الثلاثاء، 31 مارس 2009

مطريات

1
حينما يأتي المطر تلح رغبة الكتابة.. عنه.
هو الماء، والخصب، والربيع.. ربيع الكلمات، والحياة.
الرذاذ المتساقط بردا وسلاما على بذر الحروف فتزهر الكلمات (كزهر اللوز أو أبعد).
2
أكتب، والشمس تغازل مكان جلوسي من خلال النافذة، متوهجة بضوء، وخبراء الطقس يقولون أنها ستخفض جناح أشعتها حينما يتألق المنخفض الجوي.
ستأتي كلماتي في اليوم التالي، (اليوم).. لا أدري أي مطر سكب فرحته في قلوبنا، يكفي أن نرى الأرض تبتل بماء السماء لندرك عظمة الحياة في داخلنا.
3
كان الصيف على وشك الحلول بقوة..
لكن المطر داهم سماءنا بغيوم محبة، قبّلت الأرض بقوة، وآن لنا أن نعزف مع الطبيعة أجمل نغمات الابتهاج.
كل قطرة مطر وأرضنا عامرة بالمحبة.. والخير.
4
سرت في دروب قريتي نحو ساعة من الزمان، الأجواء ربيعية، والخضرة متألقة، والنخيل جذلى برشّة مطر البارحة، (بارحة الخميس).. صادفت شخصا واحدا فقط يسير على قدميه فيما الآخرون ضمتهم الجدران الأسمنتية أو أمكنة أخرى لا علاقة لها بالطبيعة الجذلى.. هل حقا نجيد قراءة الجمال والأخذ بمتعة الطبيعة أم أننا نحبها فقط حينما تكون في أجندة السفر؟!
متى نغادر حصوننا الخرسانية باتجاه الطبيعة؟..
لا عجب إن وجدنا الأجانب يعرفون تفاصيل بلداننا أكثر مننا لأن لديهم روح الاكتشاف وثقافة الجمال.
5
(أخاف أن تمطر الدنيا ولست معي
فمنذ رحت وأنا عقدة المطر)
كلمات نزار قباني وصوت كاظم الساهر، ما يطلق المخيلة نحو فضاءات مبتلة بالحب والماء، يوحي لنا المطر بالعشق والرحيل، وبالحبيبة التي لها رائحة المطر وعبق الخصب، (رسخت الفضائيات صورة نمطية عن ارتباط الحب والمطر: العاشقين الراكضين تحت المطر، أو يقتربان من بعضهما تحت المظلة، صورة الحبيبة التي يداعب الماء شعرها.. والحبيب الذي لا يرتدي الدشداشة)
6
المطر، يغسل الأرض، والنخيل من (المتق) بعد أن عجزت وزارة الزراعة عن محافحته، ربما هذه الحشرة مخاتلة فوق قدرة الوزارة على حماية نخيلنا منها.
7أرجوكم.. علمتنا السياسة كراهية أن الحالة غير مستقرة.. فالأمطار خير وبركة، ولا تكون نتيجة عدم استقرار، اخترعوا لنا مصطلحا غير هذا.

طاح السيل

كنا لا نعرف المطر، لم يدخل في قاموس لغتنا اليومية، مع أنه كان كثير الزيارة، ومفزعا أحيانا، فالبيوت لا تحتمل وابله إن انهمر بغزارة فوق قدرة البيوت الطينية.. أو (العرشان) السعفية.
نسميه السيل، ونغني للسيل لا للمطر، كانوا يرصدون جريان السحب على صحن الفضاء أعلانا، وأية سحابة تطل من بعيد هناك من يعرف أي بلد هي ممطرة عليه، وأي جبل سيعانق هام السحب، واد سيسيل، العيون ترقب بحميمية جريان المزن فوق رؤوس القرى وفوق رؤوس الجبال، وتتكهن كما تكهن ذلك المغترب حينما كان في بلدان المهجر العماني بأن تلك السحابة البادية من بعيد جدا تمطر على قريته.
تلك المفاجآت الجميلة ضاعت دهشتها.. يأتي المطر أو لا يأتي، لا أحد يجزم سوى بأمل أن يحلّ الخصب وتورق الأشجار وتعود النخيل إلى رونق اخضرار سعفها.
كان السؤال يدور: كيف الغلّة معكم؟ ويشيرون إلى ما يمكن أن تعطيه النخيل لصاحبها وهو يترقب رطبها دوما.
ويدور السؤال: شيء استوى معكم سيل؟ والرجاء أن يعمّ الخير.
ويسألون باستبشار: مو انتوه والرحمة؟ فيجيب الآخر بجذل السعيد: رحمة بادّة.
يأتي المطر دونما موعد، يأتي الوادي بماء جارف ويسألون أين وصل البارحة، وأي فلج سيمنحه الخصب مستفيدا من جريانه، وأي فلج ينتظر واد آخر سيغذيه بشريان الحياة.
يأتينا المطر الآن دونما موعد مدهش، ستقول لنا الأرصاد الجوية أن الأسبوع القادم سيأتي مطر متباين بين الخفيف والغزير، ستزيح عنا الدهشة وتقول أنه لن يكون على قريتكم، سيأتي شمالا أو جنوبا عنها.
لن يفيد غناءنا: طاح السيل، ولن يفاجئنا المطر قبل أن نشتري المظلة نسير بها في الشوارع المبتلة، فلا (الجونية) باقية لنضعها كأنها القبعة المنسدلة من فوق رؤوسنا، ولا الشوارع مستعدة لاستقبال خطواتنا، تحملنا السيارات دونما نبتل، ونسرع في الخطى للدخول في المنزل كي لا يضيع قماش المصر، ونلزم أطفالنا بالدخول قبل أن يبتلون بالمطر، نخشى عليهم من الأمراض والفيروسات، وكأننا نحرمهم من نعمة من باب الحسد لأننا نتغافل عنها.
لن ننتظر تلك السحابة، الأرصاد الجوية تقول لنا أنه لا مطر فيها، فلا تهتموا بتلك الغيوم.
لن نصحو على صوت الرعد، البارحة قالوا أن الجو سيكون صحوا عليكم، ممطرا على جيرانك، وعليكم بأخذ الحيطة والحذر.
سيقولون لنا انتبهوا إلى أمطار غزيرة مصحوبة بالرعد قادمة، سيخاف البعض، وسيخشون الإعصار من باب أن من لدغه الغول يخاف من الحبل، وسيكسدون الماء والغذاء في البيت، مع أن الأرصاد دقيقة في كلامها بما تتيحه لها حالة الجو من حرارة ورطوبة وأخاديد قادمة من الشرق والغرب.
سنغني رغم كل شيء أنشودة المطر، وسنفرح حتما بهذا الخير الجميل، سيخضر الزرع ويدرّ الضرع، ويعين ما تبقى لدينا من نخيل ولون أخضر على البقاء في وجه ملامح الثورة الإسمنتية وأثقال الثروة النفطية.

بين المحافظ المالية وغرشة الكولا

تساقطت المحافظ المالية في بلادنا بشكل مريب، لم يشبه سقوطها المسافة ما يحدث لشجرة يمكن أن يعاد غرس البديل عنها لكنها بدت كأحجار ضخمة هبطت من أعلى جبل، وتسحق ما يمر في طريقها، أو بالأحرى ما كتبت له أقداره أن يكون في طريق هبوطها الثقيل.. جدا.
لم يكن هذا السقوط استثنائيا، ولا يمكن لوم من تورّم رأسه بما لحقه من الصخور، حتى أذكياء العالم من الرأسماليين وقعوا ضحية أكبر عملية نصب تاريخية وقد وقعت في شارع المال الأمريكي وول ستريت، الاستثنائي في الأمر هو أن ا لمصائب تأتي متلاحقة، وقبل أن يفوق الجميع من صدمة ارتفاع الأسعار وقد بدأت في الاستفاقة قليلا من حمى هيجان أرقامها تلقى عدد كبير من الأشخاص/المغامرين لطمة قوية لن تكون بقوة ارتفاع أسعار سلع لأنها تشبه الزلزال إذا قورنت بها، ومن طارت عليه عشرات الآلاف يدرك جيدا أنها تشبه الزلازل حقيقة لا مبالغة لفظية.
وفيما الحجر الضخم يفرم أحلام من لديه المال ومن كان يحلم به فإن طبقة أوسع من المجتمع انشغلت بارتفاع (غرشة) البارد، أو (قوطي) الكولا، وسر هذا التميز العماني هو ما يحدث في أمر الزيادة، في دولة الإمارات (وهي على علاقة وثيقة بالخط الإنتاجي الواصل إلينا) حدثت زيادة قدرها 25 بالمائة، أما لدينا فوصلت 50 بالمائة، وفيما تدخلت جهات حماية المستهلك لفرض عقوبات على شركات المياه (الغازية) فإن الحال معنا بقي حرا طليقا أمام من يريد أن يرفع أو يخفض، تماما كما يحدث في سوق المواد الغذائية، يقنعوننا بأن الأسعار تتراجع، وهي تشبه قصة ذلك الشخص الذي أغضب أحدهم بوجود خنزير في البيت فنصحه شخص أن يأتي بأعداد أكبر منها، وكلما خفض واحدا منها ارتاح الرجل الغاضب بسببها، حتى إذا بقي اثنان عدّ الأمر نعمة تستوجب الشكر!!
الانهيار الذي حدث في المحافظ المالية (وقد أضر بمن يمكن تسميتهم الباحثين عن فرص) يشبه ما حدث في محفظات غالبية الناس نتيجة الغلاء الكبير في السلع والإيجارات وكل ما يتعلق بحياتهم (ما عدا الالكترونيات)، وما حدث من غلاء استدعى وقفة ضخّمتها أبواق رأت نفسها أنها محسوبة على المستهلك لا التاجر، مع أن الأول هو الذي بمقدوره الضغط على الثاني كما يحدث في حملات (خليها تصدّي) وللأسف لم يرفع أحدهم شعارا شبيها كان بمقدوره أن يحقق إيجابيات كبرى وعنوان العريض: خلوها تخيس!
هؤلاء الذين تساقطت أحلامهم بعد سقوط المحافظ هل وضعوا في حسبانهم يوما كهذا؟! أم أن الثقة العمياء هي التي تقود إلى نتيجة ما أراده المثل العماني: ساير باغي الفايده غاب راس المال.. المصاب الأكبر هو أن رأس المال قادم من بنك، سلفة يدفع لها المقترض معظم راتبه وتحتاج سنوات لكي تنتهي (مع فوائدها).
من حق أي إنسان البحث عن فرص تحقق له أحلامه بالبيت والإستقرار المادي لكن فخ المحافظ كان واضحا جدا ويشبه مغامرة الحصول على كنز بعد اجتياز نفق مظلم: ضع عشرة آلاف ريال، وستجد دخلا شهريا يبلغ بين 500-700 ريال، أي أن وضع عشرين ألف يغني عن الوظيفة، وهذا أقرب للحلم، وبعد أن سقط كثيرون في فخه الوردي صحوا على أن ما مرّ عليهم في غفوتهم شيء مرعب، ومأساتها أن توابعه كثيرة.
عذرا يا أيها الحالمون بالآلاف تجنونها شهريا من وراء هذه المغامرات في محافظ (غير مأمونة) وقد رخصت.. فربما لن يكون بإمكانكم شرب.. غرشة الكولا وقد غلت!
أما عني فإني سعيد جدا أن المياه الغازية ارتفعت أسعارها وأتمنى أن تصل إلى نصف ريال، ولا تباع إلا لمن فوق الـ18 عاما لأنها خطر كالسجائر، خاصة للأطفال.

السبت، 28 مارس 2009

الخصخصة.. وكرتنا

منذ حديث رئيس اتحاد كرة القدم حول رغبته في إدخال الخصخصة إلى أبواب أندية السلطنة وفهمي لم يبلغ ما يعنيه من هذه الموضة التي تم تسويقها اقتصاديا على مؤسسات القطاع العام على اعتبار أن شركات الحكومة لا تربح ولا تتطور، والمستفيد هم طبقة الأثرياء والرأسماليين الذين يشترون الشركة بمبلغ بسيط من أجل أن تكون أكثر فاعلية في الاقتصاد الوطني.. وحينما يقولون كلمة الوطنية فإنها تدل على ما يحققونه من أرباح تدخل في حساباتهم، داخل البلاد وخارجها.
أما كيف هي خصخصة الأندية العمانية فهذه تحتاج إلى اينشتاين ليفك طلاسم العقدة الرياضية (المنتمية للرياضيات لا للرياضة) وفيما تعاني أندية الدول الخليجية الثرية من الأزمة المالية العالمية فإن أنديتنا مضروبة بهذه الأزمة (بالمؤبد)، ومنها من لا يعرف اللعب على الملاعب الخضراء لطول تمرسه في (الغبراء) طوال سنين الإشهار.
هل دعوة السيد خالد بن حمد واقعية أم أنها أحلام طامح نال المجد الكروي الخليجي مرتين، مع نادي فنجاء ومع المنتخب الوطني؟! ووسط الضربات الاقتصادية التي ينالها رأس المال العالمي فكل خطوة استثمارية محسوبة بما يفوق قدرة الريال على السير في صحراء تحتاج إلى مهارة الحرث في البحر.
التجربة خليجيا مطبقة في بعض البلدان، وحتى تلك التي أشهرت كشركات استثمارية لم تغيّر واقع الحال لديها، وبدلا من دوري الدرجة الممتازة فأسمته دوري المحترفين ودفعت الملايين من أجل تدعيم صفوفها بلاعبين أغلبهم من الخارج، وغير النقل المباشر فلا ميزة أخرى تقول لنا الفارق بين دوري (هواة) ودوري (محترفين).. وبدون القاعدة الجماهيرية فإن سكب الملايين على الاستثمار الكروي كزرعها في تلك الصحراء التي لا تعرف شجرا ولا ثمرا.
ندرك أن عقلية إدارة اتحاد الكرة اختلفت عن السابق والتفكير التقليدي لم يعد مجد في عالم يوجب التخطيط المبني على عقلية استثمارية تفرض أمرا مستبعد افتراضه وهو أنه لا يجب على الحكومات وحدها مواصلة الدفع لكل شيء فيما هي مطالبة أن لا تتدخل في شيء، وترك المجال للمجتمع المدني يستوجب أن يقوم ذلك المجتمع بمسئولياته كاملة بحيث لا يتحول إلى طالب للمال فقط، وإنما إلى محرك أساسي للحركة المجتمعية، سواء أكانت رياضية أو اجتماعية أو أي نوع من أنواع التوجيه الداخل في حركة البشر داخل حاراتهم وبيوتهم.
لنفترض أن ناديا ما تحول إلى شركة، فهل يمكنه الاستغناء عن الدعم الحكومي فيما يواجه متطلبات هويته الجديدة فلا مجال للتطوع في الشركات، مجلس الإدارة لا يعمل إلا بمقابل مادي، والعضوية لا تأتي إلا بزوابع النقاشات الحادة ومطالبة النادي بما لا يملكه، والدعم الأهلي لا يكفي لدفع راتب لاعب، ومبلغ مكافأة الحصول على بطولة الدوري أعجز من تسديد راتب مدرب جيد قادر على توجيه الفريق نحو البطولات، وهناك صيانة الملاعب ونفقات التدريب والنقل وغيرها من الباحثة عن مئات الآلاف من الريالات العمانية.. أما حصيلة بيع تذاكر المباريات فحدث وستجد كل الحرج مع أي شخص يعتقد أنه (شخصية) يكفيه اتصال ليدخل بالمجان، من باب التميز فقط وليس شراء تذكرة بنصف ريال (ربما).
كم من الأندية العمانية جاهز لفكرة الخصخصة؟.. وما هي الشركات القادرة على الدفع وكيف سيكون النادي ضمن نسيج المجتمع وقد أصبح شركة مع الأخذ بالاعتبار أن ما يحدث في دول العالم الأخرى مختلف جدا، فلديهم مؤسسية لها تقاليدها، وكرة قدم لها جنونها، وفكر عقلاني لا يتعامل بمنطق المشاعر والعواطف والمحسوبيات والقبائلية (ولننظر إلى فكرة الدمج وما خالطها من حساسيات أضاعت الهدف الأسمى لتتمسك بأفكار يفترض أن الزمن أكل عليها.. وشرب أيضا).
الفكرة حالمة، ومنطقية.. حتى وإن كانت مع حالة معظم أنديتنا.. ليست واقعية.

الاثنين، 23 مارس 2009

مصابيح الحياة

مصباح أول:
يطفىء الرجل مصباحه..
يغادر البيت على وهم عناده:
ترك البيت مظلما.
لا يدرك هذا المتعجرف أن في البيت ثمة امرأة تجيد اشعال الشموع، ولو كانت النار تسري في أصابعها..
من لا يدافع عن مملكته؟
تتساءل حيطان المنزل، وهي ترى الرجل مقبلا في ختام المشهد كسيرا ومحطما، لأنه سار في الدروب المظلمة، مع أنه كان يظن أن لا ملجأ إلا إليه..ولا حياة.. إلا به.
تتحول المرأة إلى أم رؤوم، تسامح، وإن كانت لا تنسى من حاول إطفاء شموع البيت.. بوهم وعناد.

مصباح ثان:
قبل أن يطلق طفلها الأخير صرخة ميلاده غادرها الرجل، هكذا رحل، ربما لأنه مات في حادث سير، ربما بطلقة أخيرة، كلمة طلاق كأنها الرصاصة، أو الرصاصة التي انطلقت في لحظة قدر ما، تعددت الأسباب والرحيل واحد، هي المرأة التي تكتب حياتها بشعار كهذا.
لم يترك غيابه فقط، مع أن حضوره مهم جدا أيا كانت أوجه هذا الحضور..
لم يترك زوايا البيت معتمة خالية من ضحكاته أو من شتائمه، في كل أحواله كان البيت ينتظره ساهرا، تقول المرأة ظل رجل ولا ظل جدار، مرة يكون الرجل الذي حلمت به منذ أن أدركت مفردة رجل، ومرة يكون الجدار الذي لا بد منه، لكن ما حيلتها حينما تهاوى الجدار، ولم يصبح له حتى ظل؟!
يضنيها التعب، الأم التي تكابد نهوض الأطفال وارتقاءهم سلم العمر..
متعبون وهم صغار، متعبون وهم في زوابع المراهقة، متعبون وهم يبحثون عن فرصة عمل أو فرصة زواج..
تدرك المسكينة أنها تفعل ما يمليها عليها ضمير الأمومة.. حتى وهي تفقد لاحقا ضمير الرجولة، أصبح الطفل رجلا، وله صوت كالذي كان لوالده، يرفع السوط فتبكي الأم، كما كانت تبكي حينما كان يرفعه الزوج.. قبل أن يرحل.
تبقى هي قنديل البيت، يأتي المعني (ربما) متأخرا، حينما تهمد الشمعة مفارقة ضوءها الأخير.

مصباح ثالث:
وسط شقاوات صغار البيت أرادت أن تكون متميزة..
طفلة تتشاقى بالألوان وبالأقلام، كبرت الطفلة، تخطت مراحل التعليم في سبيلها لتحقيق حلما القديم، أخذتها الكتب والمراجع، نسيت نفسها، أوقدت شمعة علمها من أجل الآخرين، أصبحت دكتورة، لكنها نسيت أنها امرأة، ولم ينس الرجل أنها امرأة.. وإن كانت دكتورة!!
صغار البيت (الذين أصبحوا كبارا) نسيوها في زحمة حياتهم، الرجال لا تعنيهم كثيرا هذه المتعلمة التي ستفضح جهلهم، ولأنها توقد شموع العلم والمعرفة ببحوثها ودراساتهم فإن هناك من يتوهم أنها تبحث عن مجد.. مع أن المجد الحقيقي تراه في عائلة (حقيقية) تمنحها الطاقة التي تتفجر داخلها عطاء ومحبة، وتدور الأيام تتبعها السنوات و(الدكتورة) تعمل باجتهاد لا يحد، وتعود في آخر المساء إلى غرفتها فلا تجد الحضن الذي تحتاجه وسط كل هذه العواصف من حولها!!

مصباح رابع:
كأنها تراها، خيوط الفضة في فستان الفرح.
زهت كأميرة، وخاطبت صورتها في المرآة كما يحلو لملكة.
في لحظة ما، غادر الفارس، قبل أن تكتمل قصة الحلم، تهشم الفارس والحلم في لحظة تهور عابرة سفحت الدم على شارع ما..
بكت.. وبكت.. وبكت.
أينه ذلك الفارس الذي يأتي لمهرة اقترن اسمها بالموت؟!
نكد هذا الحلم حينما يكاد يفتح الباب ليدخل ثم يغادر للأبد بمأساة لها مرارة لا نهاية لعلقمها.
كلما أرادت أن توقد مصباح حياتها فاتحة نوافذها تأتي العتمة من الباب الواسع، حتى الريح صارت تعاند اللهب الحزين والضعيف، كم تتمنى الحالمة بأن تكون قنديلا في بيت جميل لتفرش الضوء في عتمات الحياة، وتقول أنها قنديل جدير.. بالحياة، وبالضوء.

مصباح.. ليس أخير:
احتفت بالحياة حينما رأت اسمها في قائمة المقبولين للحياة العملية..
غرقت العينان بالدمع..
رأى والدها أن هذا القنديل سيعينه على الحياة أيضا.. الراتب الأول له حصة منه، طالب بحصة أكبر في الراتب التالي، أحال إليها فواتير الكهرباء والماء والهاتف، فواتير احتياجات البيت كلها، البيت يحتاج إلى ترميم، عليها أن تقدم سلفة باسمها، أضاء المصباح فوق قدرته لكن العتمات تنهال عليه، لم يكن يملك الجرأة ليقول كفى، ولا ولي الأمر لديه الجرأة ليقول كفاية، فالبنت ومالها لأبيها.
جاء الفارس، عرف أن الراتب مشغول بجهات اتصال أخرى، ذهب الفارس، جاء آخر، له بال طويل لانتظار اختفاء جهات الاتصال السابقة، بقيت المرأة/الزوجة حائرة بين جهتي تطلبان نتاج جهدها ومثابرتها العملية، أب يحتاج وزوج يقنعها أنهما أشد حاجة.. لما فيه مستقبلهما.
تمنت لو لم تأت فرحة القبول في وظيفة، ومرة أخرى غرقت العينان بالدمع.

ضوء لاحق:
كثيرة هي المصابيح في حياتنا..
ومعضلتنا أننا لا نجيد التعامل مع الضوء.

جلسة 22 آذار

سألني صحافي صديق: هل ستحضر انتخابات جمعية الصحفيين؟
أجبته بأنها لو كانت انتخابات سأتشرف بالحضور، كما فعلت جمعية الكتاب رغم الملاحظات عليها، لكن سلامة النوايا ضرورية للاستفادة من تجارب مؤسسات المجتمع المدني خاصة تلك المحسوبة على الإبداع.
ذكّرني الصديق بمقالي السابق حول جمعية الصحفيين، ودار حوار طويل بيني وصحفيين حول ما كتبته قبل أيام، وهي أني طالما محسوب على الإعلاميين فلا يفترض بي الكتابة عنهم، فكل العالم المرتكب للأخطاء يجب أن نكتب ذلك على أنه خطايا، أما هؤلاء الأصدقاء والزملاء فيجدر أن نمدحهم فقط على كل مسعى، ومن يقترب من هذه الدائرة عدو تجب محاربته ومضغ سمعته في المجالس الخاصة.
سألني أحدهم: لماذا تفضح زملائك؟ هل بقيت الكتابة عن الآخرين حرية رأي وعن أنفسنا فضيحة؟! .. لماذا لا نقول أننا نخطىء في مواضع نلوم فيها الحكوميين على ما يقترفون في حق الديموقراطية وحرية الرأي والمحسوبيات حيث يسيطر أعضاء مجلس الإدارة على جميع المشاركات الخارجية، وهذا يحدث في أغلب الجمعيات ومن بينها جمعيتي الكتاب والصحفيين وأسرة القصة.. وما خفي كان أعظم.
لم أحضر ما أسماه مجلس الإدارة السابق (واللاحق) لجمعية الصحفيين بالانتخابات، وأسميه تأكيد البقاء، تماما كما تفعل الأنظمة العربية والأفريقية في الإصرار على البقاء، سواء بتغيير الدستور أو التوريث أو الفوز بنسبة 99 بالمائة، وهذه النسبة فاز بها مجلس إدارة جمعية الصحفيين حيث فاز الجميع (ما عدا الصديق سالم الجهوري) ودخل بديلا عنه في القائمة الثلاثعشرية صديق آخر هو احمد باتميرة.
حتى الذين قالوا بأنهم فتحوا المجال أمامهم للترشح قالوا لهم قبل يومين فقط من موعد الانتخابات أنهم لا يحق لهم الترشح لمجلس الإدارة.
بالطبع لن يكتب أحد عما حصل في جلسة 22 مارس (أو 22 آذار وفق لبننة المصطلحات) من أولئك الحاضرين لجلسة انتخاب حكي عنها أنها كانت منفعلة ومصادرة لحرية الرأي، بدءا من التقرير المالي الذي ساوى بين الإيرادات والمدفوعات بشكل تام حتى لا يكون هناك لا عجز ولا فائض ولو مائة بيسة على الأقل.
سألت أحد الحاضرين عن دور مندوب وزارة التنمية الاجتماعية في الوقوف أمام أية تجاوزات في عملية الانتخاب (أو إعادة التعيين!!) فقال أنه ينطبق عليه عنوان المسرحية الشهيرة: شاهد ما شفش حاجه، واتقى محاججة الإعلاميين القوية بالصمت، كما تم إسكات الأصوات التي طلبت النقاش.
هل يمكن أن توفد الوزارة (المشرفة) محاسبا ماليا وآخر قانونيا من أجل أن تبقى مؤسسات المجتمع المدني أكثر شفافية من تلك التي تعصرها أفواه الإعلاميين ليل نهار وتشير إليها دوما على أنها فاسدة من النخاع حتى النخاع.والله الذي لا إله غيره ليس لدي أي اعتراض على أي اسم في القائمة الثلاثعشرية، لكن لتكن الممارسة سليمة وشفافة، وكان الأجدر بمن أثق في عقلانيتهم أن يتركوا الجمعية من باب احترام أنفسهم على الأقل لأنه لا يمكن أن يكون مجلس الإدارة متكرر الوجوه منذ التأسيس الأول، وصولا إلى انتخابات سابقة ركزت على بند يتيح لها البقاء (بالتزكية) وصولا إلى انتخابات يتم اعتبار اثنين من الصحفيين لا يعملون في مؤسسات إعلامية بينما تضم قائمة الخالدين أسماء تعمل في وزارات وشركات.

الأحد، 22 مارس 2009

عذرا.. الصورة ليست لك

أنا وانت وهو.. نسير على الدرب.. أي درب مقدر علينا
قد نرى صورتنا جميلة ورائعة، وحدنا من يضع الإطار الذهبي الجميل، ويختار أجمل الألوان، لذا نرى بأنفسنا بتأنق دائما، حتى وجوهنا نلبسها الأقنعة من أجل أن يراها الآخرون كما نرى أنفسنا أو أكثر بقليل..
هي لعبة الأقنعة، ربما لأننا نحتاج أن نرتدي ما يسترنا عن الذين نريد لهم رؤية بالغة الثراء الجمالي.
نلبس اقنعة من أصباغ، ونصنعها من كلمات، نلونها كما يعبث طفل بأقلامه الملونة، ونبالغ كثيرا حتى أن اللون يفيض عن حاجة الوجه، لكن الرؤية لدينا مضببة وغير واضحة، لكن لا بأس في مراوغة الرؤية الحقيقية ومواجهة الذات في أن الصورة غير مدهشة كما نتمنى، لكن الأمر لا يخصنا فقط، نفعله من أجل الآخرين، والذين يتقمصون أدوار المشاهدين في مسرحية الحياة الفجة في بعض مشاهدها.
من يقول لنا ان للون فاض عن الحاجة فهو مراوغ، نذكره بكمية الأصباغ التي على وجهه، والسواد في قلبه، والحمرة في دمه الثائر على نجاحنا في معركة التلون والاختباء، قد نثور لأن الآخر اقترب من كينونتنا، صورتنا الأصلية، حرق القناع بومضة ضوء، قال لنا أن القناع واسع على حجم الوجه، الكلمات فوق ما ينبغين الاصباغ فوق المحتمل، نواجهه: لماذا لا ترى سماكة قناعك؟ كلما يا عزيزي نرتدي أقنعة بكيفية ما، ما يختلف هو سماكتها، ومدى حاجتنا لقناع أجمل من وجهنا، مدى حاجة الوجه لأكثر من قناع.
أما حينما نواجه أنفسنا في المرآة فنجتهد أن لا نزيل القناع، حتى أمام أنفسنا نريد للكذبة أن تستمر، كل الآخرين يكذبون إلا نحن.. كلهم كاذبون ومنافقون ومرائون وخفافيش ليل، وحدنا من نتمسك بالصفاء والحب من أجل عالم أفضل لو كان لنا فيه موظء قدم، موطء وجه، ربما لا نعترف بقناعنا، لأننا حينها نكتشف أن الصورة ليست لنا، كما نرى أولئك بأن صورهم التي نراها قد لا تكون لهم، فلسفةالحياة في دقتها ورقتها وصخبها.
تأسرنا الرؤية المتخيلة، الواقعة في مدارات أبعد من الصورة الواقعية، واقع الحياة، وواقع الآخرين، وواقعنا، كأننا نهرب من وجوهنا، ووجوه من حولنا، قد نتحدث فنتجنب أن تلتقي أعيننا ببعض، شيء مجهول نداريه بقناع الكلمات والخروج من دائرة المواجهة بين الذات والذات الأخرى، لا نتحاور سوى مع أقنعة هشة، نتمسك بما تبقى من متانة الأقنعة، نتواطىء على قبولها، ليقبلنا الآخر بها علينا أن لا نحرجه بقناعه، الحياة مجموعة أنيقة من الأقنعة، والذات المكشوفة ينطبق عليها ما على المكشوف من الأشياء، صادمة ومتوحشة وطامحة.. قد نتفاوت في نسبية الأشياء، يوجد بيننا الصافون أكثر مما نتوقع، والأنقياء أجمل مما نظن، والجميلون بأحلى مما نتصور، لكنه لا بد من قناع..
لو اختلفنا سنصدم بما نواجهه من حقائق أمامنا.. الصديق الذي رأيت فيه الشفافية التي تحب سينهال عليك بسوط الكلمات، سيفرغ شحنة من الغضب الخفي، سترى صورة لم تكن تظن مواجهتها في زمن ما.
هكذا الغضب والحقد والحسد والإنتقام وأشياء أخرى تنزع عنا الأقنعة في لحظة ما، قد تكون لحظة ضعف، لكن لا يمكن الرجوع عنها لأنها مزقت الاقنعة، ويلزمنا زمن لنصنع اقنعة أخرى، كم هائل من الكلمات والأصباغ والحيل.

من ينقذ آثار الجصة؟

على مقربة من البحر الراقد بسكون الزهر بين أحضان الجبل توجد بقعة ضوء تسمى الجصة، ويشار إليها دوما على أنها قنتب بطريقة الخطأ..
شقت الجبال ليصلها الشارع الحريري المسفلت، وصرفت ملايين الريالات (حينما كان الريال يأتي بأضعاف ما يأتي به حاليا) لتكون تلك البقعة على علاقة برية بغيرها من مدن مسقط وقراها.
تواجدت آثار لم نكن نلتفت إليها والبحر من أمامنا يلقي تلك الرمال الذهبية تحت أقدامنا، والمشهد لوحة حالمة يجلس إليها العشاق والهواة والعائلات، كل له شأن فيما يرى..
لكن لم يحدثنا أحد عن تلك البقعة القادمة من عمق التاريخ البحري العماني، لم يقل لنا أحد أن تلك الآثار دالة على فترة هامة من تاريخ البلاد، وأن تلك الجدران كانت يوما لسكان متمايزون عمن حولهم كون أن البيوت دالة على ساكنيها، كما هو الجامع دال على حضارة مدنية استوطنت المكان وكان لها تلك الآثار الدالة عليها.
هم لم يقولوا لنا ما شفي غليلنا..
ونحن لم نسأل لماذا بقيت تلك الآثار فاقدة للاهتمام الذي وجدت من أجله وزارة معنية بتراث البلاد، تلك التي اعتنت بقلعة صغيرة في قمة جبل على بعد مئات الكيلومترات بينما هناك آثار تسكن على مقربة من مركز الحكم في البلاد.
ويقال، والله أعلم أن الآثار ستزال (بالشيول) لأنها لم تنل اهتمام رجال الأعمال الذين لا يفرقون بين حجر وآخر إلا بمقدار ما يضيف إلى حسباهم البنكي..
ويقال بأن المنطقة ستكون على غرار الموج والمدينة الزرقاء مخصصة لسكنى ذوي الدم الأزرق، ستكون فيللا من تلك التي تبنى أرقام تكلفتها عشرات المنازل الصغيرة الصالحة لمن يحسبون على الطبقة الوسطى وما دونها..
أقول، وأكرر، يقال بأن الأفواه الجائعة والشرهة لكل ما يمكن أن يضيف بندا في قائمة مداخليها تفكر بأن تحول المكان إلى كعكة، قد تبيعها إلى مستثمر أجنبي يأكلها بالهناء والشفاء ومن باب أن الحي أبقى من الميت وأن الفيلل الفخمة باحواض السباحة أجمل للمكان من تلك الحجارة المتناثرة والتي مات سكانها من قديم الزمان.
يقال بأن الكعكة ستكون مربحة، وان المخططات ستكون تحت إشراف حكومي يقدم الأمر للاستثمار على أنه منازل خربة، ولأن المعلومات شفافة جدا ويقدمونها من يرون الشفافية فإن الشاطىء الجميل سيغدو بعيد المنال علينا، وعلى من اعتادوا عليها كبقعة مسقطية بالغة الثراء الجمالي، ولا ندري هل هو نبأ نستطيع القول أنه صحيح أم أن الأمر أضغاث إشاعات وحلمنا أن تبقى مجرد إشاعات خشية أن لا تكون للآثار تلك باقية أمام رغبة قوية في تحويل كل شىء إلى استثمار جالب (للفلوس) ولا ندري لمن ستكون تلك الفلوس العائدة من تلك الاستثمارات، مع أنهم يروجون دوما أنها ستفيد البلاد والعباد، ولا أكاد أشك في أنها ستفيد العباد، فالنادلون والعاملون والحراس الواقفون على البوابات الضخمة سيكونون من هؤلاء العباد المحسوبون على بند الباحثون عن عمل.. أما العائدات الكبرى فتعرفها بنوك الخارج أكثر من فلوس الداخل.
فهل من يطمئننا على أن الجصة لن تكون مشروعا استثماريا يبنى على حق البلاد من تاريخها وآثارها؟ أقول وأدرك أنه لا أحد سيرد!!

حرية النشر.. ونشر الحرية

عدت للتو من سفر قصير، في الحقيبة حكايات لا تنتهي، وحوارات تطل برأسها كلما اجتمع مثقفون ونقاد وكتّاب على طاولات الحوار العربي، بدءا من أزمة الفكر وصولا إلى أزمة الجنس وأدوية الفحولة التي يتم تسويقها يوميا بما يدل على وجود أزمة حقيقية في جسد أبناء الأمة فكيف بما يحدث في فكرها.
تحدثوا عن الديموقراطية.. قال أحدهم أن هذه المفردة ليس لها مكان في صحاري العرب وجبالها، هي لفظة من حرير لا تتفق وهمجية القبيلة وروحها الثائرة التي لا تعترف سوى بالحسب والنسب وتغلق ستائرها على حرية المرأة التي عليها واجب إتقان ممارسة الحب وإمتاع زوجها (المناضل) لا ممارسة الحرية وإشباع وجودها كنصف المجتمع.
أشار المتحدثون إلى دساتير يلوى ذراعها من أجل الرجل الجالس على المنصة، الحاكم بأمر الله وبرغبة الشعب، تلك القطعان التي تسير ملوحة للزعيم أن يبقى لأنه لا يوجد غيره يستطيع جمع شتات البلاد وإسعاد العباد، تذهب إلى صناديق الإنتخاب تحت شعار (اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش) وفق اللهجة المصرية الجميلة.
اتفقوا على أن الشرعية الدولية ترى بعين واحدة، وأن تلك العين لا ترى سوى تشابك المصالح في غابات لا يحكمها سوى الأسد، ملك الغابة، الممسك على رأس المال، ورؤوس الصواريخ النووية الكافية لتهديد أية زعامة، ضحكنا جميعا من كاريكاتيرية المشهد العربي، حاكم يختبأ من زئير الأسد في حفرة، وآخر وضع تحت صورته كلمة مطلوب وآخر (وآخر) ينادي بمسح الدساتير بما يتفق والجلوس الدائم على الكرسي الرئاسي، فالعصا السحرية في يده يمسح بها آلام مواطني بلاده، رغم أنهم يقفون طوابير لا نهاية لها أمام سفارات الدول الأجنبية طمعا في ترك البلاد والهجرة حتى نحو بطن قرش!!
الحرية وقفت كمفردة في حلق ناشرين التقيتهم في معرض أبوظبي للكتاب.. سألنا أحدهم عن الرقابة على الكتب في بلدان الخليج، فجع الموجودين بأنها منفتحة في السعودية بما لا يقارن بجارة لها احتسبت دوما على أنها الرائدة في الثقافية بالمنطقة، وسألناه عن أخرى وقد تملكنا إعلامها بأنه الداعي للديموقراطية والحرية ليل نهار، قال بأن ما تقوله الشاشات غير ما يوجد على الأرض، حتى أمن الدولة صادروا منه كتبا تباع في جميع بلدان الخليج دون أدنى مشكلة، سأله أحدهم ما علاقة أمن الدولة بالكتاب؟ .. وأجاب بأنها حرية النشر، تلك التي قد لا تتوافق مع مفهوم نشر الحرية!!
تحدث أحدهم ضمن الحوار متسائلا: هل عمان منفتحة على نشر الكتب إلى هذه الدرجة؟!.. إذن لماذا يتراءى لنا أنها منغلقة على نفسها ولا تصلنا أخبارها إلا لماما؟ حسبته يعرف الأخبار بما تحمله من متاعب، وقدرت أن ابتعادنا عن العناوين الرئيسية لنشرات الأخبار خير لنا ونعمة أنعمها الله بها علينا.
فكرت قليلا.. هل يمكنني ممارسة حريتي وكتابة الدول بأسمائها التي وردت في الحوار؟
وتراجعت كثيرا: قد لا ينشر المقال، أو تتم مساءلة الجريدة على أنها أساءت لبلدان شقيقة، وكلمة الإساءة تهمة جاهزة في مجتمعاتنا تسوّق رقابيا لتكون الصحافة واقعة تحت ضغط الجهات الرسمية والدبلوماسية ومؤسسات القطاع الخاص، وبعدها نسائلها: لماذا لا تنشر بحرية لكي تنتشر؟.. والإجابات عائمة بمقدار ما تغيم مفردة الديموقراطية في تضاريس خليجنا الصعبة..
اخترت كتاب الديموقراطية العصية في بلدان الخليج، لعلي أجد فيه سبب هذا العصيان، أو ربما المقلب الذي نتوهم أنه سفينة نوح، ربما يكون هو الطوفان بنفسه.

السبت، 14 مارس 2009

شيخوخة الحناجر الذهبية

قبل أعوام أجريت مقابلة صحفية مطولة نشرت في صفحة كاملة مع المبدع الرائع حسين المحضار، امتد الحوار نحو ساعتين في غرفته بفندق جراند حياة، وكان رفيق الجلسة الفنان اليمني حسن سري، سالت صاحب المحضاريات عن الشيخوخة التي قد تصيب حناجر الفنانين، عبدالكريم عبدالقادر وأبوبكر سالم وغيرهم من الذين لم تعد لياقتهم (الصوتية) كما كانت تنثر الحنين والشجن فنستشعرها فور أن نسمع المفردات الأولى على سلمها الموسيقي.
سألته عن محمد عبده، رد بأنه كان جلسات السمر بمدينة جدة السعودية يجلس فتى صغير يسمى محمد عبده، كبر الفتى وصار فنان العرب، وأهم ما فيه أن صوته لم تبلغه الشيخوخة، بقي صافيا كنهر منساب، كما هو صوت الرائعة فيروز، له حزنه وشجنه وحنينه، كأننا قبائل من العشاق، وكأننا نعيش كل لحظة قصة عشق مكتوبة بماء الورد.
هناك أصوات عرفناها بما هي عليه من قوة وجمال جبلي قادم كشلال ماء، وديع الصافي وصباح فخري، هذا الذي غنى أكثر من نصف يوم بشكل متواصل ولم يفت الوقت من قوة الحنجرة الصعبة التي لا تكون سوى لصباح فخري، تخطى الثمانين ولم يزل قويا كأنه ابن الثلاثين يعبث بأوتار قلوب من في القاعة ببيت من الشعر يترنم به عشرات المرات، فلا هو يتعب ولا الجمهور (الذواق) يرتوي.
مثل هذه الأصوات تدفعنا للسماع..
كنت لا أهتم باي شريط جديد يصدره أبوبكر سالم، بل معني بأقدم شريط له، حينما كان الصوت لا يخدش شرايين القلب قبل أن يجرح طبلة الأذن، ولم يصل إلى مرحلة الغناء لمن يقشر الموز!!
قبل أيام أسعدني خبر اعتزال أبوبكر لأسباب صحية، قلت يكفيه هذا الفقيه ما أحرزه من مكانة لن يصل إليها إلا النادرون في عالم الغناء الخليجي على الأخص، واليمني إن تذكرنا ما قدمه هذا الفنان من خدمات عظيمة للموروث الموسيقي اليماني المعروف في سائر أرجاء اليمن السعيد، وشكل أبوبكر مع رفيق دربه حسين المحضار نقطتا ضوء هائلتين أخرجتا الكنوز الفنية من صناديقها القديمة وباتت تمخر عباب الخليج من الضفة إلى الضفة المقابلة، ووصلت إلى أرجاء العالم لتقول أن هذا الفن اليماني ساحر حد الدهشة.
استعاد أبوبكر لياقته الصحية وقال أن خبر الاعتزال غير صحيح، وأنه يحضر لعمل فني سيعيده إلى الاستوديوهات لتسجيله، إلم يكفه هذا العملاق تلك الرحلة المدهشة ويصر على معاندة تعبه ومرضه بما يسلبه من رصيد له بين أجيال أبناء الخليج؟!
الفنان الآخر هو عبدالكريم عبدالقادر، صوت الحزن، ورفيق المتعبين في ليل آلامهم وقد فارقوا حبيبا غدر، وعشاقا انتظروا معشوقاتهم فلم يحضرن فيما أزف الموعد وربما فات.. حكايات رسمها (أبوخالد) بصوته عن الحزاني والمتعبين والمحرومين ممن (تولهوا) عليهم، اختفى الصوت الجريح بعد أن قدم ألبومات لم تكن في مستوى قديمه، لكنه وكما قال في حديث تلفزيوني أنه يغني ليجد ما يعيش به، وهو الفنان الحقيقي الذي لم يحول الأغنية إلى راقصة في ليل السكارى، بل ابتلت بدموع المعذبين بالحب، انسابت حائرة كدمعتهم على وسائد القلق والأرق.. أتذكرهن وداعية.. للصبر آخر.. غريب.. باختصار.. تأخرت، والموسيقى التي تكتب الكلمات لهن ولعشرات الأغنيات تقطع من ندى أزهار البنفسج وادعة وحزينة..
في تلك المرحلة المتقدمة من العمر لم نكن عشاقا لكن عبدالكريم أقنعنا بأن ثمة حبيب لنا علينا أن نغني من أجله وقد فارقناه، ولم يكن لدينا ما يستدعي حالة قيس بن الملوح لكن عبدالكريم ألهب عاطفتنا وقال لنا أن كل منكم لديه ليلاه وعليه أن يبكيها..
لكنني شعرت بأن حنجرة هذا الشيخ الحزين تغيرت، الكلمات تخرج عاجزة عن أن تكون هي ذاتها التي ذوبتنا في شاي الحزن كقطعة سكر فاض بها دمع عاشق.
وحده الفتي الذهبي الذي كان يجلس على زاوية في جلسات السمر المحضارية باق على روعته، ليته لا يتوقف، وليت حنجرته لا تشيخ.. وأتذكرها يا نسيم الصباح وقد كانت تأتينا من راديو عتيق، كأنها المسافة لم تكن عشرات السنين بينها والأماكن، رائعة محمد عبده الأخيرة، كأنها العلامة الدالة على أنه مطرب لا يتكرر.. أبدا.

البشير والنذير

يا لهذا القدر العربي المرعب، لا يكف عن منحنا مسميات نتقاذفها ككرة تنس، يمضي الوقت ونحن نتدارس ونبحث المعنى وما وراء المعني، ونحلل ونحرم ونجرم ونشتم، ولم يتغير شيئا في وضعنا، نتفق في جلسات المساء ونختلف إذا حان الصباح.. وكفت شهرزاد عن الكلام المحرم..والكلام المباح.
بعد آخر موضتين للحديث: حذاء منتظر واوباما المنتخب خرج علينا قدرنا العربي بتسمية أخرى، أوكامبو، اسم تتداوله الدنيا كدلالة على العدالة الدولية ونسوّقه بمنطق الاستعمار الجديد، الذي يختار دولنا العربية واحدة بعد أخرى ليخنقها باسم العدالة ويدمرها تحت مسميات محاربة الإرهاب..
أوكامبو، أو النذير الذي لا يبتسم ولا يرف له جفن.
وفي المقابل، هناك البشير، رئيس دولة عربية مطلوب لهذه العدالة بتهم تعرفها (كل الدنيا) لأن الحدث تتناقله ألسنة العالم عربا وأعاجم..
والحكاية هي الكاريكاتير الساخر: مسيرة العدالة الدولية ستنطلق من الغرب السوداني حيث دارفور هي المشهد الجديد الذي ترصد عدسة العالم المتحضر مأساته وملهاته: الملايين التي تموت جوعا في سلة غذاء أفريقيا، والملايين العطشى وتحتها أعذب مياه الدنيا، والملايين الفقيرة وأسفل الأرض أهم الثروات الطبيعية.. وصولا إلى قرار دولي يطلب رئيس دولة جالس على منصة الحكم للمثول أمام منصة محكمة بقضايا إبادة جماعية، وبين منصتي الحكم والمحاكمة شبهات وعقبات وعواصف لا يمكن التنبؤ بمن تحصده في هبوبها، هل تكتفي برأس واحد أو أنها لن تكفيها السودان كلها.. لا قدر الله.
المشهد متراكم ومتعاظم التعقيد، الرئيس الذي يواجه التيار المندفع بالخطب والجماهير الغاضبة، والشرعية الدولية التي لم تر أكثر من خمسين عاما من الفظائع الإسرائيلية والوحوش المدمرة التي أطلقت على جسدنا العربي، تجرب أسلحة الدمار الأمريكية فينا، وهي مدعومة بمليارات الغرب المتباكي على ما حدث لليهود قبل عشرات الأعوام فيما أن المشهد ماثل أمام أعينهم لكن رؤية الشرعية الدولية لا ترى سوى أخطائنا، لا تنتبه للخطايا المرتكبة ضدنا.
إذن هي الشرعية التي نحن (العرب) أبطالها.. ونحن ضحاياها.
ميزان العدالة غرس رمحه في السودان، بلد عربي عاني طويلا من مغامرات السياسيين، وبعد كل مغامرة يقال أن المؤامرة موجودة، وكان لهذا الوطن الكبير أن يكون سلة غذاءنا وواحة لكل عربي يبحث عن السياحة والاستثمار والإنطلاق إلى قارة أفريقيا مغامرا في كل الاتجاهات.
الشرعية الدولية تسير كتيار هادر، أعجبنا سحرها أو هالنا حجم بشاعتها ستمضي، لن يوقفها عصا في يد زعيم، ولا تهز شعرة في بدنها هتافات في حناجر هاتفين، ولا تعنيها كل تلك الشعارات التي قد تبدل أقوالها حينما ينهال الفأس على الرأس.. والأيادي التي كانت تصفق لهذا ستصفق لذاك، لأن المسألة مريبة والحياة معنية بالموجود أكثر من الغائب.
المشهد في العراق لا يفارق مخيلتنا.. والسودان دولة بحجم قارة قد تصحو فيها الفتن النائمة ويشحذ طامعون بالانفصال سكاكينهم في أطراف عديدة، وستنهار طموحات عربية كانت تنهض للتو لتكون هذه الأرض ملاذا عربيا حينما عزّ طعام العالم عليهم، ألقوا ببذور غرسهم هناك وانتظروا وقت الحصاد وقد اقترب.
المشهد في ليبيا ليس ببعيد، حصار وقصف عابر للقارات والدول، تحجّرت مسارات التنمية في بلد عربي واسع الثراء بشرا ومواردا بسبب من حصار طبّقه العرب أكثر من غيرهم.. لكن القذافي قرأ المشهد جيدا، أدرك حجم العاصفة وتمسك بمجاديف النجاة، له ولبلده.
المشهد في سوريا يدعو للتأمل، لكنها السياسة التي تجيد الشد والجذب استطاعت أن تتقي الكثير من الزوابع، والفتنة إن أطلت برأسها لا يمكن قطع رأسها إلا بتضحيات وقرابين ودمار يعيد البلدان إلى سنوات طويلة للوراء.
قلوبنا مع السودان، ومع شعب السودان، وكل حبة قمح ترويها قطرة ماء في بلد عظيم أهلكته السياسة وآن له أن يستريح.

الاثنين، 9 مارس 2009

هذا الصباح

يشدني في برنامج هذا الصباح الأغنيات التراثية التي تقدم منها يوميا وجبة جميلة تنتثر بينها اتصالات المواطنين (والمقيمين في حالات نادرة) وصوت المذيعين اللطيفين محمد المرجبي وسهى الرقيشي وهما يقرآن خبرا أو يتحاوران على أمل أن يطل المسئول كي يرد.
التجاوب الأبرز من وزارات: القوى العاملة، والتنمية الاجتماعية، والإسكان، والنقل والاتصالات.. والبلديات الإقليمية وموار المياه، وهناك تواصل رائع من شرطة عمان السلطانية، ومن الهيئة العامة للكهرباء والمياه، وهذه الجهات الخدمية عليها واجب التواصل لكن يشوب صفاء الصورة الردود المتأخرة، وهناك من يتعلق بمشبك القانون فيتصل ليقرأ القانون لا ليبحث عن حل لمواطن لم يجد طريقا سوى هذا الصوت الإعلامي المتميز، والذي مهما اختلفنا عليه نحتاجه، نريده أن يتطور لا أن ينتهي، ونريده متوسعا في وقته ليكون برنامجا صباحيا أثيريا لا برنامج شكاوي.. وفقط.
أما القضايا المطروحة في البرنامج فبقيت متشابهة إلى حد التكرار، وبعضها ظريف كالذي يطالب وزارة القوى العاملة بسن قانون يلزم القطاع الخاص بوجود إجازة عزاء تشمل الجيران.. أيضا حسب وصية الرسول الكريم بالجار.
أما المتشابهات في قضايا البرنامج فهي تنحصر غالبا في:
تقدم لوزارة الإسكان بطلب مساعدة إسكانية.. بيته ينهار فوقه، وهو ينتظر الدور، ورقم معاملته يسبقه فيها عدة مئات، وكل عام تتم الموافقة على أقل من 15 طلبا، يأتي عزرائيل إلى صاحب الطلب قبل الموافقة النهائية.. وبكل بساطة انتهت المهمة: الطلب لا يورّث، وعلى الأيتام تقديم طلب آخر.
متصل حصل على المساعدة الإسكانية، لكنه لم يجد بيتا يبنيه أو يشتريه بذلك المبلغ.. فماذا يفعل به وقد مرت مدة المهلة شهرا بعد آخر.
تقدم بصيانة للفلج وينتظر منذ سنوات.. ثم تقدم للحكومة بطلب تنظيف الفلج (فعلا: لماذا الحكومة لا تأتي لتنظيف الفلج؟.. هل هذا هو دور كل تلك الفرق الأهلية التي تتخذ من الكرة هدفا.. ومصيرا؟).
الإرسال في قريتنا ضعيف، يأتي الرد أن الكثافة السكانية قليلة، (لا بأس، سيتم تحويل الطلب إلى هيئة تنظيم الاتصالات.. انتظروا، فعلا: لماذا لا تنتظروا).
تقاطعات شارع الباطنة قاتلة، كل أسبوع لها ضحايا.. أغلقوها.. يأتي الرد: هناك من يقول اغلقوها، وهناك من يصرخ بألف لا.. للإغلاق).. هذا المسلسل بدأ قبل أسبوعين، بعد ختام مسلسل الاتصالات على (مطبات) دوار مخيليف بصحم.
نريد مطبات، الشارع في حارتنا (خطير) وحوادث الدهس تكررت، (بين المطالبين المستعد للمساهمة، وذلك الذي لا يمتلك إلا قوت يومه).. تقدموا بالطلب ولم تأت الموافقة، يقول الرد بأن هناك لجنة لدراسة احتياجات المكان من كاسرات السرعة، وستعاد دراسة الأمر مرة أخرى..
الشارع بقيت به قطعة صغيرة لم ترصف، المسئول يقول بأن الأمر عائد للاعتمادات المالية ووفق خطط ودراسات.. وأولويات، حالما تتوفر الاعتمادات (المالية) سيتم رصف الجزء المتبقي.. ويا أيها المتصل.. انتظر.
وهناك قضايا المرادم وتأخر إصدار الملكيات وما تفعله حفريات الصرف الصحي في الشوارع.
برنامج هذا الصباح نبض عماني جميل، نسمع عبرها نحو تسعة أصوات من مواطنين كل له رنّة صوتية مختلفة ولهجة محببة وقضية تشغل باله..
لماذا لا يكون هناك توسع في طاقم العمل لينقل إلينا نبض المواطنين من أماكن سكناهم، لا يكتفي بانتظار مكالمة لا تجد فرصتها بين انشغالات الخطوط، توصّل صوت المواطن إلى المسئول.. لعله يكون مسئولا.. حقا.

الأحد، 8 مارس 2009

جمعية الصحفيين

أصابني التردد في الاقتراب من هذا الموضوع (الشائك)..
وأشواكه منبتها من حساسية التعامل مع الصحفيين والإتهام الجاهز بأنني أهاجمهم لأنني لم أعد منهم، وكأن الصحافة قناع يمكن التخلي عنه فيما لو تغيّرت مؤسسة العمل، وليست ممارسة يومية، ودم به عطر رائحة الحبر، فوحدهم العاملون في هذه المهنة يدركون بأن الاشتغال بالصحافة قدر يطارد المرء في نومه، فكيف به وهو محاصر بأحبارها وأخبارها؟!.
وفي عمان لدينا خاصية (غريبة)، فلو كتب المرء عن أية مؤسسة فإنه يتم البحث فيها عن شخص ما مستهدف من تلك الكلمات، فنقد المؤسسة يعني (بالضرورة العمانية) انتقاد أفراد، وطرح السؤال مباشرة: لماذا لم تتقدم أنت؟!
لو قلت (مثلا) بأن رئيس جمعية الصحفيين علي بن خلفان الجابري (وعلاقتي به أكثر من رائعة) يفترض به رئيسا لجمعية الإعلاميين (وتشمل العاملين في قطاعات الإذاعة والتلفزيون) لعدّ كلامي انتقاصا من دور الأخ علي الجابري.. ولو قلت بأن أغلب الموجودين في مجلس الإدارة الحالي هم من خارج المؤسسات الصحفية لتردد الحديث فورا بأني أرمي قناة بعض الأخوة العاملين بإخلاص في هذه الجمعية.
لن أتردد وأقول بأن العمل التطوعي في الجمعية خارج عن المصالح الشخصية، فأي عمل في الدنيا له أسباب (شخصية).. من طلب (القيادة) إلى طلب (الثواب).. وأحسب أن قيادة جمعية الصحفيين لا تنتمي إلى النوع الثاني، وقد لا تصل إلى النوع الأول، فبينهم الأرفع خلقا من البحث عن أدوار قيادية أو (تلميعية) أو (سفرات)، وفيهم من يعمل بصدق حينما (تكاسل) الأكثرية عن القيام بهذا الدور.
لن أنكر ما قدمته وما فعلته الجمعية خلال السنوات الماضية (في فترة ما قبل التأسيس وما بعده).. ولهم علي حق الإعتراف بأنهم يعملون في أجواء سلبية يشعرون معها أنهم وحدهم يمضون في صحراء لا ماء فيها ولا شجر، ويعانون من ضعف تواصل أصحاب المهنة مع جمعيتهم، لكن لا يمكن الحديث عن مثاليات والبعد عن النظر تجاه من يرى في هذا الأمر إيجابية وهي (الاستفراد) بالمسيرة وتقديم نفسه على أنه حامي حمى الصحافة العمانية والمنظر لها والممسك بزمامها.
سأتمسك بحسن الظن، وأشكر مجلس إدارة جمعية الصحفيين الذين ترشحوا جميعهم للإنتخابات المقبلة، ولا أقبل أن يصادر رأيي أحد حينما يرفض تذكيري بأنه أعيد ترشيحهم (أو أعادوا ترشيح أنفسهم) في الإنتخابات الماضية لأسباب قانونية تتعلق بلائحة الانتخاب (والتي قفزت فوقها جمعية الكتاب حينما أرادت ممارسة ديمواقراطية حقيقية).
سأدعي أنني لا أرمي بقولي أحدا من مجلس الإدارة، فأغلبهم أصدقاء لهم احترامهم الذي لا يقبل الشك، ولديهم حجة حامعة مانعة وهي أنه لم يتقدم للترشح سوى ثلاثة أشخاص مع الباب مفتوح للجميع..
وبعد ما سلف من القول، ترى كم من سكين يشهره البعض تجاهي لأنهم شعروا بالكلمات الإيجابية مشار بها لغيرهم، وبالسلبية مخصصة لهم، كل ينظر إلى داخل قلبه ليرى صورتي فيه، فإن كانت بيضاء محّص قولي وأدرك أنني لم أكتب إساءة له، وإن أبصرها سوداء متفحمة سيشعر بأنني هجوته، وقلت فيها ما لم يقله جرير في الفرزدق، ولا أشعر بأنني وضعت في داخل أي منهم (هذا النيجاتيف).
طالما يعملون (بأخلاص) فلهم كل التحية، ولأنهم قبلوا بالعمل حينما عجز آخرون عن مغادرة بياتهم الشتوي (وفي كل المواسم) فلنقل لهم على بطاقات الانتخاب: نعم، حتى وإن تشابهت الانتخابات (المقبلة) مع كل انتخابات عربية لاختيار مرشح وحيد.. ووفق الدستور الذي لوي عنقه من أجل أن يبقى القائمون في الحكم..جالسون للأبد.
فكل انتخابات وأنتم.. طيبون.
وفي كل مؤتمر ندعو لكم بالتوفيق، من أجل صحافة عمانية تجلس بين شقيقاتها العربيات (والأجنبيات) بثقة وهيبة.

السبت، 7 مارس 2009

صحفي.. محلي

السهل: هو أن تقول بأن صحافتنا ضعيفة.
الأسهل: أن تلوم الصحفيين على أنهم لم يجتهدوا، مرة حينما لا يقرؤون كثيرا، ومرة حينما يصيبهم الملل والإحباط عند أبواب مصادر الخبر.
أما الأصعب فهو أن لا نقول من دفع الصحفي العماني إلى هذا الجدار الصلب، والذي تشكل ليكون حائط مبكى (عند اليهود) وكرسي اعتراف (كما يرى أتباع المسيح)، أغرت الشماعات الصحفيين بتعليق أسباب التقصير والأخطاء عليه، وبعدها نتساءل: لماذا بقيت الصحافة العمانية دون المأمول.. وبقي الصحفي العماني في دائرة لم تقنعه هو فكيف تقنع غيره، مع أن الكفاءات الموجودة قادرة على تقديم ذلك (المأمول) بقليل من الالتفات.. وبكثير من الاهتمام.
تفتقر مؤسساتنا الصحفية إلى آلية العمل المعروفة في صحافة الدنيا، وتتعامل مع الصحفي على أنه آلة مطلوب منها إنتاج أخبار لتغطية الصفحات البيضاء، فسقط الصحفي في فخ الاستبساط المتعامل مع الصحافة على أنها صفحات بيضاء ينبغي تسويدها، فلا يجد الوقت الأهم للتكوين المعرفي: القراءة والتحليل والتأمل والتدرب على حساسية الإلتقاط، فهو لا يجد الوقت سوى لحضور المؤتمرات والندوات، يسمع منها الكلمات الافتتاحية وتوزع له جاهزة، أما ما وراء الكواليس فيكون وقد ذهب الصحفي سريعا إلى مكتبه لإنجاز العمل، فالصفحات فاتحة ذراعيها مترصدة عقارب الوقت كي لا تمضي سريعا بينما حجم العمل يثقل كاهل الصحفي.
عليه أدوار أخرى لا بد أن يقوم بها: متابعة صور الحدث، والمناوبة لإنجاز الصفحات ومتابعتها، ومواجهة سيل الاتصالات ممن لهم علاقة ما بالجانب الإعلامي: مراسل يتساءل أو يعتب أو يشجب، ومسئول يوصي أو يقترح أو يأمر.
أين هذه المؤسسة الصحفية المحلية التي اهتمت بالكادر البشري، والتي لم تمارس سوى سياسة اللوم والتأنيب للصحفي العماني فيما تركت الأهم وهو التعامل معه كصاحب رسالة له حقوق (لا يفترض تسميعه بها ليل نهار) مقابل الواجبات (التي يتهم بالتقصير فيها.. ليل نهار)..
أدرك أنه سيقال الكثير إزاء هذه الجملة، من مسئولي هذه المؤسسات مذكرين بعشرات المبادرات التي قدمت للرفع من شأن الصحفي، ولا يمكن إنكار أن هناك مبادرات (لكنها خجولة تنسف نتائجها بعد حين) وأن هناك (صحفيين) يرون أنهم بلغوا من العلم ما لا يحتمل المزيد، لكنني سأتجاوز كل ذلك للنظر في قضية واحدة تم إهمالها وهي تواجد الصحفي العماني في المحافل الخارجية.
منذ إنشاء وكالة الأنباء العمانية تراجعت مشاركات الصحفيين التابعين لوسائل الإعلام المقروءة، وبات محرر الوكالة هو المتحدث الرسمي بإسم جميع الصحفيين العمانيين، يذهب بالنيابة عنهم، ويكتب عنهم، وربما لا يكون له الحق حتى في إبدال كلمة مكان أخرى.
ولم تصدق المؤسسات الصحفية المحلية أن وجدت من يتحمل هذا العبء عنها: سيبقى محررها متواجدا (على رأس عمله) ولن تدفع ريالا (للتذاكر والعلاوة اليومية).. فيما فاتها بأن أية مناسبة خارجية هي دورة ميدانية لأي صحفي للإستفادة والإحتكاك وتعلم الجديد من المعارف وفتح آفاق أخرى أمام حدود فكره والإحساس بأن مؤسسته كرمته بهذه الفرص ولم تساومه على أنه إذا أصر على المشاركة فلن تمنحه علاوة، فهذه قد يقبلها ولكن على هاجس ظلم واقع عليه، يفتقد الشعور الإيجابي تجاه مؤسسته، ولا بد هنا من التأكيد على أن من بين الصحفيين العمانيين من اجتهد وأخلص وقدّم جهودا متميزة.
قبل سنوات (طوال بالطبع) كان القرار الحكومي أن يرافق الوفود العمانية في أية مشاركة خارجية صحفي، وترشح الصحف محرريها الذين يكونون ضمن قائمة (الحسابات العامة غالبا) ولم تكن الصحف تتردد في مشاركة صحفييها، لكن مع وجود قناة إعلامية رسمية رأت الجهات (الرسمية) أنه لا حاجة لها بضجيج الصحفيين، فكل أخبارها ستنشر في جميع الصحف..
هكذا تحول الصحفي العماني إلى محلية تفتقد الإطلاع والتجارب الأخرى.. وتحولت المشاركات العمانية الخارجية إلى خبر صغير مكرر في جميع الصحف مع أنه كان بالإمكان أبدع مما كان.. لولا حرص الصحف (على أموالها) لا على أدوارها، وكرّمت الوزارة موظفيها المخلصين لإنجازاتها فأوفدتهم مع كل زيارة رسمية فصار الخبر مختوما باسم أحد موظفي الإعلام والعلاقات في المؤسسات الرسمية، وهو يكتب كما يريد معاليه أو سعادته.. بالضبط.

الاثنين، 2 مارس 2009

احتفاء فخم

القاعة الصغيرة المنزوية على جانب مدخل معرض الكتاب خشي عليها المنظمون من الحضور الكثيف ففضلوا أسماء أدبية ليست من النوع الذي يجذب الجمهور، ويقال أن الأسماء تم اختيارها من لجنة راعت التنوع، ولذا نحن مدينون لها بهذا التنوع.
في الاحتفالية المنشودة مساء أمس الأول، حيث أن جمعية الكتاب والأدباء ستحتفي بعشرة إصدارات عمانية، وستعلن أسماء الفائزين في مسابقتها الأدبية لأفضل إصدارات العام المنصرم، خشيت على نفسي أن لا أجد مقعدا في تلك القاعة (الصغيرة).. فهناك عشرة كتاب سيحضرون (دون أدنى ريبة أو شك) تدشين إصداراتهم على اليد التي قدمت الدعم المالي اللازم لظهورها للنور، فراعي الحفل هو معالي السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي، واسمه كاف لاستقطاب أسماء رسمية (محسوبة على المؤسسات الثقافية عامّا وخاصّها) وأسماء أخرى (كثيرة) محسوبة على الوسط الثقافي (حقيقيّه ومدّعيه).
قبل الموعد بعشر دقائق لم أجد سوى ثلاثة كراس فقط ممتلئة بالجالسين عليها، والمنظمين (وغالبيتهم من أعضاء الجمعية) يستعدون بآخر التجهيزات.. وبعد حين تجاوز العدد عدد أصابع اليد، غاب (الحضور الرسمي الثقافي نهائيا).. ولم يأت أحد من المنظمين للمعرض من باب (سد الذرائع) على الأقل.. أما المثقفون فخير مشهد لما حدث هو علامات الدهشة على أحدهم وهو يسمع عن حفل توزيع جوائز وتدشين إصدارات عشرة، لا يدري أن هناك حدث تم الإعلان عنه صحفيا وإذاعيا وتلفزيونيا عدة مرات، وله أصدقاء بين أصحاب الإصدارات، هذا النموذج المثقف حضر (غيابه) وتم تكريم الفائزين في حفل بسيط (جدا جدا) .. وما رفع قيمته هو وجود شخصية فاعلة كراعي الحفل، وأساتذة يتقدمهم الأديب (الكبير مقاما) احمد الفلاحي واعضاء لجنة التحكيم.
المثير الآخر غير هذا الاحتفاء الكبير من المثقفين بأصحابهم الكتّاب هو التغطية عن بعد التي انتهجتها صحافتنا المحلية، لم يعد الأمر مجرد خبر معتمد على بيان صغير ألقاه الكاتب المبدع عبدالله حبيب وتم التعامل مع الفائزين على أنهم (قدر) كان لا بد من حدوثه فلماذا يحتفى بهم؟ ولماذا تنشر صورهم وهم يتسلمون الجوائز عن إصداراتهم تلك، مع أن مؤلفاتهم خرجت من دور نشر عربية مهمة..
هكذا غاب الجميع (إلا قليلا ) عن حدث ثقافي (ربما أعتبره مهما لأنني من ضمن الفائزين).. لكن هذا التفصيل لا يمكن التوقف عنده وسط تلك الصورة الأكبر، إصدارات عمانية لم تكن تبلغ – بيعا - حاجز المائة نسخة لكن بينها ما نفذ في الأيام الأولى من المعرض.. عشرات الإصدارات العمانية تلتقي قراءها بشغف كبير، متطورة شكلا ومضمونا، وكان حظ مؤسسة الانتشار العربي كبيرا من هذا الانتشار، وقدمت هذه الدار الإصدارات بقيمة مخفضة (جدا) لأنها وجدت دعما مسبقا رأت عبره كتاباتنا مسارب للنور فانطلقت منها، ورأى القارىء أن أقلام بلاده تصله بنسق غير الذي سارت عليه عقودا، هي تتجول من عاصمة عربية إلى أخرى ولا يبتغي الكاتب منها ربحا فالهدف تعريف الناس (في الداخل والخارج) بمنجزنا الثقافي والحضاري.
أما عن مسابقة جمعية الكتاب فلها دلالة أهم: تأكيد مجلس الإدارة الحالية على أنه واقعي في طرحه (الانتخابي)، إصدارات وجائزة لها قيمتها المالية الجيدة على الأقل حتى يتشكل لها أفق معنوي يمنحها قيمتها مستقبلا..
ربما عض البعض على نواجذه حينما أدرك قيمة الجائزة (المالية) وندم على أنه لم يشارك، لذا فإن الدورات اللاحقة ستشهد إقبالا جيدا.

الأحد، 1 مارس 2009

مطرح.. وتزيين الواجهات

منذ أشهر والفكرة تلح على بالي، أجلتها طمعا في رؤية المخطط الذي قيل بأنه سيكون شاملا لمدينة مطرح، هكذا سمعت، وربما أيضا.. هكذا لم أهتد للخبر اليقين، لعدم وجود الخبر أصلا، أو لسوء حظي في الحصول على جهينة لتهديني المتيقن من أخبارها.
لكن أحد زملاء المهنة أعاد الفكرة إلى واجهة أولويات الكتابة، فهذه المدينة شكلت جانبا من الوعي التاريخي العماني، قديما كانت واجهة للأحلام والاكتشاف والسفر والرزق، وعلى ساحلها قدم غزاة وأطلق الرصاصات منتصرون، ووقف على حافة بحرها مغامرون ومغادرون وحالمون..
وفي يومنا لا زالت مطرح محطة وواجهة، في سوق الظلام تلمح وجوها من كل أنحاء عمان، وربما من كافة قارات الدنيا، يعرفها السياح كما حفظ ملامحها المقيمون.
لكنني في كل خطوة فوق دروب هذه المدينة أتساءل:
كم مرة أعيد تجميل سوق مطرح؟!
وكم مرة تزيّن الشارع البحري وتجمّل بلوحات ومزركشات رخامية وزهور؟!
كم مرة غيّرت الطرقات ألوانها ومقاساتها وبواباتها؟
مارست ذلك الفعل الارستقراطي كثيرا، وتزينت باستمرار من أجل عيون زوارها، فكانت مبهجة دوما، ثرية بلمسات وضعت على مهل، ونقشت بجمال أخاذ.
لكن.. على بعد مسافة أمتار تظهر مطرح بشكل مغاير تماما، وهي المدينة الأهم في قلب العاصمة مسقط، سترى مدينة لها وجه كالح، بائس، ترتع بين الجدران المتهالكة الكلاب، والمنازل تلتحف بالصفيح، وتبدو وكأنها قادمة من أقصى قرية عماني لم تصلها يد التطوير بعد.. فهل أدرك (المعنيون) أن السياح لن يصلوا إلى هناك.. ولا داع لتطويرها، (كحارة العرين على سبيل المثال) وهي المجاورة للسوق الذي يقصده الآلاف يوميا.
والسؤال: لماذا لا تكون مطرح مدينة سياحية طولا وعرضا ينطلق فيها الإبداع أكثر من فوضى السير وفوضى المعمار، ومتى يتغير مشهد الفقر في هذه المدينة؟ تلك التي تضع على واجهتها ملامح النعمة البادية على هواميرها، وتخفي وراء ظهرها بؤسا يحتاج إلى اهتمام مطلوب من عدة جهات حكومية.
تخلت سابقا عن معلم مهم فيها، مستشفى الرحمة، وكان يمكنه أن يكون متحفا صحيا يتحدث عن التطور الصحي في البلاد.. قلنا (كما شاءت الأقدار) لا بأس، مجمع تجاري يبيع الملابس الجاهزة أكثر واقعية من أحلام كتّاب وصحفيين.
وأغلقت التسجيلات الصوتية الواقعة على مقربة (عالية) من بوابة السوق، مع أنها كانت مركزا موسيقيا له تاريخه الفني، وقلنا للمرة الألف: لا بأس، هناك الأهم كما يفرضه الواقع، بمنأى عن حنين حالمين.
لكن من يجمّل البيوت المطرحية ويجعل لها رونقا فنيا يجعل من المكان تحفة من الجمال، يضع كل فنان تشكيلي ريشته على جدار منها كما فعل فنانو مدينة أصيلة المغربية، حيث أحالوا المدينة إلى لوحة فنية عامرة بالجمال، محفزة للتأمل؟!
وكيف نصنع منها مدينة عمانية الملامح، لا تهيمن عليها وجوه الآخرين وثقافتهم، لا تكتب رسائلها بمعزل عن لغتنا الأم، وهويتنا الأصلية.. الأصيلة.
مجرد تمنيات لمدينة جديرة بأن نتمناها أجمل مما هي عليه، ومسقط العامرة شعار يتطلب أن يكون فيها كل مكان عامرا.. فكيف بها مطرح!