الجمعة، 29 مايو 2009

صباحكم سبت

.. وأخيرا:
زفّت لنا الصحف خبر موافقة وزير في الحكومة بنجلاديش على عمل الشغالات البنجاليات في السلطنة، هذه البادرة الطيبة قد يكون لها إيجابياتها في توسع المعروض داخل السوق المحلي بعد أن أنهكت الأغلبية من فئة (ارباب) بمتطلبات مكاتب (الاستيراد) ومشاكل (المستوردات) والمأذونيات المدفوعة (وما فيها من تساؤلات وخيارات).. الخبر يشير إلى وجود ثلث مليون عامل بنجالي في البلاد، أي أنهم سيزيدون ليصل العدد إلى نصف مليون، لكن هل فات رئيس الغرفة من بحث لماذا هرب 35 ألف عامل من كفلائهم.. أما أين هربوا فإنهم إلى مواطن لم يدفع ريالا لإحضارهم (هربا من مواطن دفع المال والجهد ليأتي بهم).

سيد.. وسيده:
في حوار صحفي علّق مدير عام الإعلام على استخدام بعض المفردات ومن بينها (سيد وسيدة) بالقول أنه لا يوجد مانع من استخدامهما عندما لا يكون ذلك كلقب، تذكرت ما كتبته مرة في مطلع نص بدأته بكلمة (سيدتي)، فقام أحد الرقباء (في صحافتنا) وغيّرها إلى كلمة (امرأتي).. بصورة ساذجة تظهر أن هناك من يمارس الرقابة أكثر من مسئول الرقابة ويجتهد (على هواه لا هوى قانون المطبوعات والنشر)، وتظهر أيضا أن هناك رؤية أوسع لدى (كبار) المسئولين في وزارة الإعلام لا يفهمها (الصغار) في تفكيرهم.

وهم (عود):
مع أني لست اقتصاديا، ولا أكاد أميز بين السهم والرصاصة إلا أنني أرى في كلمة خصخصة فرصة ذهبية يمارسها المنتفعون لسرقة أموال الدولة (بطريقة قانونية) وبفتوى (حكومية) تشرّع هذا النصب الذي جرى تسويقه ولم يستفد منه لا الحكومات ولا الشعوب، سوّق هذا الوهم تحت راية أن الإدارة الحكومية تصيب المؤسسات المنتجة بالترهل وأنه لا بد من عقلية تجارية (خاصة) تعمل بإخلاص بعيدا عن عقلية الموظف الحكومي الذي يعيش مرتاحا، يستلم راتبه آخر الشهر، ربحت الشركة أم خسرت، فإن تحقق الربح فهو خير، وإن حدثت الخسارة فإن الحكومة ستدعمها.
ببساطة: لو عرضت الحكومة شركة للبيع فمن يستطيع شراءها؟.. حينها فتش عن مسئول حكومي (مستغل) ينادي ليل نهار ببيعها بخصختها وابحث لتعرف مصلحته من ذلك!

مشاريع النسبة:
لو قام أحد بإحصاء ما ينشر عن المشاريع من الأخبار لأدرك أننا نحقق أرقاما قياسية في تسويق المشروع، حتى وإن كان حفر بئر ماء..
يبدأ بتصريح يقع تحت بند (نعتزم) ثم (الأسبوع القادم التوقيع على اتفاقية) وبعدها (غدا التوقيع) وفي اليوم التالي (اليوم التوقيع) وأما صحافة اليوم التالي فتبرز صورة الموقّع وإعادة الحديث عن تكلفة المشروع..
أما الأجمل فهو مسألة النسبة التي دخلت إلى مشاريعنا: إنجاز 35 بالمائة من المشروع، وتتوالى الأخبار بنفس المعلومات، مرة 50 بالمائة، وبعدها 65 بالمائة، وهكذا حتى ينجح المشروع ويحصل على نسبة 99 بالمائة، أما الرقم الباقي عن النتيجة النهائية فتعلن على لسان مسئول كبير في الجهة المشرفة على المشروع.. ثم تتلاحق الأخبار عن موعد الافتتاح.
ما يحير أنه كيف عرف المسئول أن النسبة وصلت إلى 73 بالمائة ويحددها بطريقة حاسمة لا تقبل الجدل؟!

الأحد، 24 مايو 2009

الحكمة ضالة السياسي

لا نحتاج إلى المزيد من الزهو لندرك أن الحكمة العمانية في التعامل مع الآخرين أتت أكلها على مدار سنوات النهضة الحديثة، وقد كسبنا أصدقاء على امتداد الخارطة العالمية، وبقي المواطن العماني موضع ترحيب في كل مكان يسافر إليه، فلم تلاحقه تهم الإرهاب (ومتعلقاتها) لأن بلادنا لم تفرّخ تفجيريين أو تكفيريين.
هناك ما هو أعمق من كلمة سياسة، سواء أشرنا بها إلى الداخل أو قلنا أنها موجهة للخارج/للآخر.
هناك الحكمة، صوت العقل، الرؤية السياسية، والشخصية التي أبعدتها الحكمة عن الهزات العنيفة وزوابع التوتر التي تصيب الذات بتمزقات وإنكسارات ليس من اليسير مداواتها.. فكانت شخصية العماني لافتة للزائر وهو يلتقي بالمواطن، المتصالح مع نفسه، البسيط في تعامله، المحترم لذاته قبل أن يحترم ضيفه..
ملامح هذه الرؤية كانت حاضرة في حديث معالي الوزير المسئول عن الشئون الخارجية قبل يومين، الحكمة التي شكلت ملامح الشخصية العمانية، ليس في العصر الحديث فقط، وإنما عبر عصور امتدت على هذه الشخصية، وهي تعيش في تصالحها الداخلي.. وهي تواجه العالم الخارجي.
منذ فجر النهضة الحديثة وبلادنا بحكمة جلالة السلطان المعظم قدمت دروسا في كيفية صناعة الأصدقاء لا تفريخ الأعداء، واحترام الجوار لا تحطيم أسسه، وعدم الدخول في مهاترات سياسية ومراهقات بطولية أبان الزمن أن من جرّبها دفع ثمنا باهظا من مقدرات بلاده وخيراتها: حروب أحرقت الحاضر والمستقبل كما أساءت لماض من تاريخ وتضحيات، وعقوبات دولية خنقت البشر والحجر، ولم تفد في صياغة مشروع سياسي أو تنموي.
نفتخر ببلادنا التي لا تبحث عن العناوين الرئيسية في الصحف، ولا عن الخبر الرئيسي في نشرات الأخبار الرئيسية، بل تكتفي بخبر صغير وهامشي طالما يتحدث عن مشروع يخدم الوطن والمواطن، عن رصف شارع وإنارة آخر، عن بناء مدرسة ومركز صحي، وغير ذلك من أولويات تأتي بعيدا عن ألعاب السياسة والمناورات، والتصريح الذي يجعلنا نفقد صديقا بدلا من أن يقرّب خصما.
نفخر بعمان، التي أعطت الآخرين دون حاجة لمانشيت صحفي يخدش فلسفة العطاء، حيث لا منّة ولا أذى.. ولا طلب دعاية إعلامية فاحتفظ الصديق بقيمة مضافة.
عمان التي لم تفاخر بتكديس الأسلحة المتطورة مقابل مليارات الريالات التي تحتاجها جهود التنمية، وكان من الطبيعي أن تخنق الأزمة المالية العالم بينما توقع بلادنا على مشاريع تنموية بأكثر من مليار دولار.. وفي يوم واحد.
عمان التي تعمل ولا تصرّح، تكتب حاضرها بهدوء كي لا تشوّه المستقبل برعونة التصرف.
من هذه الرؤية كان على الضيف أن يرحل إذ لم يلتزم بالمبادىء التي سارت عليها الحكمة العمانية وشكّلت ملامح نجاحها، حيث الجار قبل الدار، والشقيق له حق الأخوّة في الحفاظ على استقرار بيته، والصديق له واجب الاحترام لأن الكسب يأتي من نشر ثقافة الصداقة أما الخسائر فما أسهلها حينما نوزع ثقافة التوتر والبحث المجاني عن الأعداء.
نعم الحكمة ضالة المؤمن، وضالة السياسي أيضا.

السبت، 23 مايو 2009

ما الذي يمنع؟

1
ما الذي يمنع وزارة التربية والتعليم من القول بأنه حقا توجد مشكلة في حافلات المدارس، وأنه لا يمكن معالجة تكدس أكثر من ستين تلميذا في حافلة واحدة رغم أنها مهيأة لنصف هذا العدد، وأن تصرفات (السائقين) تسيء إلى جهود الوزارة في تقديم هذه الخدمة التي يعرف فضلها من جرّب غيرها؟
2
ما الذي يمنع أن تعترف بلدية مسقط بأنها عاجزة عن علاج مشكلة المجاري في بعض أحياء المدن داخل المحافظة، وأن أمر بعض البنايات وصل إلى الإدعاء العام والمحاكم، وأنها كبلدية ليست معنية بهذه المشكلة ومن يتضرر من مشكلة ما عليه أن يلجأ للمحاكم؟
3
ما الذي يمنع وزارة العدل من التصريح بسلبيات لجان التوفيق والمصالحة (من أجل تلافيها) بدلا من تضخيم أدوارها وكأنها العصا السحرية لكل المعضلات والمشكلات في السلطنة، بينما هناك من يشتكي من كلمة (تم) التي يكررها أعضاء اللجان حتى وإن كانت على حساب أحد المتنازعين؟
4
ما الذي يمنع شركات الطيران من إيقاف النصب (القانوني) على البشر وتعلن مباشرة عن الأسعار الحقيقية للتذاكر بدلا من أن تنصب لهم الفخ بحجة أن السعر المنشور لم يتضمن الضرائب؟.. فلماذا لا يجد هذا الباحث عن تذكرة رخيصة القيمة (الصادقة) بدلا من الاتصال والمراجعة، ثم يجد أن الرقم الحقيقي لسعر التذكرة ليس به ما يغري؟.. لكنه الاكتشاف المتأخر!!
5
ما الذي يمنع شرطة عمان السلطانية من نشر إحصائية توضّح الفارق في عدد حوادث السير، قبل تركيب مئات الرادارات وبعدها؟ وما أحدثته كثرة المخالفات من تأثيرات (إيجابية أو سلبية) على دافعها والمستفيد منها والهدف الذي أقيمت من أجله؟
6
ما الذي يمنع جمعية حماية المستهلك من التدخل وأن تقول لإحدى الشركات التي نشرت إعلانات مؤخرا بأن العملة العمانية لا يمكن تجزئتها إلى 92 بيسة و67 بيسة، وأن هذا باطل أريد به حق، أو (العكس تماما)؟
7
ما الذي يمنع المنتديات الأدبية العمانية من مراجعة نفسها وتعترف بأن منتقديها يملكون أيضا رأيا كالذين يكتبون فيها، وأن هناك الشرفاء الذين يخدمون هذا الوطن والمساس بهم ليس من حرية الرأي في شيء، وأن دورها مهم جدا لتقوم به إزاء الأخطاء والخطايا وليس ضد الأفراد؟

.. وتشاؤل أخير:
للمرة الأولى تقول إحصائية وفيات حوادث الأسبوع الماضي المنشورة أمس أنه كانت هناك خمس جنازات فقط، فيما كانت تصل إلى أكثر من أربعة أضعاف هذا الرقم خلال غالبية الأسابيع الماضية.. نحتاج إلى عقلانية توقف هذا النزيف.

خيوط "هذا الصباح"!!

وجد برنامج هذا الصباح دعما حكوميا (قويا) جدا ليكون صلة وصل حقيقية، بين ما يؤرق المواطن على مستوى الخدمات المقدمة له، والوزارات التي تقدمها، فكان الصوت الذي ينقل الشكوى مباشرة من المحسوبين على الطبقة الوسطى (وما تحتها) إلى المسئولين الكبار في الجهات الحكومية (والخاصة أحيانا)..
وكم كانت السعادة كبيرة جدا عندما اتصل مسئول بمرتبة وزير ليرد على شكوى مواطن، حينها شعرنا بأن البرنامج ناجح جدا، لأن صوت المواطن سمعه الوزير، ولم تمنع المشاغل الكبيرة لصاحب المعالي من الاستماع لمن ضاقت به السبل، فالوزير بيده حل مشكلة المواطن، ولو استثناء من دائرة القوانين التي لها نصوصها التي لا مناص منها، ولكن هناك روح المواطنة التي لا تلتفت إلا لحضورها الإنساني.. ونحو بهاء التواصل بين المواطن (المعاني) والوزير (المقدر للمعاناة).
وإن لم يكن معالي الوزير يمتلك من الوقت ما يعطي هذا التفاعل الرائع الاهتمام المستحق فهناك سعادة الوكيل الممتلك لدفعة معنوية يمنحها ذلك المواطن (المتصل) وكل مواطن يسمع البرنامج لما يشعر بها من اهتمام (عالي المستوى) بشكوى مواطن بسيط، لجأ إلى البرنامج كمنفذ (إنساني) رآى فيه حبل خلاص، وما يمنحه ذلك من عمق إحساس بأن المسئول ليس بعيدا عنه مهما كبر لقبه.
وإن لم يجد معاليه وسعادته الوقت فهناك مدراء عموم يمكنهم التواصل..
ذلك يحدث من وزارات معينة وبصورة متواصلة وسريعة وغير قابلة للتأجيل، أبرزها وزارة الإسكان ووزارة القوى العاملة ووزارة البلديات الإقليمية ووزارة النقل والاتصالات (وأخرى إلى حد ما)، والتحية واجبة لها لمبادرتها الدائمة بالتواصل حتى لا يبقى صوت المواطنين كحال المذيع وهو يكاد أن يصيح (واردوداه) على وزن وامعتصماه، لأنه تعب من البحث عمّا يغطي به وقت البرنامج.
لكن بعض الجهات آثر العودة إلى الأساليب القديمة في التواصل مع المواطنين (إعلاميا).. جهات (حكومية) لا ترد.. وهذه عديدة.
.. وأخرى تقدم ردا مكتوبا ليتولى المذيع قراءته، كوزارة الداخلية الأسبوع الماضي.
.. وأخرى تشترط رسالة رسمية موجهة إليها تتضمن المشكلة، ليتم الرد عليها بعد ذلك بموجب رسالة رسمية أخرى.. كالبنك المركزي العماني.
فمن الذي يلزم الجهات الحكومية أن ترد.. وفورا؟
وهل بامكان المذيع الامتناع عن قراءة رد وزارة الداخلية لأن فكرة البرنامج قائمة على رد المسئول عبر حوار صوتي مباشر؟!
ومن يملك حق رفع الكارت الأصفر في وجه البنك المركزي ليذكّره بحق البرنامج في اتصال مسئول منه، وأن هذا واجب لا يمكن إلى احترامه وتطبيقه؟
فلا عجب أن يتصل مواطن ويطالب البرنامج بالتخفيف من الأغاني (رغم روعة اختياراتها)، لكن ماذا يفعل المذيع طوال ساعتين لا يأتيه سوى رد واحد، ويسهب في المحاورة لقتل الوقت، ويتحول الأمر من مجرد رد (واضح) على سؤال (واضح) إلى حديث إذاعي شامل.
فكيف يمكن رفد صوت البرنامج بقوة قبل أن يأوي إلى بياته (الصيفي)؟هذا سؤال كبير.. ويحتاج إلى تدخل جهات أكبر.

الثلاثاء، 19 مايو 2009

مشاكل.. بنكهة أنثى.

المشكلة الأولى:
الرجل الذي يقول أنه لا توجد امرأة خالية من لمسة جمال شخص يعاني من ضعف نظر، حتى وإن كانت نتيجة قياس بصره (6/6).. فقد خلق الله الجمال ونقيضه، فلماذا نتمسح بأحدهما فقط لندّعي الحسن فيه فيما الخالق حرمه من هذه اللمسة.. المدهشة؟!.
لا تظلموا الجمال لأن هناك المحروم منه، ومن يفتقد الطلعة الجميلة والبهية فليتمسك بالنور داخله، لأن ذلك هو البقية الباقية.

المشكلة الثانية:
هناك امرأة ترى فيها معنى السحر..
وأخرى تراها.. ساحرة.
ساحرة بما أوتيت من جمال لتسير وراءها مبهورا بصنعة الله في هذه الأنثى، أو ساحرة (كما تظهر في قصص الأطفال) فتطلق لبصرك العنان للهروب سريعا.. من المواجهة.

المشكلة الثالثة:
مسكينة تلك المختالة كبرياء وغرورا، لا تدري أن المقومات (الجسدية) لشغالتها تفوقها بمراحل، وأن عيني الزوج لا ينظران فقط إلى الأناقة الصاخبة حيث الملابس المدموغة بماركات سان لوران وعطور شانيل، بل إلى جسد امرأة حقيقية تعرف كيف تغوي الرجل.. بدون إضافات.

المشكلة الرابعة:
تقول له اكتب من أجلي قصيدة جميلة..
هو لم يقرض في حياته (قصيدة)، وهي ليست.. (جميلة) فكيف يولد الشعر وقد جفّ الشعور؟!
هناك أنثى تنثر الشعر فلا تحتاج إلى حبر الكلمات لتراها كقصيدة، وهناك أنثى تغتال الإحساس داخلك مع أن لها ملامح يمكنها تدوير رقاب عشرات الرجال.. باتجاهها، ربما ليتساءلوا: كيف يبدو هذا التمثال الشمعي ممسوحا من معالم.. إمرأ’؟!.


المشكلة الخامسة:
يضع عطرا من النوع "الرجالي".
وتضع هي نوع آخر مخصص على أنه "نسائي"..
بينما إشارات العطر متبادلة، هي تضع النسائي من أجله، وهو يضع "الرجالي" من أجلها، فكيف حدثت هذه التسمية (المعكوسة) تماما؟!

المشكلة.. ما بعد الأخيرة:
أما مشكلتي معك فهي أنك قوة محتلة تمارس إرهابها العاطفي، ولا تراعي مواثيق حقوق العشّاق، وكلما رغبت في الهدنة رافعا رايتي البيضاء أعلن قلبي تمرّده، ورغبته في الانفصال عني.

الاثنين، 18 مايو 2009

تسللات.. دون راية

ببساطة، وأتمنى أن أكون كاذبا في إحساسي:
من يعتقد بأن خليجي 20 ستقام بعد عامين في اليمن الشقيق فهو واهم، ومن يؤمن بنجاحها فهو مجامل.
ليس لأننا لا نحب اليمن، فما في قلوبنا لها من ود أكثر مما في قلبها لنا، ومنذ الطفولة أخذتنا النغمات اليمانية صوب صنعاء حتى قبل أن نراها، وباتجاه أشجار البن كما سمعنا عنها، ولنا معزوفة حب مع كل كلمة رددتها حناجر المطربين والشعراء: محمد مرشد ناجي وأيوب طارش والثلاثي الكوكباني والمقالح والبردوني.. وقائمة لا آخر لها من المبدعين في اليمن الذي لا نرجوه إلا أن يكون.. السعيد دوما.
لكن الواقع يقول شيئا آخر لا علاقة له بالمشاعر، والأخوة اليمنيون يدركون أنهم في تحد ليس سهلا وصفه بأنه سهل، بل بالغ التعقيد.
بطولة ككأس الخليج ليست دورة رياضية عادية حتى وإن لم تكن من ضمن أجندة الفيفا الكروية، صخبها خارج الملعب لا يقارن بالصخب التنافسي لها داخل المستطيل الأخضر، والبطولات الأخيرة أكدت أن الدورة تنافس جماهيري أكثر من مباريات منتخبات، والسخونة عبر الفضائيات والتصريحات والتحليلات هي التي تشعل المدرجات والمباريات وليس العكس.
اليمن الشقيق يواجه تحديات جمّة عدا شقها الاقتصادي الذي يمكن التغلب عليه رغم مصاعب الأزمة المالية العالمية والإشارات الصادرة من الحكومة اليمنية تؤكد بأن الوضع الاقتصادي في البلاد صعب جدا.
أبرز التعقيدات في الساحة اليمنية يأتي الوضع الأمني مع دخول تنظيم القاعدة إلى بوابة القرن الافريقي متخذا من اليمن والصومال مراكز أساسية ومنطلقا لهجماته، وفيما تدخل هذه المخاوف (القاعدية) إلى قلب اليمن فإن الحوثيين لا يزالون ينشطون رغم الإعلان المتكرر أن التمرد انتهى في جبال صعدة.
وفيما تبقى تلك الزوابع تهب على اليمن الشقيق بقوة جامحة فإن تصاعد الأحداث السياسية ومواجهات العنف على خلفية مطالبات بانفصال الجنوب تلقي بثقلها على الشأن اليمني الذي قد لا يجد وسط هذه الملفات الساخنة (جدا) من تأجيل النظر في الملفات الأخرى ومن بينها ملف الاستضافة لخليجي 20 الذي ليس بأهمية المخاوف الحقيقية من تحول اليمن إلى (حارات) تقاتل بعضها البعض كما أشار الرئيس اليمني في خطابه التحذيري قبل أسابيع، وهو يعني حقيقة ما يحدث في بلاده أكثر من غيره.
جاءت تصريحات تنظيم القاعدة لتفاقم المخاوف على وضع الساحة اليمنية، وتزيد من تعقيدات الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية بما يجعل من وجود ملف استضافة بطولة كروية وسط هذه الأزمات (اليمانية) هامشيا ولا لزوم للحديث عنه.
ومع إيمان عميق بالحكمة اليمانية للخروج من هذه المآزق والتأكيد على وحدة اليمن وأهمية وقوف أشقائه في دول المجلس معه في المحن والأزمات فإن طرح سحب ملف الاستضافة لا يعني بالضرورة التأثير السلبي على معنويات الأخوة اليمنيين وحقهم في استضافة أهل الخليج في بيتهم اليماني، وإنما يحدث في بلدان كثيرة أن يتم أمر كهذا حينما لا تكون الظروف مهيئة بما يجعل الاستضافة إضافة إلى البلد، ويحقق مناخا مستقرا للضيوف، وقد كان للسلطنة موقف مشابه حينما تم نقل القمة الخليجية من مسقط إلى الدوحة لأن السلطنة كانت حينها تواجه تبعات الأنواء المناخية، والدعاء للمولى أن تبعد سائر الأنواء عن اليمن الشقيق: الأنواء الأمنية والقاعدية والإنفصالية، وغيرها.

أوباما والامتحان!!

سيخرج رئيس الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من كونه رئيسا لأقوى دولة في العالم وسيكون رئيسا لجامعة الدول العربية وسيوبخ ضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عما تفعله دولته في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما تسرقه من أرض وما تقتله من بشر ينتمون إلى هذه الأمة التي أرادها الله أن تكون خير أمة أخرجت للناس.
وفي لقائه المرتقب اليوم سينسى باراك حسين أوباما أن بلاده حليف استراتيجي (فوق العادة) للدولة اليهودية وسيتصور نفسه أنه رئيسا لمنظمة المؤتمر الإسلامي وسيحاسب ضيفه حسابا يسيرا عن عملية تهويد القدس والتضييق على المقدسات الإسلامية فيها وعن المسجد الأقصى.
لن يخرج نتنياهو من امتحان اليوم إلا بعد أن يجيب رمز الحلم العربي والإسلامي والعالمي الجالس في البيت الأبيض، وأسئلته المحرجة عمّا فعلته آلة الحرب الإسرائيلية في العامية الأخيرين (على الأقل).. حرب لبنان ومجزرة غزة وآلاف السجناء الذين يسامون فنون العذاب في معتقلات لا تنتمي إلى إنسانية ترعاها الولايات المتحدة كحامية لحقوق الإنسان.. والحيوان!
سيقول له: سجّل في مفكرتك، عليك أن تعود حالا إلى تل أبيب وتلتزم حل الدولتين، (والحل له أكثر من معنى في القاموس العربي).. وعليك أن تهدم جدار الفصل العنصري الذي سمته المنظمات الإنسانية بهذا الوصف، والتحقيق في الجرائم اللاإنسانية المرتكبة في قطاع غزة وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.
سيرتجف نتنياهو وهو يتذكر أي عصا يواجهه بها سيد البيت الأبيض، هناك جزرة سمينة مكونة مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية تقدمها واشنطن لهذا البلد الجائع والخائف.
وهو يكتب ما يملى عليه سيدور في خلد نتنياهو أن يجيب على أسئلة ضيفه بأسئلة أخرى، بريئة وساذجة: التعذيب في السجون الإسرائيلية مقابل الصور المنتظرة لممارسات أجهزة الأمن الأمريكية تجاه الأسرى والمساجين، في العراق وغيرها، ومجازر في غزة في مواجهة مجازر أمريكية تتم بشكل يومي في باكستان وأفغانستان برسم مكافحة الإرهاب.. الأمر لا يعدو مجرد خطأ في الأهداف، والحل في توخي الدقة مستقبلا!
سيسأل النتنـ(ياهو) عن سؤال الوحشية والرد غير المتوازن تجاه المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن صحة ما نقلته وسائل إعلام غربية قبل يومين عن استخدام الولايات المتحدة رعاة بقر لقتل المدنيين في أفغانستان.
وسيتساءل ببراءة أيضا عن قصف دائم تمارسه الولايات المتحدة في أي مكان تريده في العالم (شاء من شاء وأبى من أبى) حينما يسأله أوباما عن قصف موقع في سوريا وآخر في السودان، وعاشر قد لا نعلمه حتى الآن بانتظار أن تكشفه الصحافة الإسرائيلية ذات يوم.
سينسى أوباما اليوم كل مصالح بلاده مع حليف استراتيجي مهم يمثل ترمومتر الوصول إلى سدة البيت الأبيض من أجل عيوننا العربية الجميلة، يدرك هذا الرئيس (الأسمر) بأن الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج تنتظر هذا الاجتماع ممنية النفس بحدوث صدام يؤكد لها بأن أمريكا الأمس ليست أمريكا اليوم، وأن الرهان العربي (والإسلامي) على الحصان الأفريقي (بالنكهة الأمريكية) لم يفتر حماسه لحظة، منذ أن سجّل الحاج باراك حسين أوباما اسمه في قائمة المهاجرين إلى الولايات المتحدة وحتى خروجه من البيت البيضاوي، فهو حامل مشعل الحلم العربي الخالد حينما لم يبق حلم خالد.. ولا مشعل.
ما أتوقعه: أنهما سيؤكدان على استمرارية مسيرة السلام رغم اختلاف وجهات النظر، ومواصلة الضغط على إيران، ومطالبة سوريا بمواقف إيجابية.. (وبالطبع مطالبة العرب الكف عن إزعاج جارتهم العزيزة وإعطائها الفرصة لقتلهم بدم بارد باسم السلام)

السبت، 16 مايو 2009

شمسنا والكهرباء

أن تتأخر الأشياء أفضل ألف مرة (وفي رواية أخرى مليون مرة) أن لا تأتي أبدا..
هكذا نردد الحكمة (المسجلة بختم براءة الاختراع لنا) لتسبيب كسلنا وتبريره أمام أعيننا فيما ينطلق العالم نحو أهدافه، يعمل ليل نهار بحثا وتجريبا دون تقديس للأفكار والأشخاص.. وللقدر الذي وضعنا فوق صحراء تشتعل حرارتها إلى درجة الاحتراق فيما ننتظر (المكيف) الياباني يلطف الجو!!
خبر عن ندوة أقيمت كما تقام غيرها، الدشاديش والبدلات وعدسات الفلاشات والكلمات المنمقة والمعبرة والتوصيات التي تسعى وتأمل وتنادي وتطالب.. وسائر مكونات الصورة المتكررة، فيما الأمر يمس قضية استراتيجية ليست أقل أهمية من الأمن القومي.
اختار معلومتين من ندوة الطاقة المتجددة المختتمة فعالياتها الأسبوع الماضي بعد ثلاثة أيام من التواجد تحت قبة فندق قصر البستان:
المعلومة الأولى: معدل كثافة الطاقة الشمسية في السلطنة يعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم واستثماره يكفي للسلطنة ويفيض للتصدير (أي أنه يمكننا تصدير طاقة الشمس وتصبح العملية كلعبة الخيال العلمي، تعلب وهج الشمس في براميل أو ننقله عبر أنابيب إلى الدول الأخرى، ويا حظ من أفاد واستفاد).
المعلومة الثانية: مقدار ضوء الشمس الذي يصل إلى الأرض كل سبعين دقيقة يعادل الاستهلاك العالمي السنوي من الطاقة (ساعة وعشر دقائق تكفي حاجة مليارات البشر من الطاقة فيما نترك هذا الكنز من أجل وقود ثان يزداد بعدا في قعر الأرض ليس لشيء سوى أن سواده سهل تسويقه فيما أن أشعة الشمس تحتاج إلى مهارة لم يعلمنا إياها الرجل الغربي حينما اكتشف وسوّق بالنيابة عنا النفط في أواخر ستينيات القرن الماضي).
الندوة قامت بناء على دراسة، ربما الدراسة (نامت) وقتا في الأدراج قبل أن يوقظها أحد ليتم الحديث عنها، مسئول حكومي يقول (وبالنص): الهيئة العامة للكهرباء والمياه بصدد تعيين استشاري دولي لإجراء دراسة جدوى لإنشاء محطة كبيرة للطاقة الشمسية المركزة في السلطنة.
وليعتن القارىء بالمفردات الواردة في الفقرة السابقة: بصدد، تعيين، إجراء دراسة، إنشاء محطة.. وكل مفردة تحتاج إلى زمن لتكون واقعا.. ومن يعش ير!!
معالي أمين عام وزارة الاقتصاد الوطني سرد حسنات كثيرة ظهرت في الدراسة (السابقة) بما يكفي أن يبدأ المشروع (أمس) وليس اليوم، وكأننا اكتشفنا حرارة الشمس الأسبوع الماضي مع أن دولا كثيرة في العالم استفادت من تقنية الرياح والسدود المائية وصولا إلى الذرة، والدراسة تقول أيضا أن سرعة الرياح في المناطق الساحلية (جنوب السلطنة) وفي جبال شمال صلالة تعادل سرعتها تلك الموجودة في قارة أوروبا والمستفاد منها منذ عشرات السنوات.
الواقع يقول أن هناك ارتفاعا سنويا في معدل الطلب على الطاقة الكهربائية في السلطنة يبلغ 8 بالمائة نتيجة التوسع العمراني والاقتصادي، والنسبة قابلة للزيادة في ظل الضغط على الأحمال الكهربائية كل صيف حيث أن ارتفاع درجة حرارة الجو يقابلها (تشغيل) إضافي لأجهزة التكييف (وأخواتها)، وعلى المحولات المغذية الصمود تحت وهج حرارة تصهر المعادن فوق الأرض وليس تحتها.. فقط.
توجد لدينا أزمة أفكار..
وإن تخطيناها تواجهنا أزمة دراسات وبحوث..
وإن فعلنا فهناك أزمة دراسة تتبع دراسة سابقة والتوصيات تتوالى..
أما أزمات التنفيذ فهي أثقل من أي عبء آخر!!

هاربا بشكل ما

هروب أول:
سأتجاوز حطام البشر، وأقف على حافة ورقة، فوق غصن ما على شجرة حالمة، تلوّح بالندى على أوراقها.. سأتخيلها إن لم تصلها عيناي، كما تخيلتك ملايين المرات حين تعذرت الرؤية.. سأتجاوز التفاصيل المؤلمة في يومياتنا، والقلق المدفون بين النبض والنبض، والحزن الشفيف المنكسر في عيونهم..
سأتجاوز أخبار الرصاص المنثال على الأجساد البريئة والمستحقة لفعل الموت، والأنلفونزا المطاردة للآدميين كأنهم أثقلوا الحياة أكثر مما ينبغي.. سأتجاوز أخبار الطقس وأحوال الرطوبة والمناخ الجاف.. وأقول أنك: حبيبتي.

هروب ثان:
سأركض بعيدا عن عناوين الحروب والأزمات الاقتصادية الطاحنة، سأنسى دروس الأرقام وحسابات النافذين، سأختار أرضا لا تشبه هذه، سماء لا دخل لها بتلك، وسأزرع في المسافة بينهما شجرة ذات جذع يتقبل رسمة الحرفين والقلب النازف، سأعود لأكون مراهقا صغيرا وأعيد دورة السنوات عقودا للوراء، كل هذا لأهرب منك إليك، لأهرب منّي إلى ذاتي، وأقول أن الأمر جدير بالتشاقي وإعلان الحب كلّما شئنا اكتشاف إنسانيتنا من جديد.

هروب ثالث:
هذا الصباح.. لن ألتفت إلا إليك..
هاربا من سيئاتي وأخطائي، ميمما شطر روحك، منشطرا إلى شمعتي ضوء، أحملني في يدي الاثنتين، هناك أشياء يجب أن أحكيها لك هذا الصباح، كل صباح، وفي اللحظات المختلفة بين صباحاتك الفارقة بنداها ومساءاتك الغارقة بقمرياتها.
لأحكي، لا بد أن أتجاوز كل ذلك..
وأن أتحلل مما يثقل الجسد لتغني الروح كما تشتهي.

هروب رابع:
أنا المتفائل الذي يحلم بكل شيء..
أنا المتشائم الذي لا يحلم بأي شيء..
أنا المتشائل الذي يحلم ولا يحلم.
.. وأنا المتسائل الذي أنهكته الأسئلة، وكسرت ظهره.. إجاباتها.

هروب خامس:
سأتخذ القرار الصعب، وافتح نوافذ القلب لتتمكن العصافير الساكنة أقفاصه من الهروب، ثقي أنها لن تذهب بعيدا، القلوب الخضراء ستعود إليها العصافير حتما، لن تذهب للقلوب الجافة، اهربي منك إليّ، أو اتركي أقفاص قلبك مفتوحة، لن تذهب طيورك بعيدا.

هروب.. ليس الأخير:
مجنون، لديه حلم يشاغب روحه..
أشرعه أمام قسوة الريح، فارتد الغبار من الريح للروح..
حينها أيقن بجنونه، وأن العقل يستوجب المضي في الجنون.. رغم كل شيء.

الأحد، 10 مايو 2009

شيء عندكم طماط؟

صديق قديم غاب عن عيني سنوات طوال بحكم (سكنى المدينة) لكن التواصل (هاتفيا والكترونيا) حاضر بقوة التكنولوجيا، مهما اشتكينا من جفاف (أسلاكها) ومشاعرها المعلبة وفق بند إعادة الإرسال.
رسالة الكترونية منه وضعتني في صندوق الذكريات والمشاعر الإنسانية الجميلة التي (وأعتقد) أنها لم تغب من قلوبنا لكن الزمن ضغط عليها بقوة وبقسوة، تخرج أحيانا إلى خارج الصندوق فنفاجأ بها، كأن إنسانية الإنسان تدهشنا مع أنها الأصل فيه رغم كل قشور الحضارة والمدنية على جلده الآدمي.
تقول الرسالة: حين طرق باب بيتنا ليقول لي ولد الجيران: أمى تسلم عليكم وتقول عندكم طماط؟ ابتسمت من قلبي وقلت له عندنا، ولو ما عندنا زرعنا لكم بحوش بيتنا.
هذه المقدمة الصغيرة المجتزأة من الرسالة كافية لإدخال كل قارىء في الأجواء التي تتحدث عنها، والسؤال أقتطعه أيضا منها: منذ متى لم يطرق بابكم احد الجيران لطلب(طماط) او بصل او خبز ؟!! ربما يقال أننا بخير ونعمة ولم يعد الطلب من الجيرانله ضرورة ولكن بفقداننا هذه الطلبات الصغيرة بين الجيران فقدنا طعم الجيرة، فهذه الإرساليات الصغيرة كانت كافية لفتح قلوب الذين يجاوروننا في الحارة قبل أن يفتحوا لنا أبوابهم، لنراه، لنعرف أسماءهم، لندرك هل هم هنا بخير أم أن أقدارا بعثرتهم أو أعثرتهم وقد يأتي يوم لا نعثر فيه عليهم.
تخيل لو أن الموقف نريد تمثيله الآن:
الزوجة لن تكتشف أن ثلاجتها لا يوجد بها (طماط).. لأن الشغالة التي تعرف خبايا المكان ستصنع (المرقة) بدون هذه الحبة الحمراء الأنيقة..
ولن يكون بمقدار أحد الطلب من أحد الأطفال الذهاب للجيران خشية أن يعلموهم (الشحاته)، والأم تخشى الفضيحة من الجيران لأنهم يريدون تقديم صورة عن أنفسهم تترفع عن طلب هذه الأشياء، وبدلا من التفاخر بما لديهم من (ثراء) هل سيكون عليهم طلب حبة طماط؟
وفي حالة اكتمل المشهد في لوحته الأولى لن تفهم الشغالة في منزل الجيران أنه يمكن طلب ذلك منهم، وإن فهمت فإن زوجة الجار ستعدّ الأمر نكتة ليس لها محل من الإعراب في هذا الزمن، وأن الجارة الأخرى متخلفة وزوجها بخيل، وإن مضت قليلا في التمثيلية فإنها قد تتهم الجيران بأنهم يمارسون حيلة جدا من حيل النصب.. اليوم حبة طماط، باكر الله يستر ايش يطلبوا؟!
ينعي صديقي في رسالته تلك البساطة التي أضعناها في دهاليز التعقيد، داستنا حوافر الايتكيت والحداثة في حياتنا حتى ضعنا في المسافة بين الشوكة والسكين، البساطة في قلوب الصغار الذين يعرفون الطريق إلى بيت الجيران وكأنهم أحد أولادهم، والكبار الذين خرجوا من ذات المكان الذي تناسلت فيه سلالتهم وليسوا طارئين على المكان..
فهل نكسر حائط الثلج بيننا وجيراننا الذين لا نعرفهم في المدينة ونبدأ معهم خطوة تقربنا معا، على الأقل كي لا يسرق أحد بيت أحدنا ولا نعرف ماذا يحدث في الجدار القريب من جدارنا، لنسمى هذه الخطوة دبلوماسية الشوربة أو صحن الهريس، ربما لنا جار من هم في بيته يجيدون المندازي أو المنسف أو أي نوع آخر يحقق التقارب ويكون بيننا وجيراننا (خبز وملح) كالذي كنا زمانا نطلبه من بيت جيراننا إن نقص في مطبخنا، هذا إن كان يسمى مطبخا!!
ربما لن يذهب الطفل إلى باب جيرانه ويقول للجارة: أمي تسلم عليكم وتقول : ألا ليت الزمان يعودُ يوماً لأخبره ما فعلت (الطكنلوجيا)!

الإبداع.. إعلامي

كانت حفلة فرح بمعنى الكلمة حينما وزعت جوائز الإبداع الإعلامي على الفائزين بها، ليلة من الحضور الجميل والرائع، وجوه عرفناها وألفناها، وأخرى تبحث عن مساحة لكلمتها وصوتها وسط ضجيج فضائيات وإذاعات، عامة وخاصة، اختلط فيها السمين بالغث فلا تدري أي السمين بقي، وأي الغث استولى؟!
المئات اجتمعوا تحت سقف قاعة ضاقت بهم، فقاعات الفنادق المسقطية مزحومة مفكراتها، وأمل الإعلاميين في مبنى الجمعيات الثلاث لتكتمل تحته اللقاءات بين مبدعين يناضلون من أجل الحضور رغم الظروف والمتاعب، ببساطة لأنهم محسوبين على فئة لا تعمل وفق بندول الساعة الممتدة من صبيحة اليوم إلى ظهيرته، بل ضمن من استهوتهم مهنة البحث عن المتاعب فدفعوا من أجلها صحتهم وأعصابهم.
ليس هو لقاء فوز، بل عنوان التقاء تحت سماء صغيرة جدا بحجم قاعة فندق جراند حياة، لا تتكرر إلا كل عامين لهؤلاء الإعلاميين وهم يبحثون عن منفذ لقضاء وقتا من الأمسيات في حفل كهذا يلتقون فيه حيث يعز عليهم فعل ذلك في أيام العمل المعتادة.
ليس هو حفل توزيع الضحكات على الخاسرين لأنه لا أحد خاسر، فالإبداع أعمق من أن تقيّمه لجنة، وأن تمنحه رؤية شهادة تفوق أو تستبعده لأنه لم ينل رضاها (المزاجي) رغم كل عوامل الخبرة والمهنية المتوافرة في لجان التحكيم.
.. وكان لي شرف الحضور كعضو في اللجنة الرئيسية للمسابقة، والأهم هو أن النص المسرحي المقدم في الحفل يحمل بصماتي التأليفية، ولن أجد حضورا نوعيا كالحاضرين: صحفيون وإعلاميون ومثقفون ومتعاطون مع الكلمة كتابة وصوتا ورؤية..
بدا لي مشهد الحرية جليا، قرأته في أعين الذين تعجبوا من تلك الجرأة في الطرح، وأطلقوا السؤال المعتاد في مثل هذه الحالات: ألم يحذفوا منها شيئا؟! قلت أنه الحذف الذي راعى الوقت لأن الليلة ليست لعرض مسرحي، هو الهامشي الذي يقلل من رتابة توزيع الجوائز، وهو الرسالة التي يمكن طرحها للإستدلال على كمية الأوكسجين المتوافر في رئتنا الإعلامية لو أردنا التنفس جيدا، تنفس هواء الوطن لا أهواءنا، التعرف على أوكسجين نقي يهم المواطن لا ثاني أوكسيد الكربون الذي نطلقه في وجوه الآخرين، الحياة النقية التي نريدها لأشجار بلادنا كي تثمر لا الأحجار التي نقذفها بها كي تتساقط أثمارها بقسوة الرمي والسقوط.
انتقد العرض المسرحي الذي نفذته باقتدار فرقة مزون المسرحية أشياء بدت كأنها المحرّم لكن الأبقى في آخر المشهد هو عمان، البلد المتوجب لمحبتنا وإخلاصنا، وجلالة السلطان المعظم المستوجب لتقديرنا وإجلالنا، وليس في الأمر ما يمنع من أن نظهر محبتنا لوطن هو رمز وجودنا ولسلطان هو تاج نهضتنا.
نتمنى: دفعة قوية لهذا اليوم الإعلامي الرائع، نحتاجها مناسبة سنوية يلتقي فيها أبناء بيت الإعلام ليروا بعضهم البعض على الأقل، ونأمل أن تكون موازنة المسابقة ومتطلبات العرس الإعلامي ضمن رؤية استثمارية للطاقة البشرية المبدعة، وهي مناسبة لتكريم معنوي ومادي أكثر لمبدعين يستحقون أن يكون لهم الأجمل والأفضل كونهم الصوت الحقيقي للمجتمع.
شكرا لوزارة الإعلام على ما أبدعت في يوم التكريم، باجتهادها لتوفير موازنة هذه الجائزة، وبلفتتها تجاه متقاعديها، وألف شكر لكل مبدع عماني مجتهد.

مسئول يعترف.. وآخر يبرر!

بداية أوضح أن المسئول لا أعني به فقط ذلك المحسوب على كرسي الحكومة، لأن هناك كراسي أخرى (وكثيرة) تتواجد في القطاع الخاص، وفي المدرسة، وفي البيت، حيث يجلس الرجل على زعامة المكان يمارس صلاحيته المطلقة، يأمر، ويبرر، ولن يكون رجلا مسئولا إن اعترف يوما بأنه أخطأ.
وفي وسائل الإعلام نجد تصريحات المسئول الذي لا يمتلك إلا التبرير، لا يقول أن هناك ثمة خطأ ودوره أن يراجع أوراقه وحساباته قبل أن يكشف أوراق الآخرين وحساباتهم، من الذين ارتكبوا أخطاء وفق تراتبية الكراسي نزولا، لكنه لا يتورع عن تقديم كشف حساب بأخطاء أولئك الجالسين على الكراسي (صعودا)، وحسبه في ذلك الوصول، وأنه مدرك لما يحدث وجاهز لإصلاح كل شيء.. فيما لو تركت له الفرصة لاعتلاء الكرسي الأكبر من كرسيه الحالي.
قبل أكثر من أسبوعين شدني حديث لمدير بلدية المضيبي خلال رده على أحد المواطنين، لم يبرر ما لاحظه المواطن (المتصل) بل اعترف به مشيرا إلى إمكانية قصور قد حدث، والتقصير سمة البشر، ووعد بمتابعة الأمر..
أخرجني هذا التصريح من الصورة النمطية المعتادة عن مسئولين يصرون أن كل عملهم (تمام التمام) وأن الإنجاز متواصل ليل نهار، إذن لماذا يحدث ما يحدث من أخطاء إن لم يكن هناك قصور أو تقصير لا مناص منه حينما نصف الفعل بأنه قائم على اجتهاد بشر، له أجر حتى وهو يجتهد مع الخطأ.
ذكّرني ذلك الحديث لمدير البلدية بمسئول آخر يضع كل أخطاء قراراته على رقاب الموظفين الأقل منه منزلة (ودرجات)، لا ينجح كما يريد لأن لديه مجموعة كبيرة من الفاشلين والحاقدين والصائدين في المياه (العكرة)، كل خطأ يحدث بسببهم لا بسببه، هو يفعل الصواب (وفقط) وهم لا ينتظر منهم سوى الخطأ.. وحده.
فلماذا تغيب عن قاموسنا الوظيفي ثقافة الاعتراف أن هناك ثمة فشل وأخطاء..
أن الأرقام التي تعلن غير حقيقية، أو غير واقعية على الأقل.
أن المشروع الذي خطط له ليكون مربحا أصابته خسائر فادحة، كمشروع شركات الأسماك التي لديها آلاف الكيلومترات من السواحل تتيح تحقيق أرباح تهم المواطنين (المساهمين) والمواطنين (الباحثين عن كيلو سمك)..
وأن الجسر الذي أقيم ليساهم في انسيابية مياه الوديان حجزها مرتدة إلى مزارع المواطنين، وأن أرقام حصادنا من التمور محل شك لأنه لا يوجد مقياس حقيقي في ظل زحف حشرة الدوباس على الأخضر من نخيلنا واليابس، وأن الأخطاء الطبية قدر لا علاقة له بالإهمال في المستشفيات والرعونة في معاملة المرضى.
عدم قول الحقيقة هو الخيانة الحقيقية للمسئولية وليس الاعتراف بالأخطاء والتقصير وعدم المتابعة.. فالمشكلة أن الاحتفالات كثيرة وهذه تستدعي الحضور في الصف الأمامي، سواء أكانت للمسئول علاقة بالحدث أم أنها من باب الدعاية الإعلامية.

تشاؤل أخير:
مرت أيام طوال منذ أن كتبت عن سيارة شفط المجاري الواقفة على الطريق نحو مدرسة الخوير، لا تزال المياه العفنة تتسرب عبرها، ذلك يعني أن الأمر لم يعد يعني المعني بالأمر، كما لا تعني آخرين.. مسائل أخرى.