الاثنين، 7 سبتمبر 2009

دولة فدولتان.. فأكثر

لا توجد قضية كبرى في العالم كالقضية الفلسطينية وهي تعيش ظروفا تتراوح بين التراجيديا والكوميديا السوداء والميلودراما وسائر المفردات التي يصح معها الحديث عن ملحمة مسرحية يقدمها عدد كبير من الممثلين، أبطالا وكومبارس، يؤدون أدوار خير وشر.
وليس من اليسير معرفة تداعيات أوصلت عبارة نستخدمها بكثرة إلى ألسنتنا حيث نكرر القول (على حساب القضية) تعبيرا عن لغة المصالح، فالقضية تطعمنا لا نطعمها.. ربما لأنها أصبحت من غير طعم.
والأحداث الواقعة مؤخرا ضمن مسرحة ساخرة للواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية دال على صعوبات خلخلت أسس بناءها حتى تكاد تفقد مشروعية النضال من أجلها، فبعد مفاوضات عقود من السنوات بين أصحاب الأرض ومستعمريها طفت على سطح الأحداث مفاوضات أخرى تعيد رسم المشهد التفاوضي، ولكن هذه المرة بين الأخوة الأعداء، وما يشبه الدولة الذي جاءت بها اتفاقيات أوسلو أصبحت دولتين، كل منهما تشرب مرارة الاحتلال والإذلال، لكن الأهم أن يبقى الفصيل على رأس السلطة.. أية سلطة كانت، وبأي ثمن كان.
ومن الغريب أن يصبح همّ قادة القضية ومناصريها وأصحاب الحلول التصالحية والتفاوضية هو مطالبة المحتل الإسرائيلي بأن يعلن (ولو كذبا) تجميد الاستيطان لأنه وكما يتم تسويقه إعلاميا يعرقل العملية السلمية، ويلحّ الجميع على أنه السبيل الوحيد لعودة المتفاوضين إلى الطاولات وكأنهم لم يشبعوا من الجلوس للتفاوض وفلاشات وسائل الإعلام والتصريحات التي تتحدث عن تقدم وملفات صعبة واتهامات متبادلة وغيرها من المفردات المتساوقة عبر وسائل الإعلام عشرات السنين.
والمشهد في الجانبين دال (بمرارة متناهية) على وضوح الهدف لدى كل منهما وغيبوبته، الفلسطينيون (وعلى رأسهم أبو مازن) يريدون تجميدا للمستوطنات كهدف يجب الوصول إليه قبل الشروع في أي تفاوض على حلول (مستحيلة).. وهذه لغة العجز البيّنة لأنه لا أحد يملك إجبار حكومة تل أبيب على غير ما تريده، والإسرائيليون يقولونها بالفم الملآن أنهم لن يرضخوا ويطلقون التصريحات تلو الأخرى بأنهم ماضون في مشروعهم (الواضح والبيّن) وعلى من يريد إبداء الأسف (كواشنطن) أو التعبير عن صدمته (كالأوربيين) والإدانة والشجب (كالعرب) ممارسة دورهم المحفوظ منذ عقود.
اللعبة المسرحية واضحة: محتل يقتل، وصاحب أرض هو الضحية، وهما أبطال العرض، أما الكومبارس فإنهم يقومون ما تفرضه عليهم شروط اللعبة: دعم لا غبار عليه مع بعض الإرضاءات للأصدقاء العرب (دور يقوم به رجل أمريكي) وشخص يقف باستمرار مع القاتل لكنه يشعر أحيانا بتأنيب الضمير (الدور للممثل الأوروبي) أما الممثل الآخر وهو شخص عربي فعليه أن يغضب ويندد.. يقدم مبادرة ويهدد بسحبها، بينما قالها وزير الخارجية الإسرائيلي بشكل واضح وصريح بأنه سيحذف موضوع القضية الفلسطينية من ملفات وزارته، وإسرائيل تمارس كل شيء على الأرض، تهوّد القدس، وتوسع المستعمرات، وتقول للعالم أنني لن أتوقف، ومن لا يعجبه الأمر فليشرب من البحر.. وإن كان أوباما.
هكذا تقاسم العالم أدوار اللعبة على الخشبة الفلسطينية، واكتفى الممثل العربي بمتابعة من يصعد إلى الخشبة من أبطال الحكومة الإسرائيلية، فمرة يقول أنهم حمائم، وتارة يقول أنهم صقور، مع أن جميع الطيور التي جرّبها خلال سنوات القضية من النوع الجارح المسيل للدماء، لكن العربي وبطيبته أو بطبعه يصدق الكلام الناعم، خاصة إن جاء بمفردة سلام، ومستعد أن يطبّع.. لغلبة الطبع عليه.

دولة فدولتان.. فأكثر

لا توجد قضية كبرى في العالم كالقضية الفلسطينية وهي تعيش ظروفا تتراوح بين التراجيديا والكوميديا السوداء والميلودراما وسائر المفردات التي يصح معها الحديث عن ملحمة مسرحية يقدمها عدد كبير من الممثلين، أبطالا وكومبارس، يؤدون أدوار خير وشر.
وليس من اليسير معرفة تداعيات أوصلت عبارة نستخدمها بكثرة إلى ألسنتنا حيث نكرر القول (على حساب القضية) تعبيرا عن لغة المصالح، فالقضية تطعمنا لا نطعمها.. ربما لأنها أصبحت من غير طعم.
والأحداث الواقعة مؤخرا ضمن مسرحة ساخرة للواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية دال على صعوبات خلخلت أسس بناءها حتى تكاد تفقد مشروعية النضال من أجلها، فبعد مفاوضات عقود من السنوات بين أصحاب الأرض ومستعمريها طفت على سطح الأحداث مفاوضات أخرى تعيد رسم المشهد التفاوضي، ولكن هذه المرة بين الأخوة الأعداء، وما يشبه الدولة الذي جاءت بها اتفاقيات أوسلو أصبحت دولتين، كل منهما تشرب مرارة الاحتلال والإذلال، لكن الأهم أن يبقى الفصيل على رأس السلطة.. أية سلطة كانت، وبأي ثمن كان.
ومن الغريب أن يصبح همّ قادة القضية ومناصريها وأصحاب الحلول التصالحية والتفاوضية هو مطالبة المحتل الإسرائيلي بأن يعلن (ولو كذبا) تجميد الاستيطان لأنه وكما يتم تسويقه إعلاميا يعرقل العملية السلمية، ويلحّ الجميع على أنه السبيل الوحيد لعودة المتفاوضين إلى الطاولات وكأنهم لم يشبعوا من الجلوس للتفاوض وفلاشات وسائل الإعلام والتصريحات التي تتحدث عن تقدم وملفات صعبة واتهامات متبادلة وغيرها من المفردات المتساوقة عبر وسائل الإعلام عشرات السنين.
والمشهد في الجانبين دال (بمرارة متناهية) على وضوح الهدف لدى كل منهما وغيبوبته، الفلسطينيون (وعلى رأسهم أبو مازن) يريدون تجميدا للمستوطنات كهدف يجب الوصول إليه قبل الشروع في أي تفاوض على حلول (مستحيلة).. وهذه لغة العجز البيّنة لأنه لا أحد يملك إجبار حكومة تل أبيب على غير ما تريده، والإسرائيليون يقولونها بالفم الملآن أنهم لن يرضخوا ويطلقون التصريحات تلو الأخرى بأنهم ماضون في مشروعهم (الواضح والبيّن) وعلى من يريد إبداء الأسف (كواشنطن) أو التعبير عن صدمته (كالأوربيين) والإدانة والشجب (كالعرب) ممارسة دورهم المحفوظ منذ عقود.
اللعبة المسرحية واضحة: محتل يقتل، وصاحب أرض هو الضحية، وهما أبطال العرض، أما الكومبارس فإنهم يقومون ما تفرضه عليهم شروط اللعبة: دعم لا غبار عليه مع بعض الإرضاءات للأصدقاء العرب (دور يقوم به رجل أمريكي) وشخص يقف باستمرار مع القاتل لكنه يشعر أحيانا بتأنيب الضمير (الدور للممثل الأوروبي) أما الممثل الآخر وهو شخص عربي فعليه أن يغضب ويندد.. يقدم مبادرة ويهدد بسحبها، بينما قالها وزير الخارجية الإسرائيلي بشكل واضح وصريح بأنه سيحذف موضوع القضية الفلسطينية من ملفات وزارته، وإسرائيل تمارس كل شيء على الأرض، تهوّد القدس، وتوسع المستعمرات، وتقول للعالم أنني لن أتوقف، ومن لا يعجبه الأمر فليشرب من البحر.. وإن كان أوباما.
هكذا تقاسم العالم أدوار اللعبة على الخشبة الفلسطينية، واكتفى الممثل العربي بمتابعة من يصعد إلى الخشبة من أبطال الحكومة الإسرائيلية، فمرة يقول أنهم حمائم، وتارة يقول أنهم صقور، مع أن جميع الطيور التي جرّبها خلال سنوات القضية من النوع الجارح المسيل للدماء، لكن العربي وبطيبته أو بطبعه يصدق الكلام الناعم، خاصة إن جاء بمفردة سلام، ومستعد أن يطبّع.. لغلبة الطبع عليه.

درايشنا

في حوار إذاعي مع المبدعة سهى الرقيشية أجبت بالنفي على سؤال يتعلق بمتابعتي لما تكتبه المنتديات الأدبية عن مسلسل درايش، كوني أحد كتّابه هذا العام وما قبله، ضمن ورطة كتابية جميلة جعلتني أرى اسمي وأفكاري على الشاشة الصغيرة.
حفّزني السؤال على البحث فورا في المنتديات المعروفة بأنها لا يعجبها العجب ولا الصيام حتى في رمضان فكيف به في رجب، وتابعت ما يكتب من تعليقات أقرب إلى سجال بين رافضين ومتذمرين من كل شيء (إلا من رحم ربي) وهم قلة من المنصفين الذين يرون الأشياء بعين العقل لا لمجرد المشاركة في الشتم والانتقاص.
بحثت عمّا يسمى رأيا أو نقدا إلا أن الأمر أشبه بلغة شوارع كل يرمي كلمة ويمضي، تمعنت فيما كتبه بعضهم عن رأي له قيمته كونه رؤية من مشاهد له الحق (كل الحق) في قول رأيه، كما أنه ممتلك لحق آخر وهو تغيير رقم القناة من خلال جهاز الاستقبال الفضائي في يده إلى أي محطة يراها مستحقة لوقته الثمين.
لن أدافع عن درايش، فمن بين ما قيل فيه كان هناك شيء من الصواب..
ولن يصل أي عمل درامي إلى مرحلة الكمال المبتغاة، ولو أن مسلسل باب الحارة عمل عماني لوجد في مثل هذه المواقع الانتقاص قبل الانتقاد، وحالتنا الدرامية المحلية لا تختلف عن غيرها، وما يتعرض له أي عمل درامي عماني من اتهامات بالضعف أمر عادي أيضا يحدث لكل ماتفرزه شركات الإنتاج من مسلسلات وبرامج..
فلا الكويتيون راضون عن أعمالهم الدرامية، وهي الأبرز في الخليج، ولا الإماراتيون متفقون على جودة مسلسلاتهم، وهم الأوسع والأكثر دعما للإنتاج الدرامي.
ينسحب ذلك على الدراما في أهم بلدين عربيين منتجين للأعمال الدرامية، مصر وسوريا، في هذه البلدان التي تشكلت فيها خارطة حقيقية للدراما هناك اختلافات رؤى وخلافات نجوم ومستويات ضعيفة واتهامات بالسطحية والتكرار.. مع أنها منتشرة في أرجاء الدنيا، بعكس أعمالنا العمانية التي بالكاد وصلت إلى بعض بلدان الخليج.
ببساطة: شركة الإنتاج العمانية الوحيدة التي تقدم دراما هي وزارة الإعلام!!
وينفق عليها مئات الآلاف من الريالات فيما ليس منها أي مردود مادي لأن عرضها محلي فقط!!
أما من ينتج الأعمال الدرامية المحترفة عربيا (وعالميا) فهي شركات إنتاج محترفة (أيضا)، والقطاع الخاص لدينا (جبان) ما أفرزه في هذا المضمار اجتهادات أشخاص أقاموا شركات إنتاج أهم ما فعلته أنها (سرقت) حقوق الفنانين (وهذا ليس تعميما).
فهل مطلوب من وزارة الإعلام تبني أفكار مسلسلات مضادة للجهود الحكومية وتقدم حلقات مسلسل درايش كبيانات شديدة اللهجة ضد أجهزة الدولة وعبر تلفزيون حكومي؟!
هذا السؤال الـ(ينبغي) طرحه والبحث عن إجابات عليه من الذين يرفعون سيف الانتقاص (لا النقد) مع غياب مؤسسات إنتاجية أخرى يمكنها تقديم ما يريده الجمهور (ضمن حدود القانون).. فلا ينبغي النظر إلى مسلسل (خفيف) يأتي بعد الإفطار على أنه مظاهرة ترفع لافتات وشعارات شديدة التعبير ضد وزارات ومؤسسات ومسؤولين، علما أن مسلسل درايش قدم بين حلقاته أفكارا جريئة لم تطرح سابقا في الدراما العمانية، وواجهت وزارة الإعلام ضغوطا من وزارات أخرى لإيقاف عرض مثل هذه الأفكار..
أي ضعف درامي الحديث عنه متاح لأنه موجود، وأسبابه كثيرة أغلبها متعلق بسوق إنتاجية قادرة على حمل الدور عن الدولة، ففي عصر كعصرنا يتحدث عن تراجع دور الدولة (المرجعية لكل شيء) لصالح مؤسسات المجتمع المدني، الربحية واللاربحية، لا يمكن أن يأتي حتى الإنتاج الدرامي مختوما بشمع الحكومة.. ومالها.

السجن والعمال الهاربين

في أخبار الإدعاء العام مرآة جانبية للمجتمع، يمكن مشاهدة ما لا يصعد إلى سطح الحياة اليومية للناس إلا من باب الإشاعة والخبر الغائب عنه يقين الحقيقة، بعضها ما يدفع المرء للحزن على ما تتقاذفه طبيعة الحياة في مجتمع آمن، وآخر يمكن قراءته كنوع من الأخبار الطريفة كالتي تنشر في الصفحات الأخيرة للصحف.
خبر سقوط محفظة جديدة ليس بالخبر الجديد، ولا الجيد..
وكتبت سابقا أن القادم أسوأ، والأهم هو عقاب على من سوّلت لهم أنفسهم سرقة أحلام البشر ليتنعّموا بالملايين يبنون بها أحلامهم الخاصة، وعلى الآخرين دفع الثمن مضاعفا، من مالهم وصحتهم.. وعلى المستقبل ألف سلام.
سأتجاوز هذا الخبر إلى بيت القصيد، وهو سجن امرأة بتهمة أنها أحضرت عاملا وسرحته ليعمل عند الغير!!
خبر مدهش لمسألة غير مدهشة..
بين المليون عامل في بلادنا هناك ربع مليون (ربما) يعملون لدى الغير، وكانت تسمى بظاهرة التجارة المستترة لكن الله ستر على (الأرباب) ولم ينكشف لأن كل البيانات التي يقدمها لوزارة القوى العاملة من النوع الذي تريده الوزارة، وإن شئت عاملا إضافيا حتى بدون أوراق يمكنك فعل ذلك، وكتبت مرة عن واقعة حقيقية دون أن يسأل أحد: أين وكيف؟!
لا أدري حيثيات وصول القضية إلى الادعاء العام.. لكنها وصلت، وكان هناك متهم صدر الحكم بإدانته، وتأسيا على هذه الحالة من يملك حق الإبلاغ عن عشرات العمال الوافدين يعملون تحت السمع والبصر لتتم مقاضاة كفلائهم والحكم عليهم بالسجن.. والسؤال: كم مواطنا سيدخل السجن بسبب هذا الفعل؟!
الرقم سيكون مثيرا جدا، وعدد العمال الهاربين أكثر إثارة، والأمر ليس بالسر الخطير الذي نفشيه لنقول بأن هذه التجارة ليست مستترة وتمارس في العلن، وأمكنة في روي والغبرة تعطي الدليل الواضح على أن كل تلك الأعداد من العمل الآسيويين تعرض خدماتهما على قارعة الطريق لمن يرغب، أي أن العمل لدى الغير لم يعد تهمة لأنه يتم في سوق مفتوحة أشبه بسوق الجمعة، فأين الكفلاء عنهم وهم يتنقلون من شارع إلى شارع؟.. وأكرر أن هناك جهات حكومية تقوم بتشغيل قوى عاملة وافدة باليومية وهي لا تعلم من هو الكفيل المسئول عنها، لأنه (وببساطة متناهية) ينتظر بضعة ريالات آخر الشهر.
هناك من قال بملء الصوت أنه أبلغ مفتشي العمل بوجود عمال يتخذون من مزارع في منطقة الباطنة سكنا ونقطة انطلاق نحو ما يتيس لهم عمله، ولكن الوزارة ترد بالقانون.. ولدى صاحب الرد الحق فيما يقول لأننا في بلد قانون، ولكن من يتحايل على هذا المسمى بالقانون لا بد من مواجهته بطرق تحفظ للمجتمع هيبته حتى لا تتواجد بين القوة العاملة في بلادنا فئة كبيرة من الخارجين عن.. القانون.
والسؤال: هل القبض على مخالفين لقانون العمل يحتاج إلى معجزة أم أن تلك المرأة الصادر بحقها السجن هي الكارت الأصفر في وجوه الآخرين؟!
نأمل ذلك رغم أصابع الاتهام الموجهة لي (وبحكم المصالح) ولسان الحال يقول: خلي المواطن يترزق!

التربية والانفلونزا

سرعان ما أصبح مرض انفلونزا الخنازير مالىء الدنيا وشاغل الناس، وليس من حديث إلاه، ولا إشاعة إلا عنه، ولا نبأ إلا ينتشر دون حاجة إلى جهينة لتنبؤنا بالخبر اليقين، فالحقيقة لا توجد كاملة، فلا الطرق التي يسلكها إلى الأجساد البشرية واضحة، ولا الأرقام التي تعلنها اللجنة الموكل إليها أمر متابعة المرض كاملة، ليس تشكيكا في أمر اللجنة، ولكن لأن الوباء مستتر في كثيرين، وما يعلن اليوم من أرقام الإصابات لم يحدث اليوم فقط، بل هو متخفّ منذ ايام، لكن علمه عند عالم الغيب.
وكان من المهم تأجيل بدء العام الدراسي، وهناك دول في المنطقة أجّلته حتى قبل أن يندفع المرض إلى بلدان العالم جميعهأ، الممتلكة لثمن المصل أو التي لا تملك حتى أكفان موتاها، فكان قرار بدء الدراسة بعد إجازة عيد الفطر السعيد فيه كثير من الحكمة حيث أن حالة الطقس تكوي رؤوس الطلبة وهم آكلون شاربون، فكيف به مع جيل يتربي على مبادىء الإسلام ومن أهمها صوم شهر رمضان، ليشبّ على تأدية أركان الدين بما وجده فيها من رحمة تسبق العذاب، ورحلة الطالب بين البيت والمدرسة لها ملمح من عذاب لا يذوقه الموظف السائر بين بيته ومكتبه.
المسافة رغم بساطتها إلا أنها تحدث في حافلات تعاني من الزحام والحرارة التي تبدأ من لحظات انتظارها أمام باب المدرسة، ثم لحظة وصولها إلى طرف الحارة (أحيانا) وما يعانيه الصغار من مشقة حمل الحقيبة المدرسية تحت وهج شمس لا ترحم الصائمين والمفطرين على حد سواء، وتحملها للصائم أكثر مشقة.
ومؤكد أن العام الدراسي سيغدو قصيرا، لكن وبقليل من الجدية يمكن تعويض هذه الأسابيع التي فاتت الطلبة في فصل يضج بالإجازات أصلا، ويحتاج الأمر إلى مزيد من التنظيم اللازم لنجعل من اليوم الدراسي نموذجا للعمل المخلص النابع من الضمير أكثر من مراقبة موجهي المديرية، فالأمانة التي يحملها المعلم وسائر القائمين على العملية التعليمية مقدسة لتكون في رقابة خالق يجدر بنا مخافته لا مخلوق نخشى من تقريره.
أيام العمل المهدرة خلال العام الدراسي أكثر من أن تحصى، ومسألة التغيب يوم أو أكثر قبل وبعد أية إجازة رسمية كفيلة بأن تعوّض الأسابيع الرمضانية الثلاثة المفقودة، لكن المهم أن يبدأ العام الدراسي مباشرة منذ أول يوم يعود فيه الجميع إلى المدارس، فلا يعود أبناؤنا الطلبة منتصف اليوم خلال الأسبوع الأول من الدراسة بحجة أن الكتب لم تصل، والمدرسين لم يوزعوا جدول الحصص.
هناك أيضا إجازة منتصف العام البالغة نحو أربعين يوما!!
تأتي في أجمل فترة يمكن للطالب الاستيعاب فيها، دفء عماني جميل يجعل من الطقس متعة تحسدنا عليها الكثير من البلدان، وهي أفضل للطالب كي يكون داخل مدرسته لا أن تتبنى الوزارة المفهوم السياحي خلال تلك الفترة وتجعل مئات الآلاف من الطلبة يمرحون كل تلك الأسابيع بعيدا عن مدارسهم بينما شهري مايو ويونيو هما المفضلان للوزارة لتأدية الامتحانات أو منح فرصة إجازة للمذاكرة لأصحاب الشهادة العامة.
وطوال الأيام الماضية لم أصادف معلما أو معلمة إلا ويشتكي من أمر الذهاب إلى المدرسة دون أي عمل يذكر، يصرخون بكلمة الملل رغم أن المدارس تحتاج إلى قليل من حضورهم فقط، وإن كانت انفلونزا الخنازير أفادت الطلبة إلا أنها أضرت بآلاف من المواطنين البسطاء الذين يجدون في نقل الطلبة رزقا لهم، وهم يعملون باليومية!!

تشاؤل أخير:هناك آلاف الطلبة في المدارس الدولية، هذه التي لم تغلق أبوابها كأنها في حصانة من المرض، وكأن طلبتها بمنأى عن المجتمع فلا يضرونه شيئا حينما يختلطون به!!

أسئلة حياتنا


1
(هو) لم يسأل نفسه يوما ماذا قدم من أجلها؟
يسألها (هي) فقط في كل لحظة لماذا لم تقدم من أجله شيئا؟.
سؤال الغربة المستمرة في كثير من البيوت، فالسؤال المطروح هو ماذا يقدم الآخر من اجلنا لا ما نقدمه من أجل الآخر.

2
(هو) موظف، يعود بعد الظهر ليجد غداءه جاهزا، يتناوله وينام.
(هي) موظفة، تعود في نفس التوقيت تقريبا، تفعل الأمر ذاته، بفارق قليل من الزمن، وتذهب لتنام.
عندما تحين ساعة الصحو تكون في ذهن كل منهما فكرة عن مشوار ما، يفعله أحدهما على الأقل، حتى إذا حانت ساعة النوم تسابق الاثنان إليه.
لم يحصيا كم كلمة تبادلا، أو كم بين الحساب من كلمات قالها أحدهما من أجل الآخر، لا من أجل أي شيء.. آخر.

3
(هو) يتحدث بمرارة عن حالة ركود زوجي.
(هي) تتحدث بحرقة عن غربة تعيشها ووحدة تحس جمرها، مع أنه ممتلكة لشريك عمر يعتبر استثنائيا (ربما).
(هو) لا يقترب خطوة.
(هي) تكتفي بكل شيء ماعدا الخطوة اللازمة للوصول إلى نقطة تماس بينهما.
يمر العمر، بكير الأولاد، وتبقى مرارته وحرقتها، جفاف أيامه ووحشة لياليها، لم يحاول أحدهما كسر الحاجز الثلجي باشتعالات القلب، مع أنه يحتاج فقط إلى شمعة صغيرة في طرفها لهب.

4
(هي) تتابع بشغف حلقات المسلسلات المتتابعة عبر الشاشة الصغيرة، ترى الحب متوفرا بكثافة على أفواه ساكني الشاشات.
(هو) يواصل بحماسة تمارين الرياضة على الشاطىء وجلسات الشيشة على المقاهي، ويرى الجمال متوافرا بكثافة في وجوه عابري الشاطيء والمقاهي.
يتواجهان بنظرة لا تخلو من ابتسامة.. (ربما).
يقولان كلمة ممتلئة بالحب.. (ربما).
لا يسألها أن تجرّب الحب غير الذي ينهال عليها من الشاشات، ولا تسأله أن يرى الجمال غير المتكدس في ملعبي الرياضة والسهر.
هما يحتاجان لطرح السؤال على بعضهما ليحصدا ثمر الإجابات.

5
في الزحمة نسيت أن تقول له: أحبك.
في اللهاث لم يتذكر أن يقول لها: أحبك.
تحت سقف واحد ودّت لو تسأله: هل تحبني؟
في طريق واحد تمنّى لو تجيبه: نعم، أحبك زوجي العزيز.
يشعر بالكلمة ثقيلة على فمه مع أنها متوفرة داخل قلبه، وتشعر بها حاضرة في داخل قلبه لكنها تحتاجها لتنسى الزحام والتعب وملل السنين.
هل عليها أن تستخرجها من قلبه حتى لا تضبطه ذات يوم يقول عبر الهاتف النقال لشخص على الخط الآخر: أحبك؟!
ربما عليها أن تفعل ذلك، ربما عليه أن لا يفعل إلا.. ذلك.

مسجات:
عينك على الدرب،
وعيني على درب..
يا لهذا القدر:
امنحنى القدرة ليكون:
دربي هو ذاته.. دربها.
##
ماذا أفعل بالأسئلة في كفي؟!
تكاثرت، وإجاباتها في يد..
من أحب.
لا قيمة للسؤال.. دون إجابة.
لا قيمة للإجابة بمنأى عن.....
من أحب.
##
لا يوجد ذلك السد العالي..
لا تصدق تلك الجبال من الصخر،
والصحاري بيننا عدم،
محض سراب.
هي جبال من جليد،
سنصهرها بكلمة،
لو صرخنا بصوت واحد:
أحبك.

سفينة الانقاذ والمساءلة

تداعت المحافظ الاستثمارية، وما كنت أعيد الكتابة عنها (وحولها) لولا أن ما حدث هو الزلازل وسيعقبها توابع لا يدري أحد حجم الخسائر في المحصلة، لأن الكارثة حصلت بمباركة (واسعة) وصمت (أوسع)، ودخل في تيارها العاقل قبل المغامر/المجنون، ورغم أنهم زرعوا قمحا (حسب الرؤية الأولى للبذور) إلا أنهم حصدوا.. العاصفة.
محافظ حقيقية أو وهمية؟
يحتاج السؤال إلى إجابة واضحة، فلم تكن تنظيما اقتصاديا سريا لا تعرفه أجهزة الدولة، الأمنية والمصرفية، بل كان يسير في وضح النهار، شارك فيه أفراد من المؤسستين (الأمنية والمصرفية) ودفعوا مئات الآلاف من الريالات ليحصدوا ما لا يمكن تخيله من أرباح شهرية، وقد كان يمكن من قصة حجم الفوائد التكهن بأي مكنسة سحرية تلك التي تجعل الآلاف تربح المئات كل شهر، أي أن الفائدة خلال الأشهر الستة (المحددة في عقد الاستثمار) تنتمي لخيالات مصباح علاء الدين السحر، ومن أرقامها يمكن التدليل على أن الأمر وهم، وإن دخل كثيرون فخه واستفادوا، لكنه الفخ الذي انتصب لآخرين، سقطوا على رؤوسهم، ولكن من لهم لينهضوا مرة أخرى؟!
قال البنك المركزي في تحذيره أنها محافظ استثمارية وهمية، لكن بعد أن وقع الفأس في الرأس، لم يسمّها قبل أن تقع، وكأن في الأمر مواجهة قانونية يخشى منازلتها وهو المؤسسة الموكل إليها حماية النظام المصرفي في البلاد..
قلت قبل أشهر بأن الجهاز المصرفي أبلغ الجهاز الأمني بشكوكه حول دخول الملايين إلى حساب شاب، لكنه لم يتلق إجابة، تلك المعلومة ليست مؤكدة حتى لا تحسب عليّ من باب تسقط أخطاء المعلومات وإهمال القضية الأكبر بالتركيز عليها.
اليوم تبدو مأساة الكثيرين من ضحايا هذه المحافظ أوضح، وتزداد وضوحا مع الإعلان عن محفظة استثمارية أخرى توقف حليبها المدرار عن إرواء الظامئين لثروة أو إنهاء قرض أو بناء بيت.
لافت جدا عدد المحافظ التي يمكن وصفها بأنها وهمية، ولافت جدا (جدا جدا) كثرتها واستمراريتها وسط نظامين: مصرفي وأمني/شرطي يتمتعان بمزايا المتابعة الوقائية..
إذن ما الذي حدث؟
لا ندري ماذا حدث، لكن قد نتوقع ما سيحدث..
شاب قدم مدخرات عمره لمحفظة كل الدلائل تقول أنها حقيقية، عقود مسجلة في مكاتب قانونية، وأرباح كبيرة تكاد فوق حدود الحلم بالنسبة لأي إنسان يحلم باستثمار أو التخلص من ديون بنوك أو بناء بيت العمر..
وشاب آخر أخذ سلفة كبيرة من البنك ليقدمها على طبق من ذهب لمستثمر يبدو كل شيء فيه واقعي، لديه مجموعة كبيرة من المشاركين، يعطي كل شهر دون تأخير، يقدم شيكات تضمن صدق نواياه.. طارت الريالات وبقيت السلفة تحتاج عشر سنوات لتنتهي، وهي تكاد تأخذ كل الراتب، وعلى أهل البيت الصوم ليل نهار لأن المتبقى من الراتب لا يكفي..
إذن في مواجهة تلك الجوانب (السحرية) أضع النقاط التالية:
البنك الذي قدم تلك السلفة الكبيرة مقابل ماذا من الضمانات؟!
ألا يوجد سقف محدد للقرض يقاس بمقدار الراتب؟!

لنتغير

نتخيل، بالكتابة، أنه يمكننا تغيير العالم، بينما لو نظرنا قليلا إلى أنفسنا لاكتشفنا عجزنا المريع عن تغيير أنفسنا، نتشابه مع أحلامنا صغارا حيث نريد أن نغيّر الكون، حتى إذا مضى بنا العمر إلى أرذله عجزنا عن إحداث التغيير الذي أردناه حتى على المستوى الشخصي.
الكتابة في لحظة شبه مع الطفولة..
الرغبة في قول شيء ذي معنى لهذا العالم المحيط بنا..
الرغبة هي الحلم..
والعنوان العريض: التغيير.
والهدف: نحو الأفضل.
قد يمر العمر ونكتشف أننا لم نحقق مبتغانا، حتى وإن ضم كتاب العمر زوجة وبيت وسيارة وقبل ذلك وظيفة ساهمت في صنع ذلك.
لان الطموحات كانت أكبر من العمر، ولأن العمر لا تتسع سنواته لكل ما أردنا..
هو ذاته شعور الكاتب، هناك الكثير مما يمكن تغييره، يرى في الخطأ مشروع مقال، يرى في التناقض مشروع قصة قصيرة، يرى في اللحظة إحساس مذهل لكتابة قصيدة، وكاتب المقال هو الصارخ الأكبر بأنه يبتغي من صراخه الكتابي مجتمعا أفضل، أجمل، أنقى، يشبه ما تخيله أفلاطون عن المدينة الفاضلة، مدينة لا مكان فيها للصوص والمرتشين، ولا للجائعين والمتسولين، ولا لجميع الأخطاء والخطايا الزاخرة بها الكرة الأرضية حد الإنفجار.
ما قيمة الكتابة إن لم يجد صوتها الصدى المتخيل لدى الكاتب؟!
وماذا يمكن للمجتمع أن يحققه في سعيه نحو الكمال، وما يريده الكاتب له من مثالية نزلت بها الديانات السماوية، وحثت عليها الحكمة الأرضية على لسان كل من اعتبروا قديسين وفلاسفة؟!
أؤمن بالحلم، أؤمن بقدرة الإنسان على التغيير..
لكني لا أؤمن بوجود المثالية إلا في المستوى الذي يدل على إمكانية وجودها، وحدوث النقاء فيما لو أخلصنا أعمالنا لله ولا نقوم بها من أجل كائن أرضي لغرض دنيوي.
فالكاتب الذي يتصور أنه رسول يدعو إلى مجتمع مكتمل النمو والأخلاق عليه البرهنة أمام نفسه أنه مكتمل بما يطالب به في سائر المجتمع، أن يكون التنويري لكي تأتي الكلمة (المكتوبة) بقداسة الفعل (المبتغى) للمجتمع.. (والممارس) من قبله.
مؤكد أنه لا يمكن للكاتب تحقيق مثالية بالمعنى الأسمى للكلمة وإن أصرّ على وجوب تحقيقها في المجتمع، في تجانسه وأجناسه، فالكتابة أشبه بإطلاق حمائم الأحلام والتمنيات، قد لا يكون في جيبنا الكثير من الحبوب لنطعمها إياه، لكن يمكن للمجتمع نثر حبوب المحبة من حولها لتهبط إلى الأرض بسلام واطمئنان، ترعى في ملكوت الله بالأمان الذي لا تصنعه إلا عدالة في كل شيء، الطفل لا يخاف، والمرأة لا تقلق، والموظف لا يتذمر، والمسئول له من اللاءات ما لا يحصى.
فهل دور الكاتب التقاط حبوب الأخطاء من الأرض ليكتب عنها، أم يقدم الحلول التي يمكن أن تصل إلى صانع القرار فيشعر أن صاحب القلم عونا له من أجل الصالح العام لا متصيدا لأخطائه..
الكتابة نزوع نحو التغيير، بقوة الكلمة لا قسوتها، والكاتب ليس وحده في ساحة التغيير نحو الأفضل، كل يقوم بدوره، لا لنجعل من المجتمع مثاليا، فهذا ليس مكانه على الأرض، إنما لتكون دارنا أكثر ألفة وتماسكا وتحضرا، وأقل أخطاء، من تلك المسببة لمعاناة بشر يعيشون بيننا، لا يفعلها القابضون على مصالح الناس وظيفيا، إنما يقوم بها أيضا حتى رب البيت وهو يحيد عن درب الخير.

اللهم اني صايم-2

اعتاد المواطن سين أن يغض نظره كثيرا منذ أول أيام الشهر الفضيل، كان يسبقه للجمال في الطبيعة فيستبقيه وللحسن في البشر فيداريه، لكن للصوم آدابه التي يبطلها ما اعتاده من عادات وتقاليد (رجالية) أبرزها.. البصبصة.
ولأنه يغض الطرف فإنه استغنى (قدر الإمكان) عن نظارته الطبية السميكة، بدونها يرى الأشياء ضبابية، وقاوم إغراء أن كل امرأة تعبر بجانبه إنما هي جميلة وإن لم تكن، يرى أنها نظارة إبليسية تحاول إغرائها لإرجاعها فوق أنفه، إنما هي قوة الإيمان تحل على المواطن سين، وصديق عمره المواطن شين يدعو له دوما بالقول: اللهم يقوّي إيمانك.
اعتاد أن يغض النظر إلا عن حرمه (وحرمته) وهي تختال في المطبخ كفرس، لم يرها يوما بصورة الفرس أو بأي صورة لحيوان آخر، أحيانا في صورة البقر الوحشي، ويسميها المها كي لا تزعل من اللفظ السابق، إلا أنها في رمضان (احلوّت) في عينيه، حتى إذا أكمل إفطاره لم يكد يراها لشدة ما يفتح فمه متثائبا، وفيما تتابع المواطنة حرمـ(ت)ـه المسلسل إثر المسلسل حتى وقت متأخر من الليل يكون هو في سابع أو ثامن نومة، مفوّتا على نفسه فرصة الانفراد بالحسناء المتخايلة في المطبخ قبل أذان المغرب بصحون الحلويات والمقبلات، فينام كالوحش يطلق صفارات الشخير وقد غلبته كرشه.. حتى مطلع الفجر.
ولأنه مواطن صالح فلديه أصدقاء من فئة الصالح نفسها ينصحونه بما يفيده في دنياه وآخرته..
حينما رأى الصديق كرش المواطن سين تزداد تدليا نصحه بممارسة الرياضة، حتى إذا بحث في (كبت) ملابسه عن (هافاته) القديمة وفانيلاته المكتوب عليها اسم مارادونا وبلاتيني لم يجدها، اكتشف أن حرمه حوّلتها إلى ممسحات للمطبخ، وتذكّر حينئذ كيف فكّر كثيرا أين رأى تلك الممسحات من قبل.
أبلغ حرمه بأنه عازم على شراء (هاف) جديد، فاجأته بضحكة قوية، متسائلة عمّا جرى له في عقله، بلغ الخمسين عاما وسيرتدي (هاف)، صرخت في وجهه "موه خليت حال الصغيرين؟!!" سكت على مضض، وبينه ونفسه نظر إلى ركبتيه وقد بانتا كهيكل مصبوب فعرف أنه من العار كشفهما للمارّة!!
أصر على الرياضة وبدأها بالمشي بدشداشته، وكلما تقاطر العرق في عينيه رفع (وزاره) ماسحا (الحر)، محاذرا أن يكون أحد المارين قريبا منه، متحمسا يمشي، وكلما أراد التوقف تذكر أن الجهد جيّد، وزيادته خير لجسده المثقل بشحم ولحم يكفي لإطعام ستين مسكينا، دفعته تلك الأعداد السائرة والراكضة إلى المزيد من المسافات.
حتى إذا عاد إلى البيت خر على فراشه كقتيل، في الليل قام يبحث في الأدراج عن شيء ما، أخبر حرمـ(ت)ـه بأنه يفتش عن (غرشة البام) يريد بها تدليك رجليه اللتين تتقطعان من الألم، وظهره الذي يكاد أن ينكسر، واصابع قدميه وكل (برارة) أكبر من أختها.
قالت له حرمه المصون بأن هذا بسبب عناده، (عجب شايب موه يخليه يسوي رياضه كما الصغيرين)، لم تقتنع بما قام يسرده عليها بأنه أهمل نفسه منذ أن لاحقته بكلمة (شايب)، وأنه كان يمكنه أن يبقى شبابا للأبد لولا أنه استجاب لأقوالها.
تركته يتحدث عن الرياضة وأفضالها، دلّته على (غرشة البام) ليدلك بها جسده، لكنها فزّت فجأة من السرير وذهبت إلى خارج الغرفة، وهي تتأفف من (ريحة البام).

اذا ضاع الأمل

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..
ولأن كثيرون فقدوا هذه النعمة فنحسبهم في غم من العيش رغم ما أنعم الله به عليهم من نعم، لكنهم لا يرونها إلا بعين الفاقد لما يسمى بالتفاؤل، فأمله في الغد معدوم، لا يرقب من يومه خيرا، ولا من أحد حوله، كحال المتشائم والمتبرم من حياته، يظن الشر ينهض من تحت وسادته قبل أن يتركها، ويتوقع في كل زاوية من طريقه شبحا مزعجا يضيّق عليه بما يصدّق أنه رجل منحوس، لذا عليه أن لا يفعل شيئا طالما أن النحس وراءه منذ أن كان في القماط، وحتى وصوله اللحد.
وحالنا هي حال أمة وجدت في ثقافة اليأس ملاذا تحتمي به من مواجهة الغد، وارتدّت إلى الماضي تتباكى عليه، وهناك أشخاص إن لم يجدوا في تاريخهم ماضيا يعزز فكرة التباكي سيبحثون عنه في تاريخ البلاد، أو ربما في ما يسمى بالتاريخ الإسلامي الذي لا يفترض أن تشفع له عقوده الأولى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون تاريخا مشرفا في كل حلقاته، ففيه كوارث بدأت بمقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ولم يكن وضع الدولتين الأموية والعباسية بخير كله إن نظرنا إلى فتن وحروب ومؤامرات ومجازر، ولا تاريخ الأبطال الذين نستنهض بهم الهمم لتحرير فلسطين وإنقاذ الأمة كله ناصع البياض حتى يغدو الأمس كله مجيدا، والحاضر جميعه لا أمل فيه يرتجى.
وصول المرء إلى حافة اللاأمل كارثة إنسانية..
ووصل الأمة إلى هذه الهاوية كارثة قومية كما أسماها الدكتور أحمد زويل في محاضرة أخيرة له أكد فيها: (لا بد من أن نحلم ومن خلال الأحلام يمكن لنا صياغة خطط العمل)..
الفقر الحقيقي هو خلو عقولنا من فكرة الحلم، والحلم أول الخطو لتعزيز الأمل في داخلنا، فينا من يعاني مشكلة خطيرة وهي أنه لم يعد يحلم، والأخطر أن هناك من يحلم فقط دون أن يعمل، أما المرض الأصعب والتي تعجز عنه عقاقير العلماء فهي عدم شعور البعض بأهمية الحياة وعبثيتها، فلا يصيغون حلما من أجل الغد، ولا يمضون في طريق المستقبل إلا من باب التذمر واليأس رافعين شعار: لا أمل.
وزويل (ذاته) وهو المتشكل من جينات عربية عاش في أمريكا ولم يقل ماذا يمكن أن أضيف من اختراعات في بلد يقود العالم عسكريا واقتصاديا وسياسيا، أصرّ على تحقيق أحلامه، وكانت نوبل اعترافا بقدرة هذا العالم على تحقيق المزيد من الاكتشافات للبشرية، وهي تعيش أوج تفوقها العلمي والتكنولوجي.
إن مواجهة الحياة تبدأ رحلة تعلمها منذ الطفولة، فكيف نعلم أبناءنا على فكرة الأمل هي الدرس الأهم في معركة وجودهم، وما يخالطهم من مشاعر اليأس هي الفيروس القاتل إن اندس في ذاكراتهم أفقدها القدرة على العمل والإبداع، وتحولوا إلى كائنات تعيش لتأكل وتتناسل.
حفزتني محاضرة الدكتور أحمد زويل في مكتبة الإسكندرية قبل أشهر للكتابة عنها، خاصة ما طرحه حول فكرة فقدان الأمل في الوطن العربي مشيرا إلى تجربة الصين والهند (وما أحدثته كوريا الجنوبية) في النهوض من مفهوم تم تسويقه عربيا وهو أن الكثافة السكانية وضعف الموارد عبئان كبيران على التنمية، قائلا أن هناك عوامل للتقدم والتطور لا يمكن تحقيق أي خطوة للأمام إن لم يتم العمل بها، وأي حديث بمنأى عن تطوير التعليم والاهتمام بالبحوث ووضع خارطة تنفيذية للنهوض بالأمة يغدو مطبا يضيع الجهود والزمن فيما لا طائل منه، فالتأسيس المعرفي هو الذي قاد التنين الصيني ليغزو العالم يصناعات هائلة، ولم نسمع عن بلد المليار ونصف المليار نسمة تندب حظها تطلب مساعدة أمريكية لإطعام جائعين فيها..
هي فكرة الأمل ذاتها..
إحساسنا بأننا أمة متخلفة لا أمل فيها يضع إمكانيات النهوض على الرف البعيد، تماما كما يحرم الفرد من طاقاته لتغيير حياته نحو الأفضل، ويقول فيلسوف قرأت له ذات يوم بما معناه أن أمله في الحياة أن يكون لديه أمل، وقول الشاعر العربي القديم:
أعلل النفس بالأمال أرقبها، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

تشاؤل أخير:
نال أحمد زويل جائزة نوبل بعد أن توصل لما يعرف بالفيمتو ثانية، لم يدرك أحد أننا اكتشفنا الكلمة الأولى قبله.

اللهم اني صايم - 1

مسكين المواطن سين..
كلما أنهى حلقة من مسلسل المصاريف بدا له أن له حلقة آخرى عليه متابعتها قبل أن تغضب عليه المواطنة / حرمته.
منذ رجب وهي (تلوج) في حلقها كلمة ملابس العيد، وقبل أن يأتي شعبان هي مهتمة برمضان، وكأنها تعاني من خلل تتابع الشهور وتستبق الأفلاك وثبوت الرؤية لتراها بعين راتب زوجها لا عين واقع الحال.
تذكره بأنها تحتاج إلى كم صفرية جديدة، ودرزن صحون، و(ملال حال الشوربة)، و(مقامش زينة يوم يجي عندنا حد)..
وتنكر عليه ما تحمله يده: "حد يشتري غرشة فيمتو وحده!! جيب كرتون".. وتعيّره ببخله: "عجب هين يسدّن درزنين كستر!!".
أخبرها المواطن سين بأن العالم يعاني من أزمة مالية خانقة، وأن ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية اتبعت نظاما تقشفيا وهي المقتدرة إلا أن المواطنة / حرمته غير معنية بانهيارات بنوك الدول الصناعية ولا حتى بانهيارات محفظة الوهم الاستثمارية التي أودع فيها زوجه ماله، (وماله تعني ما اقترضه من البنك وليست مدخراته.. منعا للبس أو الفصخ)، هي تعيش كما تقول حالة الكفاف، تلك التي تتساوى معها وجود راتب زوجها كاملا في يديه، أو ما تبقى له من ثلثه.
أخبرها بأن نقصان صنف واحد من الفطور لا يستوجب انتفاخا في أوداجها (على افتراض أنها ممتلكة لأوداج)، وعدم أكل الأولاد (جلي) كل يوم لا يصيبهم بضمور العضلات ونقص في التغذية، فقد يكون عدم أكله صحيا أكثر لهم، فلماذا كل هذه الحلويات التي تملؤ الكرش ثم تلزم متناولها بالمشي ليخفف من حدة ما أكل، أما لو أنه تخفف منها لرحم نفسه وجيبه.. وعقله أيضا.
تقول حرمة المواطن سين أن الفطور كيف يكون فطورا إن لم تكن به السمبوسة متجاورة مع العنب والرطب، واللقيمات زاهية بالعسل تتحدى فلفل البكّوراه، وهل يعقل أن يتناول الأولاد إفطارهم بعد يوم صيفي طويل وحارق بدون اللبن والفيمتو (ومنافسه التانج)؟
بهت المواطن سين من تساؤلات حرمه المصون، (أو حرمته المصونة) فلم يحر جوابا سوى أن يذهب في أقرب فرصة إلى أحد المجمعات التجارية الواسعة (جدا) و(يدفر) العربة فيما تتولى المواطنة (رفيقة مشواره) تزويدها باحتياجات الشهر الفضيل، وعلى المواطن سين أن يكون هو الكريم هذه المرة.
ينهض الأولاد وبطونهم تكاد (تنفتق) لكثرة ما ألقي في بالونها، إلا أن المواطنة/الأم تسألهم لماذا لم يفطروا جيدا؟!
وبعد أن ينتهي وقت صلاة المغرب يكون صحن (العيش) جاهزا، وفيما يتابعون مسلسل درايش يلقون بما يستطيعون من لقمات إلى أفواههم، ويأتي نفس السؤال من المواطنة / الأم: مالكم ما تعيشيتوا؟!
تقوم بجمع ما تبقى من كومة الأرز والسلطة إلى فم الكيس الأسود للزبالة، وعلى المواطن سين أن ينقهر غما!!بين ساعة وأخرى تأتي المواطنة (الحرمة) بشيء يبدو أنه للأكل، يسألها المواطن سين عن اسمه، فلا تتذكر، تقول له أنه أكلة قرأته عنها فأحبت أن تجربها، بعد حين يرى على الصحون المخصصة للحلويات شيئا آخر، تقول له الاسم فلا يكاد يذكر أين سمعه، تعيد عليه نفس الجملة فيعيش مرحلة فاصلة بين السمع و"التطنيش"، ويسأل الله في هذا الشهر المبارك أن لا تسأله المواطنة / حرمه إن كان لديه وقت للذهاب إلى "الدكان" القريب لأن هناك ما ينقص ريثما تذهب به إلى "الدكان العود".

رمضان الصيف

يحكى أن أحد العمال الآسيويين عاد إلى بلاده فسأله أحدهم حول ما يحكى في بلدان الخليج عن الحرارة الشديدة وقد عاش في السلطنة سنوات طوال، يقول صاحبنا والعهدة على كفيله أن في عمان عشرة أشهر حر، فسألوه عن الشهرين الباقيين من السنة فرد فورا: واااجد حر.
وفيما أعلنتها فيروز عبر عمر من السنين بالقول "خلصت الشتوية" إلا أن شتويتنا ليس لها محل من الطقس، ونتساءل فقط إن كانت الصيفية انتهت أم أنها متمددة منذ الربع الأول من العام، ونحن على وشك الدخول في الربع الأخير منه، لكن الشواهد على الصيف حاضرة، فلا بركات رمضان نفعت للتقليل منه، لكننا نسأل في هذا وذاك العلي القدير أن يثيبنا خيرا على صبرنا، ونحتسب كل أمرنا على الله الرحيم الغفور.
قبل نحو ثلاثة عقود جربنا الصوم في ظرف صيفي له مناخاته المختلفة، ونواقصه الجالبة للتعب، فلا من سلاح معنا لمدافعة حرارته سوى (الملهبة) وجهاز التكييف ترف كبير، أما المروحة فمعدومة أصلا، وإن حظيت بعها بعض المنازل المشغّلة (لماكينة كهرباء) فإن هواءها كأنه خارج من سخّان، ودور أيادي المروحة دفع (الغربي) بكثافة أكبر إلى الوجوه.
وجرعة الماء البارد لها لذتها حيث تعجز (الجحال) عن الإيفاء بمتطلباتنا من مخزونها البارد، وحتى تلك القطع الثلجية التي يأتي بها بعض الباعة في قوالب يكسرونها حسب القدرة المالية لكل مشتر لا تصمد كثيرا أمام وهج الصيف..
بالرغم من كل ذلك جربنا الصوم ونحن في سن الطفولة، لم تكن هناك ثلاجة لنراوغ، أو أغذية أخرى كي نلجم بها شيطان الجوع المتربص بنا، كل ما يمكننا الحصول عليه حبة رطب تتدحرج في مياه الفلج أو (لمباة) كأن إبليس يرسلها إلينا صفراء تسر الناظرين، ومع ذلك كان التحدي أن نكون كبارا، والتربية الدينية جعلتنا نشعر بالملائكة الكتبة على يميننا وشمالنا وكأننا نراهم رؤيا العين، وهناك جهنم ترمي بشرر كالقصر..
بين أذاني صلاتي العصر والمغرب ساعات كأنها الزمن الطويل، ولا يحلو للغربي أن يتألق إلا في تلك الساعات فلا نجد ريقا يبلل حلوقنا، ويكاد الصوت ينعدم في الأفواه، والوجوه تقول ما لا يمكن قوله، إرهاقها بيّن، وملامحها ذابلة.
ورمضان هذا العام يحلّ ضيفا غاليا مع نهايات الأشهر الملتهبة للصيف، ويتقدم تدريجيا ليكون في شهري يوليو ويونيو خلال الأعوام المقبلة.
اختلفت مناخات رمضان الصيف الآن عن تلك التي كانت قبل السنوات الثلاثين، من جرّب الصوم حينئذ يدرك أي نعمة نعيشها حاليا..
جهاز التكييف (خاصة الملتصق بالجدار) يمنح بردا لذيذا لا تكاد تسمع له صوت، وكأنه ليس الصيف المتوهج خارج البيت..
ترغب في الذهاب للدوام، حسنا، هناك مكيف السيارة سيرافقك باردا وجميلا حتى تصل إلى مقر عملك..
هناك مكيف آخر يترقبك، تعمل الساعات الخمس (للحكوميين على وجه التحديد) وكأنك في شتاء جميل، تنقضي الساعات، ويحملك برد السيارة إلى برد البيت، ولتنام هانئا مطمئنا حتى يقترب موعد الهجوم على مائدة عامرة بنعم الله الواسعة، ستجد الماء البارد و(الشربات) الجميل واللقيمات مع العسل وما قيّضه الله لك من نعم تستوجب الشكر.
وأنت تتناول فطارك فكّر (كما يقول محمود درويش) بغيرك، هناك من لا يجد حتى الافطار، ومنهم لا في عمله لا يجد الجو العائلي الذي تعيشه، وأنت تنعم ببرودة التكييف هناك أخوة يعملون تحت ظروف الحرارة الشديدة، في شركات الصحراء أو في مواقع عمل مكشوفة، الا يستحقون دعاء منك أن يخفف الله على من لا يجد النعمة التي أنعم الله بها عليك؟!

الاثنين، 22 يونيو 2009

إذن ما الحل يا سعادة الوكيل؟!

من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده سعادة وكيل وزارة السياحة بدا الأمر بالنسبة لخريف ظفار وكأن الوزارة تقول: ما يخصنا.
أشير بداية إلى أنني من المؤمنين بقدرات سعادة الوكيل وروحه الشابة لإحداث تغيير في خارطة السياحة العمانية، وكلامي هنا لا يعني الانتقاد بقدر ما هو محاولة البحث عن نقاط للحروف التي افاض بها سعادته وهو يقول بأن الوزارة لن تقوم بدعاية كبيرة لموسم الخريف حيث لا يمكن دعوة مائة شخص إن كان المكان لا يتسع لهذا العدد.
تبدو الحسابات (النظرية) منطقية، فمن يجازف بدعاية إعلامية واسعة طالما أن الزوار لن يجدوا مأوى لهم في صلالة، والنصيحة واجبة بأن على السياح التأكد من حجوزاتهم قبل زيارة المكان، وهذه اللغة عمانية متفردة، فلم أسمع في حياتي جهة سياحية تخفف من الدعاية لمكان خشية من وجود سياح لا يجدون مكان إقامة، ولا بلدا يخشى من كثرة الزوار حتى لا يتسبب في معاناة لهم، لأنهم لن يجدوا غرفة يبيتون فيها.
قلة الأماكن الإيوائية والخيارات الترفيهية موال يتكرر مع كل موسم، ويحدث في دولة تعزف على منظومة السياحة لتزيد من مساهمتها في الدخل الوطني وحجزت ملايين كثيرة لتستثمرها في هذا المضمار الذي تتسابق عليه البلدان، عربا وعجما، شرقا وغربا، فيما أن لدينا ثلاثة أشهر بالتمام والكمال لا توصف في شبه الجزيرة العربية ونعجز عن توفير مأوى للزائر.
قد يكون لما يقوله سعادة الوكيل جانبا من الحقيقة، كما يبدو على الورق، فالفنادق هي مهمة الدولة أما الشقق (والتي يفضلها أرباب العائلات) فهي للقطاع الخاص، ومع عدم إيماني برمي الكرة في مرمى القطاع الخاص الذي لا يحط قلبه على مصلحة البلد ويتعامل بحساباته الشخصية أحيانا أكثر من الحسابات التجارية ، فهل نقف عاجزين ونقول أن نصف مليون زائر في ثلاثة أشهر رقم يكفينا؟!
لا أعتقد أن وزارة السياحة (وفكر الوزيرة والوكيل) عاجزون عن إيجاد حلول زمانية ومكانية تدفع بمفهوم السياحة الخريفية إلى مستوى عالمي، ومع القناعة بأن صلالة ليست سياحة خريف فقط، ربما هي للخليجيين كذلك، لكنها للأوروبيين سياحة كل الفصول، ومن الصعب الاقتناع بأن الحلول غائبة بما يدعها تبقى مجدية اقتصاديا خارج نطاق الأشهر الثلاثة، فكثير من الدول لجأت إلى سياحة المخيمات المؤقتة، وثقافة التخييم مطلوبة خليجيا حيث يخصص أحد السهول كمنطقة خاصة بالمخيمات العائلية، وأخرى للزوار الآخرين، بما يشبه القرى المؤقتة مع التأكيد على احترام خصوصيات الناس، ولأن الزوار يشبهوننا في دينا وعادات فلن تكون هناك مخاوف تستحق الوقوف عندها.
السؤال: ما هو الحل لتوسيع استفادتنا سياحيا (واقتصاديا) من موسم الخريف بعيدا عن المعتاد من اطروحات ونظريات؟
ذلك ما يجب البحث عنه بصراحة ومكاشفة، فاعذرني يا سعادة الوكيل، ما قلته من كلام إنما هو تعبير عن عجز، قد لا تكون المسئول عنه، لكن لا نريد أن نسمعه من أي مسئول، فما نحتاج سماعه هو الحلول، وليس الوقوف على حافة المشكلة فقط، فالسائح الذي يقطع عدة آلاف من الكيلومترات لم يأت إلى صاحب مكتب تأجير شقق في صلالة، وإنما جاء إلى عمان، وقضائه الليلة مع عائلته في العراء ليس المسئول عنه السكان لأنهم لم يجدوا له حتى غرفة ضيقة يؤجرونها له.. إنما عمان، ممثلة في الجهات التي أوكل إليها أمر السياحة.
فهل يمكن الاعتراف بأن سياحة صلالة ومهرجانها تتبع بلدية ظفار، والوزارة تدخل ضمن المنظمين كأحد الرعاة الآخرين؟!.. مجرد سؤال برىء، الإجابة عليه قد تقودنا إلى إجابات تساؤلات أخرى.

تشاؤل أخير:
شكرا شركة النورس، فعلت ما لم يفعله وزراء الاتصالات الذين يتحدثون عن تعاون خليجي فيما أنك حققت هذا التواصل بتخفيضات التجوال بين البلدان الست.

الأحد، 21 يونيو 2009

سيارات "تربية وتعليم" القيادة

لا يفترض النظر إلى سيارات تعليم القيادة على أنها الوسيلة فقط للحصول على المسمى (الليسن) لأن دورها (المفترض) أكبر من ذلك، فالحصول على الرخصة سيكون بطرق كثيرة مشروعة وقليل منها مراوغ، وهذا ليس كشفا لسر، فأهل مكة أدرى بشعابها، ويعرفون عن الطيور المغردة خارج السرب أكثر مما يعرفون عن العازف داخلها، وفكرة (ليسن بالواسطة) متداولة لأنها موجودة.
أسباب وقوع حادث سير تبدأ بسيارة تعليم القيادة، والنظر إليها من هذه الزاوية واجب وطني مع كثرة الحوادث والمخالفات.
ولأنها تشكل مصدر رزق لعدد كبير من المواطنين والمواطنات..
ولأنها لا تعمل تحت مظلة مؤسسية وإنما وفق اجتهادات فردية فإن مأسستها لا يلغيها سوى تدخل جهاز الشرطة لتحديد آليات تشغيل هذه السيارات ومناطق عملها، وصياغة قانونية للعقد المبرم بين المتدرب والمدرب تجعل من الحقوق محفوظة للطرفين بينما هناك عقود يوقع عليها المتدرب لا تحفظ سوى حق المدرب.. وله الحق لأنه صاحب الصياغة (ومن بيده القلم لا يكتب عمرها شقيا) وفق المثل العماني بعد (تفصيحه).
أتساءل، كما سمعت غيري يبحث عن إجابات لأسئلة من نوع: هل يعقل أن تتكدس أعداد كبيرة من سيارات تعليم (السياقة) في شارع القرم وقت الذروة صباحا حيث موعد ذهاب الموظفين إلى أعمالهم، ويتسببون في تأخير حركة السير خاصة أمام إشارات المرور؟!
كيف يمكن لمتدرب القيادة من أول أسبوع يجلس فيه إلى مقود سيارة، والاعتماد الباقي على توجيهات المدربين الذين (وكان الله في عونهم) يواجهون ضغطا نفسيا لا شك أنه سيعود على المتدرب وثقته في نفسه، وقد يجرب وجه المتدرب آثار تلك الضغوط والعصبية، فهل ندرك بأن منظمات حقوق الإنسان غير غافلة عما يقوم به (البعض) من ضرب المتدربين خاصة المحسوبين على الجنسية الآسيوية، وأن وقف هذه المسألة مهمة جدا ولا يتم التعامل معها من باب سامعين وساكتين، مع أنها تعودت إلى نوع من العادات والتقاليد لدى (بعض المدربين)..
سألت أحدهم مرة إن كان يفعلها، فأجاب أن المتدربين (من تلك الفئة الآسيوية الكادحة) يسببون له الضغط بسبب بطء استيعابهم، وأجبته أنه لو كانت لديه خاصية الاستجابة السريعة والذكاء لما كان عاملا يكدح من مشرق الشمس حتى مغربها.
لماذا لا تخصص مساحة لتكون أشبه بمدرسة لتعليم قيادة السيارات، بها الجانب النظري والتطبيقي والنفسي أيضا، ويترك لأصحاب أرقام الأجرة الحاليين مهمة الجانب التطبيقي داخل تلك المدرسة بما فيها من مقومات تحتاجها اختبارات القيادة كالصعدة والبراميل والشوارع والانعطافات وإشارات مرور؟.
تلك هي المؤسسة الحضارية التي ينبغي الخروج بها من تقاليد العقود الماضية حيث أن الاختبار يركز على براميل وصعدة وشارع، أما النقاط الأهم والمشكّلة لسائر الأخطاء البشرية من رعونة وعدم انتباه وضعف التعامل مع مفاجآت الشارع والتصرف بعقلانية في المواقف الصعبة.. والتدرب على هذه وغيرها مما يعرف خباياها القائمون على الأمر يوجد جيلا من السائقين يمتلكون أدوات معرفة بالقيادة أفضل لأنها تربية على فن القيادة وليست مجرد تعليم لكيفية القبض على (الستيرنج) و(ضرب الإشارة).
نقطة تبحث عن ضوء، قد تتلاشى في الزحام، لا تتطلب (الدعم) من الجهات المختصة فربما (دعمات) سيارات التعليم تكفي لتقول أن (الدعمات) زادت، والحلول لا أحد يدعمها.

انهيارات المناجم

لم يكن سقوطا عاديا انهيار المنجم، المحفظة التي حلقت بأحلام مئات الأشخاص، قادرين ومعدمين، قدموا القرابين من مدخراتهم أو من قروضهم..
الأرقام لا تكذب:
31 مليون ريال عماني، بالتمام والكمال، في دورة اقتصادية غير قانونية.
500 شخص دفعتهم رغبة الأرباح في ضياع رأس المال، وليس جميعهم من الذين قرصتهم ظروف الحياة من أجل الفوائد التي يسيل لها اللعاب لدرجة أنه لا يمكن تصديقها.
والحقائق لم تكشف كاملة:
ما هي مسئولية الجهات المصرفية وهي ترى أن الملايين تدخل لحساب موظف شاب؟!
لدي معلومة تقول أن الجهة المصرفية أبلغت الجهات التي يفترض أنها مسئولة، وقالت لهم أن الملايين تنهال على حساب هذا الشخص، فاسألوه: من أين لك هذا.. يا هذا؟
وتقول المعلومة أيضا (ومصدرها لا أشك في مصداقيته) أن البنك لم يأته الجواب، وكأنه لم يرسل خطابه مستفسرا.
هكذا، ببساطة، تمكن شخص من جمع 31 مليون ريال، شخص عادي غير محسوب على فئة السوابق، فكّر، وقدّر وجمع الملايين، ووجد من يصدق بأن الآلاف تلد المئات شهريا، ومن يساعده يجده 500 ريالا عن كل عشرة آلاف يأتي بها من مشتركين جدد، ويا للمفارقة: الرأس المدبرة تعلن عن وقف قبول اشتراكات جدد، وإلا فاق الرقم الخمسمائة شخص، واكتفى بأن يقول للضحايا، طالما أنهم وصلوا إلى المسلخ، لا بأس إن أردتم تقديم المزيد من دمكم، أنتم أولى من غيركم، وجلودكم سلخت، وانتم لا تدرون.
لن تكون محفظة المنجم الأولى، ولن تكون الأخيرة..
المناجم عادة تتساقط تباعا، يعرف ذلك عمال مناجم الفحم في الصين والبلدان الافريقية، وأصحاب مناجم الألماس الباحثين عن الثراء، والكارثة ليست ببعيدة عنهم.
تقول المعلومات أيضا أن محفظة أخرى في الطريق، وأرقامها المتوقعة كالتالي:
أكثر من 90 مليون ريال مجموع ما سحبته حتى الآن..
أما عدد الأشخاص فيحكى أن علية القوم وصغارها سواء في تقديم النذور إليها، هناك من دفع الملايين، وهناك من قدم المئات، ولا يستوي الأجران بالطبع، أجر المليون ليس كثواب المائة، وبالطبع فإن خسران المليون قد يساوي فقدان المائة، لأن المليون عند صاحبه قيمة كالمائة عن صاحبها.. والمطلوب: عفا الله عما سلف.
أسئلة كثيرة تطرح، وشائكة أحيانا لأن إجاباتها معنية بها جهات (معنية).. فهل أجهزة الدولة كانت بمنأى عن ما نظام اقتصادي غير قانوني يتشكل ويكبر ويصل إلى عشرات الملايين ويشارك فيه المئات من المواطنين.. ولم تتم ملاحقته إلا عندما تهاوى على رأس الجميع؟!
أتذكر بيانات البنك المركزي وفيها ما يمس أطراف العملية جميعها:
تحذيره من توظيف أموال بشكل غير قانوني، وتنبيهه الدائم من حالات الاحتيال التي تمارس، ولا نحتاج هذه المرة إلى اتصال من القارة السوداء لممارسة السحر الأسود على ريالاتنا، بل نبع من داخلنا، وصدقناه، وضربنا باقوال البنك المركزي عرض الجدار.
وهناك قوله الدائم بأن خطابات مشددة على البنوك لمتابعة الحسابات الشخصية والأموال الداخلة إليها.. فماذا حدث؟ وهل البنك المركزي يتجرأ ليقول أنه قام بدوره (ومعه البنك الذي توجد به الحسابات المليونية).. وأن هناك جهات أخرى لم تقم بدورها، والواجب مسائلتها عن تقصيرها.
لا يكفي أن ينهار منجم، أو نتوقع ظهور زيف الألماس، لأن اقتصاد ومواطنين دفعوا ثمنا ليس هينا، والواجب كشف الأوراق بطريقة أكبر من مجرد خبر ينشر على زاوية صحفية مع عشر قضايا أخرى.. وكأن الأمر مجرد احتيال بسيط.

أحسن اللحظات وأسوأها

للموظف:
أحسنها: حين يرقى ليكون مسئولا على ذات الأشخاص الذين كان زميلا لهم، وحين يزيد الراتب، أو يتقدم يوما عن الموعد المنتظر.
وأسوأها: حين يغلق درج مكتبه (إن كان لديه مكتب) للمرة الأخيرة ويغادر المكان: متقاعدا أو.. مطرودا.

للعامل:
أحسنها: حينما تأتيه كلمة طيبة من أولئك الذين يخدمهم في مشقة وجهد رغم أجره المتواضع، يرى الحياة جميلة حينما يشعر بقيمة كإنسان.
وأسوأها: حينما يتعالى عليه أحد بكلمة يحس بها تخدش إنسانيته، مع أن الفارق بينه والمتعالي عليه ليس أكثر من ظروف خدمت أحدهما فمنحته درجة عالية، وخذلت الآخر فتركته في صف الكادحين والمراتب الوظيفية الدنيا.. جدا.

للصحفي:
أحسنها: حين تأتيه مهمة صحفية خارجية ليخرج من دائرته المحلية باتجاه دائرة أوسع، يكتسب فيها رحلة مجانية، وتجربة صحفية، ويعود بروح أقوى لمواصلة رحلة المتاعب.. أو البحث عنها.
أسوأها: حين يقول له مسئوله في العمل بأن التحقيق الذي أنجزه غير صالح للنشر، يشعر أن الجهد الذي بذله لا يحتاج في إلغائه أكثر من كلمة يطلقها المسئول، ليس ضمن ما يندرج تحت مخاوف القانون وملاحقاته، وإنما خشية من التأويلات و(زعل) الجالسين على المصالح أو المستفيدين منها.

للكاتب:
أحسنها: حين يصادفه رجل في الشارع فيعرفه مادحا لما يكتبه، أو تأتيه كلمة طيبة بأنه كاتب جيد يستحق الاحترام.
وأسوأها: حين يكاد يتفجر من داخله رغبة في الكتابة، وتواجهه الصفحة بيضاء فلا يجد الكلمات التي يبدأ بها رحلته، يشعر بالفراغ يحاصره، وتهرب الحروف عن قبضة أصابعه.

للطالب:
أحسنها: عندما يسلم ورقة الإجابة في آخر يوم من الامتحانات النهائية، وأمامه نحو مائة يوم من الإجازة، ستكف الألسن عن مطالبته بالمذاكرة، وتنتظره (البلاي ستيشن) كأهم منهج حياتي يستحق الاهتمام والتركيز والساعات الطوال.
و أسوأها: حين يأتيه السؤال من الجزء الذي أهمله، بينما تركيزه كان منصبا على جانب من المنهج فأعطاه كل الوقت، زمن الإجابة يمضي، وورقة الإجابة باسطة أسطرها تنتظر أن يضع التلميذ شيئا مما يحاول أن يعصره في رأسه، ثقل العصر على الرأس، ولا عصير هناك.

للمرأة:
أحسنها: حين ترى في نفسها المرأة المستحقة للفظة الأنوثة تنفجر من داخلها كبركات من الورد، وتأتيها مفردات العشق ممن.. تحب.
وأسوأها: حين تشعر أنها لم تعد رمز الحب والعطاء في قلب من.. تحب.

السبت، 20 يونيو 2009

الفكر التقني

خيار المجتمع الرقمي لم يعد ترفا، يأخذ به من يريد، ويتركه من يشاء.
والاستراتيجية الوطنية لتحقيق حلم الحكومة الالكترونية عليها مسئولية الانطلاق بالمجتمع من مرحلة التمنيات والتنظيرات نحو تخوم الفعل الجاد، وهناك وزارات قامت بتحقيق خطوات فاعلة في هذه المسيرة (التكنولوجية) لكن الأهم في هذه الرحلة هي المواطن، عليه استيعاب النقلات التقنية والتفاعل معها لتكتسب قيمتها المبتغاة، ولن يكون ذلك إلا بتعزيز قدرات المجتمع ليكون رقميا، كدعم دورات الحاسوب والانترنت وشراء أجهزة رخيصة وتقدم بأقساط، وهذه الجزئية تدعم عن طريق جهات العمل، الحكومية والخاصة.
إن إيجاد بيئة عمل تعتمد على التقنية التكنولوجية مهمة، ليس من باب استخدام المفردات الفارهة، ولكن لأنها حقا كذلك، ولأنها مرحلة جديدة قد يضرب البعض على وتر السلبيات كانشغال الموظف بالإنترنت على حساب العمل، لكن هذه المرحلة الاستكشافية ستمضي بنقاطها السوداء وزبدها، وسيبقى ما ينفع الناس ويوسع مداركهم وأفكارهم، مع التوجيه بالمواقع النافعة للتخصص الوظيفي.
هذه المسيرة التقنية تندفع بسلاسة ويسر، ومعرض (كومكس 2009) أعطى الجهات الرسمية فرصة لعرض ما تقدمه عبر موقعها لطالبي الخدمات، وأمر مدهش أن ينجز الإنسان معاملته وهو مسترخ على سريره يقلب في (اللابتوب) صفحات وزارة معينة لينجز ما يريد، أو يجد الإجابة لما يسأل عنه، دون سماع اللفظة الدارجة: سير اليوم وتعال باكر.
وخطوات النجاح لأي عملية تحتاج إلى أكثر من عنصر: مقدم الخدمة ومتلقيها، حيث الوعي والإدراك والثقافة اللانمطية في التعامل والإصرار على إنجاح الأفكار دون التركيز على هنّاتها الصغرى وتعظيمها على حساب مشروع حيوي.
شدني حديث معالي وزير التربية والتعليم (المنشور أمس) حول الإصرار على الانتقال من المرحلة الورقية إلى التقنية العلمية التي توفرها الإنترنت بتفعيل البريد الإلكتروني، ومع أن البوابة التي أطلقتها الوزارة على الشبكة ورغم حسناتها الكثيرة (جدا) تحتاج إلى إيجاد وسائل (التفعيل) لأن هناك طلبة (وأولياء أمورهم) لم يجدوا الطريق لدخول البوابة ومعرفة ما تتضمنه عن الطالب وأحواله في المدرسة، فالرقم السري لا يعطي تعاونا إيجابيا ييسر الإتجاه إلى البيانات.
هذه الخطوة من وزارة التربية هي قصب الرهان في المشروع الرقمي كونها تتعامل مع كل أطياف المجتمع، الطلبة وأولياء أمورهم، وتعويد جيل المستقبل على التقنية يحقق هدف الاستراتيجية المعتمدة على وعي المواطن بخدماتها المتوفرة على سطح شاشة حاسوب، وما كان يواجهه المجتمع قبل سنوات حول كيفية فتح جهاز حاسب آلي أصبح تراثا في عامنا هذا، ومؤكد أن التعامل مع الإنترنت سيكون ضربا من الماضي بعد سنوات قد لا تتجاوز عدد أصابع الكف الواحدة.
لنتخيل أن وزارة التربية لا تستخدم الأوراق، وأنها لا توزع كتبا مدرسية على الطلبة، ويكفي للطالب أن يحمل معه (ذاكرة فلاش) ليحمّل عليها الكتب من المدرسة والمخزنة على طريقة الـ(بي دي أف)، ويكتب الواجب ليرسله إلى المدرس عبر الإيميل، ويتواصل مع مربي الصف عن طريق الشبكة سائلا ومستفسرا.
لكل طالب بريده الخاص الذي يتلقى فيه جدول الحصص والملخصات والتدريبات، كل يوم دراسي يمر بهذه الطريقة سيوفر على الوزارة أطنانا من الورق، والأهم هو وجود جيل يعتمد على التكنولوجيا في تفكيره متخطيا الفكر التقليدي الذي أصبح محسوبا على (كان) باتجاه فعل آخر يسمى (أصبح).
أما في دوائر الخدمة المدنية فيمكن ببساطة إلغاء ما يسمى البريد اليومي المعروض على المسئولين عبر برنامج ينقل المراسلات عبر شبكة داخلية، وأيضا الاستغناء عن توزيع القرارات والتعميمات على كل قسم بوسيلة الكترونية توصل (الرسائل) إلى متلقيها عبر خطوة لا بد من إيجادها إن أردنا أن نكون فعلا ضمن مجتمع رقمي.. لا ورقي، مع التقدير لهذه الورقة، لكنها أدت ما عليها عبر القرون الماضية.

الاثنين، 15 يونيو 2009

ما ننتظره من وزراء اتصالات الخليج

تفاءلت خيرا بجدول أعمال اجتماع الوزراء المعنيين بالبريد والاتصالات بدول مجلس التعاون وهم يجتمعون قبل أيام في مسقط، حيث أشار اجتماع الوكلاء إلى أن أصحاب المعالي سيبحثون تعرفة التجوال بين دول المجلس، وأشار الخبر إلى أنها مرتفعة رغم التعليمات الصادرة بتسهيل التواصل بين مواطني الدول الست.
ومصدر تفاؤلي أن الوزراء المعنيين يدركون أهمية تقليل التكلفة، وعلى قناعة بأنها غالية وتخالف المبتغى من وجود مجلس للتعاون بين دول ست يفترض أن تكون فوائده قريبة من ملامسة الواقع اليومي للمواطنين وهم يتواصلون مع بعضهم البعض داخل البيت الخليجي رغم سحابات الصيف التي لا تنتهي في صيف الخليج وسائر فصوله، ورغم زوابع الأفكار وعواصف الاختلاف، لأن الصرح ثابت في الأرض بعد كل هذه السنوات الطويلة من العمل الجماعي وحيث لا مناص إلا التشبث به.
بعد الاجتماع الوزاري لم يظهر (إعلاميا على الأقل) ما تم في هذا الشأن، وصدرت كلمات عامة أنهم بحثوا مجموعة من العناوين السريعة.
فهل هناك خطوات لا يريدون البوح بها حتى تكتمل معالمها، أو أن السوق تفرض شروطها على الشركات، أو بالأحرى أن الشركات تفرض شروطها على السوق، وعلى المستهلك بالطبع، ولا حيلة للحكومات سوى إطلاق التمنيات وتأجيل الأحلام القريبة من هموم المواطنين اليومية إلى إشعار (مؤجل دائما) فيما يدور الحديث عن موضوع واحد فقط، هو العملة، هل ستكون العام المقبل أو أن إطلاقها صعب قبل عام 2013 ؟!.
المواطن الخليجي يحتاج إلى هذه اللمسات (التعاونية) كما حدث في الانتقال بين المراكز الحدودية عبر البطاقة الشخصية، وأتمنى أن تضرب السلطنة ودولة الإمارات العربية المتحدة النقش الأول في هذا الجدار الصلب كما فعلت مع التنقل بالبطاقة وتعلن شركات الإتصال بينها أن التجوال بينهما كما هو شأن المكالمة العادية (كأرفع التمنيات) أو ضعفه (كأضعف الإيمان)، وليس كما يحدث حاليا حيث أن تكلفة الرسالة بين دولتين متجاورتين (يجمعها مجلس من عنوانه يدل على التعاون) في حالة التجوال عشرين ضعف الرسالة داخل البلد، وأكثر من أربعة أضعاف إرسالها بين بلدين كرسالة دولية.
اللجنة الوزارية تدرس الربط بين شبكات الإنترنت في دول المجلس، العنوان الأبرز والأوضح للمواطن المتعامل مع قضايا الاتصال والتواصل، لكن الكلمات تدل على أنها تدرس، وتحتاج بضع سنين لتقرر، وأخرى لتختلف وجهات النظر مع الاصطدام بعوائق متغيرة في سوق الاتصالات، وربما الهواتف العاملة بالأقمار الصناعية ستكفي المجتمعين مؤونة التفكير في تقليل تكلفة التجوال لأن التواصل عبر القمر حينما عزّ عن طريق الأرض، ولا يلام المجتمعون لأنهم يأتون في ظرف عدة ساعات ليقرروا مسائل شائكة وطويلة مسالكها ومعقدة تشعباتها، وكلما تمسكت شركات الاتصالات بمفهوم الربح والتنافس على الكعكة الضخمة لا يمكن الركون إلى تخفيف في أسعار (التعاون)، ولينظر كل منا الرقم الذي تعلنه شركات الاتصالات من أرباح.. ومع ذلك تستثقل أمر التخفيف عن زبائنها.. المواطنين والمقيمين.. والرحّل.
مقابل بوارق اختلاف ما أجمل أن يمنح المواطن الخليجي بارقة.. توافق.

السبت، 13 يونيو 2009

المخالفات المليونية

تقول إحصائية منسوبة للعام الماضي 2008 أن عدد ضحايا حوادث السير اقترب من ألف ضحية، وارتفع عن العام السابق له نحو مائة وفاة ليصل إلى 951 شخص قضوا هكذا وببساطة نتيجة أخطاء بشرية حدثت على عجلة القيادة.
والرقم المثير الذي اهتم به الناس كان عدد المخالفات المسجلة في العام الماضي، وقد بلغت مليونين، بالتمام والكمال.
المعادلة تدل على أن عدد الضحايا والمخالفات يزداد طرديا، فلا المخالفات المليونية قللت من عدد الوفيات (والحوادث) ولا الأساليب التوعوية المطبقة على من ينسى حتى قيمة حياته كلما قاد سيارته، ولا يتذكر سوى أهمية الوصول سريعا إلى مبتغاه وهو يتجاوز في مكان خطر.
الإحصائيتان مثيرتان للتأمل: الأولى تدل على حالة استنزاف بشري للمجتمع، والثانية لحالة استنزاف مادية لأصحاب السيارات، وإحصائيات بمخالفات (الرادار) قد تشير إلى السرعة كسبب رئيسي لوصول الرقم إلى مليونين، وأن أجهزة ضبط السرعة وتكاثرها أودى بهذا الرقم ليصل إلى أبعاد قياسية.. مخالفات السرعة كانت موجودة قبل توزيع الأجهزة على الشوارع لكن (الضبط التقني) حصره، وصدمنا بإحصائية كانت غائبة عن مفكرة الحركة المرورية لدينا.
رائع كان حديث معالي الفريق مالك بن سليمان المعمري وإشارته إلى توجه يعمل على وجود جمعية أهلية معنية بالتخفيف من حوادث السير.. إشراك المجتمع أهم من إشراك الرادار، والتعامل مع فئة السائقين (خاصة الشباب والمراهقين) يحتاج إلى تدخل توجيهي ونفسي لا عقابي، ويتحقق من معطيات كثيرة يدركها جهاز الشرطة بخبرة قيادته في التعامل مع قضايا المجتمع، وأهمها حوادث المرور، المهلكة للبشر وللاقتصاد.
قد تكون هناك وجهة نظر حيال المخالفات: واثق الخطوة يمشي ملكا، والمخالفة لن تكون تجاه الملتزم.
هذا إذا افترضنا أن المخالفة عقابا، والمبلغ المسجل مؤثر فوري يستدعي استجابة من المعاقب تردعه عن تكرار ذلك..
لكن إن لم تحقق أهدافها فثمة حلول أخرى تجعل من المخالفة وسيلة حماية للمجتمع وليست عبئا إضافيا (مهما تكن مبررات حدوثها، لأننا نتحدث عن أهداف أسمى تحمي المجتمع من حدوث خسائر بشرية تبلغ الألف تقريبا، وأضعافها من المصابين، وملايين الخسائر للأفراد والشركات بما يستنزف جانيا من الثروة الوطنية).
كيف نجعل من المخالفة أداة ردع فاعلة؟
هذا ما يفترض طرحه، ومؤكد أنه ليس بجديد على فكر رجال جهاز الشرطة وقياداته التي لا تفكر بمنطق أولئك الذين قدروا أن كل مخالفة عشرة ريالات على الأقل، والنتيجة 20 مليون ريال عماني دخلت الخزينة.
التفكير السطحي لا يفترض به إبعادنا عن مسئولية كل فرد عن سلوكه، لكن المبتغى هو حماية الأرواح قبل التفكير في الريالات، وإذا كانت غالبية الحوادث سببها أخطاء بشرية فلتكن الحملة القادمة تدرس تلك الأخطاء، وسبل الحد منها، ومعالجة الأسباب قبل الوصول إلى النتائج، وما قدمه بعض الكتّاب من أفكار يمكن أن ترفد جانبا من هذا الطرح، وفي المجتمع الرقمي يمكن للمخالفة أن تصل لهاتف الشخص قبل (أن يرتد إليه طرفه) كما تفعل بعض البنوك حينما يسحب المرء مبلغا من أجهزة السحب.
خطوات بسيطة لكنها مؤثرة، فتأجيل العقاب، وعدم تذكره يعطي نمطا سلبيا لمفهوم العقوبة، وما نخسره من أرواح يجعلنا نعض بالنواجذ على كل الحلول.. مهما كانت بسيطة.

الاثنين، 8 يونيو 2009

يا سلام على.. أوّل!

أغلبنا يكرر أغنية (أيام زمان)، وأن (أوّل) الحياة أحلى..
وتغرينا هذه اللعبة كثيرا، وجمالها في أنها تسمح لنا أن (نندس) بعيدا عن مواجهة الحاضر، فكلما أقلقنا اليوم بحثنا في ردهات الأمس عن مأوى نسترجع فيه (الشريط) القديم، وأيام البساطة التي لم تشقنا بمنغصات العصر الراهن.. ولو بفاتورة.
ما نجنيه من طناء النخيل أو بيع الرطب لا ينتظره الكثير، بريال سمك يكفي لأكثر من أسبوع، وجونية العيش بثمانية ريالات، وجونية الطحين بثلاثة، وبقية مستلزمات المائدة ليس بها سوى (الشتني) وهو ربطة فجل مقطعة ومبتلة برشات الليمون.. وبالهناء والشفاء.
الكهرباء لم تكن تقلقنا انقطاعاتها لأنها منقطعة عنا نهائيا، ولذا فهي لا تزعجنا بفاتورتها، والماء يأتينا من الفلج مباشرة، ومن أجل الشرب تأتي به نساء العائلة على رؤؤسهن من آخر نقطة للفلج قبل أن يمر على القرية.. ذات المياه التي لا ندفع من أجلها فاتورة، نعيش في فضاء الله ونعمائه، من حولنا الطبيعة تعطينا من فضل الله، وننام قريري العين، رغم كل شيء.
ننهض الصباح فلا تسأل ربة المنزل رجلها ماذا تحبون (للريوق)؟
قبل أن تطلع الشمس تكون قد نهضت من أمام (الطوبج) وصحن الخبز جاهز، واللبن متوفر، إن لم يكن مستمد من بقرة البيت فإن الجيران لديهم فائض دائم، نذهب (نحن) الصغار إلى أحد بيوت جيراننا بآنية نعود بها ملآى باللبن، فلانة اليوم (ماخضة) ولبنها جميل، أما فلانه فبقرتها (قاطعة).. أي لا تدر حليبا.. ويبقى اللبن بكميات قد تكفي لصنع الجبن الأبيض منها في كرات صغيرة نأكلها وكأنها متحجرة.. ولا نسأل عن لونها الذي يبدو ترابيا أحيانا، فمناعتنا في أعلى حالات استنفارها.
لا نحمل في جيوبنا المحفظة التي نخشى عليها من الضياع، فلا ريالات تتخمها، ولا بطاقة شخصية أو بنكية أو إئتمانية، ولا راتبا يجعلنا ننتظر فواتحه حتى نخشى من خواتمه.
لا ننظر في ملكية السيارة لنترقب تاريخ الإنتهاء بقلق الدفع للتجديد والتأمين والمخالفات.
لا نعرف ماذا يحدث في العالم من قتل وفظائع وحوادث سير ومآس تحدث للكرة الأرضية، ما يصنعها البشر، وما هي خارجة عن إراداتهم كالزلازل والأعاصير والأمراض العابرة للقارات.
حياتنا الآن بها ما لا يقارن بتلك الحياة القديمة من مباهج ومتع ووسائل راحة.. لكنها قلقة ومتوترة لأغلب البشر..
حياة مغمورة في قلب الحذر والتحسب من مفاجآت غير متوقعة، لها صخبها الذي لم نعتده وحساباتها التي كنا نجهلها، لذا فإن الجيل الذي ننتمي إليه (وقلة من سبقونا ومن لحقونا بقليل) تنتابهم حالة من التذكر لأمس البساطة والحياة الخالية من عقد الراهن وتعقيداته.
لم تعد بسيطة أبدا إن قورنت بما عشناه حتى منتصف الثمانينيات خاصة في القرى، أطفال (الكورن فليكس) لا يعجبهم الخبز واللبن، وأبناء (الكنتاكي) يأنفون من معصورة المالح والسحناة، وصارت هذه الأكلات تسمى بأنها شعبية أي أنها تراثية، والمطعم الذي يقدمها يسوّق نفسه على أنه متميز فيما هي تشبه (فقط) تلك الأكلات لأن اليد التي تصنعها ليست (شعبية) ولا تراثية!!.
هل نستطيع أن نجلب البساطة إلى حياتنا.. ولو بالرضا بالقليل؟!
إني أحلم.

الأحد، 7 يونيو 2009

النية على.. النووية!!

الدخول للنادي النووي لم يعد حكرا على الدول الكبرى، وبكل بساطة فتح عضويته على مصراعيها أمام الفقراء الراغبين في تذوق طعم الأرغفة النووية بدل الحلم بها، وإطلاق التمني، فيما يعمل آخرون على تجهيز فطيرة مخصبة لمفاجأة الكبار بما يمكن فعله من غير المنتمين إلى المنظومة الغربية، حيث الرجل الأبيض (والأشقر بالطبع) دلالة القدرة والهيمنة والسطوة، ومن يحمل الجزرة لمن قال نعم، والعصا لمن صرخ بـ..لا.
ما الذي جعل من اللعبة النووية مطروحة للجميع كي يتسلى بها مع أن القوى الكبرى تحاول منذ سنوات منع إيران وكوريا الشمالية من المحاولات ونتذكر غضبتها الكبرى كما سوقها الإعلام على باكستان والهند عندما جربتا ما لديهما من هذا المنتج الصعب، مع أن القوى الكبرى تسوّق هذه البضاعة من أجل المليارات وتحقيق مكاسب تمدد في عمل مصانعها الراكدة وتوجد أسواقا لبضاعتها الكاسدة.
بالطبع هناك فارق بين النووي العسكري والآخر المدني، وتجتهد الولايات المتحدة ومعها أقطاب أوروبا الكبار على منع وصول الدول المحسوبة على محور الشر من الوصول إلى الطاقة النووية العسكرية، والنقطة الفارقة أن هذا السلاح لم يستخدمه أحد رغم تكلفته الباهظة، فهو سلاح إنتحاري حتى لممتلكه.
وسرت في العامين الأخيرين ظاهرة تسويق الطاقة النووية السلمية، والتشديد دوما على كلمة السلمية، ولأن أوروبا استقرت أمنيا واستراحت من أشباح الحروب وتكاملت في وحدة دفاعية فإن هذه السلعة بدت عبئا على أصحابها، فماذا ينفع فرنسا امتلاك مئات القنابل النووية والصواريخ المزودة برؤوس قادرة على الوصول لأي بقعة في الأرض لابادتها في غمضة عين؟!.. وما يسري على فرنسا يعرفه أعضاء نادي الدول الممتلكة لهذا النوع من السلاح.
وكان من البديهي البحث عن حلول مقنعة تخلع البزة العسكرية عن القدرات النووية ليتم الانتفاع بها في جلب مئات الملايين من الدولارات إلى خزائن أرهقتها الأزمات المالية، وهناك دول لديها فوائض نفطية يمكنها الدفع من أجل طاقة نظيفة ومستدامة لا تعاني من مخاوف النضوب كالنفط والغاز.
ومن الفوائد الأخرى التي تجنيها الدول المتهافتة لبيع المصانع النووي للدول الخليجية الإشراف المباشر حتى لا تتحول إلى مصانع سرية تستفيد من اليورانيوم في إرهاب الدول الأخرى (وبالطبع فإن مخاوف الغرب والولايات المتحدة منصبة على إسرائيل).
ومن المهم (جدا) التعويل على هذه الطاقة ودراسة تأثيراتها المختلفة ومدى الحاجة إليها، فالجانب المدني من هذه الصناعة يبدو ضروريا وماسا على المدى البعيد، ولو أن تلك الدول التي سارت في طريق ما سمي بالردع النووي سعت لهذه الطاقة من أجل شعوبها لكان أجدى وقد حقق استقرارا أمنيا داخليا هو الأهم، وهذا يتوفر مع قوة اقتصادية تسخر من أجل التنمية وسعادة البشر، فالمجاعات التي تضرب كوريا الشمالية (كمثال) لن تلقم الأفواه فيها أرغفة نووية تسد الجوع ولا تكفيها خطب الرفاق لتشبع، وباكستان لن تستفيد من قدراتها النووية لإسكات صوت طالبان والحد من مخاطر ملايين المتشددين في المدارس الطالبانية ناهيك عن ملايين من الذين يعيشون تحت خط الفقر يقتاتون من المزابل فيما أن بلادهم.. نووية.
هي القوة دائما، حينما ترفع شعار السلم فإنها الحكمة المحققة لسعادة الإنسانية، أما وهي تعمل في السر والجهر من أجل أن يجد الزعماء حماسة الخطابة بما يثير النعرات القومية فلن تزيد البشرية إلا بؤسا.

أوباما: الحلم والرمز

لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رمزا للتجديد للأمة الأمريكية وحدها بل خطف معه أحلام مئات الملايين من البشر على امتداد الكرة الأرضية، ومنذ حملته الانتخابية وهو الرمز والأسطورة اللازمة لقيادة القوة الكبرى في العالم، ومن يسير في فلكها، ومن يعاكس ذلك الدوران، وراهن كثيرون على أن الرمزية الأوبامية خلال فترة الحماسة الانتخابية قد تتغير كثيرا حينما يجلس إلى كرسيه في البيت الأبيض ويرى كثافة عقد العالم واضطراب عقائده على طاولته الرئاسية.
لم يرغب أوباما في تضييع هالة الأسطورة وقد انكشفت له حجبها بطريقة ضجّت لها الدنيا، وجعلته مالىء الدنيا وشاغل الناس، ولا تخلو صحيفة في العالم أو وسيلة إعلام من ذكر اسمه وتتبع تفاصيل حياته وأفكاره وتوقع ما يحيط به من كل صغيرة أو كبيرة.
هذه الرمزية والأسطرة التي تسير عليها حياة أوباما لا يعلم إلا الله مسيرها ومصيرها، فألعاب الخفة والذكاء التي يمارسها الرئيس الأمريكي مذهلة للعالم ومحفزة للحديث عنه ليل نهار، يريد الاختلاف عن المرحلة البوشية وما جلبته من دمار سياسي واقتصادي على الولايات المتحدة أوصلت (على سبيل المثال) عملاق الاقتصاد الأمريكي ورمزه العظيم جنرال موتورز إلى إعلان الإفلاس بعد الوصول إلى خسائر تزيد عن 170 مليار دولار.
لكن الأحلام بالتحول إلى أسطورة لا تتحقق على رداء من حرير أو ليلة سمر في بيت الرئاسة، فبوش واجه في بداية حكمه زلزالا من نوع تدمير برجين في نيويورك، لكن زلزال أوباما ينخر أبراج الاقتصاد، وهذه أكثر فظاعة لأن تشريد مئات الآلاف من الأسر لتطلب الوجبات المجانية ليس بالأمر اليسير، ويكفي تذكر أن جنرال موتورز يعتمد عليها نصف مليون متقاعد، وهناك مئات الشركات والبنوك التي أغلقت أبوابها وأحالت موظفيها إلى أشباح الإفلاس والجوع والشتات.
يعرف أوباما أنه جاء في وقت كان العالم يبحث فيه عن مخلّص وفق الديانة المسيحية التي ارتدى مسوحها الرئيس بوش في تطرفه اليميني، حتى قال بأن الله هو الذي وجهه لضرب العراق وأفغانستان وقتل مئات الآلاف هناك والإضرار باقتصاد بلاده.
هذا الرجل الأسمر نال الرضا عما فعله في الأشهر الأربعة الماضية، ويخطو بثبات نحو المقبل، قد لا يفعل ربع ما تريده أحلام العالم منه، لكنه حرّك الأمل في نفوس الكثيرين، خاصة من مواطنيه الذين ذاقوا مرارة السنوات الثمان العجاف، وأوباما وهو يسعى لاستعادة أمريكا العظيمة بمثلها وأخلاقياتها التي تجعل من أغنياء الدنيا وفقرائها يحلمون بالسفر إلى الأرض الموعودة أمريكا، لكن هذا البلد تحوّل في عصر بوش إلى مؤسسة أمنية تفتش أظافر المسافرين بحثا عن قنبلة مزروعة.
ويعرف أوباما جيدا أن الأسطورة ستكون أعظم حينما ينهي قضايا الشرق الأوسط، وقالها أن مصلحة بلده في إنهاء هذا الصراع، وفي حلحلة عقده تنتهي المخاوف وسباقات التسلح والحروب والقلاقل وسائر المزعجات للأمن القومي الأمريكي، وإذ يغامر بهذه الصورة إما واثق من نفسه كثيرا ويعتمد على ذكائه لكسر غطاء مشاكل الشر(ق) الأوسط، أو أنه لا يدرك خطورة ما في هذا الصندوق والأفاعي الكامنة بين أخشابه، والتي ابتعد عن المغامرة فيها من قبله (إلا بحذر بالغ) ويأتي أوباما من أجل أسطورته ليحقق مصالح بلاده أولا وأخيرا، وهو غير معني بهذه الدنيا إلا من أجل أمريكا لها ثقلها الإمبراطوري الذي يستخدم الكلمة الطيبة فهي ستأتي بخير وفير لا يقارن حينما تستخدم الرصاصة لتحقيق الهدف، وله في مرحلة بوش عبرة وعظة، ولأنه جرّب الاختلاف الديني (الإسلام والمسيحية) ولأنه جرّب الاختلاف المادي (فقر وغنى) ولأنه عرف الاختلاف الاجتماعي (أبيض واسود) فإن أسطورته ماضية في مغامراتها.

الجمعة، 5 يونيو 2009

الشباب والفراغ

.. وقد هطلت علينا الإجازة كالصيف الملتهب فكيف إحتمالهما؟
والشاعر العربي أكد في تصريح قديم أن الفراغ والشباب (مفسدة) وأيما مفسدة للمرء، خاصة حينما يحيط به ظرف كما هو عصرنا، فيما قال الشاعر قولته في ذلك الزمان ولم يكن يعرف مفاسد كشرور الهواتف النقال ومواقع الإنترنت والمخدرات وغيرها من مفردات قاموس (الصياعة) العصري.
لا أبحث هنا ضياع أنشطة الشباب بين الجهات الرسمية، حيث لم يرث المؤسسة التي كانت تسمى الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية في شقها الشبابي أحد، فوزارة الشئون الرياضية أخذت الجانب المختص بتنمية العضلات وما يتعلق بها من أفكار ومسميات، ووزارة التراث والثقافة ألحق بها من كانوا في مديرية تدعى "المديرية العامة للأنشطة الثقافية والاجتماعية" وبعد سنوات، وقبل عدة أشهر تم اكتشاف أن الأنشطة الاجتماعية ليس مكانها وزارة التراث والثقافة فذهبت إلى وزارة التربية والتعليم.
والإجازة الصيفية تكشف أن أنشطة عديدة كانت تقوم بها (المديرية القديمة) كالأندية الصيفية التي تجمع الشباب في مسابقات ورحلات تثقيفية، ودورات للنادي العلمي ومرسم الشباب، وموقعهما الحالي مثير كونهما وراء وزارة الشئون الرياضية ويتبعان وزارة التراث، والمثير أكثر أن مسرح الشباب الذي بدا كحلم في وجود مسرح في مسقط آيل للسقوط، ولكن يبحث عن أب يحنّ عليه.
كانت هناك عشرة معسكرات شبابية تقام كل صيف بمشاركة ألف شاب، أقيمت بتوجيهات سامية، ويبدو السؤال مريبا: من له حق تنظيم هذه الفعاليات المخصصة للشباب، وزارة التراث لم تعد مديرية الأنشطة الاجتماعية تتبعها، ووزارة التربية علاقتها بالشباب محصورة في الشق المدرسي، ووزارة الشئون الرياضية مختصة بما هو رياضي، بينما المعسكرات خليط من رياضة وثقافة وأعمال تطوع.. وتحفيز جيل الشباب على حياة تفيد المجتمع حاضرا ومستقبلا.
بقي من تلك التجليات الشبابية الملتقى الأدبي الذي حرصت على استمراريته وزارة التراث والثقافة مشكورة، ويحظى بوجود نحو 50 شابا سنويا على امتداد 15 عاما متنقلا من مكان لآخر بين مناطق ومحافظة السلطنة.
وعندما أطلق صيف الرياضة كان فكرة رائعة، لا بد من الإشادة بها، لكنه صيف الرياضة، ليس لأي هدف آخر.. فمن يعمل من أجل الأهداف الأخرى؟.

تشاؤل صغير:
وضع صيف الرياضية موقعا إلكترونيا، خطوة مهمة جدا، لكن الملفت أن التسجيل الالكتروني يتطلب تسجيلا مباشرا وخلال ثلاثة أيام، ويمكن التواصل عبر هاتف هام (مكتب بالخطأ لأنه لا يوجد هاتف في السلطنة يبدأ بـ241، أما الهواتف الأخرى في مسقط فلم أجد ردا عليها مع عشرات المحاولات، والأهم هو أنهم وضعوا بريدا إلكترونيا.. وليس أفضل من غيره.
كنت أحتاج إلى إجابة بسيطة: في أي ساعة من النهار تكون مراكز التسجيل مفتوحة ليتم تأكيد التسجيل في الفعاليات؟!

الثلاثاء، 2 يونيو 2009

كل واحد يمدح سلعته

حق طبيعي جدا، هذا ما يقوله المثل العماني "كل واحد يمدح سلعته" من أجل تسويقها وإقناع الآخر بها، سواء أكان على حق أو جانب هذا الحق باتجاه منطقة أخرى من الخداع والنصب وهذا أبرز سمات العصر الحالي حيث المعادن الأصيلة تغشيها سحابات من المزيف و(الفالصو) أو كما نسميه بالمحية: (نورجول).
ووفق الله صحافتنا في فرز الأصلي من (النقلي) حيث أنها تعرض ما يريده الجميع من مديح للسلع، ومن يدفع (فلوسا) فله الحق ليقول عن نفسه أنه الأول والأفضل والأقوى وسائل أفعل التفضيل التي احتفت بها اللغة العربية ليدعيها كل ذي شأن وغير ذي شأن، أما الأقوال الأخرى المادحة في النفس فتقدمها الجهات الرسمية والخاصة ولا تجد من يقول أن هذه المعلومة مضللة وأن هذا القول به كثير من المبالغة.
لنقترب من القول وأكثر ونطرح سؤالا حول وجود جهة تقدم بيانات حقيقية وواقعية في موازاة الأرقام الصادرة عن الجهات المسوقة لخدماتها، سواء أتخص الحكومة أم القطاع الخاص، وصولا إلى البطيخ الذي يقال أنه الأفضل فيما أمضى أياما طويلة منذ قطفه من مزرعة في إيران وحتى لحطة وصوله إلى أقصى سوق في عمان.
تقول لنا شركة الاتصالات أن عدد مشتركيها بالملايين، ونحن في عمان لا نكاد نصل هذا الرقم من البشر، يحذف من العدد الذين لا يمكنهم استخدام هاتف فيتبقى أقل من النصف، لماذا لا يقول لنا مركز مستقل للمعلومات وقياس الرأي العام بأن هناك مئات الآلاف من الأرقام وهمية وبالعرف التقني (ميتة) كونها ملغية، ومن لا يملك الآن رقمين فهو ضمن القلة الباقية الذين لم يأخذوا الأرقام مثنى وثلاث ورباع كما يحدث لكثيرين.
وتقول لنا (على سبيل المثال لا تصيد الأخطاء) وزارة الثروة السمكية أن الناتج من ثروتنا السمكية يبلغ كذا وكذا، وعدد الصيادين في السلطنة عشرات الآلاف، فنقارن بين ما تقوله جهة رسمية دورها أن تقدم الصورة الإيجابية لعملها، وما يقوله مركز معلومات مستقل من بيانات.
وتؤكد وزارة الزراعة أن عدد الناتج العماني من التمور ارتفع رغم انخفاض عدد النخيل، فيما ليس هناك رصد واضح (لي على الأقل) للمنتج العماني من التمور، حتى لا تبدو الأرقام وتقديراتها شبيهة بكما كان مدير معرض مسقط الدولي للكتاب عندما يصرح بوجود مئات الآلاف من الزائرين للمعرض فيما أن الرقم تقديري (جدا) وثلاثة أرباعه من الطلبة الذين يأتون لمجرد الرحلة المدرسية في أغلب الأحيان.
وتتحدث شركة عن نسبة معينة من التعمين، لكن هناك الأرقام الخاملة، أو تلك الواقعة في أسفل السلم الوظيفي، بحيث أن مائة منها لا يساوون في رواتبهم راتب المدير العام فيها، وما تدفعه الشركة لعشاء المدير مع مضيفه أضعاف راتب عامل يقف ثمان ساعات على رأس عمله بدون وجبة طعام.. فهل من جهة محايدة تفرز التعمين في هذه المؤسسات بعيدا عن الأوراق المقدمة لوزارة القوى العاملة، وبما يخدم الجهات الرسمية في معرفة الحقيقة بشكل محايد بمنأى عن مبالغة الأرقام والتحايل عليها.
جهة تقول لنا أن ما يطبع لدينا من كتب يبلغ كذا وكذا، تجمعه من سائر الجهات المتعاملة مع النشر، تبحث في المطابع ومصداقيتها، وفي سائر الأرقام والبيانات، تستطلع الرأي العام حول موضوعات معينة دون أن يتولى أحد التفكير عن الرأي العام ويقوم بدور المتحدث الرسمي عنه في إلغاء تام لذلك الرأي.في أنحاء الدنيا هناك مؤسسات رصد تتولى دورا مجتمعيا مدنيا يساعد الدولة على تقديم البيانات، ويساعد وسائل الإعلام أيضا في الوصول إلى معلومات.. ليست كتلك التي تقدمها دوائر الإعلام في الوزارات والشركات، إنما هي مؤسسة بحثية هدفها نشر أكبر قدر ممكن من الحقيقة..

قلب المدينة وقالبها

تتكاثر السيارات على عاصمتنا.. وتتناسل بشكل غريب.
ومشاريع الطرق لا تنتهي، عشرات الملايين لإيجاد مسار رغم قسوة الجبال، وملايين أخرى لإيجاد جسور ومعابر على امتدادات مرور الأودية.
ومع هذا لا يكف الزحام عن خنق العابرين.
أعداد السيارات مهيأة للصعود أكثر فأكثر مع وجود جيل قادم من الشباب لديه هدف أول وهو الحصول على رخصة قيادة وسيارة تضيف عبئا على شوارع تعاني من أعبائها وأحمالها.
وكلما أنجزت الدولة شارعا قلنا أن الأمر سيغدو سالكا، لكن الأمل يتصاغر يوما بعد آخر، فالأمر يتعلق بزيادة عددية للسيارات تفقد المشاريع هدفها، وتصبح بما يشبه موازاة زيادة مطردة بين السائرين والشوارع، ويبقى أمر الزحام معلقا حتى أمل.. آخر.
نفخر أن لدينا شوارع هي الأجمل والأوسع في المنطقة، وهذا لا نقوله من باب المديح لما تقوم به الدولة لكنه كلمة حق يقولها الزائرون بصورة أوضح منا، لكن هل هي كل الخيارات المتاحة، ولماذا تهمل بقية الحلول في ظل ثقافة عمانية أصيلة وهي أن غالبية السيارات (على اتساع مقاعدها) لا يكون بها إلا صاحبها/سائقها، فيما تتوارى سبل النقل العام وتغيب عن الخطط الحكومية، والتي يبدو أنها تسير فقط في اتجاه رصف الشوارع وإنارتها، وتكلفة الشارع الساحلي بمنطقة الباطنة شاهدة على ذلك حيث يوازيه مخطط لشارع آخر على الضفة الأخرى من امتداد الشريط الساحلي.
أضيّق الحديث هنا عن العاصمة، محافظة مسقط، ونظام المرور فيها، وحاجتها إلى اختراع وسائل نقل أخرى، ومن بينها النقل العام بالحافلات لموظفي الخدمة المدنية حيث يمكن تسيير رحلات مكيفة تمر طريق الوزارات متجهة إلى أماكن محددة في الولايات بمنطقة الباطنة، والمنطقة الداخلية، كون أن الرحلات اليومية ممكنة من وإلى ولايات هاتين المنطقتين الأقرب إلى محافظة مسقط.
هذا الحل الذي يمكن طرحه عبر شركة مساهمة عامة يدخل فيها الموظفون أنفسهم لشراء أسهمها، يوفر على الموظف (وعلى البلاد أيضا) الاستهلاك الكبير للسيارات، وتكلفة الزحام (المادية والمعنوية) والتقليل من حوادث السير.
إن واقعية الحياة تفرض على الدولة النظر في مثل هذه الحلول إضافة إلى الحلول الكبرى كإدخال نظام المترو بين مدن العاصمة، وربما الولايات القريبة منها، تعميم هذه التجربة على ولايات منطقة الباطنة كونها تقع على خط واحد ومتقاربة جدا.
كما أن هذه الواقعية وما يواجهه المواطن من صعوبات حياتية قد تتيح له خيارات تعفيه من امتلاك سيارة خاصة وفواتير التأمين والمخالفات المتزايدة يوما بعد آخر، أو تقلل عليه استهلاكها بشكل يومي وما يترتب على ذلك من فواتير الوقود وورش التصليح التي تدمر أكثر مما تعمّر، وتسرق أضعاف ما تستحق.
هل إنشاء الشوارع هو من باب الإستكانة إلى وجود تجارب طويلة لدى القائمين على الأمر، والدخول في تجربة جديدة يحتاج إلى جرأة لا يفكر فيها أحد كونها من خارج قائمة المتاح والموجود على المفكر فيه؟!
الوقت أزف لنفكر في وسائل نقل (وحلول نقل) كالتي توجد في مدن الدنيا، تلك المدن التي لا يفكر مواطنها في سيارة خاصة لأنه يجد خيارات كثيرة حوله يتنقل بها، ومن يرى أن السيارة الخاصة ضرورة لا مناص عنها في مجتمعنا فإنه يعيش بعقلية غير واقعية تفكر في ترف سنوات مضت، فيما الحياة تفرض واقعا يغيّر من القناعات.. رغما عنا.

الجمعة، 29 مايو 2009

صباحكم سبت

.. وأخيرا:
زفّت لنا الصحف خبر موافقة وزير في الحكومة بنجلاديش على عمل الشغالات البنجاليات في السلطنة، هذه البادرة الطيبة قد يكون لها إيجابياتها في توسع المعروض داخل السوق المحلي بعد أن أنهكت الأغلبية من فئة (ارباب) بمتطلبات مكاتب (الاستيراد) ومشاكل (المستوردات) والمأذونيات المدفوعة (وما فيها من تساؤلات وخيارات).. الخبر يشير إلى وجود ثلث مليون عامل بنجالي في البلاد، أي أنهم سيزيدون ليصل العدد إلى نصف مليون، لكن هل فات رئيس الغرفة من بحث لماذا هرب 35 ألف عامل من كفلائهم.. أما أين هربوا فإنهم إلى مواطن لم يدفع ريالا لإحضارهم (هربا من مواطن دفع المال والجهد ليأتي بهم).

سيد.. وسيده:
في حوار صحفي علّق مدير عام الإعلام على استخدام بعض المفردات ومن بينها (سيد وسيدة) بالقول أنه لا يوجد مانع من استخدامهما عندما لا يكون ذلك كلقب، تذكرت ما كتبته مرة في مطلع نص بدأته بكلمة (سيدتي)، فقام أحد الرقباء (في صحافتنا) وغيّرها إلى كلمة (امرأتي).. بصورة ساذجة تظهر أن هناك من يمارس الرقابة أكثر من مسئول الرقابة ويجتهد (على هواه لا هوى قانون المطبوعات والنشر)، وتظهر أيضا أن هناك رؤية أوسع لدى (كبار) المسئولين في وزارة الإعلام لا يفهمها (الصغار) في تفكيرهم.

وهم (عود):
مع أني لست اقتصاديا، ولا أكاد أميز بين السهم والرصاصة إلا أنني أرى في كلمة خصخصة فرصة ذهبية يمارسها المنتفعون لسرقة أموال الدولة (بطريقة قانونية) وبفتوى (حكومية) تشرّع هذا النصب الذي جرى تسويقه ولم يستفد منه لا الحكومات ولا الشعوب، سوّق هذا الوهم تحت راية أن الإدارة الحكومية تصيب المؤسسات المنتجة بالترهل وأنه لا بد من عقلية تجارية (خاصة) تعمل بإخلاص بعيدا عن عقلية الموظف الحكومي الذي يعيش مرتاحا، يستلم راتبه آخر الشهر، ربحت الشركة أم خسرت، فإن تحقق الربح فهو خير، وإن حدثت الخسارة فإن الحكومة ستدعمها.
ببساطة: لو عرضت الحكومة شركة للبيع فمن يستطيع شراءها؟.. حينها فتش عن مسئول حكومي (مستغل) ينادي ليل نهار ببيعها بخصختها وابحث لتعرف مصلحته من ذلك!

مشاريع النسبة:
لو قام أحد بإحصاء ما ينشر عن المشاريع من الأخبار لأدرك أننا نحقق أرقاما قياسية في تسويق المشروع، حتى وإن كان حفر بئر ماء..
يبدأ بتصريح يقع تحت بند (نعتزم) ثم (الأسبوع القادم التوقيع على اتفاقية) وبعدها (غدا التوقيع) وفي اليوم التالي (اليوم التوقيع) وأما صحافة اليوم التالي فتبرز صورة الموقّع وإعادة الحديث عن تكلفة المشروع..
أما الأجمل فهو مسألة النسبة التي دخلت إلى مشاريعنا: إنجاز 35 بالمائة من المشروع، وتتوالى الأخبار بنفس المعلومات، مرة 50 بالمائة، وبعدها 65 بالمائة، وهكذا حتى ينجح المشروع ويحصل على نسبة 99 بالمائة، أما الرقم الباقي عن النتيجة النهائية فتعلن على لسان مسئول كبير في الجهة المشرفة على المشروع.. ثم تتلاحق الأخبار عن موعد الافتتاح.
ما يحير أنه كيف عرف المسئول أن النسبة وصلت إلى 73 بالمائة ويحددها بطريقة حاسمة لا تقبل الجدل؟!

الأحد، 24 مايو 2009

الحكمة ضالة السياسي

لا نحتاج إلى المزيد من الزهو لندرك أن الحكمة العمانية في التعامل مع الآخرين أتت أكلها على مدار سنوات النهضة الحديثة، وقد كسبنا أصدقاء على امتداد الخارطة العالمية، وبقي المواطن العماني موضع ترحيب في كل مكان يسافر إليه، فلم تلاحقه تهم الإرهاب (ومتعلقاتها) لأن بلادنا لم تفرّخ تفجيريين أو تكفيريين.
هناك ما هو أعمق من كلمة سياسة، سواء أشرنا بها إلى الداخل أو قلنا أنها موجهة للخارج/للآخر.
هناك الحكمة، صوت العقل، الرؤية السياسية، والشخصية التي أبعدتها الحكمة عن الهزات العنيفة وزوابع التوتر التي تصيب الذات بتمزقات وإنكسارات ليس من اليسير مداواتها.. فكانت شخصية العماني لافتة للزائر وهو يلتقي بالمواطن، المتصالح مع نفسه، البسيط في تعامله، المحترم لذاته قبل أن يحترم ضيفه..
ملامح هذه الرؤية كانت حاضرة في حديث معالي الوزير المسئول عن الشئون الخارجية قبل يومين، الحكمة التي شكلت ملامح الشخصية العمانية، ليس في العصر الحديث فقط، وإنما عبر عصور امتدت على هذه الشخصية، وهي تعيش في تصالحها الداخلي.. وهي تواجه العالم الخارجي.
منذ فجر النهضة الحديثة وبلادنا بحكمة جلالة السلطان المعظم قدمت دروسا في كيفية صناعة الأصدقاء لا تفريخ الأعداء، واحترام الجوار لا تحطيم أسسه، وعدم الدخول في مهاترات سياسية ومراهقات بطولية أبان الزمن أن من جرّبها دفع ثمنا باهظا من مقدرات بلاده وخيراتها: حروب أحرقت الحاضر والمستقبل كما أساءت لماض من تاريخ وتضحيات، وعقوبات دولية خنقت البشر والحجر، ولم تفد في صياغة مشروع سياسي أو تنموي.
نفتخر ببلادنا التي لا تبحث عن العناوين الرئيسية في الصحف، ولا عن الخبر الرئيسي في نشرات الأخبار الرئيسية، بل تكتفي بخبر صغير وهامشي طالما يتحدث عن مشروع يخدم الوطن والمواطن، عن رصف شارع وإنارة آخر، عن بناء مدرسة ومركز صحي، وغير ذلك من أولويات تأتي بعيدا عن ألعاب السياسة والمناورات، والتصريح الذي يجعلنا نفقد صديقا بدلا من أن يقرّب خصما.
نفخر بعمان، التي أعطت الآخرين دون حاجة لمانشيت صحفي يخدش فلسفة العطاء، حيث لا منّة ولا أذى.. ولا طلب دعاية إعلامية فاحتفظ الصديق بقيمة مضافة.
عمان التي لم تفاخر بتكديس الأسلحة المتطورة مقابل مليارات الريالات التي تحتاجها جهود التنمية، وكان من الطبيعي أن تخنق الأزمة المالية العالم بينما توقع بلادنا على مشاريع تنموية بأكثر من مليار دولار.. وفي يوم واحد.
عمان التي تعمل ولا تصرّح، تكتب حاضرها بهدوء كي لا تشوّه المستقبل برعونة التصرف.
من هذه الرؤية كان على الضيف أن يرحل إذ لم يلتزم بالمبادىء التي سارت عليها الحكمة العمانية وشكّلت ملامح نجاحها، حيث الجار قبل الدار، والشقيق له حق الأخوّة في الحفاظ على استقرار بيته، والصديق له واجب الاحترام لأن الكسب يأتي من نشر ثقافة الصداقة أما الخسائر فما أسهلها حينما نوزع ثقافة التوتر والبحث المجاني عن الأعداء.
نعم الحكمة ضالة المؤمن، وضالة السياسي أيضا.

السبت، 23 مايو 2009

ما الذي يمنع؟

1
ما الذي يمنع وزارة التربية والتعليم من القول بأنه حقا توجد مشكلة في حافلات المدارس، وأنه لا يمكن معالجة تكدس أكثر من ستين تلميذا في حافلة واحدة رغم أنها مهيأة لنصف هذا العدد، وأن تصرفات (السائقين) تسيء إلى جهود الوزارة في تقديم هذه الخدمة التي يعرف فضلها من جرّب غيرها؟
2
ما الذي يمنع أن تعترف بلدية مسقط بأنها عاجزة عن علاج مشكلة المجاري في بعض أحياء المدن داخل المحافظة، وأن أمر بعض البنايات وصل إلى الإدعاء العام والمحاكم، وأنها كبلدية ليست معنية بهذه المشكلة ومن يتضرر من مشكلة ما عليه أن يلجأ للمحاكم؟
3
ما الذي يمنع وزارة العدل من التصريح بسلبيات لجان التوفيق والمصالحة (من أجل تلافيها) بدلا من تضخيم أدوارها وكأنها العصا السحرية لكل المعضلات والمشكلات في السلطنة، بينما هناك من يشتكي من كلمة (تم) التي يكررها أعضاء اللجان حتى وإن كانت على حساب أحد المتنازعين؟
4
ما الذي يمنع شركات الطيران من إيقاف النصب (القانوني) على البشر وتعلن مباشرة عن الأسعار الحقيقية للتذاكر بدلا من أن تنصب لهم الفخ بحجة أن السعر المنشور لم يتضمن الضرائب؟.. فلماذا لا يجد هذا الباحث عن تذكرة رخيصة القيمة (الصادقة) بدلا من الاتصال والمراجعة، ثم يجد أن الرقم الحقيقي لسعر التذكرة ليس به ما يغري؟.. لكنه الاكتشاف المتأخر!!
5
ما الذي يمنع شرطة عمان السلطانية من نشر إحصائية توضّح الفارق في عدد حوادث السير، قبل تركيب مئات الرادارات وبعدها؟ وما أحدثته كثرة المخالفات من تأثيرات (إيجابية أو سلبية) على دافعها والمستفيد منها والهدف الذي أقيمت من أجله؟
6
ما الذي يمنع جمعية حماية المستهلك من التدخل وأن تقول لإحدى الشركات التي نشرت إعلانات مؤخرا بأن العملة العمانية لا يمكن تجزئتها إلى 92 بيسة و67 بيسة، وأن هذا باطل أريد به حق، أو (العكس تماما)؟
7
ما الذي يمنع المنتديات الأدبية العمانية من مراجعة نفسها وتعترف بأن منتقديها يملكون أيضا رأيا كالذين يكتبون فيها، وأن هناك الشرفاء الذين يخدمون هذا الوطن والمساس بهم ليس من حرية الرأي في شيء، وأن دورها مهم جدا لتقوم به إزاء الأخطاء والخطايا وليس ضد الأفراد؟

.. وتشاؤل أخير:
للمرة الأولى تقول إحصائية وفيات حوادث الأسبوع الماضي المنشورة أمس أنه كانت هناك خمس جنازات فقط، فيما كانت تصل إلى أكثر من أربعة أضعاف هذا الرقم خلال غالبية الأسابيع الماضية.. نحتاج إلى عقلانية توقف هذا النزيف.

خيوط "هذا الصباح"!!

وجد برنامج هذا الصباح دعما حكوميا (قويا) جدا ليكون صلة وصل حقيقية، بين ما يؤرق المواطن على مستوى الخدمات المقدمة له، والوزارات التي تقدمها، فكان الصوت الذي ينقل الشكوى مباشرة من المحسوبين على الطبقة الوسطى (وما تحتها) إلى المسئولين الكبار في الجهات الحكومية (والخاصة أحيانا)..
وكم كانت السعادة كبيرة جدا عندما اتصل مسئول بمرتبة وزير ليرد على شكوى مواطن، حينها شعرنا بأن البرنامج ناجح جدا، لأن صوت المواطن سمعه الوزير، ولم تمنع المشاغل الكبيرة لصاحب المعالي من الاستماع لمن ضاقت به السبل، فالوزير بيده حل مشكلة المواطن، ولو استثناء من دائرة القوانين التي لها نصوصها التي لا مناص منها، ولكن هناك روح المواطنة التي لا تلتفت إلا لحضورها الإنساني.. ونحو بهاء التواصل بين المواطن (المعاني) والوزير (المقدر للمعاناة).
وإن لم يكن معالي الوزير يمتلك من الوقت ما يعطي هذا التفاعل الرائع الاهتمام المستحق فهناك سعادة الوكيل الممتلك لدفعة معنوية يمنحها ذلك المواطن (المتصل) وكل مواطن يسمع البرنامج لما يشعر بها من اهتمام (عالي المستوى) بشكوى مواطن بسيط، لجأ إلى البرنامج كمنفذ (إنساني) رآى فيه حبل خلاص، وما يمنحه ذلك من عمق إحساس بأن المسئول ليس بعيدا عنه مهما كبر لقبه.
وإن لم يجد معاليه وسعادته الوقت فهناك مدراء عموم يمكنهم التواصل..
ذلك يحدث من وزارات معينة وبصورة متواصلة وسريعة وغير قابلة للتأجيل، أبرزها وزارة الإسكان ووزارة القوى العاملة ووزارة البلديات الإقليمية ووزارة النقل والاتصالات (وأخرى إلى حد ما)، والتحية واجبة لها لمبادرتها الدائمة بالتواصل حتى لا يبقى صوت المواطنين كحال المذيع وهو يكاد أن يصيح (واردوداه) على وزن وامعتصماه، لأنه تعب من البحث عمّا يغطي به وقت البرنامج.
لكن بعض الجهات آثر العودة إلى الأساليب القديمة في التواصل مع المواطنين (إعلاميا).. جهات (حكومية) لا ترد.. وهذه عديدة.
.. وأخرى تقدم ردا مكتوبا ليتولى المذيع قراءته، كوزارة الداخلية الأسبوع الماضي.
.. وأخرى تشترط رسالة رسمية موجهة إليها تتضمن المشكلة، ليتم الرد عليها بعد ذلك بموجب رسالة رسمية أخرى.. كالبنك المركزي العماني.
فمن الذي يلزم الجهات الحكومية أن ترد.. وفورا؟
وهل بامكان المذيع الامتناع عن قراءة رد وزارة الداخلية لأن فكرة البرنامج قائمة على رد المسئول عبر حوار صوتي مباشر؟!
ومن يملك حق رفع الكارت الأصفر في وجه البنك المركزي ليذكّره بحق البرنامج في اتصال مسئول منه، وأن هذا واجب لا يمكن إلى احترامه وتطبيقه؟
فلا عجب أن يتصل مواطن ويطالب البرنامج بالتخفيف من الأغاني (رغم روعة اختياراتها)، لكن ماذا يفعل المذيع طوال ساعتين لا يأتيه سوى رد واحد، ويسهب في المحاورة لقتل الوقت، ويتحول الأمر من مجرد رد (واضح) على سؤال (واضح) إلى حديث إذاعي شامل.
فكيف يمكن رفد صوت البرنامج بقوة قبل أن يأوي إلى بياته (الصيفي)؟هذا سؤال كبير.. ويحتاج إلى تدخل جهات أكبر.

الثلاثاء، 19 مايو 2009

مشاكل.. بنكهة أنثى.

المشكلة الأولى:
الرجل الذي يقول أنه لا توجد امرأة خالية من لمسة جمال شخص يعاني من ضعف نظر، حتى وإن كانت نتيجة قياس بصره (6/6).. فقد خلق الله الجمال ونقيضه، فلماذا نتمسح بأحدهما فقط لندّعي الحسن فيه فيما الخالق حرمه من هذه اللمسة.. المدهشة؟!.
لا تظلموا الجمال لأن هناك المحروم منه، ومن يفتقد الطلعة الجميلة والبهية فليتمسك بالنور داخله، لأن ذلك هو البقية الباقية.

المشكلة الثانية:
هناك امرأة ترى فيها معنى السحر..
وأخرى تراها.. ساحرة.
ساحرة بما أوتيت من جمال لتسير وراءها مبهورا بصنعة الله في هذه الأنثى، أو ساحرة (كما تظهر في قصص الأطفال) فتطلق لبصرك العنان للهروب سريعا.. من المواجهة.

المشكلة الثالثة:
مسكينة تلك المختالة كبرياء وغرورا، لا تدري أن المقومات (الجسدية) لشغالتها تفوقها بمراحل، وأن عيني الزوج لا ينظران فقط إلى الأناقة الصاخبة حيث الملابس المدموغة بماركات سان لوران وعطور شانيل، بل إلى جسد امرأة حقيقية تعرف كيف تغوي الرجل.. بدون إضافات.

المشكلة الرابعة:
تقول له اكتب من أجلي قصيدة جميلة..
هو لم يقرض في حياته (قصيدة)، وهي ليست.. (جميلة) فكيف يولد الشعر وقد جفّ الشعور؟!
هناك أنثى تنثر الشعر فلا تحتاج إلى حبر الكلمات لتراها كقصيدة، وهناك أنثى تغتال الإحساس داخلك مع أن لها ملامح يمكنها تدوير رقاب عشرات الرجال.. باتجاهها، ربما ليتساءلوا: كيف يبدو هذا التمثال الشمعي ممسوحا من معالم.. إمرأ’؟!.


المشكلة الخامسة:
يضع عطرا من النوع "الرجالي".
وتضع هي نوع آخر مخصص على أنه "نسائي"..
بينما إشارات العطر متبادلة، هي تضع النسائي من أجله، وهو يضع "الرجالي" من أجلها، فكيف حدثت هذه التسمية (المعكوسة) تماما؟!

المشكلة.. ما بعد الأخيرة:
أما مشكلتي معك فهي أنك قوة محتلة تمارس إرهابها العاطفي، ولا تراعي مواثيق حقوق العشّاق، وكلما رغبت في الهدنة رافعا رايتي البيضاء أعلن قلبي تمرّده، ورغبته في الانفصال عني.

الاثنين، 18 مايو 2009

تسللات.. دون راية

ببساطة، وأتمنى أن أكون كاذبا في إحساسي:
من يعتقد بأن خليجي 20 ستقام بعد عامين في اليمن الشقيق فهو واهم، ومن يؤمن بنجاحها فهو مجامل.
ليس لأننا لا نحب اليمن، فما في قلوبنا لها من ود أكثر مما في قلبها لنا، ومنذ الطفولة أخذتنا النغمات اليمانية صوب صنعاء حتى قبل أن نراها، وباتجاه أشجار البن كما سمعنا عنها، ولنا معزوفة حب مع كل كلمة رددتها حناجر المطربين والشعراء: محمد مرشد ناجي وأيوب طارش والثلاثي الكوكباني والمقالح والبردوني.. وقائمة لا آخر لها من المبدعين في اليمن الذي لا نرجوه إلا أن يكون.. السعيد دوما.
لكن الواقع يقول شيئا آخر لا علاقة له بالمشاعر، والأخوة اليمنيون يدركون أنهم في تحد ليس سهلا وصفه بأنه سهل، بل بالغ التعقيد.
بطولة ككأس الخليج ليست دورة رياضية عادية حتى وإن لم تكن من ضمن أجندة الفيفا الكروية، صخبها خارج الملعب لا يقارن بالصخب التنافسي لها داخل المستطيل الأخضر، والبطولات الأخيرة أكدت أن الدورة تنافس جماهيري أكثر من مباريات منتخبات، والسخونة عبر الفضائيات والتصريحات والتحليلات هي التي تشعل المدرجات والمباريات وليس العكس.
اليمن الشقيق يواجه تحديات جمّة عدا شقها الاقتصادي الذي يمكن التغلب عليه رغم مصاعب الأزمة المالية العالمية والإشارات الصادرة من الحكومة اليمنية تؤكد بأن الوضع الاقتصادي في البلاد صعب جدا.
أبرز التعقيدات في الساحة اليمنية يأتي الوضع الأمني مع دخول تنظيم القاعدة إلى بوابة القرن الافريقي متخذا من اليمن والصومال مراكز أساسية ومنطلقا لهجماته، وفيما تدخل هذه المخاوف (القاعدية) إلى قلب اليمن فإن الحوثيين لا يزالون ينشطون رغم الإعلان المتكرر أن التمرد انتهى في جبال صعدة.
وفيما تبقى تلك الزوابع تهب على اليمن الشقيق بقوة جامحة فإن تصاعد الأحداث السياسية ومواجهات العنف على خلفية مطالبات بانفصال الجنوب تلقي بثقلها على الشأن اليمني الذي قد لا يجد وسط هذه الملفات الساخنة (جدا) من تأجيل النظر في الملفات الأخرى ومن بينها ملف الاستضافة لخليجي 20 الذي ليس بأهمية المخاوف الحقيقية من تحول اليمن إلى (حارات) تقاتل بعضها البعض كما أشار الرئيس اليمني في خطابه التحذيري قبل أسابيع، وهو يعني حقيقة ما يحدث في بلاده أكثر من غيره.
جاءت تصريحات تنظيم القاعدة لتفاقم المخاوف على وضع الساحة اليمنية، وتزيد من تعقيدات الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية بما يجعل من وجود ملف استضافة بطولة كروية وسط هذه الأزمات (اليمانية) هامشيا ولا لزوم للحديث عنه.
ومع إيمان عميق بالحكمة اليمانية للخروج من هذه المآزق والتأكيد على وحدة اليمن وأهمية وقوف أشقائه في دول المجلس معه في المحن والأزمات فإن طرح سحب ملف الاستضافة لا يعني بالضرورة التأثير السلبي على معنويات الأخوة اليمنيين وحقهم في استضافة أهل الخليج في بيتهم اليماني، وإنما يحدث في بلدان كثيرة أن يتم أمر كهذا حينما لا تكون الظروف مهيئة بما يجعل الاستضافة إضافة إلى البلد، ويحقق مناخا مستقرا للضيوف، وقد كان للسلطنة موقف مشابه حينما تم نقل القمة الخليجية من مسقط إلى الدوحة لأن السلطنة كانت حينها تواجه تبعات الأنواء المناخية، والدعاء للمولى أن تبعد سائر الأنواء عن اليمن الشقيق: الأنواء الأمنية والقاعدية والإنفصالية، وغيرها.

أوباما والامتحان!!

سيخرج رئيس الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من كونه رئيسا لأقوى دولة في العالم وسيكون رئيسا لجامعة الدول العربية وسيوبخ ضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عما تفعله دولته في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما تسرقه من أرض وما تقتله من بشر ينتمون إلى هذه الأمة التي أرادها الله أن تكون خير أمة أخرجت للناس.
وفي لقائه المرتقب اليوم سينسى باراك حسين أوباما أن بلاده حليف استراتيجي (فوق العادة) للدولة اليهودية وسيتصور نفسه أنه رئيسا لمنظمة المؤتمر الإسلامي وسيحاسب ضيفه حسابا يسيرا عن عملية تهويد القدس والتضييق على المقدسات الإسلامية فيها وعن المسجد الأقصى.
لن يخرج نتنياهو من امتحان اليوم إلا بعد أن يجيب رمز الحلم العربي والإسلامي والعالمي الجالس في البيت الأبيض، وأسئلته المحرجة عمّا فعلته آلة الحرب الإسرائيلية في العامية الأخيرين (على الأقل).. حرب لبنان ومجزرة غزة وآلاف السجناء الذين يسامون فنون العذاب في معتقلات لا تنتمي إلى إنسانية ترعاها الولايات المتحدة كحامية لحقوق الإنسان.. والحيوان!
سيقول له: سجّل في مفكرتك، عليك أن تعود حالا إلى تل أبيب وتلتزم حل الدولتين، (والحل له أكثر من معنى في القاموس العربي).. وعليك أن تهدم جدار الفصل العنصري الذي سمته المنظمات الإنسانية بهذا الوصف، والتحقيق في الجرائم اللاإنسانية المرتكبة في قطاع غزة وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.
سيرتجف نتنياهو وهو يتذكر أي عصا يواجهه بها سيد البيت الأبيض، هناك جزرة سمينة مكونة مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية تقدمها واشنطن لهذا البلد الجائع والخائف.
وهو يكتب ما يملى عليه سيدور في خلد نتنياهو أن يجيب على أسئلة ضيفه بأسئلة أخرى، بريئة وساذجة: التعذيب في السجون الإسرائيلية مقابل الصور المنتظرة لممارسات أجهزة الأمن الأمريكية تجاه الأسرى والمساجين، في العراق وغيرها، ومجازر في غزة في مواجهة مجازر أمريكية تتم بشكل يومي في باكستان وأفغانستان برسم مكافحة الإرهاب.. الأمر لا يعدو مجرد خطأ في الأهداف، والحل في توخي الدقة مستقبلا!
سيسأل النتنـ(ياهو) عن سؤال الوحشية والرد غير المتوازن تجاه المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن صحة ما نقلته وسائل إعلام غربية قبل يومين عن استخدام الولايات المتحدة رعاة بقر لقتل المدنيين في أفغانستان.
وسيتساءل ببراءة أيضا عن قصف دائم تمارسه الولايات المتحدة في أي مكان تريده في العالم (شاء من شاء وأبى من أبى) حينما يسأله أوباما عن قصف موقع في سوريا وآخر في السودان، وعاشر قد لا نعلمه حتى الآن بانتظار أن تكشفه الصحافة الإسرائيلية ذات يوم.
سينسى أوباما اليوم كل مصالح بلاده مع حليف استراتيجي مهم يمثل ترمومتر الوصول إلى سدة البيت الأبيض من أجل عيوننا العربية الجميلة، يدرك هذا الرئيس (الأسمر) بأن الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج تنتظر هذا الاجتماع ممنية النفس بحدوث صدام يؤكد لها بأن أمريكا الأمس ليست أمريكا اليوم، وأن الرهان العربي (والإسلامي) على الحصان الأفريقي (بالنكهة الأمريكية) لم يفتر حماسه لحظة، منذ أن سجّل الحاج باراك حسين أوباما اسمه في قائمة المهاجرين إلى الولايات المتحدة وحتى خروجه من البيت البيضاوي، فهو حامل مشعل الحلم العربي الخالد حينما لم يبق حلم خالد.. ولا مشعل.
ما أتوقعه: أنهما سيؤكدان على استمرارية مسيرة السلام رغم اختلاف وجهات النظر، ومواصلة الضغط على إيران، ومطالبة سوريا بمواقف إيجابية.. (وبالطبع مطالبة العرب الكف عن إزعاج جارتهم العزيزة وإعطائها الفرصة لقتلهم بدم بارد باسم السلام)

السبت، 16 مايو 2009

شمسنا والكهرباء

أن تتأخر الأشياء أفضل ألف مرة (وفي رواية أخرى مليون مرة) أن لا تأتي أبدا..
هكذا نردد الحكمة (المسجلة بختم براءة الاختراع لنا) لتسبيب كسلنا وتبريره أمام أعيننا فيما ينطلق العالم نحو أهدافه، يعمل ليل نهار بحثا وتجريبا دون تقديس للأفكار والأشخاص.. وللقدر الذي وضعنا فوق صحراء تشتعل حرارتها إلى درجة الاحتراق فيما ننتظر (المكيف) الياباني يلطف الجو!!
خبر عن ندوة أقيمت كما تقام غيرها، الدشاديش والبدلات وعدسات الفلاشات والكلمات المنمقة والمعبرة والتوصيات التي تسعى وتأمل وتنادي وتطالب.. وسائر مكونات الصورة المتكررة، فيما الأمر يمس قضية استراتيجية ليست أقل أهمية من الأمن القومي.
اختار معلومتين من ندوة الطاقة المتجددة المختتمة فعالياتها الأسبوع الماضي بعد ثلاثة أيام من التواجد تحت قبة فندق قصر البستان:
المعلومة الأولى: معدل كثافة الطاقة الشمسية في السلطنة يعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم واستثماره يكفي للسلطنة ويفيض للتصدير (أي أنه يمكننا تصدير طاقة الشمس وتصبح العملية كلعبة الخيال العلمي، تعلب وهج الشمس في براميل أو ننقله عبر أنابيب إلى الدول الأخرى، ويا حظ من أفاد واستفاد).
المعلومة الثانية: مقدار ضوء الشمس الذي يصل إلى الأرض كل سبعين دقيقة يعادل الاستهلاك العالمي السنوي من الطاقة (ساعة وعشر دقائق تكفي حاجة مليارات البشر من الطاقة فيما نترك هذا الكنز من أجل وقود ثان يزداد بعدا في قعر الأرض ليس لشيء سوى أن سواده سهل تسويقه فيما أن أشعة الشمس تحتاج إلى مهارة لم يعلمنا إياها الرجل الغربي حينما اكتشف وسوّق بالنيابة عنا النفط في أواخر ستينيات القرن الماضي).
الندوة قامت بناء على دراسة، ربما الدراسة (نامت) وقتا في الأدراج قبل أن يوقظها أحد ليتم الحديث عنها، مسئول حكومي يقول (وبالنص): الهيئة العامة للكهرباء والمياه بصدد تعيين استشاري دولي لإجراء دراسة جدوى لإنشاء محطة كبيرة للطاقة الشمسية المركزة في السلطنة.
وليعتن القارىء بالمفردات الواردة في الفقرة السابقة: بصدد، تعيين، إجراء دراسة، إنشاء محطة.. وكل مفردة تحتاج إلى زمن لتكون واقعا.. ومن يعش ير!!
معالي أمين عام وزارة الاقتصاد الوطني سرد حسنات كثيرة ظهرت في الدراسة (السابقة) بما يكفي أن يبدأ المشروع (أمس) وليس اليوم، وكأننا اكتشفنا حرارة الشمس الأسبوع الماضي مع أن دولا كثيرة في العالم استفادت من تقنية الرياح والسدود المائية وصولا إلى الذرة، والدراسة تقول أيضا أن سرعة الرياح في المناطق الساحلية (جنوب السلطنة) وفي جبال شمال صلالة تعادل سرعتها تلك الموجودة في قارة أوروبا والمستفاد منها منذ عشرات السنوات.
الواقع يقول أن هناك ارتفاعا سنويا في معدل الطلب على الطاقة الكهربائية في السلطنة يبلغ 8 بالمائة نتيجة التوسع العمراني والاقتصادي، والنسبة قابلة للزيادة في ظل الضغط على الأحمال الكهربائية كل صيف حيث أن ارتفاع درجة حرارة الجو يقابلها (تشغيل) إضافي لأجهزة التكييف (وأخواتها)، وعلى المحولات المغذية الصمود تحت وهج حرارة تصهر المعادن فوق الأرض وليس تحتها.. فقط.
توجد لدينا أزمة أفكار..
وإن تخطيناها تواجهنا أزمة دراسات وبحوث..
وإن فعلنا فهناك أزمة دراسة تتبع دراسة سابقة والتوصيات تتوالى..
أما أزمات التنفيذ فهي أثقل من أي عبء آخر!!

هاربا بشكل ما

هروب أول:
سأتجاوز حطام البشر، وأقف على حافة ورقة، فوق غصن ما على شجرة حالمة، تلوّح بالندى على أوراقها.. سأتخيلها إن لم تصلها عيناي، كما تخيلتك ملايين المرات حين تعذرت الرؤية.. سأتجاوز التفاصيل المؤلمة في يومياتنا، والقلق المدفون بين النبض والنبض، والحزن الشفيف المنكسر في عيونهم..
سأتجاوز أخبار الرصاص المنثال على الأجساد البريئة والمستحقة لفعل الموت، والأنلفونزا المطاردة للآدميين كأنهم أثقلوا الحياة أكثر مما ينبغي.. سأتجاوز أخبار الطقس وأحوال الرطوبة والمناخ الجاف.. وأقول أنك: حبيبتي.

هروب ثان:
سأركض بعيدا عن عناوين الحروب والأزمات الاقتصادية الطاحنة، سأنسى دروس الأرقام وحسابات النافذين، سأختار أرضا لا تشبه هذه، سماء لا دخل لها بتلك، وسأزرع في المسافة بينهما شجرة ذات جذع يتقبل رسمة الحرفين والقلب النازف، سأعود لأكون مراهقا صغيرا وأعيد دورة السنوات عقودا للوراء، كل هذا لأهرب منك إليك، لأهرب منّي إلى ذاتي، وأقول أن الأمر جدير بالتشاقي وإعلان الحب كلّما شئنا اكتشاف إنسانيتنا من جديد.

هروب ثالث:
هذا الصباح.. لن ألتفت إلا إليك..
هاربا من سيئاتي وأخطائي، ميمما شطر روحك، منشطرا إلى شمعتي ضوء، أحملني في يدي الاثنتين، هناك أشياء يجب أن أحكيها لك هذا الصباح، كل صباح، وفي اللحظات المختلفة بين صباحاتك الفارقة بنداها ومساءاتك الغارقة بقمرياتها.
لأحكي، لا بد أن أتجاوز كل ذلك..
وأن أتحلل مما يثقل الجسد لتغني الروح كما تشتهي.

هروب رابع:
أنا المتفائل الذي يحلم بكل شيء..
أنا المتشائم الذي لا يحلم بأي شيء..
أنا المتشائل الذي يحلم ولا يحلم.
.. وأنا المتسائل الذي أنهكته الأسئلة، وكسرت ظهره.. إجاباتها.

هروب خامس:
سأتخذ القرار الصعب، وافتح نوافذ القلب لتتمكن العصافير الساكنة أقفاصه من الهروب، ثقي أنها لن تذهب بعيدا، القلوب الخضراء ستعود إليها العصافير حتما، لن تذهب للقلوب الجافة، اهربي منك إليّ، أو اتركي أقفاص قلبك مفتوحة، لن تذهب طيورك بعيدا.

هروب.. ليس الأخير:
مجنون، لديه حلم يشاغب روحه..
أشرعه أمام قسوة الريح، فارتد الغبار من الريح للروح..
حينها أيقن بجنونه، وأن العقل يستوجب المضي في الجنون.. رغم كل شيء.

الأحد، 10 مايو 2009

شيء عندكم طماط؟

صديق قديم غاب عن عيني سنوات طوال بحكم (سكنى المدينة) لكن التواصل (هاتفيا والكترونيا) حاضر بقوة التكنولوجيا، مهما اشتكينا من جفاف (أسلاكها) ومشاعرها المعلبة وفق بند إعادة الإرسال.
رسالة الكترونية منه وضعتني في صندوق الذكريات والمشاعر الإنسانية الجميلة التي (وأعتقد) أنها لم تغب من قلوبنا لكن الزمن ضغط عليها بقوة وبقسوة، تخرج أحيانا إلى خارج الصندوق فنفاجأ بها، كأن إنسانية الإنسان تدهشنا مع أنها الأصل فيه رغم كل قشور الحضارة والمدنية على جلده الآدمي.
تقول الرسالة: حين طرق باب بيتنا ليقول لي ولد الجيران: أمى تسلم عليكم وتقول عندكم طماط؟ ابتسمت من قلبي وقلت له عندنا، ولو ما عندنا زرعنا لكم بحوش بيتنا.
هذه المقدمة الصغيرة المجتزأة من الرسالة كافية لإدخال كل قارىء في الأجواء التي تتحدث عنها، والسؤال أقتطعه أيضا منها: منذ متى لم يطرق بابكم احد الجيران لطلب(طماط) او بصل او خبز ؟!! ربما يقال أننا بخير ونعمة ولم يعد الطلب من الجيرانله ضرورة ولكن بفقداننا هذه الطلبات الصغيرة بين الجيران فقدنا طعم الجيرة، فهذه الإرساليات الصغيرة كانت كافية لفتح قلوب الذين يجاوروننا في الحارة قبل أن يفتحوا لنا أبوابهم، لنراه، لنعرف أسماءهم، لندرك هل هم هنا بخير أم أن أقدارا بعثرتهم أو أعثرتهم وقد يأتي يوم لا نعثر فيه عليهم.
تخيل لو أن الموقف نريد تمثيله الآن:
الزوجة لن تكتشف أن ثلاجتها لا يوجد بها (طماط).. لأن الشغالة التي تعرف خبايا المكان ستصنع (المرقة) بدون هذه الحبة الحمراء الأنيقة..
ولن يكون بمقدار أحد الطلب من أحد الأطفال الذهاب للجيران خشية أن يعلموهم (الشحاته)، والأم تخشى الفضيحة من الجيران لأنهم يريدون تقديم صورة عن أنفسهم تترفع عن طلب هذه الأشياء، وبدلا من التفاخر بما لديهم من (ثراء) هل سيكون عليهم طلب حبة طماط؟
وفي حالة اكتمل المشهد في لوحته الأولى لن تفهم الشغالة في منزل الجيران أنه يمكن طلب ذلك منهم، وإن فهمت فإن زوجة الجار ستعدّ الأمر نكتة ليس لها محل من الإعراب في هذا الزمن، وأن الجارة الأخرى متخلفة وزوجها بخيل، وإن مضت قليلا في التمثيلية فإنها قد تتهم الجيران بأنهم يمارسون حيلة جدا من حيل النصب.. اليوم حبة طماط، باكر الله يستر ايش يطلبوا؟!
ينعي صديقي في رسالته تلك البساطة التي أضعناها في دهاليز التعقيد، داستنا حوافر الايتكيت والحداثة في حياتنا حتى ضعنا في المسافة بين الشوكة والسكين، البساطة في قلوب الصغار الذين يعرفون الطريق إلى بيت الجيران وكأنهم أحد أولادهم، والكبار الذين خرجوا من ذات المكان الذي تناسلت فيه سلالتهم وليسوا طارئين على المكان..
فهل نكسر حائط الثلج بيننا وجيراننا الذين لا نعرفهم في المدينة ونبدأ معهم خطوة تقربنا معا، على الأقل كي لا يسرق أحد بيت أحدنا ولا نعرف ماذا يحدث في الجدار القريب من جدارنا، لنسمى هذه الخطوة دبلوماسية الشوربة أو صحن الهريس، ربما لنا جار من هم في بيته يجيدون المندازي أو المنسف أو أي نوع آخر يحقق التقارب ويكون بيننا وجيراننا (خبز وملح) كالذي كنا زمانا نطلبه من بيت جيراننا إن نقص في مطبخنا، هذا إن كان يسمى مطبخا!!
ربما لن يذهب الطفل إلى باب جيرانه ويقول للجارة: أمي تسلم عليكم وتقول : ألا ليت الزمان يعودُ يوماً لأخبره ما فعلت (الطكنلوجيا)!

الإبداع.. إعلامي

كانت حفلة فرح بمعنى الكلمة حينما وزعت جوائز الإبداع الإعلامي على الفائزين بها، ليلة من الحضور الجميل والرائع، وجوه عرفناها وألفناها، وأخرى تبحث عن مساحة لكلمتها وصوتها وسط ضجيج فضائيات وإذاعات، عامة وخاصة، اختلط فيها السمين بالغث فلا تدري أي السمين بقي، وأي الغث استولى؟!
المئات اجتمعوا تحت سقف قاعة ضاقت بهم، فقاعات الفنادق المسقطية مزحومة مفكراتها، وأمل الإعلاميين في مبنى الجمعيات الثلاث لتكتمل تحته اللقاءات بين مبدعين يناضلون من أجل الحضور رغم الظروف والمتاعب، ببساطة لأنهم محسوبين على فئة لا تعمل وفق بندول الساعة الممتدة من صبيحة اليوم إلى ظهيرته، بل ضمن من استهوتهم مهنة البحث عن المتاعب فدفعوا من أجلها صحتهم وأعصابهم.
ليس هو لقاء فوز، بل عنوان التقاء تحت سماء صغيرة جدا بحجم قاعة فندق جراند حياة، لا تتكرر إلا كل عامين لهؤلاء الإعلاميين وهم يبحثون عن منفذ لقضاء وقتا من الأمسيات في حفل كهذا يلتقون فيه حيث يعز عليهم فعل ذلك في أيام العمل المعتادة.
ليس هو حفل توزيع الضحكات على الخاسرين لأنه لا أحد خاسر، فالإبداع أعمق من أن تقيّمه لجنة، وأن تمنحه رؤية شهادة تفوق أو تستبعده لأنه لم ينل رضاها (المزاجي) رغم كل عوامل الخبرة والمهنية المتوافرة في لجان التحكيم.
.. وكان لي شرف الحضور كعضو في اللجنة الرئيسية للمسابقة، والأهم هو أن النص المسرحي المقدم في الحفل يحمل بصماتي التأليفية، ولن أجد حضورا نوعيا كالحاضرين: صحفيون وإعلاميون ومثقفون ومتعاطون مع الكلمة كتابة وصوتا ورؤية..
بدا لي مشهد الحرية جليا، قرأته في أعين الذين تعجبوا من تلك الجرأة في الطرح، وأطلقوا السؤال المعتاد في مثل هذه الحالات: ألم يحذفوا منها شيئا؟! قلت أنه الحذف الذي راعى الوقت لأن الليلة ليست لعرض مسرحي، هو الهامشي الذي يقلل من رتابة توزيع الجوائز، وهو الرسالة التي يمكن طرحها للإستدلال على كمية الأوكسجين المتوافر في رئتنا الإعلامية لو أردنا التنفس جيدا، تنفس هواء الوطن لا أهواءنا، التعرف على أوكسجين نقي يهم المواطن لا ثاني أوكسيد الكربون الذي نطلقه في وجوه الآخرين، الحياة النقية التي نريدها لأشجار بلادنا كي تثمر لا الأحجار التي نقذفها بها كي تتساقط أثمارها بقسوة الرمي والسقوط.
انتقد العرض المسرحي الذي نفذته باقتدار فرقة مزون المسرحية أشياء بدت كأنها المحرّم لكن الأبقى في آخر المشهد هو عمان، البلد المتوجب لمحبتنا وإخلاصنا، وجلالة السلطان المعظم المستوجب لتقديرنا وإجلالنا، وليس في الأمر ما يمنع من أن نظهر محبتنا لوطن هو رمز وجودنا ولسلطان هو تاج نهضتنا.
نتمنى: دفعة قوية لهذا اليوم الإعلامي الرائع، نحتاجها مناسبة سنوية يلتقي فيها أبناء بيت الإعلام ليروا بعضهم البعض على الأقل، ونأمل أن تكون موازنة المسابقة ومتطلبات العرس الإعلامي ضمن رؤية استثمارية للطاقة البشرية المبدعة، وهي مناسبة لتكريم معنوي ومادي أكثر لمبدعين يستحقون أن يكون لهم الأجمل والأفضل كونهم الصوت الحقيقي للمجتمع.
شكرا لوزارة الإعلام على ما أبدعت في يوم التكريم، باجتهادها لتوفير موازنة هذه الجائزة، وبلفتتها تجاه متقاعديها، وألف شكر لكل مبدع عماني مجتهد.

مسئول يعترف.. وآخر يبرر!

بداية أوضح أن المسئول لا أعني به فقط ذلك المحسوب على كرسي الحكومة، لأن هناك كراسي أخرى (وكثيرة) تتواجد في القطاع الخاص، وفي المدرسة، وفي البيت، حيث يجلس الرجل على زعامة المكان يمارس صلاحيته المطلقة، يأمر، ويبرر، ولن يكون رجلا مسئولا إن اعترف يوما بأنه أخطأ.
وفي وسائل الإعلام نجد تصريحات المسئول الذي لا يمتلك إلا التبرير، لا يقول أن هناك ثمة خطأ ودوره أن يراجع أوراقه وحساباته قبل أن يكشف أوراق الآخرين وحساباتهم، من الذين ارتكبوا أخطاء وفق تراتبية الكراسي نزولا، لكنه لا يتورع عن تقديم كشف حساب بأخطاء أولئك الجالسين على الكراسي (صعودا)، وحسبه في ذلك الوصول، وأنه مدرك لما يحدث وجاهز لإصلاح كل شيء.. فيما لو تركت له الفرصة لاعتلاء الكرسي الأكبر من كرسيه الحالي.
قبل أكثر من أسبوعين شدني حديث لمدير بلدية المضيبي خلال رده على أحد المواطنين، لم يبرر ما لاحظه المواطن (المتصل) بل اعترف به مشيرا إلى إمكانية قصور قد حدث، والتقصير سمة البشر، ووعد بمتابعة الأمر..
أخرجني هذا التصريح من الصورة النمطية المعتادة عن مسئولين يصرون أن كل عملهم (تمام التمام) وأن الإنجاز متواصل ليل نهار، إذن لماذا يحدث ما يحدث من أخطاء إن لم يكن هناك قصور أو تقصير لا مناص منه حينما نصف الفعل بأنه قائم على اجتهاد بشر، له أجر حتى وهو يجتهد مع الخطأ.
ذكّرني ذلك الحديث لمدير البلدية بمسئول آخر يضع كل أخطاء قراراته على رقاب الموظفين الأقل منه منزلة (ودرجات)، لا ينجح كما يريد لأن لديه مجموعة كبيرة من الفاشلين والحاقدين والصائدين في المياه (العكرة)، كل خطأ يحدث بسببهم لا بسببه، هو يفعل الصواب (وفقط) وهم لا ينتظر منهم سوى الخطأ.. وحده.
فلماذا تغيب عن قاموسنا الوظيفي ثقافة الاعتراف أن هناك ثمة فشل وأخطاء..
أن الأرقام التي تعلن غير حقيقية، أو غير واقعية على الأقل.
أن المشروع الذي خطط له ليكون مربحا أصابته خسائر فادحة، كمشروع شركات الأسماك التي لديها آلاف الكيلومترات من السواحل تتيح تحقيق أرباح تهم المواطنين (المساهمين) والمواطنين (الباحثين عن كيلو سمك)..
وأن الجسر الذي أقيم ليساهم في انسيابية مياه الوديان حجزها مرتدة إلى مزارع المواطنين، وأن أرقام حصادنا من التمور محل شك لأنه لا يوجد مقياس حقيقي في ظل زحف حشرة الدوباس على الأخضر من نخيلنا واليابس، وأن الأخطاء الطبية قدر لا علاقة له بالإهمال في المستشفيات والرعونة في معاملة المرضى.
عدم قول الحقيقة هو الخيانة الحقيقية للمسئولية وليس الاعتراف بالأخطاء والتقصير وعدم المتابعة.. فالمشكلة أن الاحتفالات كثيرة وهذه تستدعي الحضور في الصف الأمامي، سواء أكانت للمسئول علاقة بالحدث أم أنها من باب الدعاية الإعلامية.

تشاؤل أخير:
مرت أيام طوال منذ أن كتبت عن سيارة شفط المجاري الواقفة على الطريق نحو مدرسة الخوير، لا تزال المياه العفنة تتسرب عبرها، ذلك يعني أن الأمر لم يعد يعني المعني بالأمر، كما لا تعني آخرين.. مسائل أخرى.