي لها، لكن ربما حدث ذلك، كان في زمن أبدو فيه صالحا لنجومية فنية، أما الآن، فلم يتبق لي سوى الدعاء الى الله بحسن الخاتمة، فربما كتب الله بتمنعي قبل 15 سنة حظا جيدا للنجوم الحاليين، وبقيت لهم فرصة عيش/أو نجومية لم أنافسهم عليها.
هذا المقال من باب الترفيه عن قارىء لديه طاقة على التفاؤل والفرح، فلست بنادم على نجومية طارت مني، إنما أعيش سعادة جميلة لكوني كاتب، ولا أرغب في نجومية (بلاستيكية) تذوب سريعا، حتى صوتي الذي قال لي أحدهم بأنه يصلح للطرب أخرسه لأجلد به أصدقائي، أو أسلي به نفسي، ففي الحمّام تغدو أصواتنا جميلة جدا، حيث يستبد بنا الطرب ونغني بأغنيات الغزل التي نخاف أن نقولها ونحن خارج أبواب.. الحمّام.

الاثنين، 16 فبراير 2009

الحرية الصحافية.. بمقاسات عمانية

يطرح كثيرون قضية (شائكة) وهي خلو صحافتنا من اتساع الحرية منحازة للخبر الرسمي، والطرح لا يتبادله العامة (أو الخاصة) فقط إنما بين العاملين فيها من يبحث عنها فوق طاقة الكلمة على الاحتواء، وضبابية الرؤية ناتجة لحالات الغبار التي يخلفها الاختلاف على المفردة لغويا واجتماعيا وسياسيا.. وإعلاميا، فنحن أمام (شرك) التفاوت بين رؤيتين: الرسميون يقولون أن هناك مساحة كبيرة من الحرية، والإعلاميون (بينهم) من يقول أن المساحة وهم صنعه الرسميون فصدقوه.
كتبت مرة أن الحرية موجودة، ولا أخفي أنني أشعر في أحيان كثيرة بما يشعر به أولئك الذين يرون أن المساحة المتروكة أمامنا مجرد وهم، شاركنا في صنعه وباركنا لمن قتّر علينا مساحة الرؤية ما صنعت يداه.
أسئلة لا تكف عن ترصدي حينما أسمع المحاذير ولا أراها، وحينما يمارس قمع الرأي بطريقة أخرى وهي (تطنيشه)، والحذر واجب في كل خطوة لدرجة أن المرء يخشى أن يخطوها، واسأل نفسي: إن كنا نريد أن نكون أحرارا في كتاباتنا لماذا نخشى الخطوة الصعبة؟ لماذا لا نسير في الدرب الذي نختاره؟ هل أرجلنا عاجزة عن السير لأنه لا حول لها ولا قوة في المشي فوق الدروب الحارقة والمدببة؟
وأعود للأسئلة من زاوية أخرى: من جعل أقدامنا بهذه الطراوة؟ لماذا يقولون لنا الآن أن الدرب سالك وقد عوّدونا على أن فكرنا سقيم ومريض إن لم نثني، وأن ثقافتنا مشبوهة إن كتبنا عن أحلامنا في حرية أكثر اتساعا، بما يريده وطن يحتاج للكلمة الناقدة أكثر من حاجته للأخبار المادحة والكلام المسبوك منذ عشرين عاما.
فهل سقف الحرية مرتفع كثيرا في بلادنا لدرجة أننا لا نراه؟
أما أن هذا السقف يحجب عنا الرؤية تاركا إيانا في ظلام التجربة فلا ندري أهو موجود فيتقى أم أن سماء الحرية فاتحة أبوابها فترتجى.
يقولون: اكتبوا وتكلموا.
صدقت الأمر فكتبت إلا أن الرقيب ألغى ما كتبته، صادر مني حتى خبرتي في الكتابة، وخبرتي في معرفة المسموح والممنوع.
يقولون: اكتبوا، الحرية متاحة.
لكن لا تذكروا أشخاصا، وهكذا تم تعويم الأشياء، فصاحب الفعل لا نستحضره إلا لأنه جالس على كرسي رسمي (أو قد ينتمي للقطاع الخاص).. لو كان جالسا في بيته ما كنا سألناه عن ماذا يفعل في مؤسسته بينما الروائح تفوح وكأنه لا يشم إلا الروائح الطيبة التي تنثرها عليه منسقاته والكلام الجميل الذي يسبغه عليه مدراء العموم..
يقولون: أبواب الحرية مفتوحة..
فقط وثّقوا ما تكتبون، وهم يدركون أننا لن نجد ما نوثق به، خبئوا كل أوراق الفعل وقالوا لنا أنتم العجزة لأنكم لم تستطيعوا الوصول إلى مخابىء الوثائق، مع أنه وبكل بساطة سيتم تجريم الكاتب مرتين: لأنه تناول محظورا، ولأنه افشى اسرار جهة ستقاضيه لأنه اطلع على دفتر يضم موجزا بأخطائها.
هل بيننا صحفي يمكنه أن يستوعب مساءلته أمام الإدعاء العام، أو ربما محاكمته، أو تغريمه.؟
أخشى أن الإجابة هي: لا، وألف لا.
عظامنا هشة على تحمل الوقوف أمام قاض، ومشكلتنا أننا حرمنا من كالسيوم الحرية والنقد المتوازن عقودا ماضية وحينما أطلقوا سراحنا للمشى اكتشفنا أننا مصابون بالروماتيزم، فهل هي مشكلة الرقابة التي قالت لنا أمشوا، أم مشكلتنا لأننا لا نستطيع المشي..
فيا أيها الذين لا أدري منهم.. اعذروا الأقلام إن رأيتموها خائفة ومترددة وغير ناضجة في التعامل مع الحرية، هي تتعلم المشي الآن، ويلزمها سنوات لتقف كما تشتهي الحرية.. وكما ينبغي للبلاد..

الأحد، 15 فبراير 2009

بكائيات سعيدة

كتبت عن الأجنحة العمانية المشاركة في معارض الكتب العربية، ولم يلتفت لما كتبته من الذين أتوسم فيهم حفظ ماء وجه الثقافة العمانية في الخارج.. على الأقل.
مررت على معرض دمشق، وكان خاليا حتى من الموظف الذي عاد بعد ربع ساعة ليقف وحيدا وتائها بينما الأجنحة الأخرى تغص بالزوار.. لسبب بسيط وهو أن الكتب.. للعرض فقط، وأغلبها لمؤلفين ماتوا منذ سنوات طويلة.. أو ربما من قرون.
وحضرت أكثر من ثلاث دورات لمعرض كتاب أبوظبي وكانت الأرفف تصرخ من بياض (أصباغها) لولا بعض الكتب التراثية التي تبقت، في المعرض الأخير العام الماضي قيل أنها نفذت من الأيام الأولى.. لكن أتضح أن اللبس الذي حرم الإصدارات العمانية الحديثة من التواجد في معرض (كهذا) تواصل مع المسئولين المعنيين.
وحضرت معرض كتاب في الكويت، ولن أتحدث بما شاهدت، فقد يتواصل اللبس متنقلا من عاصمة عربية لأخرى.. وهذه المرة وصل القاهرة.. أفضل وأهم معرض كتاب عربي لتسويق الإصدار العماني، فهناك حنين من عشرات الآلاف من الأخوة المصريين الذين زاروا بلادنا (وأغلبهم مدرسين) للتعرف على هذه البلاد التي ألقت في قلوبهم قارورة عطر لا ينفد عبقها، لكن شاهد العيان على معرض القاهرة هو الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي التي كتبت مقالها أمس بما يشبه البكائية حرقة على مستوى الجناح العماني.
ويبدو أن الدكتورة الشاعرة ستفتقد المشاركة لاحقا في أية فعالية ثقافية محلية كونها كتبت سلبا عن المشاركة العمانية في المعارض الخارجية.
لنفترض أنني حاسد وحاقد وغاضب ومتوهم أنني مثقف وكاتب افترض دوما أن له أحقية دعم (مادية ومعنوية) لكن ما يظهر للعيان (وليس العيّان) أن الانتقادات متواصلة من كثيرين أساءهم هذا الحضور الثقافي العماني الذي تتزعمه وزارة التراث والثقافة وإن سمحت بمشاركة مكتبات محلية فمعروفة نوعية المكتبات التي تشارك، ويبدو أن وزارة الإعلام قلصت مشاركاتها مع أن لديها ما هو أكثر من كتاب عمان 2008، والجامعة دورها الثقافي يحتاج إلى إعادة نظر لأنه يسير وفق جهد طلابي، لا تدعمه صناعة نشر على مستوى الكتابات الأدبية والدوريات الثقافية، جامعة بهذا الحجم والمستوى (والتسمية) ليس لديها مجلة (جامعية) تليق بذلك، ووزارة معنية بالثقافة (لا تصدر) مجلة معنية بالثقافة.. ووصلنا إلى نقطة المعارض التي تتم المشاركة فيها على استحياء و(تفكير) طويل في الموازنة يفوق ما قد نحققه من تعريف الآخر بجوهر وجودنا (قديمه وحديثه).
بكائيات سعيدة ليست الأولى وقد لن تكون الأخيرة إن لم تتحقق أمنيتنا بتدخل مباشر من صاحب السمو السيد وزير التراث والثقافة للاهتمام بالحضور العماني في هذه المحافل الثقافية (معارض ومؤتمرات وأسابيع عمانية) وثقتي به تعادلها ثقتي في سعة أفقه وتقبله للنقد الذي لا يبتغي سوى الحفاظ على سمعة السلطنة وأن حضورها في مثل هذه المحافل سيكون في مستوى لا يقل عن الآخرين، قد لا نحتاج لاستعراض عضلات (المال) لأننا نمتلك (عضلات) الفكر.

النازيون الجدد!!

من عجائب الدنيا، التي هي من صنيعة بشر ينتمون للبشر وللعصر، هي أن من يتاجر بما فعله النازيون به يمارس النازية بشكل متوحش، عجزته عنه كائنات الغابة، والأعجب هو أن البلد المسوّق لنفسه على أنه حامل لواء الديموقراطية والحرية والعدالة في العالم يسفح كل تلك المعاني وبقية المعاني الإنسانية من أجل كيان صغير، توحّش به، واستطالت أظافره بما منحه من قوة، فغدا يقتل ويرعب، ولم يعد من الممكن إيقافه.
إنها احتفالات ليلة رأس السنة، لا بد أن تضاء ألوان غزة بالقنابل والصواريخ، أنه سباق انتخابي في حفلة الموت الإسرائيلية، كم من كؤوس الدم تحتفي بها يا أولمرت، ويا باراك، ويا بقية العصابة الحاكمة في تل أبيب؟!
هذه النازية المعاصرة خارج حدود التاريخ والقوانين، هي السوط الذي كلما ألهب ظهر العرب قالت واشنطن أنه دفاع عن النفس، كما هي ديموقراطية الموت في العراق، كما هو تحرير أفغانستان من طالبان والقاعدة.. لكن اللصوص الذين يسرقون أرضا، القتلة الذين يبيدون شعبا، الوحشية التي تضرب بيد مكتوب على أظافرها أنها صنعت في الولايات المتحدة، هؤلاء لا يخضعون للقانون الدولي لأنهم وجدوا خارج حدود قوانين الكون، فهل يدركون أن التاريخ لم يكتب يوما انتصار مستعمر على صاحب أرض.. يموت مليون شهيد وتعود الأرض لصاحبها، ترتوي الأرض بدماء وتحتضن جثث شهداء لكنه الثمن اللازم من أجل الحرية والخير..
فيا أيها النازيون، المتوحشون، المتعجرفون..
لن تكسرون فلسطين وإن أغرقتم الأرض دما، بدل الشهيد سيولد مائة، وبدل القتيل سينبعث ألف مقاتل..
فلسطين ليست حماس، وليست فتح، هل الشعب المناضل والصابر والصامد.
ليست أولئك المقاولين في حرب التصريحات، وحرب الخيانة، ومن اختلفوا كما يختلف اثنان يحتضران ويتلاومان من أجدر بأن يموت أولا.
لن تكسروا الزيتون من الأرض المباركة، هو عصارة الأرض، وأنتم الدخلاء، هو عصارة الدم وأنتم اللصوص، لا يستوي الشريف والسارق إلا في عرف النظام العالمي الجديد وقيادته الأمريكية، لا يستوى القاتل والضحية إلا في عرف النسر المتوحش، ذلك الذي قتل مليون عراقي، واستباح المدنيين في أفغانستان، وأطلق في قلب الوطن العربي وحشا أسماه الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
فلسطين ليست تلك الورقة في مزاد الخطب السياسية، ليست تصريحات هنية الذي احتل غزة وحررها من أشقائه الفلسطينيين، وتعامل مع إسرائيل بحرب الكلام الند بالند، وغزة التي راهن عليها، لن يتنازل وإن فنيت غزة، يكفيه أنه رئيس وزراء، وأن حماسه خالدة، كما يكفي فتح أن تفتتح مزاد الكلام مطالبة بغزة، بينما الضفة أرضا مستباحة.
تذكرت كلام معالي يوسف بن علوي وهو يقول أن على العقلاء من الفلسطينيين أن يقفوا مع بعضهم البعض ليتمكن العرب من فعل شيء لهم، أن يديروا قضيتهم بعقلانية صاحب القضية لا بعقلية قائد ميليشيات، وزعيم تنظيم.

تشاؤل أخير:
يسألوننا، نحن معشر العرب والمسلمين: لماذا تريدون أن تلقوا إسرائيل إلى البحر؟!! كما يسألون بتعجب أكبر: لماذا تكرهوننا؟!!
.. وهل أبقيتم سببا لا يجعل هذا الإنسان العربي والمسلم لا يرغب في أن يرى الكون خاليا من هذا الكيان، وأن لا تتمدد الكراهية في قلوب مئات الملايين في أرجاء العالم ضد هذه الحماقة الأمريكية التي تفسح للقاتل فرصة كافية ليقتل ويدمّر، وتطالب الضحية أن تكفّ عن العنف؟!

يخلق من الشبه واحد ونص!!

مصور أندونيسي عرف من أين تؤكل لحمة الشهرة، ساقه القدر ليكون شبيها بالرئيس الأمريكي أوباما، كل صورة له طافحة بالسعادة، سيصبح نجما لا محالة، وسيكسب ذهبا.. دون شك.
هو القدر، جعل من أوباما الرئيس، وإلا كان المصور شبيها بشخص ما يعيش في الولايات المتحدة، ولن يأبه أحد بشكله، ولا بشكل أي شخص من (حيّانه)..
بموجب هذا القدر الإلهي تفاعل إلهام أنس (وليس إلهام شاهين) مع ملامح وجهه، وقال أنه سيستغلها جيدا، وفي صفحة أخرى من جريدة ما كان خبر آخر يشير إلى ربكة أحدثها مسافر في مطار دمشق ونال رعاية أمنية واهتماما شعبيا لأنه شبيه بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد.
وعلمتنا الأمثال العربية بأنه يخلق من الشبه أربعين، وربما وحده صدام حسين من وجد كل الأربعين الذين يشبهوه، ولا أعلم هذه الأربعينية في الثقافة العربية، تلك التي جعلت من الحرامية أربعين شخصا يرافقون علي بابا في قصته الشهيرة، ونحيي ذكرى الأربعين لمن يموت، وننتظر النساء أربعين يوما بعد الولادة، وبموجب هذه الأربعينية على كل شخص منا أن يبحث عن أشباهه، فربما بينهم رئيسا أو نجما يمكنه الكسب من خلاله.
دعتني هذه التشبيهات لوضع نفسي في موضع شبهات، لعلي أشبه أحد النجوم، وأستفيد من تقارب الملامح بما يعود عليّ بالأجر والثواب، دنيا وآخرة..
استعرضت القائمة في ذهني: أحمد عز، عمر الشريف، بيل كلينتون، وتخيرت من الشخصيات ما لها ملامح جاذبة، فالمثل يقول: إن عشقت فاعشق قمرا وإن سرقت فاسرق جملا، ولأن الأمر مجرد وهم بيني ونفسي دلتني نفسي الأمّارة بالشبه للبحث عن أكثر النجوم وسامة، لعلي أقنع أحدا بأني على شبه كبير منه، وأني أمثّل الشبه الأبعد في قائمة الأربعين المخلوقين نسخة واحدة.
وقفت أمام المرآة، لا أقول طويلا، كي لا أزيغ كثيرا عن الحقيقة، قلت في نفسي لعل أشبه الممثل التركي مهند، وتفاءلت بقرب الملامح خاصة العيون والشعر وطول القامة، لكنني سرعان مع عدت عن أوهامي وشعرت بأني لا أمت لعالم الوسامة (المهندية) بأية صلة، وبينما كنت أدفع ثمن تهوري في إيجاد الشبه والإصابة بعقدة نفسيه نتيجة ما توهمت فرحت بأني أجمل من كوندليزا رايس والمرحوم اسماعيل ياسين.
هكذا استبشرت خيرا وغادرت المرآة مقتنعا بما وهبني الله به من عقل، هو أفضل بكثير من حدود الإصابة بالجنون.
سألت عقلي (وما تبقى منه): من أشبه؟
حدثني بفلسفة غريبة عنه: لا تشبه إلا نفسك.
قلت له: أريد أن اشبه أحد النجوم الساطعة في هذا العالم، ارغب في أن ارى صوري تحتل كل صحف الدنيا.
اجابني، بما أكد شكوكي في اكتماله: عندما تكون نفسك لن تعد بحاجة إلى كل صحف الدنيا، لأنك ستمتلك صفحتك/صفتك.

السبت، 14 فبراير 2009

شغف بالحياة أكتبه على مهل

رجل يعمل.. امرأة تشقى:
يتهم الرجل أنه الآمر الناهي في البيت، له حق السيادة المطلقة، وهناك تابع له يسمى امرأة، أو ظل يتحرك وراءه، أفترض دائما أن الرجل وجد لخدمة المرأة، فهناك الشغالة التي أراحت المرأة من خدمة الرجل.
يقوم الرجل بجمع المال، بينما تقوم المرأة بإنفاقه، وعلى الرجل مواجهة متطلبات البيت ومشاكله (مع من فيه من بشر، وما فيه من أجهزة كهربائية وتوصيلات مائية تعطل أحيانا)، بينما الزوجة عليها إبلاغ الزوج بالمتطلبات.. والمشاكل، دوره كرجل خدمة البيت وساكنته (الزوجة) والأبناء..
لكن، مهلا: هذا لا ينطبق في عموميته على كافة الناس، هناك نساء تشقى، ورجل يتفرج، إن لم يكن مديونا، أو مسجونا، أو يدخن الشيشة في مقهى تاركا صراخ الأبناء للأم.

خطوتان بين كيانين:
الرجل في بلادنا يسير متجهما، فتتبعه زوجته بعد مسافة خطوتين، ويسير ضاحكا مستبشرا بجانب حبيبته فيكاد لا يترك حتى للهواء أن يعبر المسافة بينهما، وقضيتنا الأساسية أن هناك من فقد دمج الكلمتين، بحيث تصبح الزوجة حبيبة، والحبيبة زوجة، الأولى لصالح الزوجة، والثانية قد تأتي لها بضرة، وابعد الله الضرر عن جميع الأزواج.. والزوجات.
الحوار المفقود بين ركني العائلة الواحدة يظهر جليا في الشارع، وإذا كنا قد بدأنا بتعلم ثقافة الحب والتعبير الصريح عن المشاعر (وهذا ما كان مختفيا أيام الآباء والأجداد) فإن هذا التغليف الحراري للأحاسيس يحتاج إلى شمس قوية تذيبه كي تخرج الكلمات الأجمل من عقالها، وتقرب بين رجل (به مواصفات الزوج الجميلة) وامرأة (تمتلك سمات الأنثى الساحرة) لتجعل منهما طائري حمام لا يهتمان بعصف الريح حولهما طالما أن العيون التي في طرفها احترام قادرة على عزف نغمات من الحب الأجمل، الصورة تحتاج إلى كلمة صادقة، حينها ستكتمل الصورة بالابتسامة..

صباحك سكر..
كلمتان شغف بهما كثير من الناس، يتبادلونها بمجانية (أحيانا) وبصدق (حينا آخر) حتى نسوا صاحبها الأصلي رغم أن حقوق العشق محفوظة كحقوق التأليف، لماذا لا يكتب العاشقان كلماتهما بدم القلب وكريات الدم الوردية، بدلا من النقل.. وإعادة الإرسال؟!
التعبير المعلب عن المشاعر جعل من إحساسنا بالكلمات معلبا وبائتا، لدرجة أن البعض لا يكمل قراءة "المسج" فقد سبق أن قرأه مرات عديدة.. أرسلته قلوب.. عدة.
ربما ستظهر موضة توصيل العبارات الجميلة للمنازل، لعلها تسعف من جمد لسانه عن نطق الكلمات العذبة، لم يتذكر سوى أرقام الفواتير المتكدسة على الأوراق حوله، وموعد الراتب الذي تأخر عن عادته.

طلبات "عاجلة":
في صحوي ومنامي.. أريدك امرأة.
في فرحي وحزني.. أبحث عنك امرأة.
في كل أحوال طقسي وتقلبات مناخي لا خيار أمامي سوى انني أتمناك.. امرأة.
امرأة من ضوء تشعل عتمتي، امرأة من زهر تنبت فوق جداولي..
امرأة إن قلت للقلب استيقظ قليلا غمرته بنهر عشقها فلا تتبق فيه نبتة إلا اخضرت، ولا وردة إلا وكتبت على أزرارها كل الحكايات القديمة للجمال الالهي الذي غرسه الله في الطبيعة، وعكسته عينا امرأة لهما لون السماء واتساعها.

"مسجات"
1
أطلق الرجل أغنياته
سمعتها امرأة،
ظنت أن الموسيقى تدعوها
لم تفطن إلى سراب النوتة،
يجتاز الصحراء..
كان الرجل يسعى وراء
اللاشىء، وهي التي ظنت:
أنه كل شىء.
2
أمهلني قليلا..
ريثما أكتب كلمات الوداع،
الورقة بيضاء، لا بد لها من لون..
وعيناي في اتساع الرؤية:،
لا يستغنيان عن دمع.
تريث يا مسافري..
اترك لي الدقيقة الأخيرة
أنتقي فيها الحروف لأودعك
والدمع.. لأبكي الرحيل.
3
أي أمل ساقته الريح؟
سارت به، سار بها
تواعدا على الفرقة..
لكن للقلبين مواعيدهما.

التربية على ثقافة النقد

من المميزات الهامة والتي تؤكد فعلا أن لدينا خصوصية عمانية هي كراهيتنا للنقد، مع أننا نتغنى ليل نهار بأهميته، ونسميه أحيانا إيجابي، حتى إذا (زعّل) مسئولا يجب أن يسمى بالنقد السلبي ويوصف بأنه غير بنّاء.. وقد يتحذلق (كبيرهم) بأنه إساءة لجهود التنمية في البلاد وينم عن حقد وجهل بالحقائق.
أجمل صباح لي حينما أكتب عن الحب وما شابهه من مشاعر، وذاتيات ساخرة ومرحة، فردود فعل القراء أجمل مما خطته يميني (كما يقال قديما لكن الآن أصابع اليدين تضرب على لوحة المفاتيح)، أما إذا انتقدت أفعال مؤسسة ما فإن مسئوليها ستسخط على الكاتب والمقال وما ورد فيه، حتى وإن لم (تتجمّل) بتفنيد ما حصل.
وأتلقى ردود الفعل بعد كل مقال يومي أنشره في تشاؤلي هذا، لكن حديثي عن طول إجازة نصف العام الدراسي وجد صدى كبيرا، وانسحبت بعض التعليقات على خطط التعليم في بلادنا، وتجاوز بعضها حدود النقد للانتقاص من جهد كبير تقوم به وزارة التربية والتعليم، ولا جدال على ذلك، وهذا الكلام ليس اعتذارا مبطنا للوزارة على ما كتبت.. لأني لم أخطىء حتى أعتذر، والنقد لم يحمل أية إساءة.
قارىء (بمرتبة دكتور) صحح معلوماتي وقال أن الإجازة الممنوحة للطلبة مستمرة نحو شهرين، وهناك إضافات غير محسوبة لم يتلق الطلاب فيها دروسا رغم أنهم ذهبوا لمدارسهم، متسائلا: أين التخطيط، وكيف نضيع على الطلبة فرصة التعلم في هذا الطقس الرائع فيما صيفنا الحارق هو موسم الامتحانات.. والحصاد!!
قادني أملي أن أتوقع ردا من وزارة التربية والتعليم على هذه الإجازة المطولة، وحسب ردود الفعل فإن المدرسين أنفسهم اصابهم الملل من طولها، فأغلبهم لا يجيد الاستفادة من مواسم الأجازات فيما يعود عليهم بنفع علمي أو مادي.. والصمت دلالة على الموافقة بأنه ثمة مشكلة (أو لنقل كما يطيب لبعض المثقفين: إشكالية) جعلت من راحة بين فصلين ممتدة (وتتكرر كل عام) فيما مدارس التعليم الخاص آوت طلبتها إلى صدرها وقالت لهم أن راحتهم في تلقي العلم واعتياد الالتزام.. لا الاجازات.
حتى هذه النقطة انتهيت من الجزء السابق من المقال يوم الأربعاء، وتركته حتى تنضج الفكرة أكثر ولا تكون متهورة نتيجة ردود الأفعال التي وصلتني، إلا أن السبت حمل لي مفاجأة جميلة، رد من وزارة التربية والتعليم على مقال سابق لي عنوانه: أطعموا المعلمين، وامتد نحو نصف صفحة يوضح جهود الوزارة في الارتقاء بالمعلم.
ولا أريد الخوض في المقال لأنه مثالي على المستوى النظري، وكحال كل الجهات الرسمية (وحتى غيرها من مؤسسات خاصة وأفراد) لا يمكن الاعتراف بالقصور والتقصير كسمة معروفة في أي فعل بشري قائم على الاجتهاد وتنوع الرؤى والاختلاف في الرأي، مثل هذه المثاليات التنظرية لا يمكن الرد عليها (نظريا) فما يوجد في المدارس ربما لا يصل لكاتب الرد، أو أنه مكلف بخط مذكرة دفاع كأنها ستقدم إلى محكمة وليست في سياق مصلحة وطنية لا يمكن النظر فيها إلى الكاتب على أنه خصم يجب إبراز خطأ الإتهام أمامه لا صوابية الهدف (كالرد على الإجازات الغير مرئية قبل الإجازة الرسمية وبعدها).
طلبة ومدرسون ومدراء مدارس يتحدثون عن (تسرب) متفق عليه يحدث في مدارسنا، بينما الوزارة لا تريد أن تراه، فيا وزارة التربية والتعليم: نحن جميعنا في بيت كبير اسمه عمان، وإخلاصكم ليس أقل ولا أكثر من إخلاصنا، لكن استمعوا إلينا لتفسحوا لوجهات النظر فرصتها في الوقوف بمحبة هذا البلد، وهي ليست تهمة لتستحق دفاعا مستميتا.. حتى عن الموجود بوفرة، إلا إذا رغبتم في مديح العملية التعليمية.. كما أشرتم في ردكم أمس فهذا لا نقدر عليه لأنه لا حاجة به لمديح أو إبراز (حسناته) باعتباره الواجب.. وباعتبارنا مقدرين لكل جهودكم لكن علينا أن نبرز النقاط السوداء (أو ما نتخيله كذلك) ليتم التقليل منها إن لم يكن إلغاؤها.. من أجل بياض الثوب وجماله.

الجمعة، 13 فبراير 2009

وردة حمراء.. لكل العشاق

لن أسائل الزمن عن سر هذه الوردة التي تعبق هذا الصباح، ولمن تنتمي في ميثولوجيا التدوين.. لن تعنيني حكاياتهم عن سر هذا الـ(فبراير) الذي يزرع في يومه الرابع عشر وردة حمراء في وسط كتاب العشق، له فالانتاين حريته في ممارسة جنونه العاطفي.. ولي حريتي أن أجعل من كل أيامنا.. 14 فبراير.
دعيهم يفتشون عن سره، هذا اليوم، إلى ماذا ينتمي، لمن يدين بفضل التسمية، سأسميك كل الأشهر.. وسأزرع في حدائق وردك 365 وردة بكل ألوان الطيف، فقط، حتى لا تشبهين أحدا، وحتى.. لا أشبه أي أحد.
سيقولون أنه تقليد خارج عن تقاليدنا، وعادة لا تنتمي لعاداتنا، ولن يعترفوا باللون الأحمر كي يوزعه العشاق قلوبا وورودا وأسورة بلون الدم، هو العبث كما يرون، ولهم الحق في رؤيتهم، كما لي الحق.. في رؤيتك أجمل عاشقة تمد فاء الكلمة باتجاه كل الكلمات، وعلى دفاتر جميع عشاق الكون، من بقي منهم، ومن رحل بقلب يتيم.
سأتجاوز الكلمات الناقدة لأصرخ بملء شراييني أنه بحضورك كل الأشهر هي فبراير، وكل الأيام رتبت نفسها على أنها تحمل تاريخ الرابع عشر.. فقط.
سأتجاوز سوء النية تجاه نواياي، وأنني لم أجد ما يشغل هذا العالم من مآس لأكتبه هنا إنما تحولت عاشقا مراهقا يرسم قلبا مجروحا على جدار، و(يشخبط) في لحظة مراهقة قلوبا ووردا وكلمات حب ساذجه، سعيد أن أكون ساذجا لأني أحبك، وأن أكون مراهقا لأفكر فيك وبك، وأن أكون أول العشاق وآخرهم.. حينما يهطل فالانتاين باسمه الرومانسي، ولا يعنيني أي شيطان يحمل هذا الاسم.. أو أي قديس كان.
لنفتح دروبنا مع بداية أسبوع جديد من حياتنا على وقع خطوات الحب، لنكون أنقى وأكثر إحساسا بما حولنا من بشر وجمال في طبيعة خلقها الله من أجلنا وأوسع قلوبنا مشاعر رائعة لو اكتشفنا إنسانيتنا.. بالحب وحده.
سأوقظ كل ورد العالم، سألوّنه بالأحمر فقط، عشرون وردة مكتوبة بكل فبراير، ذلك الذي اختزلنا منتصفه ليكون عنوانا عريضا لحياة بك أجمل، لا نحتاج إلى (وثنيات) تذكّرنا بالمخبوء في قلوبنا، لكن ليس عيبا أن أضع وردة حمراء على دفتر العشق لأحدد الورقة التي تشدني لقراءتها دوما.. صفحة مكتوب عليها حروف لا تحصى، لكني لا أراها سوى اسمك، تجتمع لتكون أنت، تفترق لتكون.. أنا.
حالم هذا اليوم، ربما لأنه عابق بالورد، وبالهدايا الملغفة باللون الأحمر، ومزركش بكلمات الحب تقال في جميع أرجاء الكرة الأرضية هذا اليوم، كل تلك الكلمات من الحب ولا تفوح الأرض بالشذى؟!
تقاسيم سريعة:
.. وردة حمراء على قارعة الطريق، تعطي شذاها للمارة كمطر باهي الحلم.. فقط، لمن ينتبه أن ثمة أمرا غير عادي على درب العمر.
.. من وثنية التسمية إلى قداسة الحب سأسميك.. حبيبتي.
.. مؤكد، أنني لا أحتاج يوما (وثنيا) لأعلن الحب عليك، لكن (إيماني) دلني على أن أفضح مشاعري (المقدسة) في هذا اليوم.. مع أنك تدركينها كل.. يوم.
.. لو بيدي لملئت سلال الكون بكل ورود الكون الحمراء، لأهديها في كل قلب يدرك ما معنى الحب.. الحقيقي.
.. بالمحبة الصافية كان يمكن لهذا الكون أن يكون أجمل، وأن يبقى هابيل أخا لقابيل.

الثلاثاء، 10 فبراير 2009

مهرجان مسقط.. قبل الوداع

بقيت ثلاثية أيام على رحيل مهرجان مسقط في دورته للعام الجاري..
لن تكون المساءات الثلاث المتبقية عادية في زخمها الجماهيري، تدرك بلدية مسقط هذه الحساسية الجماهيرية تجاه لحظات الوداع في مهرجانات احتفالية كهذه، كما تدرك شرطة عمان السلطانية (وغيرها من الجهات المعنية) بأن عشرات الآلاف المتدفقين على حديقتي القرم والنسيم سيؤثرون على حركة مئات الآلاف العابرين للمكانين.
مساء بعد غد سيقول المهرجان وداعا، إلى لقاء بعد عام، وحينما تنطفيء أضواء مصابيح حديقة النسيم لن يكون الوضع عاديا في الشارع الرابط بين نصف ولايات السلطنة، وحتى يكون الوداع شفافا وحالما يتوجب أخذ الحيطة والحذر من تكدس بشري تسببه السيارات التي تقف ذات اليمين وذات الشمال في المسافة الفاصلة والواصلة بين دوارين متقاربين.
وقبل أن تقال الوداعية لا بد أن نقول شكرا، لست وحدي من يراها جيدة في حق من نظموا وسهروا وتعبوا من أجل كل تلك الآلاف الدالفة إلى فضاءات المهرجان، منها من ينتظر موعد فتح البوابات، ومنهم من يشهد إغلاقها منتصف كل ليلة.
النجاح لا يكتب قصائده من فراغ..
قد نرى جوانب نقص، لكنه الفعل البشري المنطوي على النقص دائما..
قد نلحظ مشاهد إخفاق، لكن أي نجاح ذلك الذي يضع علامته الكاملة في مشهد ضخم زواره عشرات الآلاف كل مساء؟!
من أجل مسقط، مدينتنا الأثيرة، نحلم به مهرجانا أجمل ما في الدنيا من مهرجانات، ومن أجل أولئك الزوار نتمناه جمع محبة وخير وأنس، لا منغص يرفع من ضغط رب أسرة، ولا خطأ يدفع ثمنه زائر كل ذنبه أنه رغب بقضاء وقت ممتع في ليالي تبدو كالحلم الشفيف يدفع بعضه بعضا، ما أروعه يتجلى في بحيرة حديقة القرم، الألاف منجذبون نحو فضاء يعلو الماء، أضواء الليزر ترسم دوائر من حلم، والألعاب النارية تكتب سماء من جمال مضمخ بالنجوم الهادرة لحظة في عتمة المكان، فتذوي لتأتي حزمة ضوء غيرها تكتب المشهد من جديد.
أسابيع من الحركة الصاخبة ببهجتها، مع أن بهجة (شعار المهرجان) اختفت وقد بدأت بالترسخ كعلامة دالة على مهرجان مسقط، وكان يمكن تسويقها لتكون دمية عمانية تنافس شقرة باربي ودعايات فلة.
كم من أسرة تجمعت لتكون في رفقة سببها المهرجان؟.. أطفال أنسوا إلى ليالي الأنس والمرح، وكبار التقوا ليتعرفوا على ملامح من قديم المكان وروائح من عمق الزمان، تحت مظلة الحدث زرعوا ورود التواصل، لقاء وغناء ومسرح وترفيه وألعاب وفنون وغير ذلك من الجماليات المكتوبة في حدث مسقطي سنوي اعتدنا عليه، حتى وهو يثقل حركة شوارعنا بالزحام، لكن زحام الوجوه كان أجمل، تلك السمات القادمة من كل بقعة عمانية، نرى فيها إذ نراها تنوع المشهد المكاني العماني، والثراء الحضاري المتعدد، ريفا وبادية، ولهجات تختلف لتجمّل بعضها الآخر.
شكرا، لبلدية مسقط، منظمة الحدث، وألف شكر لكل الذين ساهموا ورعوا وشاركوا في رسم ملامح مهرجان أصبح متميزا بما اكتسبه من مزج بين قديم لا نريد أن ننساه، وحاضر من المهم أن نتعرف عليه عبر سمات شعوب عربية وأجنبية، ومليون شكر لكل زوار مهرجان مسقط، فقد كانوا الجمال الحقيقي، فقد برزت الشخصية العمانية المحببة للمقيمين والزوار، تلك الشخصية المحبة للآخرين المحترمة لهم.. بأعصاب هادئة وأخلاق.. أكثر هدوءا.. وتحضرا.

تشاؤل أخير:
كل أولئك المفكرين حضروا في مهرجان مسقط.. ترى من سننتظر في معرض مسقط.. للكتاب.؟!

الاثنين، 9 فبراير 2009

ذنب

لا تبتئس يا صديقي، اختارك طريقك، أو اخترته، كلاكما وجد الآخر فسرتما معا..
أرجوك، كف عن بؤسك قليلا، كل منا يحمل بؤسه بطريقة ما، يضعه في صدره ويمشي، قد تتساقط علامات دالة على بعض ملامحه، لكن علينا أن نمشي، باية كيفية كانت، يتوجب السير على أقدامنا، تتبع الخطوات الواجبة والمكتوبة، قدرها إجتياز المسافات المقدرة، ثم يحين أوان وصولها، دون أن تدري، يتسلل عرق مالح على الجروح القديمة فيذرها للريح تعبث بها.
هكذا أنت يا صديقي، تجترّ حزن البارحة، لكن لليوم أحزانه الأخرى، لا تراكم الأحزان فوق بعضها، ستثقل كاهلك بلا فائدة ترجى، سينكسر ظهرك وقد أتعبته الأحمال.
يضع صديقي أحزانه على طرف لسانه يرويها، لا أدري كم من الزمن مرّ وهو يروي، يفتح جراحه للعابرين على قارعات الطرق، للقارعين أبوابه في المساءات المتراكمة كأحزانه.
ألح عليه الكفّ عن السقوط في متاهة فضّة، أقول له أن للوجع حيله ومباغتاته، أقول له: ضع أحزانك على طرف لسانك وتخلص منها بالحكاية وراء الحكاية، لا تخجل مما فعلت، يحدث باستمرار في هذا الكون المفخخ بتحرشات أرواحه وأجساده، مليارات الأرواح تهوم في الأفق المترامي على غير هدى، وأجساد تخلصت منها آوت التربة لتنبت أجساد لا تحصى، هكذا جسدك، حصانك الكابي، الممزق بالسياط وألهبة النار، هو الحامل لروحك مهما حاولت التخلص منه، جروحك عليه تراها، رغم أن الروح ممزقة فوق حدود الرؤية.
أصدقك إذ قلت أنه لا ذنب لك، وأن المائة بيسة التي وضعها في يدك الشاب ذو الشارب كان لها طعم شهي ذات فجر من السنوات، وأنك ترددت في منع يده من قرصك على خدك، قلت في خاطرك أنها قرصة وتمضي، خاتلتك، ظننت أنها عابرة ومشاكسة، تماما كما يحدث في هذا الكون من حولك، تعفّر ظهرك بغبار السنين تجرّ أحمالها فوق ظهرك، وما تبقى في وجهك من وسامة كانت حبلى بالتشهي.
أصدقك، يا صديقي، احقيقة على فمك لها طعم حارق، أصدّق الحقيقة بمذاقها الجحيمي المغتال للروح قبل الجسد، كأنها القبلة الأولى التي زرعها الشاب ذو الشارب في خدك باقية نسيتها السنوات العشرين، وكأنها قد فاجأتك، وددت لو رددتها بصفعه، لكن اليد التي همّت بالصفع قبضت على المائة بيسة، اخترتها بشغف طفولي له شقاوة الروح مهما تجرأ الآخر على الجسد، قاضما منه ذرة لا ترى، لكنها أشعلت أتونا لم يكف عن الإشتعال.
أمض في الحكاية يا صديقي، لها قدسية البوح، أعرف أنك ذهبت ثانية لدكان علي الهندي، واشتريت هذه المرة شنطة روتي، للمرة الأولى تمتلك حق أكل شنطة روتي كاملة، لا يقاسمك فيها تسعة من اخوة لم يعرفون يوما الشبع، كأني لمحتك تحت شجرة الأمبا تجلس تفتح الكيس النايلوني، وأنفك الشامم رائحة شهية للخبز يسافر بك فوق قمم النخيل الحائمة حول رأسك بقممها الندية، مختلف ما تلتهمه عن خبز أمك الذي اعتدته منذ أن كنت في القماط، تسحك باتجاه الطوبج فتمنعك خوفا عليك من النار، رغم أنها أحرقتك بها أكثر من مرة حين كنت تبكي كثيرا، الساعات الطوال التي تبكيها باغتتها أمك بحروق في فمك ولسانك، ويدك التي امتدت لجرة جدتك من السمن لسعتها حرارة السكين الساخنة التي وضعتها جدتك على يدك عقابا، كأني لمحتك يا صديقي تنهش الروتي، وتتذكر قرصة اليد على خدك، القبلة التي تركها الشاب ذو الشارب على خدك، وتكاد تشعر بها حروق جسدك تسكن دفعة واحدة، الحروق التي تركت آثارها على لسانك وفمك ويديك.
صديقي، خجل تروي، تحلف بالله مرات بعد مرات أن الأمر تم بعفوية، لا تدري أي رمح ناري انغرس في باطنك، ممتد من تلك الطفولة البائسة والمحرومة، يحوم حول روحك محاصرا، يكسرها كلما عنّ للجسد التمرّد على رغبته.
تقول أنها حماقة كانت..
أصدقك يا صديقي أنك ما كنت تقوى على رفض نصف ريال مرة واحدة، لا تحلف، أراه الشاب ذي الشارب يلوّح بالنصف ريال أمام وجهك، ويقول لك أعطيك إياه غدا إن لم تعاند، قلت في نفسك سأذهب، أحتاج الغوازي لأشتري فانيلة من دكان الشايب سليمان، سآخذ الغوازي منه، لن يقتلني.
ورأيتك تذهب إليه، مشى بك إلى بقعة كأنه اختارها عصية على العيون، تحت شجرة الليمون وقف، أخذ بيدك إلى جذعها الصلب، مارستما لعبة القط والفأر، يضحك هو، وتضحك أنت، وعينيك على مخباه تتساءل متى سيعطيك ما وعدك، يتلمسك وأنت تتقن التملص من قبضاته كأنك تلهو، أحسست بك تصفعه حين احتضنك من الخلف، استدرت وصفعته بقوة، لا تدري أي قوة واتتك، استدرت بكف من حديد أطبقت بقوة على خد الشاب ذي الشارب.
وأنت تتحدث لا تخجل، يحدث في الطبيعة ما لا يروى، لكنك تروي، كأنك تريد الاعتراف متخلصا من ذنب يحاصرك، لا تصدق الذنب، أنا أصدقك، يأخذك الطريق إلى البيت، خطواتك تدفعك كيفما تريد في ذرعها للمسافة الفاصلة بين شجرة الليمون وبيتكم، كأني أراك تذهب للبيت تبكي، وضربك ابوك لأنك تأخرت عن البيت، وشتمك أخوك لأنه رآك تذهب مع الشاب ذي الشارب، ورفضت أمك توسلاتك بأن تصدقك، بأنك لم تفعل شيئا كالذي فطنت إليه، لا تخش البوح يا صديقي، أنا أصدّقك، ربما للمرة الأولى تبوح دون إنتظار باكور تمزق جلدك، أو نار تحرق فمك ولسانك ويديك.
كأني ألمحك، عبر ثقوب الحكاية، تهرب من كل شيء، وتذهب إلى الشاب ذي الشارب، تطلب منه النصف ريال، فلا يلتفت إليك، منطلقا بشتائمه بعيدا عنك، تأتيك الكلمات بأحجارها، يسألك عن جدوى العناد إن كنت تحتاج "الغوازي"، لا تفطن أنه يريد أعمق مما تظن، وأن الجسد ليس ملامسة لقشرة خارجية، تلك لا تستحق نصف ريال، خمسمائة بيسة كاملة، تكفيك لشراء القميص الذي رايته في دكان الشايب سليمان.
أشعر بك يا صديقي، وأنت تنتظر بجانب الساقية، لعل الشاب ذي الشارب يمر، تمشي قرب بيتهم، قد يخرج صدفة، لا تفكر بالنصف ريال الآن، كأن خدرا باقيا من احتضان البارحة لا يزال ملتصقا بك، لعبة القط والفأر لذيذة، مسلية، للجسد نوازعه.
يحدث ما يحدث لأنه يجب أن يحدث..
يا صديقي، مرة الحكاية، لكن يجب أن تنطلق من عقالها، مؤلمة حين تحبسها في جسدك، وروحك تنفلت من قضبانك تستشعر مذاق الحكاية.
صدقتك إذ قلت، وإذ حكيت.
زوج عمتك، يجلس بستينياته يسفّ في المبرز الطيني ماضغا وحدته، يشكّل من الخوص ما يمكن أن يكون بساطا، سمعتك تقول له عمي علّمني كيف يتجمّع الخوص فيكون سفّة تطول وتطول.
قال لك اقترب، فاقتربت.
لامس كتفك كتفه، شعرت بذات الدفء حين مارست لعبة القط والفأر تحت شجرة الليمون، تسللت يده إلى أسفلك كأنها أدت دورها عفوية، لم تتحرك عنها، غرس أصابعه أكثر، كأنك بعد قليل كنت تجلس على يد الرجل الستيني، أصدقك أن إحساسا غريبا باغتك، اليد التي انغرست أسفل جلوسك تجرأت أكثر، وأنك لم تشعر بما حدث في الفاصل بين اللمسة الأولى التي حطت أسفلك، والرمح المنغرس بصخب حارق فيك، لا يستجيب لصراخك المكتوم، وأنك خرجت كأنك لم تكن أنت، عطب بالغ حملته، لم تقدر على المشي، ذهبت إلى شجرة الليمون، وتوسدت حجرة هناك، ونمت بألمك.
لا تبتئس يا صديقي، أغسل تلك المرارة من حلقك، لن يجدي شيئا، أصدقك كأني أشعر بحرقة الكلمات على لسانك، مهما دفعت المراة لن تذهب، آوتك اللعبة إلى حلقها، كأني أراك تنتبه لصوتين يأتيان من أسفل شجرة ليمون مجاورة، رأيت الصدفة التي رأيت، الشاب ذو الشارب وفي يد النصف ريال الذي رأيته قبل يوم يحطه في يد أخيك.

قصة قصيرة: ما فات شهرزاد من حكايات

استوسد زند شهرزاده، وضع الجانب الأيمن من رأسه على الزند البض، وأغمض عينيه، قال لها: يا شهرزادي، النهر يعطي الطمي للفقراء، سيغصون بالوحل، من لهؤلاء الفقراء؟!
أغمضت شهرزاد عينيها، تسترجع القول، الفقراء، من أين جاء بالكلمة هذا القاتل، فقراء، الـ.. فقرااااء، نطقتها أكثر من مرة، ومطّت الكلمة مضيفة ألفات كثيرة قبل أن تقف على الهمزة، كأن حجرا سدّ مدخل الحلق، ردد صوتها كالصدى: نعم الفقراء، لهم الطمي في قاع النهر، أتعرفين، أنه أكثر خصوبة؟، لكنهم يحلمون بالسمكة التي في بطنها خاتم سليمان، أو حتى أرزه.
بحث في عيني شهرزاده عن ألق ظنّه وهو يقول سليمان، ردّدّ الإسم مرة أخرى،لم يكن شهريار يقصد سليمان النبي، الذي تعرفه بلقيس حين كشفت عن ساقيها عند دخولها القصر الممرد، والذي أعاد إليها هديتها لترى بما يرجع المرسلون، شهريار لديه سليمان الممتلك لخاتم اشتهر بفصّه، يلمع بألوان تقبّل أشعّة الشمس في كل وقت وحين، وتستقبل القمر في المساءات.. له أشكال تتبدل، بالليل لها مرأى وفي النهار لها ألق، في زحمة الطمي لم يتذكر الفقراء إلا خاتم سليمان وأرزه "الباسمتي".
كان زند شهرزاد طريا، له رائحة الياسمين الأبيض ولونه اللؤلؤي الذي يلهب جمر شهريار، مرة رآه سليمان فأحرق قلب شهريار بالنظرة، ودّ لو قطع زند شهرزاده، وعنق سليمانه، لكن للزند فوائده، وللعنق سطوته، نظر في مسائه القلق إلى صورته تعكسها مرآة بركة الماء، وأيقن أن الزند لم يخطىء كما أن العين لا تلام.
قصد سليمان، التاجر، القصر وفي جبّته فكرة مفرحة يلقيها بين يدي شهريار، كان زند شهرزاد متوسّدا من الجانب الأيمن لشهريار حين طرق الباب الكبير، واقف وراءه الرجل الذي يلبس جبّة تحتها فكرة مفرحة، غطى شهريار الزند الأبيض الذي لم يخطىء في المرة السابقة خشية من العين التي لم تلام من قبل..
- يا مولاي الملك، جئتك بفكرة أن تصبح أغنى رجل على وجه الكرة الأرضية، سيسمونك ملك الملوك، وبأموالك ستجعل صورة الدبابة التي دخلت بها القصر حصانا أبيض، والدماء التي غطت وجه النهر يوم أن حدثت المذبحة قصة حلوة يحكيها الكبار لصغارهم قبل النوم، لن يتذكروا أنك المنقلب على ولي نعمته، سيرونك المخلّص لكل آلام البشرية، أما الفكرة...
- جئني بها سريعا، وإلا فإن السياف مسرور يحوم حول من يحاول خداع الملك، لكأنك تذكر الدبابات والمذابح دون خوف.
- فدتك الروح يا مليكي، لذا جئتك بما يجعلك الأفضل بين ملوك الدنيا، تجعلني على خزائنك لتنمو، أضم إليها خزائني فتكبر، ولك كل الحصاد، ولا أرجو إلا رضاك ورأسمال خزائني.
- لا آمنك، ولكني سأجعلك وزيرا ، ولتكن وزيرا للتجار، فإن أحسنت سلمتك خزائن البلاد، وإن أحسنت أكثر سلمتك خزائني.
- هذا هو لبّ الفكرة ومنتهاها، خزائني ملآى بالحبوب، والناس لا يحبّون أكل الطمي، إنما عشقهم لما يملأ بطنهم.
- لا تجعل شعبي يجوع أكثر، سيأكلون خزائنك إن خنقهم الجوع، إن أجعتهم سأرميك للجوعى.
ومنذ أن غادر سليمان التاجر القصر الشهرياري أصبح أهم مخلوق على ظاهر المدينة، في الشهر الأول فاض الخبز من الأفواه، وفي الشهر التالي نقص عدد الأرغفة عن سابق عهدها، علا صوت الفقراء، وصاحوا : الأفواه تزيد والأرغفة تنقص، بئس البلاد يا شهريار..
- يامليكي، إنما هو جشع الفقراء، ألا ينامون على شبع؟
- أعد إليهم ذات العدد كي لا أنقص من عمرك أياما.
ومرّ شهر، امتلأت الأفواه فلم يصدر منها صوت، ثم تناقصت دائرة الرغيف، يصغر قليلا فقليلا، لم يعد الرغيف الواحد يملأ الفم، والفم قابل لإطلاق الصوت إن فرغ من محتوى ما فيه.
- يا مليكي، إن الفقراء مصابون بضعف النظر، أنظروا إلى الرغيف كيف أن استدارته كأنه صينية، والفقراء لا يشبعون، إنهم يتناسلون يا مليكي أكثر مما تفعل الحبوب، في كل سنبلة مائة حبة، وفي كل حارة ألف طفل.
- لن أسلمك خزائن البلاد وأنت تسرق خزائن الحبوب.
- لا تصدق الفقراء يا مليكي، الفقراء يكذبون، الفقراء يكرهون الأغنياء.
تعاقبت السنوات، والجوعى يتخاطفون اللقمة، كلما زاد تاجر في البلاد ظهر مائة فقير فيها، وتزايدت الأقوال، فلا ينقص رغيف خبز في "تنور" البلاد إلا قيل أن سليمان باعه لحسابه الخاص، أو أنه خشي على فص خاتمه أن يتأثر بحرارة التنور فيبهت لونه ويذهب بريقه، زاد عدد التجار في البلاد، وعدّ هذا من أفضال السماء على بلاد شهريارستان.
خمسة من أبناء سليمان أصبحوا تجارا، واخوة سليمان وأعمامه وأخواله أمسوا ممسكين على القوافلة الرائحة والغادية في رحلتي الشتاء والصيف، وتكاثرت الخواتم على الأصابع حتى لا يكاد المرء يتخيل نفسه صائدا لسمكة دون أن يتوقع فيها خاتم سليمان أو أحد أقاربه.
سألته العجوز الواقفة في طابور الخبز عمّا حل بالبلاد وأتعب العباد فأقفرت الأرض وشح الأكل، فأشاح وجهه عنها، رافعا صوته وهو مدبر أن الأكل سيأتي وسيتعقب التجار الجشعين، فقط عليها أن تكون مواطنة صالحة تكف عن التذمر وتحزم معدتها قليلا لتخف وزنها الزائد، وتبتعد عن الماركات الرفيعة لتقتصد، وعليها أن لا تقلد الكبار فيما يأكلون، وتتشبه بالصغار فيما يضرسون.
فتعقّبها رجال شهريار يفتّشون في ذاكرتها القديمة بحثا عن سوء الظن، فلم يجدوا إلا كوابيسها تترصّدهم من جدار إلى جدار..
- سترخص البضاعة، وسأضرب بيد من حديد على التجار الجشعين.
- لكنهم أهلك يا سليمان.
- سأبدأ بأهلي، وسأهددهم بالويل والثبور وعواقب الأمور.
- ولكنهم أهلك يا سليمان.
- سأبدأ بنفسي، وسأفتح "هايبر ماركت" ضخم جدا جدا، من أجل الفقراء، سأوفر لهم سلال كبيرة ليحملوا فيها بضاعتهم، وآلة عجيبة تقرأ السعر، وبطاقات يدفعون بها، ومن لا يمتلك الآن سيدفع غدا.
.. وحين توسّد شهريار زند شهرزاده البض لاحت له البلاد بأصواتها تتلو عليه حكايات لم تبح بها هذه الأنثى من قبل، ستحتاج إلى مليون ليلة وليلة لتلقمه حكاياتها، الطمي في النهر يثقل الماء، وسليمان يكدّس فصوص خواتمه كأنه يمنع بها جريان الحياة.
- يا مليكي، دمت بأمان، خزائن الحبوب في قصرك بها من الطعام ما يكفيك ألف عام، أطال الله عمرك، وعمر كل من تحب.
- لكن صياح الجوعى يأتيني..
- إنما هو صياح الشكر يا مليكي، يحمدونك، ويشكرونك.
- لكنه يأتيني كالصراخ..
- تكدّست الحبوب عليهم، فآذتهم، جعلت من عائلتي فداء لهذه البلاد، لهم بين البيت والآخر متجرا، ومن لا يدفع اليوم له حق التأجيل.
.. وقبل أن يأذن البطن بالصياح.. أقبل الصباح، فنام شهرزاد دون الطعام المباح..

عيون القلب.. والوجد

.. إلى امرأة تسكن غيمة في البعيد، كأنها قدر أعلى من حدود الحلم، كأنها المستحيل يسكن الحياة، ويباغت الأحلام على حين غرة من النبض:
سيدة الحكايات الصغيرة.. ما عادت الأيام تأتي كما نشتهي.. صاخبة الأزمنة فوق قدرتنا على تحمّل ضجيجها، أطلقي موسيقاك وغني لليل، ستتكاثر النجوم على كفي، سأطير من الفرحة، سأحول عتمات الليل إلى واحات من الشموع، سأغني لكل نجمة، ستسمع موسيقاك، وسأغنيها الكلمات التي تحب، هل رأيت نجمة تخفق في العتمة البعيدة، موسيقاك أسكرتها، فدعيها تومض إشراقا، كيف لها أن لا تفعل ذلك، وأنت الموسيقى والكلمات..
يا سيدة من ضوء..
لك مخاوفك، لك الليل كله تسردين على مسامع سكونه قصصك وأمسك.
تقولين لليل ما لا تودين أن يسمعه النهار، قاس ذلك الوقت الذي انسل من بين يديك، وأنت زهرة تفتش عن الماء لتورق أكثر، المرأة كالشجرة تحتاج عروقها لماء الحب، بدونه سيضربها الخريف مبكرا، سترتعش تحت قسوته، ستتساقط ورقة ورقة، أنت أنثى شهية كالربيع، أحتاجك في شتائي، حارقة أنفاسك كأنها قادمة من فوهة الصيف، فقاومي الخريف.. لأنك أنثى كل الفصول.
طفلة ما زلت، تحنين الى ألعابك الأثيرة، وتحضنين وسادة منقوش عليها قلب ملون، أدرك أنك ممزقة بين أن تكوني الطفلة والأنثى، أن تكوني حبيبة لا تنتظر الليل وحيدة في غيابه، أن تنام كدمعة على صدره فيزهر شعر صدره أزهارا تداري عنك غبار السنين.
تحلمين أن تكوني فراشة تتنقل من زهرة الى زهرة..
تحلمين أن تكوني أغنية يرددها أكثر من عاشق، وعاشقك لا يأتي، يضن بحضوره، تفقدين الرغبة في الأحلام، يأتي اليك الليل وحيدة، كما يأتي الليل الى طفلة، كما يحاصر عاشقة، مثلما يباغت منتظر لمجهول قد يأتي مع أية نبضة.
لليل منافيه يا صديقتي،
وللغياب وحشته.
للقدر الساكن في أحداقنا وهج نكتبه في لحظات العشق قصائد، نشعل أبياتها شموعا تونس عتمات الروح، هل جربت مطاردة الظلمة بالكلمات؟
قدرك أن تبقي بين حد العشق وجمر اللقاء أنثى من ورد..
بين دنيا تتجاذبك، تشعرين أن الزمن يسرق أحلامك، لا تضعي كل أحلامك في غرفة واحدة، تنمو اذا وجدت الماء والضوء والهواء، إذا وجدت الفصول تمر عليها، لأكن ربيعك، لأكن السماء التي تهبك الأفق الأزرق الجميل، ولأكن بحرا من لؤلؤ يحتفي بخطواتك حين تسير على الحد الفاصل بين الماء واليابسة..
طوال سنوات أحلامك تبحثين عن ماء يمنح صحراءك معنى الحياة.
ليلك طويل.. لكنه عميق الرؤى إن بقيت شمعته..
ليل الظلمة، وليلك الداخلي، كلما اشعلت شمعة في داخلك باغتتك الريح فأطفأتها، خائفة أن تنتهي شموعك ولا يسكن جفن الريح قليلا لتتمكنين من الوقوف، والسير في العتمة على أمل في بقعة ضوء، هكذا انت تشعرين دوما بأن نفق حياتك طويل لا آخر له، ولا أمل يرتجى في غد أجمل.. قاس أن نفقد الأمل في الغد، يزهر العمر اذا تمسكنا ببقاياه تزهر على جبيننا أقمارا صغيرة، قد يأتي بالأمل شعاع شمس أو قبلة من قمر، فراشتي الصغيرة.. احلمي، جميل أن نحلم، أن نبعثر على الأرض أحلاما بعدد النجوم، ستكون الأرض سماء أخرى تزهر فوق حقولها نجوم أحلامنا، أيا أنثى من زهر، مدي ضوءك، يحتاجه الليل ليرى فجره، تسأله عنه الحقول لينمو فوق روابيها الورد.

مسجات

اماكننا سفر واحد
وقصتنا لا ضفاف لها
فسافري الي
أنا الساكن جميع تفاصيلك.

##

أروي قصتي لروحي
فتستيقظ حواسي السبع
تبحث عنك
يا حاستي الأخيرة.

##

كلما ظمئت
افتش عن نهرك
اغترف منه بيدي
حتى أدمنت ماءك

##

كمن يعاند ظله
تأخذني شمسك
تغرقني فيك
دون ظل.

##

أفكر فيك
اذن أنا موجود!

غلام خميس

قبل أشهر كنت أطلب رقمه، لم يرد، لسبب ما بقيت المكالمة في قائمة الانتظار، لم يرد غلام خميس، تحدثت معه عدة مرات سابقة أريد صورا منه لمشروع أتولاه (عمانيا) مع قناة ال بي سي، غلام يبحث عن الصور، وأنا أبحث عن غلام، الصور أخذت منه ضمن مشروع لتكريمه بمباراة اعتزال تليق بنجومية حينما لم يكن هناك الكثير من النجوم، لكن بما يكفي للتدليل عليهم..
رحل غلام فجأة، كطائر كان قريبا من السحاب، لم ينتظر مباضع الجراحين ولا روائح الأدوية، باغتهم أنه مات، معلقا بين السماء والأرض، أغمد سيف أحلامه فجأة، واباح الحزن لأحبابه ليتذكروه به.
مر أكثر من ربع قرن، المشهد على مدرجات ملعب بيت الفلج، هناك غلام خميس يتلاعب بالفريق الخصم كما يشتهي، يراوغ، يسدد، يحرز الأهداف، هو النادي الأهلي، باللون الأزرق، لون البحر، وهناك محمد جمعه، علي شمبيه.. ومجموعة كبيرة من الفنانين الأهلاويين الذين يأخذوننا إلى مزاج كروي جميل، كنا نشفق على من يواجه الأهلي.
في عام 1983 كان استاد الشرطة زاهيا بمجموعة من المباريات الودية التي لعبها المنتخب مع فرق معروفة استعدادا لكأس الخليج السابعة، وكان غلام يقاوم إصابة قديمة، غزال يناور ويتقافز، وقدمه اليسرى كان لها مفعول السحر، لم يكن محظوظا، لا هو، ولا المنتخب، لكنه اعاد إلينا بعضا من كرامتنا الكروية حين سددها أرضية زاحفة في مرمى الحارس الإماراتي عبدالقادر حسن، نسيت الدمعة التي اسقطتها من عيني راسية البحريني خليل شويعر في مباراة الافتتاح، حقق لنا غلام تعادلا غاليا، وأول فوز في كأس الخليج، كما حقق بطولات للنادي الأهلي.
مات غلام، وقد كان يحلم بمباراة اعتزال، وكان يحلم ببيت بسيط يضمه مع أسرته، وهو النجم العماني الأبرز في فترة الثمانينيات، تحمل ألم الإصابات من أجل المنتخب، وحصد للأهلي بطولات عديدة، فلا الاتحاد وجد الوقت ليلتفت لمثل هذا النجم، وذاب الأهلى في متاهة منذ أن غادره ربانه الماهر حسن سعيد، أبرز رئيس ناد جمع البطولات، قبل أن يأتي المرحوم السيد سامي بن حمد في رحلة ممتعة مع نادي فنجاء.
لم يجد غلام الصور التي أخذت منه بالعشرات من أجل حلم تكريمه..
ولم أجد غلام خميس ليكون ضمن موسوعة نجوم من الخليج، حاصره المرض فوق احتماله، وبقي رقمه معلقا في قائمة هاتفي، كأرقام أخرى لم يعد أصحابها يردون على رغباتنا بسماع أصواتهم والاطمئنان عليهم.
أذكر ضمن ما أذكر حينما قال حمتوت جمعان، نجم نادي النصر في تلك الفترة، أنه النجم الأول في عمان وصورته في كل بيت، ظهر غلام خميس في عدد لاحق من مجلة الرياضة والشباب الاماراتية ليقول أنه هو نجم عمان.
نعم، كنت نجم الكرة في عمان، كنا ننتظرك في ملعب بيت الفلج، أو في ملعب النادي بدارسيت لنراك بقميصك الأزرق مبدعا مع "الأهلي" الذي كنا نعرفه ونحبه، حيث نبحث عن تقليد أن يكون لنا ناد نشجعه، وكانت مهاراتك تهدينا فنونها لنقتنها حينما نشاغب الكرة، لأننا لم نكن نمتلك سحر الشاشة الصغيرة نتابع غير ذلك المتاح.
أكثير على نجم عرفته الجماهير الكروية العمانية أكثر من عشر سنوات مبدعا متألقا على البساط الأخضر أن نكتب عنه مقالا باسمه؟!
ليس كثير عليك يا غلام، لأنك النجم الذي تذكره الكثيرون حينما أفل، وقد كان بينهم يحلم بتكريم يستطيع على الأقل أن يقول للجماهير التي عرفته وأحبه وداعا، لكن الموت أخذه، ولم يكن قريبا منه كثيرون من أحباؤه ليقول لهم: وداعا.

كلام.. سياسي

انتهاك.. شرعي:
انتهك بوش حرمات بلدان عربية وإسلامية بموجب تفويض إلهي، وحصدت القاذفات الأمريكية أعدادا كبيرة من المدنيين الأبرياء في باكستان وأفغانستان، ليس لأنهم شاركوا في غزوتي نيويورك وواشنطن، بل لأنه جاء ذكرهم ضمن فقرات التفويض الإلهي الذي وصل بوش.

محور الـ"ضد":
وقال التفويض الإلهي الذي جاء كالوحي على بوش بأن هناك دول تسير مع الشيطان وعليك تسميتها بمحور الشر، ضحك الشيطان مما حدث، ولكن هل يبقى هذا المحور بهذه التسمية مع الرئيس الجديد أوباما، أم أن اللون المختلف للرئيس الجديد سيخفف من سواد الرؤية الأمريكية تجاه معسكر الـ"ضد"؟!.

مسلسل أردوغان:
انسحاب أردوغان.. مسلسل تركي جديد، يبدو أنه سيكون طويلا وجاذبا للمشاعر العربية، خاصة وأنها كادت أن تنسى حذاء الكرامة، وتبحث عن لعبة جديدة في مسلسل درامي تتفرج عليه، وتتحدث عنه في جلسات الخواء.

نقاط.. متحمسة:
.. حماس تتحدث عن التهدئة في العاصمة الإيرانية، وفتح متمسكة بحوار في عاصمة العرب المصرية.. لكن طهران والقاهرة بينهما من منغصات اللقاء ما هو ممتد من استضافة (الشاه) إلى شارع (قاتل السادات).
.. يلومون مصر، يطالبونها بمداومة التضحيات بالنيابة عن الآخرين، فيما الآخرون لا يضحون حتى بكرسي الحكومة (المقالة).
.. يسعى أصحاب النوايا الحسنة لبناء التفاهم السياسي بين (حزبي) فلسطين، فيما تعمل (النوايا الخفية) على هدم حتى ما تبقى من جدران غزة.. لأن حديث الانتصار يستلزم جر إسرائيل لهزيمة أخلاقية مهما كان ثمنها من دماء المدنيين الذين احتاروا فيمن اختاروا.. ومن سيختاروا.
.. اختلفوا على من يطعم الجائع ويداوي الجريح.. ثم سيختلفون على من يدفع ثمن كفن الشهيد.. فهل سيتفقون حينما يحتاج ما حصلوا عليه من وطن.. إلى رقعة كفن.. بحجم وطن.
.. حقائب (حمساوية) تضم 12 مليون دولار (ضبطتها) مصر قبل أن تدخل رفح إلى غزة.. مجرد رسالة مصرية أنه يمكن ضبط ما يمر تحت الأنفاق وما فوقها.. لو أردتم معرفة حذاقة الدور الرقابي.. المصري.
.. تحدث العالم عن حل الدولتين.. فهمه البعض على أنهما دولتان: واحدة في غزة وأخرى في الضفة، وكفى الله الفرقاء خير الوفاق، فالقضية بخير طالما وجدت (المايكرفونات) والفضائيات!!

هل مقتنعون ببلادنا؟!

زار بلادنا حين استضفنا القمة الخليجية أواخر ديسمبر الماضي 300 صحفي، بينهم إعلاميون من بلاد الله الواسعة، شرقا وغربا..
ولم تكد مفكراتهم تبدأ في النبش عما حملوه معهم عن السلطنة حتى حلّ علينا نحو 700 صحفي قدموا لتغطية القمة الكروية الخليجية، إعلاميون جاءوا لينقلوا صورة المشهد العماني، وليس الكروي فقط، إلى غالبية قارات العالم.
وفيما كانت المسيرات الحمراء تهجع عن ذروة فرحتها حتى بدأ مهرجان مسقط، ومؤكد أن بين زواره من يمتلكون قدرة النقل الإيجابي عن بلادنا بما لا يتاح للألف إعلامي الذين زارونا في المناسبتين الخليجيتين.
أسير إلى فكرتي وفي فكري ما قاله الحكم الهولندي الذي أدار نهائي خليجي 19، يقول أنه عندما وصلته الدعوة نظر إلى الخارطة وصاح: يا إلهي، سأذهب إلى هذه البقعة البعيدة من العالم.. وحينما اكتشف المكان في الأيام الأولى قال أنه سيعود إلى عمان ومعه عائلته وسيقنع أصدقائه بزيارة هذه البلاد التي أحبها.
أسير إلى فكرتي، وفي مفكرتي حديث ودي لمسئول رياضي يمني وهو في الأصل صحفي شهير، كنت أتجول معه في ليل مسقط، يهنئنا (بهذا السلطان)، يقول أنكم تستحقون مثل هذه الشخصية العظيمة كما تستحق بلادكم العظيمة هذه القيادة الحكيمة..
وأسير إلى فكرتي وفي ملفي عشرات المقالات التي أتابعها بشكل يومي عن عمان، كتبها صحفيون رياضيون، لم تبهرهم أبراجنا السكنية التي تناطح السحاب لأننا لا نحتاجها، ولم تشدهم المجمعات التجارية العملاقة لأن اقتصادنا صغير ومحدود مهما حاول البعض تهويله والقول بأننا بلد ثري يرقد على بحيرة نفط..
يقولون أن بلادنا بها جمال تعكسه طيبة الناس وأخلاقهم ولطفهم، وهذا الثراء الحقيقي، المتمثل في الإنسان، وليس في أعمدة الخراسانات.
يقولون أن عمان تعيش التطور الهادىء المعتمد على رؤية حكيمة غير متسرعة، وهذا قد نختلف عليه، لأن الغيرة على بلادنا تدفعنا لطلب المزيد من السرعة..
تذكرت ما قاله الداعية سليمان العودة وما صرح به في فضائية عربية معروفة عن عمان وشعب عمان، وكل الذين ألتقيهم يتحدثون بمحبة كبيرة عن البلد المتزن، والمتوازن، المحافظ على هويته وأصالته.
يقولون عن بلادنا القصائد..
فيا ترى ماذا نقول عن بلادنا؟
نلتقي بشخصيات لا ترى سوى نصف الكأس الفارغ، تقول أن البلاد تسير للوراء بسبب هؤلاء المسئولين الذين لا هم لهم سوى مصالحهم، وبمزيد من القول يصورون السلطنة وكأنها صحراء تعيش التخلف ولا أثر للجمال فيها.
يسألونك بغرابة: أييش عندنا احنه؟!
وأتساءل: لماذا فقد أولئك الثقة في بلادهم وبني بلادهم؟! أو هي اختلالات الثقة بالنفس التي لا ترى سوى القتامة في كل أمر؟!
أقولها: نعم، هناك قصور واضح في مجالات كثيرة كان حق عمان علينا أن نحقق فيها المزيد من التطور، ولكل منا وجهة نظره، التي لا يمكن أن تكون هي الحقيقة الوحيدة على وجه الأرض، وقبل أن نسأل: ماذا قدمت عمان لنا، لنسأل أنفسنا: ماذا قدمنا لعمان؟

يا.. عمري!!

يصل المرء إلى مرحلة جميلة من العمر تتيح له النظر من بعيد لما فات، وكأنه غير معني بما عبره في سنوات (منصرمة)، مدهش ذلك التأمل، كأن الحياة بدأت مرة أخرى، أقول في نفسي حينما أصل الخمسين كيف سأتعامل مع حياتي، ومع الحياة، وفي الستين ترى أي دهشة سأروي عطشي للحياة من نبعها؟ وفي السبعين كيف سأبدو عجوزا بالكاد يرى، وحلمي من الآن أن يتطور علم البصريات فنبقى على ما تيسر من البصر حتى وإن خانتنا البصيرة.
ستحيط بي الكتب فلا أقوى على القراءة، وهذا عجز كبير أن لا أمارس هوايتي التي أدين لها بكل ما لدي، ماديا ومعنويا..
وستتأنق البنات أكثر، وسينكشف المستور أكثر، وحينها سأضرب يدا بيد، وأترحم على أيام زمان مرددا قول الشاعر إلا ليت الشباب يعود يوما، رغم أنه لا سنوات الشباب ولا أيام المراهقة نفعتنا بشيء، ومن الآن بدأنا نردد هذا البيت الشعري الذي أهدانا إياه ذلك الشاعر الأجمل، ترى فماذا يتبقى لنا فيما ينتظرنا في سنوات الشيخوخة؟!
لن تخرج كلمة الحب بذلك الصفاء حينما تنطلق من ابن العشرين أو الثلاثين، بل إن قلتها لأحد في ذلك العمر المنتظر فستبادرني إحداهن بقول يعطي نفس المعنى الذي حفظناه من السابقين: شايب وعايب، هذا إذا خرجت كلمة الحب من بين الأسنان التي تركت الفم أطلالا تشتكي من الروائح البغيضة، والمعنى الأهم هو أنه عليّ مواصلة التقوى وسؤال الله حسن الخاتمة والعيش بين الكتب إن لم نجد حفيدا يقرأ لنا.. أو نعتمد على طريقة برايل فربما ستتطور خلال العشرين عاما المقبلة.
من الآن بدأت أشعر بأن المرأة التي تكلمني فهي (متجمّلة) حسب المعنى العماني لكلمة التجمّل، فالجمال خاصية بشرية نعترف بقشريتها فقط، فالمرأة بجمالها الداخلي لا ترضي غرور الرجل الذي يريدها تحفة فنية إن أقبلت أو إن أدبرت، وكل تلك الصفات آية في الجمال حتى إذا تزوجها، حينها عليه أن يجد الخيط السحري بين الحبيبة (التي كانت) والحرمة (التي صارت).. هناك من وجده فسعدوا، وهناك من فقدوه.. فصاعوا!
نتحجج الآن بأنه لا وقت لدينا للتسكع في المجمعات التجارية، ومدرك أنني سأندم ندامة الكسعي بعد عشرين عاما أو أكثر، حيث سأجد متسعا من الوقت كي.. أراجع المستشفيات والوقوف في طابور طويل أمام أطباء يجربون فينا أكثر مما يعالجون، وقد يرونني عالة على الحياة فيسهلون إنتقالي إلى الدار الآخرة، سأقول لهم لا بأس، ضعوا معي كتابا وورقة وقلما، وإن خلت الورقة من بياض متبق سأكتب على بياض كفني أنني كنت أؤمن بقدرة روحي على البقاء قرونا من السنين لأنها لا تعرف سوى المحبة لكل شىء في الحياة، لكنه الجسد يفنى، ولا يمتلك سوى لحما وعظاما وكل ما هو غير قابل.. للخلود.
.. ولأنني متفائل بالحياة فوق قدرة الحياة على تفاؤلي أشعر أنني سأعمّر طويلا.. إلا إذا أصر أحد المتهورين و(هفّني) بسيارته في مشهد درامي سيبقى في ذاكرة الأصدقاء بضعة أشهر، وبعدها أصبح من المحسوبين على قوة الذاكرة، هناك من يتذكر قليلا، وهناك من ينسى كثيرا.. والحي أبقى من الميت!!
كل سنة في الحياة لها جمالها، تكتب حرفا قابلا للصمود في وجه زوابع البشر، ونعطي لكل عام من عمرنا الماء اللازم لغسل الغبار الذي تخلفه الزوابع، حينها ستصفو أرواحنا، وسندرك أن العمر أجمل بالحب.. محبة البشر، وخالق البشر.

"تيتانيك" الحب

حفزني أصدقاء على الكتابة في "الكورة" وفقط هذه الأيام، لأن نصف سكان السلطنة (على الأقل) يتنفسون هواء كرة القدم هذه الأيام، أما وأن البارحة راحة.. وتفرّغ الأزواج لزوجاتهم بمنأى عن الشاشات، وأعذار السهر في المقاهي لمتابعة المباريات في الشاشات الضخمة، هذا إذا لم يبلغ الحب الكروي مبلغه وذهب الزوج ساعات طوال باتجاه الملعب، بعيدا عن الحب الزوجي الذي غالبا ما يكون في موقف.. تسلل.
البارحة، هدأت عاصفة خليجي 19 بانتظار هبوب أقوى مساء اليوم، تذكر الأزواج بعض الحقوق التي تطاردهم من أجل الهجوع إلى زوجاتهم ولو قليلا، أربع ساعات كل يوم (أو أكثر) لمتابعة المباريات، وساعات أخرى للحديث عن نتائج واستنتاجات، والهاتف يرن من صديق للفضفضة عما يكون قد أثقل القلب من نتيجة المباراة الأولى، وما هي التوقعات للمباراة الثانية، على الأطفال أن ينسوا "سبيس تون" و"توم وجيري" و"طيور الجنة" لأن الكرة أحلى، وأشد إثارة، كأننا نبحث عمّا ينهك الأعصاب.. فإن لم نتحمّس للأحمر ستسحب منّا وطنيّتنا، وسنشعر أننا ندور في فلك بعيد خارج هذا العالم.
يوم ممل بدون كرة قدم، استراحة ليس هذا وقتها، نستعجل معرفة ما تخبؤه الأيام لعشاق المستديرة من مفاجآت، أسوأها بالطبع هو عدم حصولنا على البطولة، مع أنني، والعلم عند الله، لست متفائلا بذلك، ربما أتهيؤ نفسيا لقبول الأسوأ دون حدوث مضاعفات لا أستطيعها مع التقدم في العمر، وقد فارقنا النصف الأجمل منه باتجاه آخر لا يحتمل الضغوط والسكريات.. ومشاهدة المباريات.
البارحة تذكرنا أن في العالم أشياء ليست كرة القدم فقط، وأن الكرة الأرضية صاخبة بما يفوق قدرتنا على المتابعة، وهي تبدو كما حدث مع سفينة التيتانيك التي غرّتها العظمة فكسرها جبل جليدي، الماء المتجمّد أغرق كل شىء في الماء، لم تبق إلا ذاكرة هرمة تتحدث عمّا فعله القدر في سفينة غرقت، فيما كرتنا الأرضية تغرق كل يوم في محيط من الدم، وفيما تتنازع أهواءنا كرة قدم، تغرقنا أيضا في بحر من الأوهام والحساسيات والقلق المخيف، ذلك الذي يستدعي تحذيرات لا تتوقف، تكال كل يوم ضد الخارجين على القانون!!
تذكرت سفينة التيتانيك الغارقة، والفيلم الذي خلّد المأساة بكل صلف الأرستقراطيين، ومشاهد الرومانسية التي فاضت على العالم لتخطف من جيوب عشاق الفن السابع في جميع أنحاء العالم مئات الملايين، محطما أرقام أرباح قياسية، هكذا تداعت الصور في مخيلتي، وأنا أفكر في قسوة هذه الكرة، حتى في ذروة محبتنا لها..
قبل أيام تحدث البطل الوسيم دي كابريو عن فيلم آخر وعنوانه الطريق الثوري، سيقدمه مع خرافة الجمال في فيلم التيتانيك الممثلة وينسلت، قال أنه وجد صعوبة كبيرة في تصوير مشاهد الحب، لم يشعر بحرارة تلك القبلات التي أذهلنا بها في فيلم التيتانيك، لأن وينسلت لم تعد كما كانت قبل سنوات طوال، أصبحت زوجة.. يقول دي كابريو أن ما صعّب عليه الأمر أكثر هو وجود زوجها الذي كان يراقبه وهو يغوص في القبلات.. لأن الزوج هو مخرج الفيلم.
حتى ممارسة المشاهدة والمتابع للكرة الساحرة تغدو قلقة ومتوترة، لأن بلادنا هي المستضيفة وهي المرشحة الأولى للفوز بالبطولة، وجمهورنا لم يعد في باله سوى مركز واحد يشعر أنه يليق بكرة بلاده.. أن تكون الأول.
مقاربة قد لا تغدو منطقية، لكنها أضغاث أحلام، هي كرة القدم، والكرة الأرضية، والهجوع ليلة البارحة إلى البيت دون وجود كرة على شاشة التلفاز، والحب المطل من وراء شبابيك العيون، والتيتانيك التي غرقت، وبقيت صورة وينسلت تطارد سنوات مراهقتنا المتكوّرة!!

السبت، 7 فبراير 2009

في محرابها.. سأصلي

1
أسرعي بالوقت سيدتي:
يكاد ينفد مني يقيني
جبيني مزّقه الوهج
وخيلي متعبة.
أوصدي رياح الدقائق دون دمك
سيأتيك وجعي قطرة قطرة،
وسيأتي الوقت بين ذراعيك يصلي
لك الساعات، حالمتي
.. أو كل ما تبقى من العمر.

2
صلي يا عصفورة المساء..
لأجلي.
صليت ألف ألف مرة..
لأجلك.
يأخذك الغروب نحو الليل،
وقد أشرقت بك شمسا
أصلي تحت كل هدب فيها.

3
يا امرأة من ضوء
هذه العتمة تنتزعني
من ضوئك
لأكن قنديلك، متوهجا
بغمزة من عينيك.

4
أوكلما أغلقت شريانا
تسلل حبك من وريد؟
يا لهذا المخادع..
كيف أغلق كل شراييني وأوردتي
دون دمي.. كأنك دمي.

5
من أي زاوية
يصعد وجهك إلى عيني؟
كل الزوايا أنت
حيثما يممت وجهي
.. وأنا كلي عيون.

6
القصيدة الأولى أسميتها عطرك..
انتشت القصيدة بالرائحة
تحولت أثنى.
حتى صرت أجهل الفارق
بينك وحروف القصيدة.

7
بين الهدب والهدب،
مكتوب بخط سري
أني أحبك.
هل يحتاج الحب لخط سري..
لنملأ المسافة بين هدبين/حبيبين؟!

8
أولك سفر..
آخرك سفر.
وبين محطات الانتظار
أنام وحدي شغوفا..
بالسفر بين أولك وآخرك.

9
يا وجها من ضوء وعشق..
يا ألقا من فرح الماء
وأناقة ورد
يبلله الندى،
هل حقا أناديك؟!
وأنت جميع الأسماء..
لا يعوزك صوتي، لتدركي أنني..
أناديك.

بوش وصدام.. والأحذية

قبل سنوات، مرت كئيبة وثقيلة الدم (لكثرة ما سفح فيها من دم) على الأرض العراقية (والعربية بالضرورة) سقط تمثال كبير للرئيس صدام حسين، كان حينها لا يزال رئيسا، رئيس عربي بمقاييس صناديق الانتخابات التي لا تخطىء ظن من يراهن عليها في الجماهيريات العربية الممتدة بأحلام وأوهام..
حينما سقط تمثال صدام أيقنا حقا أن بغداد سقط، وأن هولاكو عاد، وأن التتار سيكفون عن توزيع الورود مع مغلفات الديموقراطية والحرية على بيوت العراقيين، عرّفتنا الأخبار من يومئذ على أسماء أحياء بغدادية لم نكن نعرفها قبلئذ، الفلوجة والكراده وبعقوبه.. وغيرها كثير.
يومها.. يوم أن سقط التمثال، انهال عراقي بحذائه على الجماد، وتخيلت أن الحديد سيبكي لفرط ما ناله من عقاب، ودارت عقارب الزمن، وندم الرجل على ما فعله، وقال أنه لو كان يعلم الغيب لقبّل التمثال، بدلا من ضربه بالحذاء.
وتسيّد الحذاء جانبا من المشهد العراقي المؤلم عبر العقود الماضية، أحذية جنود الاحتلال تضرب أبواب المنازل، وسجّان يدوس على سجين، وبقايا أحذية تستخرج من المقابر الجماعية، وأحذية متناثرة بعد كل تفجير، حزام ناسف أو سيارة مفخخة.. وصولا إلى النساء المفخخات اللاتي هبطن من شموخ الأنوثة إلى فعل القتل المجاني.. الإجرامي.
قبل يومين عاد مشهد الحذاء بصورة عجائبية، صحفي يعيد الأضواء للأحذية مرة أخرى بعد أن كادت تخفت عنها (باستثناء مذبحة كركوك خلال أيام عيد الأضحى).. رمى الصحفي بحذائه باتجاه الرئيس بوش ورئيس وزراء العراق نوري المالكي، أخطأ الحذاء مقصده، مع أن راميه اعتبره قبلة الوداعية لرئيس لن ينسى من تاريخ العالم (عامة) والعراق (بشكل خاص.. جدا جدا).
فالعائلة البوشية كتبت تاريخ العراق المعاصر بالدم والنار، كما حكم صدام ذات بالبلد بأسلوب يتفق في منهجه مع سياسة الدم والنار، مع الوضع في الاعتبار كافة العوامل التي قادت هذا البلد للوضع المؤلم.
مرّ عيد الأضحى فتذكرنا الحبل الذي التف حول عنق القائد المهيب، ومرّ الحذاء خاطفا فتذكرنا أحذية لا تحصى شاهدناها في المشهد العراقي، منذ ذلك الحذاء الذي ودّع مرحلة صدام العنيدة، وصولا إلى حذاء آخر يودّع الحقبة البوشيّة العتيدة، مع اختلاف الحجم والمقاس.. والهدف.
بوش يعترف، يلوم المخابرات على (سالفة) أسلحة الدمار الشامل التي كانت أغنية الموسم حينئذ، يبرر أنه كان لا بد من حصول كل ذلك في العراق للأمن الأمريكي، ترى كم قبر تركت أيها الرئيس في أرض الرافدين وأنت تستعد لوداع بيتك الأبيض لتتفرغ للكتابة والفسحة، كم أرملة ويتيم وسجين وبرىء قدمت قربانا لأمن الولايات المتحدة؟ وترى هل الثمن المدفوع ليكون العراق واحة خضراء من الديموقراطية والحرية بخسا لدرجة لا تستوجب حديثا سوى النصر والتفاؤل ثم كتابة مذكرات.
انها المشهدية الساخرة، تساقط مطر الدم فوق أرض الرافدين، وعاد التتار مرة أخرى بثقافة جديدة أحرفها أبو غريب وبلاك ووتر (وما خفي كان أعظم)..
والسؤال المتبقى في ذاكرتي وقد أحاطتني صور الأحذية كأنها هرم فوق رأسي.. يا سيادة الرئيس (المودّع): وأنت تسير في درب العراق ألم تخدش بقعة دم لمعان حذاؤك؟! ستذهب أنت إلى غياهب التاريخ، وستبقى العراق العربية الشقيقة التي لا مناص عنها.. وستبقى أمريكا الصديقة التي لا بد منها.. وذلك نكد الدنيا على الحر.

عناد أنثى

عناد أول:
ترتعش بالعناد، ماضية في غيّ الأنثى حين يستبد بها الإحساس كأنها مبتدأ الكون ومنتهاه، مبتدأ القلب وخبره، هي أفعال النسخ والتأكيد وعلامات الرفع والجر والنصب، هي الحروف التي نكتبها، ننطقها، نتمهل بالسير بها.
هي ببساطة الكون.. أنثى.
الرجل لا يكون رجلا إن لم تكن هي مرآته بأنوثة الخلق..
الأسرة تبقى أسطورة منقرضة لولاها، هذه المرأة، أفحمناها غزلا أو أفحمتنا نكدا.
الكون ينشطر دونها فاقدا نصفه الآخر، اكتمال النصاب القانوني لبدء اجتماع الحياة.
تستفيق الروح إن طربت، تنكسر الروح إن بكت، تتأنق الروح لو تألقت هذه الأنثى تكمل حياة الرجل بما أوتيت من حس أخّاذ.

عناد ثان:
تقول: اكتبني سطرا في أوراقك..
كيف لي يا سيدتي ارتكاب ذلك الفعل الصاخب، والحبر كله.. أنت، والعمر كله.. بياض أوراقك.. لك الحرف الأول في أوراقي، والحرف الأخير.. وما بينها من أحرف تشتعل لتكوني شموعها، تبتهل لتبقي دعاء صلواتها.
تجهل أنثاي أنني لا أكتب إلا حروفها، لا أنطق إلا كلماتها، لا أنقش إلا.. رسمها.

عناد ثالث:
من يجهل معنى الليل لن يستطيع قراءة النهار.
من لا يأخذ من حبر الليل قليلا لن يتمكن من كتابة حروفه في النهار.
من لا يعشق عينين مكتحلتين بالجمال.. لن يكتب حرفا واحدا.
ومن لا يعشق أنثى ستبقى لوحته.. باهتة، محرومة من أي معنى.
أكثير على هذا الرجل أن يكون من ضلعه كائن يدفعه للحياة؟! حتى وإن حفزه للموت في أحيان، تلك التي ينطفئ فيها وهج الأنوثة، ولا يكون من صفات المرأة سوى علاقتها بفئة النمور، أو القطط المتوحشة.

عناد رابع:
أنا نقطة فوق حرفك، كي يكون لي ولك معنى..
كأنك حرف النون، نون النسوة، الذي إن لم أبق نقطته بقي خاليا إلا من استدارة مجوفة ومبهمة، لن تلفت أحدا.. أبدا.
أنا رجلك.. عليك أن تتقني تشكيل الأحرف حتى لا تعطيك المعنى الآخر.. المرتبط بذلك العضو المشترك بين الإنسان والحيوان، ذلك الذي يساعدنا على المشي.. الرجل.

عناد خامس:
قاسميني وجع السير..
أنت المسافة، وأنا المسافر..
كلانا يبحث عن آخر، فلا المسافة مكتفية بذاتها إن فقدت مسافرا، ولا المسافر قادر على الوصول إن ضيّع المسافة!!.
أنت أنثى من نار، أنا رجل من شمع، كلانا سيصنع ضوءا لو التقينا مهما بلغت حدّة العتمات، خذيني إليك، إني أذوب بعيدا عن نارك.

عناد سادس:
يا لهذا النهار، تكتبه امرأة من أجل رجل، هو الزوج الذي تعشقه حبيبا، هو الحبيب الذي تتمناه زوجا، هو العاشق الذي لا يشبع نهمه للجمال إلا.. الجلوس على حافة الرؤيا!!
يحلم بها..
تحلم به.
يعاندان بعضهما حتى لا ينكسر الحلم، حتى لا يتشظى زجاجه فيجرح جميع الأقدام السائرة فوق حافة الرؤيا.
هي بعضه، كله.. هو أيضا، بعضها وكلها.

عناد أخير:

أو كلما كتبت عن القبح قلت أنه يقصد كل نساء العالم.. إلاي أنا..
وكلما ارتعشت حروفي تكتب عن الجمال قلت أنه يقصدني.. أنا،
وكلما قطفت وردة قلت أنه سيأتي بها من أجلي.. أنا.
وكل كلمة يقطفها من زهر الشعر، هي لي، وفي كل أغنية يسمعها سيتخيلني، وأمام كل لوحة لن يرى سوى رسمي، وجهي أمامه أينما يمم وجهه.
أنا من أحتله، وأمارس عليه كل أفعال الإحتلال الغاشم..
عارفة تلك المرأة بأني في الحب.. غشيييم!
سأعاند الحياة والظروف والمتاعب لتبقين امرأة لا تعرف العناد.. ببساطة لأنها بدايات الحب.. وعذوبة الحياة.