السبت، 7 مارس 2009

صحفي.. محلي

السهل: هو أن تقول بأن صحافتنا ضعيفة.
الأسهل: أن تلوم الصحفيين على أنهم لم يجتهدوا، مرة حينما لا يقرؤون كثيرا، ومرة حينما يصيبهم الملل والإحباط عند أبواب مصادر الخبر.
أما الأصعب فهو أن لا نقول من دفع الصحفي العماني إلى هذا الجدار الصلب، والذي تشكل ليكون حائط مبكى (عند اليهود) وكرسي اعتراف (كما يرى أتباع المسيح)، أغرت الشماعات الصحفيين بتعليق أسباب التقصير والأخطاء عليه، وبعدها نتساءل: لماذا بقيت الصحافة العمانية دون المأمول.. وبقي الصحفي العماني في دائرة لم تقنعه هو فكيف تقنع غيره، مع أن الكفاءات الموجودة قادرة على تقديم ذلك (المأمول) بقليل من الالتفات.. وبكثير من الاهتمام.
تفتقر مؤسساتنا الصحفية إلى آلية العمل المعروفة في صحافة الدنيا، وتتعامل مع الصحفي على أنه آلة مطلوب منها إنتاج أخبار لتغطية الصفحات البيضاء، فسقط الصحفي في فخ الاستبساط المتعامل مع الصحافة على أنها صفحات بيضاء ينبغي تسويدها، فلا يجد الوقت الأهم للتكوين المعرفي: القراءة والتحليل والتأمل والتدرب على حساسية الإلتقاط، فهو لا يجد الوقت سوى لحضور المؤتمرات والندوات، يسمع منها الكلمات الافتتاحية وتوزع له جاهزة، أما ما وراء الكواليس فيكون وقد ذهب الصحفي سريعا إلى مكتبه لإنجاز العمل، فالصفحات فاتحة ذراعيها مترصدة عقارب الوقت كي لا تمضي سريعا بينما حجم العمل يثقل كاهل الصحفي.
عليه أدوار أخرى لا بد أن يقوم بها: متابعة صور الحدث، والمناوبة لإنجاز الصفحات ومتابعتها، ومواجهة سيل الاتصالات ممن لهم علاقة ما بالجانب الإعلامي: مراسل يتساءل أو يعتب أو يشجب، ومسئول يوصي أو يقترح أو يأمر.
أين هذه المؤسسة الصحفية المحلية التي اهتمت بالكادر البشري، والتي لم تمارس سوى سياسة اللوم والتأنيب للصحفي العماني فيما تركت الأهم وهو التعامل معه كصاحب رسالة له حقوق (لا يفترض تسميعه بها ليل نهار) مقابل الواجبات (التي يتهم بالتقصير فيها.. ليل نهار)..
أدرك أنه سيقال الكثير إزاء هذه الجملة، من مسئولي هذه المؤسسات مذكرين بعشرات المبادرات التي قدمت للرفع من شأن الصحفي، ولا يمكن إنكار أن هناك مبادرات (لكنها خجولة تنسف نتائجها بعد حين) وأن هناك (صحفيين) يرون أنهم بلغوا من العلم ما لا يحتمل المزيد، لكنني سأتجاوز كل ذلك للنظر في قضية واحدة تم إهمالها وهي تواجد الصحفي العماني في المحافل الخارجية.
منذ إنشاء وكالة الأنباء العمانية تراجعت مشاركات الصحفيين التابعين لوسائل الإعلام المقروءة، وبات محرر الوكالة هو المتحدث الرسمي بإسم جميع الصحفيين العمانيين، يذهب بالنيابة عنهم، ويكتب عنهم، وربما لا يكون له الحق حتى في إبدال كلمة مكان أخرى.
ولم تصدق المؤسسات الصحفية المحلية أن وجدت من يتحمل هذا العبء عنها: سيبقى محررها متواجدا (على رأس عمله) ولن تدفع ريالا (للتذاكر والعلاوة اليومية).. فيما فاتها بأن أية مناسبة خارجية هي دورة ميدانية لأي صحفي للإستفادة والإحتكاك وتعلم الجديد من المعارف وفتح آفاق أخرى أمام حدود فكره والإحساس بأن مؤسسته كرمته بهذه الفرص ولم تساومه على أنه إذا أصر على المشاركة فلن تمنحه علاوة، فهذه قد يقبلها ولكن على هاجس ظلم واقع عليه، يفتقد الشعور الإيجابي تجاه مؤسسته، ولا بد هنا من التأكيد على أن من بين الصحفيين العمانيين من اجتهد وأخلص وقدّم جهودا متميزة.
قبل سنوات (طوال بالطبع) كان القرار الحكومي أن يرافق الوفود العمانية في أية مشاركة خارجية صحفي، وترشح الصحف محرريها الذين يكونون ضمن قائمة (الحسابات العامة غالبا) ولم تكن الصحف تتردد في مشاركة صحفييها، لكن مع وجود قناة إعلامية رسمية رأت الجهات (الرسمية) أنه لا حاجة لها بضجيج الصحفيين، فكل أخبارها ستنشر في جميع الصحف..
هكذا تحول الصحفي العماني إلى محلية تفتقد الإطلاع والتجارب الأخرى.. وتحولت المشاركات العمانية الخارجية إلى خبر صغير مكرر في جميع الصحف مع أنه كان بالإمكان أبدع مما كان.. لولا حرص الصحف (على أموالها) لا على أدوارها، وكرّمت الوزارة موظفيها المخلصين لإنجازاتها فأوفدتهم مع كل زيارة رسمية فصار الخبر مختوما باسم أحد موظفي الإعلام والعلاقات في المؤسسات الرسمية، وهو يكتب كما يريد معاليه أو سعادته.. بالضبط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق