الاثنين، 7 سبتمبر 2009

دولة فدولتان.. فأكثر

لا توجد قضية كبرى في العالم كالقضية الفلسطينية وهي تعيش ظروفا تتراوح بين التراجيديا والكوميديا السوداء والميلودراما وسائر المفردات التي يصح معها الحديث عن ملحمة مسرحية يقدمها عدد كبير من الممثلين، أبطالا وكومبارس، يؤدون أدوار خير وشر.
وليس من اليسير معرفة تداعيات أوصلت عبارة نستخدمها بكثرة إلى ألسنتنا حيث نكرر القول (على حساب القضية) تعبيرا عن لغة المصالح، فالقضية تطعمنا لا نطعمها.. ربما لأنها أصبحت من غير طعم.
والأحداث الواقعة مؤخرا ضمن مسرحة ساخرة للواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية دال على صعوبات خلخلت أسس بناءها حتى تكاد تفقد مشروعية النضال من أجلها، فبعد مفاوضات عقود من السنوات بين أصحاب الأرض ومستعمريها طفت على سطح الأحداث مفاوضات أخرى تعيد رسم المشهد التفاوضي، ولكن هذه المرة بين الأخوة الأعداء، وما يشبه الدولة الذي جاءت بها اتفاقيات أوسلو أصبحت دولتين، كل منهما تشرب مرارة الاحتلال والإذلال، لكن الأهم أن يبقى الفصيل على رأس السلطة.. أية سلطة كانت، وبأي ثمن كان.
ومن الغريب أن يصبح همّ قادة القضية ومناصريها وأصحاب الحلول التصالحية والتفاوضية هو مطالبة المحتل الإسرائيلي بأن يعلن (ولو كذبا) تجميد الاستيطان لأنه وكما يتم تسويقه إعلاميا يعرقل العملية السلمية، ويلحّ الجميع على أنه السبيل الوحيد لعودة المتفاوضين إلى الطاولات وكأنهم لم يشبعوا من الجلوس للتفاوض وفلاشات وسائل الإعلام والتصريحات التي تتحدث عن تقدم وملفات صعبة واتهامات متبادلة وغيرها من المفردات المتساوقة عبر وسائل الإعلام عشرات السنين.
والمشهد في الجانبين دال (بمرارة متناهية) على وضوح الهدف لدى كل منهما وغيبوبته، الفلسطينيون (وعلى رأسهم أبو مازن) يريدون تجميدا للمستوطنات كهدف يجب الوصول إليه قبل الشروع في أي تفاوض على حلول (مستحيلة).. وهذه لغة العجز البيّنة لأنه لا أحد يملك إجبار حكومة تل أبيب على غير ما تريده، والإسرائيليون يقولونها بالفم الملآن أنهم لن يرضخوا ويطلقون التصريحات تلو الأخرى بأنهم ماضون في مشروعهم (الواضح والبيّن) وعلى من يريد إبداء الأسف (كواشنطن) أو التعبير عن صدمته (كالأوربيين) والإدانة والشجب (كالعرب) ممارسة دورهم المحفوظ منذ عقود.
اللعبة المسرحية واضحة: محتل يقتل، وصاحب أرض هو الضحية، وهما أبطال العرض، أما الكومبارس فإنهم يقومون ما تفرضه عليهم شروط اللعبة: دعم لا غبار عليه مع بعض الإرضاءات للأصدقاء العرب (دور يقوم به رجل أمريكي) وشخص يقف باستمرار مع القاتل لكنه يشعر أحيانا بتأنيب الضمير (الدور للممثل الأوروبي) أما الممثل الآخر وهو شخص عربي فعليه أن يغضب ويندد.. يقدم مبادرة ويهدد بسحبها، بينما قالها وزير الخارجية الإسرائيلي بشكل واضح وصريح بأنه سيحذف موضوع القضية الفلسطينية من ملفات وزارته، وإسرائيل تمارس كل شيء على الأرض، تهوّد القدس، وتوسع المستعمرات، وتقول للعالم أنني لن أتوقف، ومن لا يعجبه الأمر فليشرب من البحر.. وإن كان أوباما.
هكذا تقاسم العالم أدوار اللعبة على الخشبة الفلسطينية، واكتفى الممثل العربي بمتابعة من يصعد إلى الخشبة من أبطال الحكومة الإسرائيلية، فمرة يقول أنهم حمائم، وتارة يقول أنهم صقور، مع أن جميع الطيور التي جرّبها خلال سنوات القضية من النوع الجارح المسيل للدماء، لكن العربي وبطيبته أو بطبعه يصدق الكلام الناعم، خاصة إن جاء بمفردة سلام، ومستعد أن يطبّع.. لغلبة الطبع عليه.

دولة فدولتان.. فأكثر

لا توجد قضية كبرى في العالم كالقضية الفلسطينية وهي تعيش ظروفا تتراوح بين التراجيديا والكوميديا السوداء والميلودراما وسائر المفردات التي يصح معها الحديث عن ملحمة مسرحية يقدمها عدد كبير من الممثلين، أبطالا وكومبارس، يؤدون أدوار خير وشر.
وليس من اليسير معرفة تداعيات أوصلت عبارة نستخدمها بكثرة إلى ألسنتنا حيث نكرر القول (على حساب القضية) تعبيرا عن لغة المصالح، فالقضية تطعمنا لا نطعمها.. ربما لأنها أصبحت من غير طعم.
والأحداث الواقعة مؤخرا ضمن مسرحة ساخرة للواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية دال على صعوبات خلخلت أسس بناءها حتى تكاد تفقد مشروعية النضال من أجلها، فبعد مفاوضات عقود من السنوات بين أصحاب الأرض ومستعمريها طفت على سطح الأحداث مفاوضات أخرى تعيد رسم المشهد التفاوضي، ولكن هذه المرة بين الأخوة الأعداء، وما يشبه الدولة الذي جاءت بها اتفاقيات أوسلو أصبحت دولتين، كل منهما تشرب مرارة الاحتلال والإذلال، لكن الأهم أن يبقى الفصيل على رأس السلطة.. أية سلطة كانت، وبأي ثمن كان.
ومن الغريب أن يصبح همّ قادة القضية ومناصريها وأصحاب الحلول التصالحية والتفاوضية هو مطالبة المحتل الإسرائيلي بأن يعلن (ولو كذبا) تجميد الاستيطان لأنه وكما يتم تسويقه إعلاميا يعرقل العملية السلمية، ويلحّ الجميع على أنه السبيل الوحيد لعودة المتفاوضين إلى الطاولات وكأنهم لم يشبعوا من الجلوس للتفاوض وفلاشات وسائل الإعلام والتصريحات التي تتحدث عن تقدم وملفات صعبة واتهامات متبادلة وغيرها من المفردات المتساوقة عبر وسائل الإعلام عشرات السنين.
والمشهد في الجانبين دال (بمرارة متناهية) على وضوح الهدف لدى كل منهما وغيبوبته، الفلسطينيون (وعلى رأسهم أبو مازن) يريدون تجميدا للمستوطنات كهدف يجب الوصول إليه قبل الشروع في أي تفاوض على حلول (مستحيلة).. وهذه لغة العجز البيّنة لأنه لا أحد يملك إجبار حكومة تل أبيب على غير ما تريده، والإسرائيليون يقولونها بالفم الملآن أنهم لن يرضخوا ويطلقون التصريحات تلو الأخرى بأنهم ماضون في مشروعهم (الواضح والبيّن) وعلى من يريد إبداء الأسف (كواشنطن) أو التعبير عن صدمته (كالأوربيين) والإدانة والشجب (كالعرب) ممارسة دورهم المحفوظ منذ عقود.
اللعبة المسرحية واضحة: محتل يقتل، وصاحب أرض هو الضحية، وهما أبطال العرض، أما الكومبارس فإنهم يقومون ما تفرضه عليهم شروط اللعبة: دعم لا غبار عليه مع بعض الإرضاءات للأصدقاء العرب (دور يقوم به رجل أمريكي) وشخص يقف باستمرار مع القاتل لكنه يشعر أحيانا بتأنيب الضمير (الدور للممثل الأوروبي) أما الممثل الآخر وهو شخص عربي فعليه أن يغضب ويندد.. يقدم مبادرة ويهدد بسحبها، بينما قالها وزير الخارجية الإسرائيلي بشكل واضح وصريح بأنه سيحذف موضوع القضية الفلسطينية من ملفات وزارته، وإسرائيل تمارس كل شيء على الأرض، تهوّد القدس، وتوسع المستعمرات، وتقول للعالم أنني لن أتوقف، ومن لا يعجبه الأمر فليشرب من البحر.. وإن كان أوباما.
هكذا تقاسم العالم أدوار اللعبة على الخشبة الفلسطينية، واكتفى الممثل العربي بمتابعة من يصعد إلى الخشبة من أبطال الحكومة الإسرائيلية، فمرة يقول أنهم حمائم، وتارة يقول أنهم صقور، مع أن جميع الطيور التي جرّبها خلال سنوات القضية من النوع الجارح المسيل للدماء، لكن العربي وبطيبته أو بطبعه يصدق الكلام الناعم، خاصة إن جاء بمفردة سلام، ومستعد أن يطبّع.. لغلبة الطبع عليه.

درايشنا

في حوار إذاعي مع المبدعة سهى الرقيشية أجبت بالنفي على سؤال يتعلق بمتابعتي لما تكتبه المنتديات الأدبية عن مسلسل درايش، كوني أحد كتّابه هذا العام وما قبله، ضمن ورطة كتابية جميلة جعلتني أرى اسمي وأفكاري على الشاشة الصغيرة.
حفّزني السؤال على البحث فورا في المنتديات المعروفة بأنها لا يعجبها العجب ولا الصيام حتى في رمضان فكيف به في رجب، وتابعت ما يكتب من تعليقات أقرب إلى سجال بين رافضين ومتذمرين من كل شيء (إلا من رحم ربي) وهم قلة من المنصفين الذين يرون الأشياء بعين العقل لا لمجرد المشاركة في الشتم والانتقاص.
بحثت عمّا يسمى رأيا أو نقدا إلا أن الأمر أشبه بلغة شوارع كل يرمي كلمة ويمضي، تمعنت فيما كتبه بعضهم عن رأي له قيمته كونه رؤية من مشاهد له الحق (كل الحق) في قول رأيه، كما أنه ممتلك لحق آخر وهو تغيير رقم القناة من خلال جهاز الاستقبال الفضائي في يده إلى أي محطة يراها مستحقة لوقته الثمين.
لن أدافع عن درايش، فمن بين ما قيل فيه كان هناك شيء من الصواب..
ولن يصل أي عمل درامي إلى مرحلة الكمال المبتغاة، ولو أن مسلسل باب الحارة عمل عماني لوجد في مثل هذه المواقع الانتقاص قبل الانتقاد، وحالتنا الدرامية المحلية لا تختلف عن غيرها، وما يتعرض له أي عمل درامي عماني من اتهامات بالضعف أمر عادي أيضا يحدث لكل ماتفرزه شركات الإنتاج من مسلسلات وبرامج..
فلا الكويتيون راضون عن أعمالهم الدرامية، وهي الأبرز في الخليج، ولا الإماراتيون متفقون على جودة مسلسلاتهم، وهم الأوسع والأكثر دعما للإنتاج الدرامي.
ينسحب ذلك على الدراما في أهم بلدين عربيين منتجين للأعمال الدرامية، مصر وسوريا، في هذه البلدان التي تشكلت فيها خارطة حقيقية للدراما هناك اختلافات رؤى وخلافات نجوم ومستويات ضعيفة واتهامات بالسطحية والتكرار.. مع أنها منتشرة في أرجاء الدنيا، بعكس أعمالنا العمانية التي بالكاد وصلت إلى بعض بلدان الخليج.
ببساطة: شركة الإنتاج العمانية الوحيدة التي تقدم دراما هي وزارة الإعلام!!
وينفق عليها مئات الآلاف من الريالات فيما ليس منها أي مردود مادي لأن عرضها محلي فقط!!
أما من ينتج الأعمال الدرامية المحترفة عربيا (وعالميا) فهي شركات إنتاج محترفة (أيضا)، والقطاع الخاص لدينا (جبان) ما أفرزه في هذا المضمار اجتهادات أشخاص أقاموا شركات إنتاج أهم ما فعلته أنها (سرقت) حقوق الفنانين (وهذا ليس تعميما).
فهل مطلوب من وزارة الإعلام تبني أفكار مسلسلات مضادة للجهود الحكومية وتقدم حلقات مسلسل درايش كبيانات شديدة اللهجة ضد أجهزة الدولة وعبر تلفزيون حكومي؟!
هذا السؤال الـ(ينبغي) طرحه والبحث عن إجابات عليه من الذين يرفعون سيف الانتقاص (لا النقد) مع غياب مؤسسات إنتاجية أخرى يمكنها تقديم ما يريده الجمهور (ضمن حدود القانون).. فلا ينبغي النظر إلى مسلسل (خفيف) يأتي بعد الإفطار على أنه مظاهرة ترفع لافتات وشعارات شديدة التعبير ضد وزارات ومؤسسات ومسؤولين، علما أن مسلسل درايش قدم بين حلقاته أفكارا جريئة لم تطرح سابقا في الدراما العمانية، وواجهت وزارة الإعلام ضغوطا من وزارات أخرى لإيقاف عرض مثل هذه الأفكار..
أي ضعف درامي الحديث عنه متاح لأنه موجود، وأسبابه كثيرة أغلبها متعلق بسوق إنتاجية قادرة على حمل الدور عن الدولة، ففي عصر كعصرنا يتحدث عن تراجع دور الدولة (المرجعية لكل شيء) لصالح مؤسسات المجتمع المدني، الربحية واللاربحية، لا يمكن أن يأتي حتى الإنتاج الدرامي مختوما بشمع الحكومة.. ومالها.

السجن والعمال الهاربين

في أخبار الإدعاء العام مرآة جانبية للمجتمع، يمكن مشاهدة ما لا يصعد إلى سطح الحياة اليومية للناس إلا من باب الإشاعة والخبر الغائب عنه يقين الحقيقة، بعضها ما يدفع المرء للحزن على ما تتقاذفه طبيعة الحياة في مجتمع آمن، وآخر يمكن قراءته كنوع من الأخبار الطريفة كالتي تنشر في الصفحات الأخيرة للصحف.
خبر سقوط محفظة جديدة ليس بالخبر الجديد، ولا الجيد..
وكتبت سابقا أن القادم أسوأ، والأهم هو عقاب على من سوّلت لهم أنفسهم سرقة أحلام البشر ليتنعّموا بالملايين يبنون بها أحلامهم الخاصة، وعلى الآخرين دفع الثمن مضاعفا، من مالهم وصحتهم.. وعلى المستقبل ألف سلام.
سأتجاوز هذا الخبر إلى بيت القصيد، وهو سجن امرأة بتهمة أنها أحضرت عاملا وسرحته ليعمل عند الغير!!
خبر مدهش لمسألة غير مدهشة..
بين المليون عامل في بلادنا هناك ربع مليون (ربما) يعملون لدى الغير، وكانت تسمى بظاهرة التجارة المستترة لكن الله ستر على (الأرباب) ولم ينكشف لأن كل البيانات التي يقدمها لوزارة القوى العاملة من النوع الذي تريده الوزارة، وإن شئت عاملا إضافيا حتى بدون أوراق يمكنك فعل ذلك، وكتبت مرة عن واقعة حقيقية دون أن يسأل أحد: أين وكيف؟!
لا أدري حيثيات وصول القضية إلى الادعاء العام.. لكنها وصلت، وكان هناك متهم صدر الحكم بإدانته، وتأسيا على هذه الحالة من يملك حق الإبلاغ عن عشرات العمال الوافدين يعملون تحت السمع والبصر لتتم مقاضاة كفلائهم والحكم عليهم بالسجن.. والسؤال: كم مواطنا سيدخل السجن بسبب هذا الفعل؟!
الرقم سيكون مثيرا جدا، وعدد العمال الهاربين أكثر إثارة، والأمر ليس بالسر الخطير الذي نفشيه لنقول بأن هذه التجارة ليست مستترة وتمارس في العلن، وأمكنة في روي والغبرة تعطي الدليل الواضح على أن كل تلك الأعداد من العمل الآسيويين تعرض خدماتهما على قارعة الطريق لمن يرغب، أي أن العمل لدى الغير لم يعد تهمة لأنه يتم في سوق مفتوحة أشبه بسوق الجمعة، فأين الكفلاء عنهم وهم يتنقلون من شارع إلى شارع؟.. وأكرر أن هناك جهات حكومية تقوم بتشغيل قوى عاملة وافدة باليومية وهي لا تعلم من هو الكفيل المسئول عنها، لأنه (وببساطة متناهية) ينتظر بضعة ريالات آخر الشهر.
هناك من قال بملء الصوت أنه أبلغ مفتشي العمل بوجود عمال يتخذون من مزارع في منطقة الباطنة سكنا ونقطة انطلاق نحو ما يتيس لهم عمله، ولكن الوزارة ترد بالقانون.. ولدى صاحب الرد الحق فيما يقول لأننا في بلد قانون، ولكن من يتحايل على هذا المسمى بالقانون لا بد من مواجهته بطرق تحفظ للمجتمع هيبته حتى لا تتواجد بين القوة العاملة في بلادنا فئة كبيرة من الخارجين عن.. القانون.
والسؤال: هل القبض على مخالفين لقانون العمل يحتاج إلى معجزة أم أن تلك المرأة الصادر بحقها السجن هي الكارت الأصفر في وجوه الآخرين؟!
نأمل ذلك رغم أصابع الاتهام الموجهة لي (وبحكم المصالح) ولسان الحال يقول: خلي المواطن يترزق!

التربية والانفلونزا

سرعان ما أصبح مرض انفلونزا الخنازير مالىء الدنيا وشاغل الناس، وليس من حديث إلاه، ولا إشاعة إلا عنه، ولا نبأ إلا ينتشر دون حاجة إلى جهينة لتنبؤنا بالخبر اليقين، فالحقيقة لا توجد كاملة، فلا الطرق التي يسلكها إلى الأجساد البشرية واضحة، ولا الأرقام التي تعلنها اللجنة الموكل إليها أمر متابعة المرض كاملة، ليس تشكيكا في أمر اللجنة، ولكن لأن الوباء مستتر في كثيرين، وما يعلن اليوم من أرقام الإصابات لم يحدث اليوم فقط، بل هو متخفّ منذ ايام، لكن علمه عند عالم الغيب.
وكان من المهم تأجيل بدء العام الدراسي، وهناك دول في المنطقة أجّلته حتى قبل أن يندفع المرض إلى بلدان العالم جميعهأ، الممتلكة لثمن المصل أو التي لا تملك حتى أكفان موتاها، فكان قرار بدء الدراسة بعد إجازة عيد الفطر السعيد فيه كثير من الحكمة حيث أن حالة الطقس تكوي رؤوس الطلبة وهم آكلون شاربون، فكيف به مع جيل يتربي على مبادىء الإسلام ومن أهمها صوم شهر رمضان، ليشبّ على تأدية أركان الدين بما وجده فيها من رحمة تسبق العذاب، ورحلة الطالب بين البيت والمدرسة لها ملمح من عذاب لا يذوقه الموظف السائر بين بيته ومكتبه.
المسافة رغم بساطتها إلا أنها تحدث في حافلات تعاني من الزحام والحرارة التي تبدأ من لحظات انتظارها أمام باب المدرسة، ثم لحظة وصولها إلى طرف الحارة (أحيانا) وما يعانيه الصغار من مشقة حمل الحقيبة المدرسية تحت وهج شمس لا ترحم الصائمين والمفطرين على حد سواء، وتحملها للصائم أكثر مشقة.
ومؤكد أن العام الدراسي سيغدو قصيرا، لكن وبقليل من الجدية يمكن تعويض هذه الأسابيع التي فاتت الطلبة في فصل يضج بالإجازات أصلا، ويحتاج الأمر إلى مزيد من التنظيم اللازم لنجعل من اليوم الدراسي نموذجا للعمل المخلص النابع من الضمير أكثر من مراقبة موجهي المديرية، فالأمانة التي يحملها المعلم وسائر القائمين على العملية التعليمية مقدسة لتكون في رقابة خالق يجدر بنا مخافته لا مخلوق نخشى من تقريره.
أيام العمل المهدرة خلال العام الدراسي أكثر من أن تحصى، ومسألة التغيب يوم أو أكثر قبل وبعد أية إجازة رسمية كفيلة بأن تعوّض الأسابيع الرمضانية الثلاثة المفقودة، لكن المهم أن يبدأ العام الدراسي مباشرة منذ أول يوم يعود فيه الجميع إلى المدارس، فلا يعود أبناؤنا الطلبة منتصف اليوم خلال الأسبوع الأول من الدراسة بحجة أن الكتب لم تصل، والمدرسين لم يوزعوا جدول الحصص.
هناك أيضا إجازة منتصف العام البالغة نحو أربعين يوما!!
تأتي في أجمل فترة يمكن للطالب الاستيعاب فيها، دفء عماني جميل يجعل من الطقس متعة تحسدنا عليها الكثير من البلدان، وهي أفضل للطالب كي يكون داخل مدرسته لا أن تتبنى الوزارة المفهوم السياحي خلال تلك الفترة وتجعل مئات الآلاف من الطلبة يمرحون كل تلك الأسابيع بعيدا عن مدارسهم بينما شهري مايو ويونيو هما المفضلان للوزارة لتأدية الامتحانات أو منح فرصة إجازة للمذاكرة لأصحاب الشهادة العامة.
وطوال الأيام الماضية لم أصادف معلما أو معلمة إلا ويشتكي من أمر الذهاب إلى المدرسة دون أي عمل يذكر، يصرخون بكلمة الملل رغم أن المدارس تحتاج إلى قليل من حضورهم فقط، وإن كانت انفلونزا الخنازير أفادت الطلبة إلا أنها أضرت بآلاف من المواطنين البسطاء الذين يجدون في نقل الطلبة رزقا لهم، وهم يعملون باليومية!!

تشاؤل أخير:هناك آلاف الطلبة في المدارس الدولية، هذه التي لم تغلق أبوابها كأنها في حصانة من المرض، وكأن طلبتها بمنأى عن المجتمع فلا يضرونه شيئا حينما يختلطون به!!

أسئلة حياتنا


1
(هو) لم يسأل نفسه يوما ماذا قدم من أجلها؟
يسألها (هي) فقط في كل لحظة لماذا لم تقدم من أجله شيئا؟.
سؤال الغربة المستمرة في كثير من البيوت، فالسؤال المطروح هو ماذا يقدم الآخر من اجلنا لا ما نقدمه من أجل الآخر.

2
(هو) موظف، يعود بعد الظهر ليجد غداءه جاهزا، يتناوله وينام.
(هي) موظفة، تعود في نفس التوقيت تقريبا، تفعل الأمر ذاته، بفارق قليل من الزمن، وتذهب لتنام.
عندما تحين ساعة الصحو تكون في ذهن كل منهما فكرة عن مشوار ما، يفعله أحدهما على الأقل، حتى إذا حانت ساعة النوم تسابق الاثنان إليه.
لم يحصيا كم كلمة تبادلا، أو كم بين الحساب من كلمات قالها أحدهما من أجل الآخر، لا من أجل أي شيء.. آخر.

3
(هو) يتحدث بمرارة عن حالة ركود زوجي.
(هي) تتحدث بحرقة عن غربة تعيشها ووحدة تحس جمرها، مع أنه ممتلكة لشريك عمر يعتبر استثنائيا (ربما).
(هو) لا يقترب خطوة.
(هي) تكتفي بكل شيء ماعدا الخطوة اللازمة للوصول إلى نقطة تماس بينهما.
يمر العمر، بكير الأولاد، وتبقى مرارته وحرقتها، جفاف أيامه ووحشة لياليها، لم يحاول أحدهما كسر الحاجز الثلجي باشتعالات القلب، مع أنه يحتاج فقط إلى شمعة صغيرة في طرفها لهب.

4
(هي) تتابع بشغف حلقات المسلسلات المتتابعة عبر الشاشة الصغيرة، ترى الحب متوفرا بكثافة على أفواه ساكني الشاشات.
(هو) يواصل بحماسة تمارين الرياضة على الشاطىء وجلسات الشيشة على المقاهي، ويرى الجمال متوافرا بكثافة في وجوه عابري الشاطيء والمقاهي.
يتواجهان بنظرة لا تخلو من ابتسامة.. (ربما).
يقولان كلمة ممتلئة بالحب.. (ربما).
لا يسألها أن تجرّب الحب غير الذي ينهال عليها من الشاشات، ولا تسأله أن يرى الجمال غير المتكدس في ملعبي الرياضة والسهر.
هما يحتاجان لطرح السؤال على بعضهما ليحصدا ثمر الإجابات.

5
في الزحمة نسيت أن تقول له: أحبك.
في اللهاث لم يتذكر أن يقول لها: أحبك.
تحت سقف واحد ودّت لو تسأله: هل تحبني؟
في طريق واحد تمنّى لو تجيبه: نعم، أحبك زوجي العزيز.
يشعر بالكلمة ثقيلة على فمه مع أنها متوفرة داخل قلبه، وتشعر بها حاضرة في داخل قلبه لكنها تحتاجها لتنسى الزحام والتعب وملل السنين.
هل عليها أن تستخرجها من قلبه حتى لا تضبطه ذات يوم يقول عبر الهاتف النقال لشخص على الخط الآخر: أحبك؟!
ربما عليها أن تفعل ذلك، ربما عليه أن لا يفعل إلا.. ذلك.

مسجات:
عينك على الدرب،
وعيني على درب..
يا لهذا القدر:
امنحنى القدرة ليكون:
دربي هو ذاته.. دربها.
##
ماذا أفعل بالأسئلة في كفي؟!
تكاثرت، وإجاباتها في يد..
من أحب.
لا قيمة للسؤال.. دون إجابة.
لا قيمة للإجابة بمنأى عن.....
من أحب.
##
لا يوجد ذلك السد العالي..
لا تصدق تلك الجبال من الصخر،
والصحاري بيننا عدم،
محض سراب.
هي جبال من جليد،
سنصهرها بكلمة،
لو صرخنا بصوت واحد:
أحبك.

سفينة الانقاذ والمساءلة

تداعت المحافظ الاستثمارية، وما كنت أعيد الكتابة عنها (وحولها) لولا أن ما حدث هو الزلازل وسيعقبها توابع لا يدري أحد حجم الخسائر في المحصلة، لأن الكارثة حصلت بمباركة (واسعة) وصمت (أوسع)، ودخل في تيارها العاقل قبل المغامر/المجنون، ورغم أنهم زرعوا قمحا (حسب الرؤية الأولى للبذور) إلا أنهم حصدوا.. العاصفة.
محافظ حقيقية أو وهمية؟
يحتاج السؤال إلى إجابة واضحة، فلم تكن تنظيما اقتصاديا سريا لا تعرفه أجهزة الدولة، الأمنية والمصرفية، بل كان يسير في وضح النهار، شارك فيه أفراد من المؤسستين (الأمنية والمصرفية) ودفعوا مئات الآلاف من الريالات ليحصدوا ما لا يمكن تخيله من أرباح شهرية، وقد كان يمكن من قصة حجم الفوائد التكهن بأي مكنسة سحرية تلك التي تجعل الآلاف تربح المئات كل شهر، أي أن الفائدة خلال الأشهر الستة (المحددة في عقد الاستثمار) تنتمي لخيالات مصباح علاء الدين السحر، ومن أرقامها يمكن التدليل على أن الأمر وهم، وإن دخل كثيرون فخه واستفادوا، لكنه الفخ الذي انتصب لآخرين، سقطوا على رؤوسهم، ولكن من لهم لينهضوا مرة أخرى؟!
قال البنك المركزي في تحذيره أنها محافظ استثمارية وهمية، لكن بعد أن وقع الفأس في الرأس، لم يسمّها قبل أن تقع، وكأن في الأمر مواجهة قانونية يخشى منازلتها وهو المؤسسة الموكل إليها حماية النظام المصرفي في البلاد..
قلت قبل أشهر بأن الجهاز المصرفي أبلغ الجهاز الأمني بشكوكه حول دخول الملايين إلى حساب شاب، لكنه لم يتلق إجابة، تلك المعلومة ليست مؤكدة حتى لا تحسب عليّ من باب تسقط أخطاء المعلومات وإهمال القضية الأكبر بالتركيز عليها.
اليوم تبدو مأساة الكثيرين من ضحايا هذه المحافظ أوضح، وتزداد وضوحا مع الإعلان عن محفظة استثمارية أخرى توقف حليبها المدرار عن إرواء الظامئين لثروة أو إنهاء قرض أو بناء بيت.
لافت جدا عدد المحافظ التي يمكن وصفها بأنها وهمية، ولافت جدا (جدا جدا) كثرتها واستمراريتها وسط نظامين: مصرفي وأمني/شرطي يتمتعان بمزايا المتابعة الوقائية..
إذن ما الذي حدث؟
لا ندري ماذا حدث، لكن قد نتوقع ما سيحدث..
شاب قدم مدخرات عمره لمحفظة كل الدلائل تقول أنها حقيقية، عقود مسجلة في مكاتب قانونية، وأرباح كبيرة تكاد فوق حدود الحلم بالنسبة لأي إنسان يحلم باستثمار أو التخلص من ديون بنوك أو بناء بيت العمر..
وشاب آخر أخذ سلفة كبيرة من البنك ليقدمها على طبق من ذهب لمستثمر يبدو كل شيء فيه واقعي، لديه مجموعة كبيرة من المشاركين، يعطي كل شهر دون تأخير، يقدم شيكات تضمن صدق نواياه.. طارت الريالات وبقيت السلفة تحتاج عشر سنوات لتنتهي، وهي تكاد تأخذ كل الراتب، وعلى أهل البيت الصوم ليل نهار لأن المتبقى من الراتب لا يكفي..
إذن في مواجهة تلك الجوانب (السحرية) أضع النقاط التالية:
البنك الذي قدم تلك السلفة الكبيرة مقابل ماذا من الضمانات؟!
ألا يوجد سقف محدد للقرض يقاس بمقدار الراتب؟!

لنتغير

نتخيل، بالكتابة، أنه يمكننا تغيير العالم، بينما لو نظرنا قليلا إلى أنفسنا لاكتشفنا عجزنا المريع عن تغيير أنفسنا، نتشابه مع أحلامنا صغارا حيث نريد أن نغيّر الكون، حتى إذا مضى بنا العمر إلى أرذله عجزنا عن إحداث التغيير الذي أردناه حتى على المستوى الشخصي.
الكتابة في لحظة شبه مع الطفولة..
الرغبة في قول شيء ذي معنى لهذا العالم المحيط بنا..
الرغبة هي الحلم..
والعنوان العريض: التغيير.
والهدف: نحو الأفضل.
قد يمر العمر ونكتشف أننا لم نحقق مبتغانا، حتى وإن ضم كتاب العمر زوجة وبيت وسيارة وقبل ذلك وظيفة ساهمت في صنع ذلك.
لان الطموحات كانت أكبر من العمر، ولأن العمر لا تتسع سنواته لكل ما أردنا..
هو ذاته شعور الكاتب، هناك الكثير مما يمكن تغييره، يرى في الخطأ مشروع مقال، يرى في التناقض مشروع قصة قصيرة، يرى في اللحظة إحساس مذهل لكتابة قصيدة، وكاتب المقال هو الصارخ الأكبر بأنه يبتغي من صراخه الكتابي مجتمعا أفضل، أجمل، أنقى، يشبه ما تخيله أفلاطون عن المدينة الفاضلة، مدينة لا مكان فيها للصوص والمرتشين، ولا للجائعين والمتسولين، ولا لجميع الأخطاء والخطايا الزاخرة بها الكرة الأرضية حد الإنفجار.
ما قيمة الكتابة إن لم يجد صوتها الصدى المتخيل لدى الكاتب؟!
وماذا يمكن للمجتمع أن يحققه في سعيه نحو الكمال، وما يريده الكاتب له من مثالية نزلت بها الديانات السماوية، وحثت عليها الحكمة الأرضية على لسان كل من اعتبروا قديسين وفلاسفة؟!
أؤمن بالحلم، أؤمن بقدرة الإنسان على التغيير..
لكني لا أؤمن بوجود المثالية إلا في المستوى الذي يدل على إمكانية وجودها، وحدوث النقاء فيما لو أخلصنا أعمالنا لله ولا نقوم بها من أجل كائن أرضي لغرض دنيوي.
فالكاتب الذي يتصور أنه رسول يدعو إلى مجتمع مكتمل النمو والأخلاق عليه البرهنة أمام نفسه أنه مكتمل بما يطالب به في سائر المجتمع، أن يكون التنويري لكي تأتي الكلمة (المكتوبة) بقداسة الفعل (المبتغى) للمجتمع.. (والممارس) من قبله.
مؤكد أنه لا يمكن للكاتب تحقيق مثالية بالمعنى الأسمى للكلمة وإن أصرّ على وجوب تحقيقها في المجتمع، في تجانسه وأجناسه، فالكتابة أشبه بإطلاق حمائم الأحلام والتمنيات، قد لا يكون في جيبنا الكثير من الحبوب لنطعمها إياه، لكن يمكن للمجتمع نثر حبوب المحبة من حولها لتهبط إلى الأرض بسلام واطمئنان، ترعى في ملكوت الله بالأمان الذي لا تصنعه إلا عدالة في كل شيء، الطفل لا يخاف، والمرأة لا تقلق، والموظف لا يتذمر، والمسئول له من اللاءات ما لا يحصى.
فهل دور الكاتب التقاط حبوب الأخطاء من الأرض ليكتب عنها، أم يقدم الحلول التي يمكن أن تصل إلى صانع القرار فيشعر أن صاحب القلم عونا له من أجل الصالح العام لا متصيدا لأخطائه..
الكتابة نزوع نحو التغيير، بقوة الكلمة لا قسوتها، والكاتب ليس وحده في ساحة التغيير نحو الأفضل، كل يقوم بدوره، لا لنجعل من المجتمع مثاليا، فهذا ليس مكانه على الأرض، إنما لتكون دارنا أكثر ألفة وتماسكا وتحضرا، وأقل أخطاء، من تلك المسببة لمعاناة بشر يعيشون بيننا، لا يفعلها القابضون على مصالح الناس وظيفيا، إنما يقوم بها أيضا حتى رب البيت وهو يحيد عن درب الخير.

اللهم اني صايم-2

اعتاد المواطن سين أن يغض نظره كثيرا منذ أول أيام الشهر الفضيل، كان يسبقه للجمال في الطبيعة فيستبقيه وللحسن في البشر فيداريه، لكن للصوم آدابه التي يبطلها ما اعتاده من عادات وتقاليد (رجالية) أبرزها.. البصبصة.
ولأنه يغض الطرف فإنه استغنى (قدر الإمكان) عن نظارته الطبية السميكة، بدونها يرى الأشياء ضبابية، وقاوم إغراء أن كل امرأة تعبر بجانبه إنما هي جميلة وإن لم تكن، يرى أنها نظارة إبليسية تحاول إغرائها لإرجاعها فوق أنفه، إنما هي قوة الإيمان تحل على المواطن سين، وصديق عمره المواطن شين يدعو له دوما بالقول: اللهم يقوّي إيمانك.
اعتاد أن يغض النظر إلا عن حرمه (وحرمته) وهي تختال في المطبخ كفرس، لم يرها يوما بصورة الفرس أو بأي صورة لحيوان آخر، أحيانا في صورة البقر الوحشي، ويسميها المها كي لا تزعل من اللفظ السابق، إلا أنها في رمضان (احلوّت) في عينيه، حتى إذا أكمل إفطاره لم يكد يراها لشدة ما يفتح فمه متثائبا، وفيما تتابع المواطنة حرمـ(ت)ـه المسلسل إثر المسلسل حتى وقت متأخر من الليل يكون هو في سابع أو ثامن نومة، مفوّتا على نفسه فرصة الانفراد بالحسناء المتخايلة في المطبخ قبل أذان المغرب بصحون الحلويات والمقبلات، فينام كالوحش يطلق صفارات الشخير وقد غلبته كرشه.. حتى مطلع الفجر.
ولأنه مواطن صالح فلديه أصدقاء من فئة الصالح نفسها ينصحونه بما يفيده في دنياه وآخرته..
حينما رأى الصديق كرش المواطن سين تزداد تدليا نصحه بممارسة الرياضة، حتى إذا بحث في (كبت) ملابسه عن (هافاته) القديمة وفانيلاته المكتوب عليها اسم مارادونا وبلاتيني لم يجدها، اكتشف أن حرمه حوّلتها إلى ممسحات للمطبخ، وتذكّر حينئذ كيف فكّر كثيرا أين رأى تلك الممسحات من قبل.
أبلغ حرمه بأنه عازم على شراء (هاف) جديد، فاجأته بضحكة قوية، متسائلة عمّا جرى له في عقله، بلغ الخمسين عاما وسيرتدي (هاف)، صرخت في وجهه "موه خليت حال الصغيرين؟!!" سكت على مضض، وبينه ونفسه نظر إلى ركبتيه وقد بانتا كهيكل مصبوب فعرف أنه من العار كشفهما للمارّة!!
أصر على الرياضة وبدأها بالمشي بدشداشته، وكلما تقاطر العرق في عينيه رفع (وزاره) ماسحا (الحر)، محاذرا أن يكون أحد المارين قريبا منه، متحمسا يمشي، وكلما أراد التوقف تذكر أن الجهد جيّد، وزيادته خير لجسده المثقل بشحم ولحم يكفي لإطعام ستين مسكينا، دفعته تلك الأعداد السائرة والراكضة إلى المزيد من المسافات.
حتى إذا عاد إلى البيت خر على فراشه كقتيل، في الليل قام يبحث في الأدراج عن شيء ما، أخبر حرمـ(ت)ـه بأنه يفتش عن (غرشة البام) يريد بها تدليك رجليه اللتين تتقطعان من الألم، وظهره الذي يكاد أن ينكسر، واصابع قدميه وكل (برارة) أكبر من أختها.
قالت له حرمه المصون بأن هذا بسبب عناده، (عجب شايب موه يخليه يسوي رياضه كما الصغيرين)، لم تقتنع بما قام يسرده عليها بأنه أهمل نفسه منذ أن لاحقته بكلمة (شايب)، وأنه كان يمكنه أن يبقى شبابا للأبد لولا أنه استجاب لأقوالها.
تركته يتحدث عن الرياضة وأفضالها، دلّته على (غرشة البام) ليدلك بها جسده، لكنها فزّت فجأة من السرير وذهبت إلى خارج الغرفة، وهي تتأفف من (ريحة البام).

اذا ضاع الأمل

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..
ولأن كثيرون فقدوا هذه النعمة فنحسبهم في غم من العيش رغم ما أنعم الله به عليهم من نعم، لكنهم لا يرونها إلا بعين الفاقد لما يسمى بالتفاؤل، فأمله في الغد معدوم، لا يرقب من يومه خيرا، ولا من أحد حوله، كحال المتشائم والمتبرم من حياته، يظن الشر ينهض من تحت وسادته قبل أن يتركها، ويتوقع في كل زاوية من طريقه شبحا مزعجا يضيّق عليه بما يصدّق أنه رجل منحوس، لذا عليه أن لا يفعل شيئا طالما أن النحس وراءه منذ أن كان في القماط، وحتى وصوله اللحد.
وحالنا هي حال أمة وجدت في ثقافة اليأس ملاذا تحتمي به من مواجهة الغد، وارتدّت إلى الماضي تتباكى عليه، وهناك أشخاص إن لم يجدوا في تاريخهم ماضيا يعزز فكرة التباكي سيبحثون عنه في تاريخ البلاد، أو ربما في ما يسمى بالتاريخ الإسلامي الذي لا يفترض أن تشفع له عقوده الأولى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون تاريخا مشرفا في كل حلقاته، ففيه كوارث بدأت بمقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ولم يكن وضع الدولتين الأموية والعباسية بخير كله إن نظرنا إلى فتن وحروب ومؤامرات ومجازر، ولا تاريخ الأبطال الذين نستنهض بهم الهمم لتحرير فلسطين وإنقاذ الأمة كله ناصع البياض حتى يغدو الأمس كله مجيدا، والحاضر جميعه لا أمل فيه يرتجى.
وصول المرء إلى حافة اللاأمل كارثة إنسانية..
ووصل الأمة إلى هذه الهاوية كارثة قومية كما أسماها الدكتور أحمد زويل في محاضرة أخيرة له أكد فيها: (لا بد من أن نحلم ومن خلال الأحلام يمكن لنا صياغة خطط العمل)..
الفقر الحقيقي هو خلو عقولنا من فكرة الحلم، والحلم أول الخطو لتعزيز الأمل في داخلنا، فينا من يعاني مشكلة خطيرة وهي أنه لم يعد يحلم، والأخطر أن هناك من يحلم فقط دون أن يعمل، أما المرض الأصعب والتي تعجز عنه عقاقير العلماء فهي عدم شعور البعض بأهمية الحياة وعبثيتها، فلا يصيغون حلما من أجل الغد، ولا يمضون في طريق المستقبل إلا من باب التذمر واليأس رافعين شعار: لا أمل.
وزويل (ذاته) وهو المتشكل من جينات عربية عاش في أمريكا ولم يقل ماذا يمكن أن أضيف من اختراعات في بلد يقود العالم عسكريا واقتصاديا وسياسيا، أصرّ على تحقيق أحلامه، وكانت نوبل اعترافا بقدرة هذا العالم على تحقيق المزيد من الاكتشافات للبشرية، وهي تعيش أوج تفوقها العلمي والتكنولوجي.
إن مواجهة الحياة تبدأ رحلة تعلمها منذ الطفولة، فكيف نعلم أبناءنا على فكرة الأمل هي الدرس الأهم في معركة وجودهم، وما يخالطهم من مشاعر اليأس هي الفيروس القاتل إن اندس في ذاكراتهم أفقدها القدرة على العمل والإبداع، وتحولوا إلى كائنات تعيش لتأكل وتتناسل.
حفزتني محاضرة الدكتور أحمد زويل في مكتبة الإسكندرية قبل أشهر للكتابة عنها، خاصة ما طرحه حول فكرة فقدان الأمل في الوطن العربي مشيرا إلى تجربة الصين والهند (وما أحدثته كوريا الجنوبية) في النهوض من مفهوم تم تسويقه عربيا وهو أن الكثافة السكانية وضعف الموارد عبئان كبيران على التنمية، قائلا أن هناك عوامل للتقدم والتطور لا يمكن تحقيق أي خطوة للأمام إن لم يتم العمل بها، وأي حديث بمنأى عن تطوير التعليم والاهتمام بالبحوث ووضع خارطة تنفيذية للنهوض بالأمة يغدو مطبا يضيع الجهود والزمن فيما لا طائل منه، فالتأسيس المعرفي هو الذي قاد التنين الصيني ليغزو العالم يصناعات هائلة، ولم نسمع عن بلد المليار ونصف المليار نسمة تندب حظها تطلب مساعدة أمريكية لإطعام جائعين فيها..
هي فكرة الأمل ذاتها..
إحساسنا بأننا أمة متخلفة لا أمل فيها يضع إمكانيات النهوض على الرف البعيد، تماما كما يحرم الفرد من طاقاته لتغيير حياته نحو الأفضل، ويقول فيلسوف قرأت له ذات يوم بما معناه أن أمله في الحياة أن يكون لديه أمل، وقول الشاعر العربي القديم:
أعلل النفس بالأمال أرقبها، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

تشاؤل أخير:
نال أحمد زويل جائزة نوبل بعد أن توصل لما يعرف بالفيمتو ثانية، لم يدرك أحد أننا اكتشفنا الكلمة الأولى قبله.

اللهم اني صايم - 1

مسكين المواطن سين..
كلما أنهى حلقة من مسلسل المصاريف بدا له أن له حلقة آخرى عليه متابعتها قبل أن تغضب عليه المواطنة / حرمته.
منذ رجب وهي (تلوج) في حلقها كلمة ملابس العيد، وقبل أن يأتي شعبان هي مهتمة برمضان، وكأنها تعاني من خلل تتابع الشهور وتستبق الأفلاك وثبوت الرؤية لتراها بعين راتب زوجها لا عين واقع الحال.
تذكره بأنها تحتاج إلى كم صفرية جديدة، ودرزن صحون، و(ملال حال الشوربة)، و(مقامش زينة يوم يجي عندنا حد)..
وتنكر عليه ما تحمله يده: "حد يشتري غرشة فيمتو وحده!! جيب كرتون".. وتعيّره ببخله: "عجب هين يسدّن درزنين كستر!!".
أخبرها المواطن سين بأن العالم يعاني من أزمة مالية خانقة، وأن ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية اتبعت نظاما تقشفيا وهي المقتدرة إلا أن المواطنة / حرمته غير معنية بانهيارات بنوك الدول الصناعية ولا حتى بانهيارات محفظة الوهم الاستثمارية التي أودع فيها زوجه ماله، (وماله تعني ما اقترضه من البنك وليست مدخراته.. منعا للبس أو الفصخ)، هي تعيش كما تقول حالة الكفاف، تلك التي تتساوى معها وجود راتب زوجها كاملا في يديه، أو ما تبقى له من ثلثه.
أخبرها بأن نقصان صنف واحد من الفطور لا يستوجب انتفاخا في أوداجها (على افتراض أنها ممتلكة لأوداج)، وعدم أكل الأولاد (جلي) كل يوم لا يصيبهم بضمور العضلات ونقص في التغذية، فقد يكون عدم أكله صحيا أكثر لهم، فلماذا كل هذه الحلويات التي تملؤ الكرش ثم تلزم متناولها بالمشي ليخفف من حدة ما أكل، أما لو أنه تخفف منها لرحم نفسه وجيبه.. وعقله أيضا.
تقول حرمة المواطن سين أن الفطور كيف يكون فطورا إن لم تكن به السمبوسة متجاورة مع العنب والرطب، واللقيمات زاهية بالعسل تتحدى فلفل البكّوراه، وهل يعقل أن يتناول الأولاد إفطارهم بعد يوم صيفي طويل وحارق بدون اللبن والفيمتو (ومنافسه التانج)؟
بهت المواطن سين من تساؤلات حرمه المصون، (أو حرمته المصونة) فلم يحر جوابا سوى أن يذهب في أقرب فرصة إلى أحد المجمعات التجارية الواسعة (جدا) و(يدفر) العربة فيما تتولى المواطنة (رفيقة مشواره) تزويدها باحتياجات الشهر الفضيل، وعلى المواطن سين أن يكون هو الكريم هذه المرة.
ينهض الأولاد وبطونهم تكاد (تنفتق) لكثرة ما ألقي في بالونها، إلا أن المواطنة/الأم تسألهم لماذا لم يفطروا جيدا؟!
وبعد أن ينتهي وقت صلاة المغرب يكون صحن (العيش) جاهزا، وفيما يتابعون مسلسل درايش يلقون بما يستطيعون من لقمات إلى أفواههم، ويأتي نفس السؤال من المواطنة / الأم: مالكم ما تعيشيتوا؟!
تقوم بجمع ما تبقى من كومة الأرز والسلطة إلى فم الكيس الأسود للزبالة، وعلى المواطن سين أن ينقهر غما!!بين ساعة وأخرى تأتي المواطنة (الحرمة) بشيء يبدو أنه للأكل، يسألها المواطن سين عن اسمه، فلا تتذكر، تقول له أنه أكلة قرأته عنها فأحبت أن تجربها، بعد حين يرى على الصحون المخصصة للحلويات شيئا آخر، تقول له الاسم فلا يكاد يذكر أين سمعه، تعيد عليه نفس الجملة فيعيش مرحلة فاصلة بين السمع و"التطنيش"، ويسأل الله في هذا الشهر المبارك أن لا تسأله المواطنة / حرمه إن كان لديه وقت للذهاب إلى "الدكان" القريب لأن هناك ما ينقص ريثما تذهب به إلى "الدكان العود".

رمضان الصيف

يحكى أن أحد العمال الآسيويين عاد إلى بلاده فسأله أحدهم حول ما يحكى في بلدان الخليج عن الحرارة الشديدة وقد عاش في السلطنة سنوات طوال، يقول صاحبنا والعهدة على كفيله أن في عمان عشرة أشهر حر، فسألوه عن الشهرين الباقيين من السنة فرد فورا: واااجد حر.
وفيما أعلنتها فيروز عبر عمر من السنين بالقول "خلصت الشتوية" إلا أن شتويتنا ليس لها محل من الطقس، ونتساءل فقط إن كانت الصيفية انتهت أم أنها متمددة منذ الربع الأول من العام، ونحن على وشك الدخول في الربع الأخير منه، لكن الشواهد على الصيف حاضرة، فلا بركات رمضان نفعت للتقليل منه، لكننا نسأل في هذا وذاك العلي القدير أن يثيبنا خيرا على صبرنا، ونحتسب كل أمرنا على الله الرحيم الغفور.
قبل نحو ثلاثة عقود جربنا الصوم في ظرف صيفي له مناخاته المختلفة، ونواقصه الجالبة للتعب، فلا من سلاح معنا لمدافعة حرارته سوى (الملهبة) وجهاز التكييف ترف كبير، أما المروحة فمعدومة أصلا، وإن حظيت بعها بعض المنازل المشغّلة (لماكينة كهرباء) فإن هواءها كأنه خارج من سخّان، ودور أيادي المروحة دفع (الغربي) بكثافة أكبر إلى الوجوه.
وجرعة الماء البارد لها لذتها حيث تعجز (الجحال) عن الإيفاء بمتطلباتنا من مخزونها البارد، وحتى تلك القطع الثلجية التي يأتي بها بعض الباعة في قوالب يكسرونها حسب القدرة المالية لكل مشتر لا تصمد كثيرا أمام وهج الصيف..
بالرغم من كل ذلك جربنا الصوم ونحن في سن الطفولة، لم تكن هناك ثلاجة لنراوغ، أو أغذية أخرى كي نلجم بها شيطان الجوع المتربص بنا، كل ما يمكننا الحصول عليه حبة رطب تتدحرج في مياه الفلج أو (لمباة) كأن إبليس يرسلها إلينا صفراء تسر الناظرين، ومع ذلك كان التحدي أن نكون كبارا، والتربية الدينية جعلتنا نشعر بالملائكة الكتبة على يميننا وشمالنا وكأننا نراهم رؤيا العين، وهناك جهنم ترمي بشرر كالقصر..
بين أذاني صلاتي العصر والمغرب ساعات كأنها الزمن الطويل، ولا يحلو للغربي أن يتألق إلا في تلك الساعات فلا نجد ريقا يبلل حلوقنا، ويكاد الصوت ينعدم في الأفواه، والوجوه تقول ما لا يمكن قوله، إرهاقها بيّن، وملامحها ذابلة.
ورمضان هذا العام يحلّ ضيفا غاليا مع نهايات الأشهر الملتهبة للصيف، ويتقدم تدريجيا ليكون في شهري يوليو ويونيو خلال الأعوام المقبلة.
اختلفت مناخات رمضان الصيف الآن عن تلك التي كانت قبل السنوات الثلاثين، من جرّب الصوم حينئذ يدرك أي نعمة نعيشها حاليا..
جهاز التكييف (خاصة الملتصق بالجدار) يمنح بردا لذيذا لا تكاد تسمع له صوت، وكأنه ليس الصيف المتوهج خارج البيت..
ترغب في الذهاب للدوام، حسنا، هناك مكيف السيارة سيرافقك باردا وجميلا حتى تصل إلى مقر عملك..
هناك مكيف آخر يترقبك، تعمل الساعات الخمس (للحكوميين على وجه التحديد) وكأنك في شتاء جميل، تنقضي الساعات، ويحملك برد السيارة إلى برد البيت، ولتنام هانئا مطمئنا حتى يقترب موعد الهجوم على مائدة عامرة بنعم الله الواسعة، ستجد الماء البارد و(الشربات) الجميل واللقيمات مع العسل وما قيّضه الله لك من نعم تستوجب الشكر.
وأنت تتناول فطارك فكّر (كما يقول محمود درويش) بغيرك، هناك من لا يجد حتى الافطار، ومنهم لا في عمله لا يجد الجو العائلي الذي تعيشه، وأنت تنعم ببرودة التكييف هناك أخوة يعملون تحت ظروف الحرارة الشديدة، في شركات الصحراء أو في مواقع عمل مكشوفة، الا يستحقون دعاء منك أن يخفف الله على من لا يجد النعمة التي أنعم الله بها عليك؟!