الاثنين، 8 يونيو 2009

يا سلام على.. أوّل!

أغلبنا يكرر أغنية (أيام زمان)، وأن (أوّل) الحياة أحلى..
وتغرينا هذه اللعبة كثيرا، وجمالها في أنها تسمح لنا أن (نندس) بعيدا عن مواجهة الحاضر، فكلما أقلقنا اليوم بحثنا في ردهات الأمس عن مأوى نسترجع فيه (الشريط) القديم، وأيام البساطة التي لم تشقنا بمنغصات العصر الراهن.. ولو بفاتورة.
ما نجنيه من طناء النخيل أو بيع الرطب لا ينتظره الكثير، بريال سمك يكفي لأكثر من أسبوع، وجونية العيش بثمانية ريالات، وجونية الطحين بثلاثة، وبقية مستلزمات المائدة ليس بها سوى (الشتني) وهو ربطة فجل مقطعة ومبتلة برشات الليمون.. وبالهناء والشفاء.
الكهرباء لم تكن تقلقنا انقطاعاتها لأنها منقطعة عنا نهائيا، ولذا فهي لا تزعجنا بفاتورتها، والماء يأتينا من الفلج مباشرة، ومن أجل الشرب تأتي به نساء العائلة على رؤؤسهن من آخر نقطة للفلج قبل أن يمر على القرية.. ذات المياه التي لا ندفع من أجلها فاتورة، نعيش في فضاء الله ونعمائه، من حولنا الطبيعة تعطينا من فضل الله، وننام قريري العين، رغم كل شيء.
ننهض الصباح فلا تسأل ربة المنزل رجلها ماذا تحبون (للريوق)؟
قبل أن تطلع الشمس تكون قد نهضت من أمام (الطوبج) وصحن الخبز جاهز، واللبن متوفر، إن لم يكن مستمد من بقرة البيت فإن الجيران لديهم فائض دائم، نذهب (نحن) الصغار إلى أحد بيوت جيراننا بآنية نعود بها ملآى باللبن، فلانة اليوم (ماخضة) ولبنها جميل، أما فلانه فبقرتها (قاطعة).. أي لا تدر حليبا.. ويبقى اللبن بكميات قد تكفي لصنع الجبن الأبيض منها في كرات صغيرة نأكلها وكأنها متحجرة.. ولا نسأل عن لونها الذي يبدو ترابيا أحيانا، فمناعتنا في أعلى حالات استنفارها.
لا نحمل في جيوبنا المحفظة التي نخشى عليها من الضياع، فلا ريالات تتخمها، ولا بطاقة شخصية أو بنكية أو إئتمانية، ولا راتبا يجعلنا ننتظر فواتحه حتى نخشى من خواتمه.
لا ننظر في ملكية السيارة لنترقب تاريخ الإنتهاء بقلق الدفع للتجديد والتأمين والمخالفات.
لا نعرف ماذا يحدث في العالم من قتل وفظائع وحوادث سير ومآس تحدث للكرة الأرضية، ما يصنعها البشر، وما هي خارجة عن إراداتهم كالزلازل والأعاصير والأمراض العابرة للقارات.
حياتنا الآن بها ما لا يقارن بتلك الحياة القديمة من مباهج ومتع ووسائل راحة.. لكنها قلقة ومتوترة لأغلب البشر..
حياة مغمورة في قلب الحذر والتحسب من مفاجآت غير متوقعة، لها صخبها الذي لم نعتده وحساباتها التي كنا نجهلها، لذا فإن الجيل الذي ننتمي إليه (وقلة من سبقونا ومن لحقونا بقليل) تنتابهم حالة من التذكر لأمس البساطة والحياة الخالية من عقد الراهن وتعقيداته.
لم تعد بسيطة أبدا إن قورنت بما عشناه حتى منتصف الثمانينيات خاصة في القرى، أطفال (الكورن فليكس) لا يعجبهم الخبز واللبن، وأبناء (الكنتاكي) يأنفون من معصورة المالح والسحناة، وصارت هذه الأكلات تسمى بأنها شعبية أي أنها تراثية، والمطعم الذي يقدمها يسوّق نفسه على أنه متميز فيما هي تشبه (فقط) تلك الأكلات لأن اليد التي تصنعها ليست (شعبية) ولا تراثية!!.
هل نستطيع أن نجلب البساطة إلى حياتنا.. ولو بالرضا بالقليل؟!
إني أحلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق