الاثنين، 7 سبتمبر 2009

اذا ضاع الأمل

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..
ولأن كثيرون فقدوا هذه النعمة فنحسبهم في غم من العيش رغم ما أنعم الله به عليهم من نعم، لكنهم لا يرونها إلا بعين الفاقد لما يسمى بالتفاؤل، فأمله في الغد معدوم، لا يرقب من يومه خيرا، ولا من أحد حوله، كحال المتشائم والمتبرم من حياته، يظن الشر ينهض من تحت وسادته قبل أن يتركها، ويتوقع في كل زاوية من طريقه شبحا مزعجا يضيّق عليه بما يصدّق أنه رجل منحوس، لذا عليه أن لا يفعل شيئا طالما أن النحس وراءه منذ أن كان في القماط، وحتى وصوله اللحد.
وحالنا هي حال أمة وجدت في ثقافة اليأس ملاذا تحتمي به من مواجهة الغد، وارتدّت إلى الماضي تتباكى عليه، وهناك أشخاص إن لم يجدوا في تاريخهم ماضيا يعزز فكرة التباكي سيبحثون عنه في تاريخ البلاد، أو ربما في ما يسمى بالتاريخ الإسلامي الذي لا يفترض أن تشفع له عقوده الأولى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون تاريخا مشرفا في كل حلقاته، ففيه كوارث بدأت بمقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ولم يكن وضع الدولتين الأموية والعباسية بخير كله إن نظرنا إلى فتن وحروب ومؤامرات ومجازر، ولا تاريخ الأبطال الذين نستنهض بهم الهمم لتحرير فلسطين وإنقاذ الأمة كله ناصع البياض حتى يغدو الأمس كله مجيدا، والحاضر جميعه لا أمل فيه يرتجى.
وصول المرء إلى حافة اللاأمل كارثة إنسانية..
ووصل الأمة إلى هذه الهاوية كارثة قومية كما أسماها الدكتور أحمد زويل في محاضرة أخيرة له أكد فيها: (لا بد من أن نحلم ومن خلال الأحلام يمكن لنا صياغة خطط العمل)..
الفقر الحقيقي هو خلو عقولنا من فكرة الحلم، والحلم أول الخطو لتعزيز الأمل في داخلنا، فينا من يعاني مشكلة خطيرة وهي أنه لم يعد يحلم، والأخطر أن هناك من يحلم فقط دون أن يعمل، أما المرض الأصعب والتي تعجز عنه عقاقير العلماء فهي عدم شعور البعض بأهمية الحياة وعبثيتها، فلا يصيغون حلما من أجل الغد، ولا يمضون في طريق المستقبل إلا من باب التذمر واليأس رافعين شعار: لا أمل.
وزويل (ذاته) وهو المتشكل من جينات عربية عاش في أمريكا ولم يقل ماذا يمكن أن أضيف من اختراعات في بلد يقود العالم عسكريا واقتصاديا وسياسيا، أصرّ على تحقيق أحلامه، وكانت نوبل اعترافا بقدرة هذا العالم على تحقيق المزيد من الاكتشافات للبشرية، وهي تعيش أوج تفوقها العلمي والتكنولوجي.
إن مواجهة الحياة تبدأ رحلة تعلمها منذ الطفولة، فكيف نعلم أبناءنا على فكرة الأمل هي الدرس الأهم في معركة وجودهم، وما يخالطهم من مشاعر اليأس هي الفيروس القاتل إن اندس في ذاكراتهم أفقدها القدرة على العمل والإبداع، وتحولوا إلى كائنات تعيش لتأكل وتتناسل.
حفزتني محاضرة الدكتور أحمد زويل في مكتبة الإسكندرية قبل أشهر للكتابة عنها، خاصة ما طرحه حول فكرة فقدان الأمل في الوطن العربي مشيرا إلى تجربة الصين والهند (وما أحدثته كوريا الجنوبية) في النهوض من مفهوم تم تسويقه عربيا وهو أن الكثافة السكانية وضعف الموارد عبئان كبيران على التنمية، قائلا أن هناك عوامل للتقدم والتطور لا يمكن تحقيق أي خطوة للأمام إن لم يتم العمل بها، وأي حديث بمنأى عن تطوير التعليم والاهتمام بالبحوث ووضع خارطة تنفيذية للنهوض بالأمة يغدو مطبا يضيع الجهود والزمن فيما لا طائل منه، فالتأسيس المعرفي هو الذي قاد التنين الصيني ليغزو العالم يصناعات هائلة، ولم نسمع عن بلد المليار ونصف المليار نسمة تندب حظها تطلب مساعدة أمريكية لإطعام جائعين فيها..
هي فكرة الأمل ذاتها..
إحساسنا بأننا أمة متخلفة لا أمل فيها يضع إمكانيات النهوض على الرف البعيد، تماما كما يحرم الفرد من طاقاته لتغيير حياته نحو الأفضل، ويقول فيلسوف قرأت له ذات يوم بما معناه أن أمله في الحياة أن يكون لديه أمل، وقول الشاعر العربي القديم:
أعلل النفس بالأمال أرقبها، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

تشاؤل أخير:
نال أحمد زويل جائزة نوبل بعد أن توصل لما يعرف بالفيمتو ثانية، لم يدرك أحد أننا اكتشفنا الكلمة الأولى قبله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق