السبت، 21 فبراير 2009

من شاب ودّوه الملعب!

حدثتني نفسي بالذهاب إلى مجمع السلطان قابوس ببوشر، يومئذ كانت المباراة الحاسمة للأحمر العماني مع شقيقه العراقي..
قلت انها فرصة لمشاهدة مباراة على الطبيعة بعد سنوات من المقاطعة، وقد كانت المدرجات تعرفني، ففي بدايات عملي الصحفي كنت أشعر بأن جميع الملاعب عليها فتح الأبواب لي، فأنا.. صحفي، وأتذكر أنه في ملعب بيت الفلج، وكانت التذكرة حينها نصف ريال، استخرجت بطاقة العمل وأريتها الواقف على الباب، رفض بشدة، وغضب وزمجر، كما غضبت أنا وزمجرت لأنه لم يحترم الصحفي، مع أنني كنت أحمل بطاقة مكتوب عليها: فنى مونتاج.
أعود لليوم المشهود في حياتي المعاصرة، تلك التي بدأت قبل عامين أو أقل، حينما عبرت حاجز الأربعين (بالطبع للمرة الأولى) وعبرت حاجز العشرين (للمرة الثانية)، قلت أنها لفرصة سانحة أن أحضر مباراة في خليجي 19، فلا يعقل أن أجلس أمام التلفزيون، وحالي كحال أي مشاهد في أي بقعة من هذا العالم الذي تدور فيه أقمار (صناعية) لا حصر لها ولا عد، مع أن الملعب لا يبعد سوى عدة كيلومترات.
ولأن النفس أمّارة بالمشي حدثتني بالمشي من منزلي بالخوير وحتى المجمع الرياضي في بوشر، وقلت إنها تشبه عبور (عقبة) جبلية كما اعتدت في طفولتي، والآن هي رملية تفصل بين المدينتين، كانت الجبلية مناسبة لعنفوان تلك الفترة، والرملية تراعي هذه المرحلة.
كانت السيارات تعبر، وأشعر بها كأنها في رالي وهي تزيح الهواء بقوة في الفضاء أمامي ومن حولي، طلبت من الله السلامة، ورفعت يدي عدة مرات أحيي من يحييني من المحتفين بالزمن الكروي الجميل بطابعه الأحمر المحبب للقلب على أنه لون القلب، ولون الدم.
وحينما كانت البوابات تغلق، وبحراسة لا تستجيب لتوسلات الجماهير كنت أمنّي النفس أن تفلح مناشدات المتأخرين (أمثالي)، فالأرجل تكاد لا تحمل الأجساد الواقفة عليها، وقلت أن الأمر لا بد له من واسطة، وكلما اتصلت بصديق من الذين نستعين بهم في وقت الضيق أجده في مكتبه أو لا يرد أصلا، لكن فجأة انفتحت بوابة على الملعب، وقيل لنا ادخلوا بسلام آمنين.
ما هذه الروعة؟
كأنني استعدت شبابي وعاد بي الزمن عشرين عاما، حيث كنت أذهب يوميا لمتابعة الدورة السابعة في استاد الشرطة عام 1984، الملعب يضج باللون الأحمر، وكلما صعدت سلما قلت في نفسي أن الكرسي الفارغ سأجده في السلم الذي بعده، جمهور أكثره في العشرينات، تقل قليلا أو تزيد بقليل، هناك من وضع علما على الكرسي دلالة على أن المقعد محجوز، ولا عزاء (للشيّاب) سوى الجلوس أمام الشاشة الصغيرة (التي كبرت وسميت بالشاشة المسطحة).
وجدت كرسيا في منتصف الجولة، قبل أن أصل إلى سطح المكان، ويا لجمال المشهد، وراء المرمى مباشرة، بمعنى أنني أرى الهدف في كلا الحالتين.
وبدأت المفاجأت بالتقاطر..
عدسات نظارتي لا تكفي للوصول إلى المرمى الأبعد.. ولسوء حظي (ولسعده ايضا) سجلت في ذلك المرمى ثلاثة أهداف عمانية..
ولا يكفي النظر لتبيّن وجوه اللاعبين، خاصة وهم في نصف الملعب الآخر، الأبعد عني، أشعر بمن حولي يتقافزون فرحا فأدرك أن الكرة هدف فعلا، وأنها عانقت الشباك، كل من حولي شباب متحمس، ألوان وأعلام وتسريحات وتقليعات ومفردات وأهازيج، ووحدي أبدو كالأطرش في الزفة، فقد عودتني الأيام على طباع الهدوء، أستمتع باللحظة، أشاهد المكان والكرة كأني في معرض فني، أواجه اللحظة بمتعة المتأمل، بينما الجمهور الشبابي له وصفات الحماس المختلفة عن تركيبتي.
سمعت شاب قدرت أنه لم يكمل العشرين بعد يقول لصاحبه غامزا لقناتي بأن العالم كله يرقص فرحا بالأهداف إلا ذلك الشخص، قلت في نفسي أنني سأغلبه، وحينما أتى الهدف الرابع وقفت فرحا، فما كان من الشاب إلا أن حمد الله على أنني استطيع الوقوف!!وفيما كنت أسحب أقدامي عائدا في نفس الطريق كنت أضحك مع نفسي مسترجعا كل المشاهد، ومن بينها ساعة الملعب التي كانت تقول: عمان 4 العراق 0.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق