الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

دير.. وزور.. وبامية

كلما ذكرت مدينة دير الزور في الأخبار أشعر بغصة..
علاقتي بها لم تدم أكثر من 24 ساعة، لكنها تجذرت في القلب بما يكفي لأستعيدها بقوة، وحين تدكّها قذائف المدافع، وحين تحاصرها الدبابات أدرك أن المدينة القابعة بالقرب من الحدود العراقية تتعرض لواحدة من حالات القمع المرتكبة باسم السياسة القادرة على تلوين الكلمات، ويصبح المطالبون بالحرية رجال عصابات، أو بالأحرى حشرات، وقذائف الموت كلمات حوار.
دون أن أدري موقعها على الخريطة السورية طلبت من مستضيفي زيارة دير الزور، وبين غرابة الطلب وكرم المضيف سارت رغبتي إلى مبتغاها، قاطعا المسافة بين دمشق ودير الزور في عدة ساعات كانت الأرض تتلوّن بين صحراء مدهشة التفاصيل، وواحات خضراء تسر الناظرين، هناك المقصد مدينة لا أعرف عنها شيئا حتى أطلبها من قائمة المدن السورية سوى أنها وردت في مسلسل تلفزيوني للممثل ياسر العظمة، ومعي السائق الذي أهدتني إياه أقدار جميلة فقد كان من أهل الدير الذين لهم لهجة قريبة منا، ليس بها تلك الموسيقى والدلال في اللهجة الشامية الآتية إلينا عبر المسلسلات ونواعمها، أعني.. نجومها، أو بالأحرى أقمارها.
لم أشعر مع السائق إلا بالارتحال مع شخص أعرفه منذ سنوات..
ومع أهله سوى أنني فرد منهم، ومع أخواله إلا وضيف كأنهم انتظروه سنوات طوال فأرادوا إكرامه، وكان الموعد على جلسة أسماك مشوية على ضفة نهر الفرات، شباب تقاسمنا معهم الحكايات والسمر الجميل، والقمر الساهر معنا منعكسا على المياه في ليلة كأنها من تلك الليالي الألف، غيّرت الصورة النمطية عن العواصم وما بها من استغلال ولوازم التعامل مع السائح خاصة إن كان قادما من بلاد النفط الخليجية، حيث لا يرون فيهم سوى برميل "بترول" يكاد يتقاطر من جيوبنا.
لكن أولئك الشباب على قدر عال من الشهامة والكرم.
وزرعوا في دمي عشرات الورود المسقاة بماء الفرات وهو يمضي بين تلك الحقول الخضراء، وعلى الجسر بين ضفتيه ضبطت عدسة التصوير على طفل في السابعة يقفز من أعلى الجسر إلى حضن المياه الذي قيل أنه تراجع بشكل مذهل خلال السنوات الأخيرة، حيث فقد الفرات الكثير من قوته.
أمام الشاشة أتفرج على مشاهد الموت وهو يوزع نيرانه على الحقول التي أكلت منها البامية الديرية الشهيرة، يحصد القلوب التي جلسنا على ضفاف محبتها، تزرع الضيعة أشجارا وأسماكا، فخلال تجوالي بين الحقول وجدت مجموعة من الشباب يعتنون ببحيرات صغيرة أشبه بالبرك تتكاثر فيها الأسماك، يأتون بها لتكبر هنا وثم يبيعونها في الأسواق القريبة.
ترى كم روحا فارقت جسدها إذ تدك مدافع السلطة البيوت التي شربت من نهر الفرات، كم حقلا داسته دبابات العساكر، كم شجرة رفرفت عليها روح قتيل، سعى من أجل الحرية، ومات بيد شريكه في وطن كان به متسع للجميع.. أحرارا؟!.
المتظاهر في سوريا عن ألف في غيرها.. لأنه سيواجه الرصاص بصدر مفتوح، وبروح تعرف أي قدر ينتظرها!
alrahby@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق