السبت، 13 يونيو 2009

المخالفات المليونية

تقول إحصائية منسوبة للعام الماضي 2008 أن عدد ضحايا حوادث السير اقترب من ألف ضحية، وارتفع عن العام السابق له نحو مائة وفاة ليصل إلى 951 شخص قضوا هكذا وببساطة نتيجة أخطاء بشرية حدثت على عجلة القيادة.
والرقم المثير الذي اهتم به الناس كان عدد المخالفات المسجلة في العام الماضي، وقد بلغت مليونين، بالتمام والكمال.
المعادلة تدل على أن عدد الضحايا والمخالفات يزداد طرديا، فلا المخالفات المليونية قللت من عدد الوفيات (والحوادث) ولا الأساليب التوعوية المطبقة على من ينسى حتى قيمة حياته كلما قاد سيارته، ولا يتذكر سوى أهمية الوصول سريعا إلى مبتغاه وهو يتجاوز في مكان خطر.
الإحصائيتان مثيرتان للتأمل: الأولى تدل على حالة استنزاف بشري للمجتمع، والثانية لحالة استنزاف مادية لأصحاب السيارات، وإحصائيات بمخالفات (الرادار) قد تشير إلى السرعة كسبب رئيسي لوصول الرقم إلى مليونين، وأن أجهزة ضبط السرعة وتكاثرها أودى بهذا الرقم ليصل إلى أبعاد قياسية.. مخالفات السرعة كانت موجودة قبل توزيع الأجهزة على الشوارع لكن (الضبط التقني) حصره، وصدمنا بإحصائية كانت غائبة عن مفكرة الحركة المرورية لدينا.
رائع كان حديث معالي الفريق مالك بن سليمان المعمري وإشارته إلى توجه يعمل على وجود جمعية أهلية معنية بالتخفيف من حوادث السير.. إشراك المجتمع أهم من إشراك الرادار، والتعامل مع فئة السائقين (خاصة الشباب والمراهقين) يحتاج إلى تدخل توجيهي ونفسي لا عقابي، ويتحقق من معطيات كثيرة يدركها جهاز الشرطة بخبرة قيادته في التعامل مع قضايا المجتمع، وأهمها حوادث المرور، المهلكة للبشر وللاقتصاد.
قد تكون هناك وجهة نظر حيال المخالفات: واثق الخطوة يمشي ملكا، والمخالفة لن تكون تجاه الملتزم.
هذا إذا افترضنا أن المخالفة عقابا، والمبلغ المسجل مؤثر فوري يستدعي استجابة من المعاقب تردعه عن تكرار ذلك..
لكن إن لم تحقق أهدافها فثمة حلول أخرى تجعل من المخالفة وسيلة حماية للمجتمع وليست عبئا إضافيا (مهما تكن مبررات حدوثها، لأننا نتحدث عن أهداف أسمى تحمي المجتمع من حدوث خسائر بشرية تبلغ الألف تقريبا، وأضعافها من المصابين، وملايين الخسائر للأفراد والشركات بما يستنزف جانيا من الثروة الوطنية).
كيف نجعل من المخالفة أداة ردع فاعلة؟
هذا ما يفترض طرحه، ومؤكد أنه ليس بجديد على فكر رجال جهاز الشرطة وقياداته التي لا تفكر بمنطق أولئك الذين قدروا أن كل مخالفة عشرة ريالات على الأقل، والنتيجة 20 مليون ريال عماني دخلت الخزينة.
التفكير السطحي لا يفترض به إبعادنا عن مسئولية كل فرد عن سلوكه، لكن المبتغى هو حماية الأرواح قبل التفكير في الريالات، وإذا كانت غالبية الحوادث سببها أخطاء بشرية فلتكن الحملة القادمة تدرس تلك الأخطاء، وسبل الحد منها، ومعالجة الأسباب قبل الوصول إلى النتائج، وما قدمه بعض الكتّاب من أفكار يمكن أن ترفد جانبا من هذا الطرح، وفي المجتمع الرقمي يمكن للمخالفة أن تصل لهاتف الشخص قبل (أن يرتد إليه طرفه) كما تفعل بعض البنوك حينما يسحب المرء مبلغا من أجهزة السحب.
خطوات بسيطة لكنها مؤثرة، فتأجيل العقاب، وعدم تذكره يعطي نمطا سلبيا لمفهوم العقوبة، وما نخسره من أرواح يجعلنا نعض بالنواجذ على كل الحلول.. مهما كانت بسيطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق