الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

خواطر بين مدينتين

يقسو – أحيانا – برنامج خواطر لأحمد الشقيري إذ يعرض علينا ما لدى الآخرين من (رقي) وما لدينا و(فينا) من ارتفاع لمنسوب (التخلف) والفوضى التي تغلّف حياتنا فتجعلنا خلف الركب فلا يبدو في الأفق أننا قادرون على اللحاق به..
لكنها القسوة الواجبة لنستيقظ من أوهامنا، ونتحرر من عقدة الحكومة والمواطن لنكتشف أننا أضعنا الدرب المتحضر (بالشراكة) ومردّ ذلك على أن المسئول الكبير كان ذات يوم مواطن، وحمل معه ثقافة المكان إلى كرسيه، ومفردة ثقافة دالة على جملة الخصائص الإنسانية والخبرات التي تكوّنت في مجتمع ما نتيجة ظروف تكوينه منذ مئات السنين وصولا إلى الظروف التي يتعرض لها راهنا، وهي سلة واسعة فيها الأفكار والمعتقدات والموروثات والمتغيرات وما إلى ذلك من محفزات تغيّر نحو الأحسن، أو تذهب بالمجتمع نحو تغيير طبائع أفراده بسبب من محدثات لم يصمد أمامها.
هل يمكن للمسئول وهو يصعد أعلى الهرم الوظيفي أن يخلع قناعه القديم ويرتدي آخر متشكل من ثقافة تختلف عن ثقافة مجتمعه، كما أن الوسط المحيط به يحكم نسيجه أيضا على أسلوب التعاطي مع القضايا الاجتماعية، فالنموذج الصيني في العمل لو طبقته شركة عربية (ولنقل عمانية) فإنها لن نجد عمانيا يعمل 95 ساعة في الأسبوع (إلا في حالات نادرة جدا ولا يمكن القياس بها) أما النموذج الياباني في التنظيم فلا تحتمله العقلية العمانية، فدقة المواعيد ووضوح الأفكار سيصدم بعقليات الآخرين الذين رتبوا جينات حياتهم على الفوضى اليومية وحسب ما تجري تصاريف الحياة، "كل يوم برزقه".
قبل شهرين قرأت عن دراسة مصرية رائعة لها فائدتين وكل واحدة منهما عظيمة التأثير، يلجأ الفلاحون إلى حرق أكوام هائلة من مخلفاتهم الزراعية خاصة القش، ويبذلون جهدا كبيرا للتخلص من تلك المخلفات حرقا بما يجعل القاهرة بملايينها البشرية العشرين تغوص في سحابة سوداء هائلة تطبق على أنفاس الناس..
الدراسة ترمي إلى طريقة تستفيد من تلك المخلفات الضخمة لإنتاج أسمدة فيتحقق للفلاح راحة من بذلك جهد الحرق وتوفير أسمدة (لا غش فيها ولا تأثيرات جانبية) تستنزف جانبا كبيرا من دخله (الزراعي) كما أنها تعفي عشرات الملايين من مخاطر التلوث (السنوي) بتكاثف الغيوم السوداء.
وقبل أيام عرض برنامج خواطر تجربة تركيا في الاستفادة من مخلفات مدينتها الأكبر اسطنبول حيث تردم النفايات لمدة سنتين ومن ثم يبدأ غاز الميثان بالخروج عبر أنابيب تمد المدينة بالطاقة الكهربائية اللازمة في دولة تعاني من تدني مصادر الطاقة فيها.
بقيت الدراسة المصرية، وستبقى، رهن الأوراق..
فيما خرجت الدراسات التركية لتستفيد من أطنان النفايات وتحولها إلى منافع للإنسان وحماية من مخاطر تكاثرها البيئية والتي تعرف القاهرة وسكانها أضرارها أكثر من غيرهم.
في عالمنا العربي لا نعاني من ضعف وقلة البحوث والدراسات، إنما من العقلية التي تحيل ما في الأوراق إلى حقائق على الأرض، نعاني من ضعف منسوب الإخلاص للوطن، والتفكير فيه كما لو كنا نفكر في مشروع شخصي.. لكننا نسلك درب "إنما الأعمال بالنيات".. وبالدراسات والبحوث المتراكمة بانتظار ملاك سماوي يرسله الله إلينا ليعمّر أرضنا بالنيابة عنا.
alrahby@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق