تصيبنا أخبار الدنيا بهوس نفسي يجعلنا ننظر للحياة بطرف مريب، وتباعد بيننا وما درجنا عليه من بساطة تلقي وسهولة تفكير وسلاسة عيش، خاصة نحن الذين لم نعرف العالم من حولنا إلا في سنوات متأخرة من عمر الطفولة، فنحن كنا جيل المحطة التلفزيونية الواحدة المحكومة بهوائي لا يلتقط سوى صورة غائمة، ونسمع عن الحاسوب كما يسمع أطفال اليوم عن السفر للفضاء.
ما يحدث من عوالم غريبة نتلقاها ليل نهار، عبر وسائل الإعلام والتكنولوجيا، تكسر ذلك اللوح الزجاجي المصنوع في حياتنا من لدائن غضة، فتزيد الهوّة بين عالم افتراضي يعود بنا دوما إلى منازل الخطوة الأولى (كما أسماها الشاعر سيف الرحبي) وبين عالم واقعي يسير سلكيا ولاسلكيا بين الشريان والشريان، فتبدو كغريب أحاطت به قبائل الزولو في غابة أفريقية موحشة، أيدي رجال القبيلة ممسكين بالسهام كما تحيطنا الأخبار الغريبة تماما، متصورين في أية لحظة أن سهما ما سينطلق من خابية أحدهم ويصيبنا في مقتل.
كم منّا يشعر بالغربة والاغتراب حتى وهو داخل بيته؟
نواجه شاشة كبيرة لديها القدرة على بث 500 قناة تلفزيونية، وعليك أن تختار.. فتحتار ماذا تفعل إزاء كل ذلك الهجوم الكوني عليك، تشتكي من وقت الفراغ، لا بأس، هناك قنوات تتنقل بك بين ما يهم الدين، وما يهم شقاوتك، تشتكي من وزنك الزائد فلا تقلق، افتح أية جريدة من تلك التي تصل إلى باب بيتك مجانا وستجد عشرات المراكز والعيادات الجاهزة لإضعاف الرقم الذي يقلق جسدك، كما ستجد الخلطات والأجهزة التي تعيد إليك شبابك بما يحقق السعادة الزوجية (كما تقول الإعلانات) وستحاصرك الأخبار والإعلانات والفضائيات والرسائل النصية والرنّات الهاتفية وستغدو كما قال الشاعر الباخرزي: (فما هو فيما رام إلا كباسط/ إلى الماء كفيه ليبلغ فاه).. وما هو ببالغ من أمره شيئا.
نشعر دوما بتناقض غريب، تناقض الآخرين، تناقضاتنا الداخلية، وتلك الممارسة مع الحياة، نوسّع الفجوة أكثر حينما لا نتغيّر حجة الحرص على المبادىء، لا نفرّق كثيرا بين ما هو مبدأ، وما هو ثقافة، تماما كما يحدث في علاقتنا مع الأشياء المرتبطة بالدين والتقاليد.
ثورة الحياة من حولنا تزلزل تقاليدنا بقوة، نريد أن ندخل بوابات التقنيات التكنولوجية لكن كوابح التربية بكل ثقلها تزيد من حدة اغترابنا، نقول أن المشاعر ليس لها مكان في عالم اليوم، مع أن مركّباتنا قائمة على مجموعة لا تحصى من العواطف والمشاعر، لا نملك أن نكون حياديين تجاه الآتي من فضاء يدور حولنا، أرض تدور بنا..
على الصفحات الأولى للصحف ما يثير القلق والخوف من تداعيات الحروب وهواجس الأمراض وقلق الحصول على ماء وغذاء، وفي الصفحات الأخيرة ما يدعو للاكتئاب، غرائب تحدث كأنها ليست حياتنا، النجوم الذين يشترون منازلهم بملايين الدولارات والفقراء الذين لا يجدون مأوى، الكلاب التي تأكل الأغذية الفاخرة والمشردون الذين يموتون جوعا، العلم الذي يتوصل لنوع مرعب من السلاح والعلم العاجز عن علاج السرطان.
تقلب الصفحات من حولك، تتجول في صفحة حياتك، تودّ لو تكتب فيها المزيد من الكلمات، قد لا تتسع المساحة الفارغة فيها، قد لا تمتلك الحبر اللازم.. أو ربما ليس لديك القدرة لكتابة أي جديد..
حينها ستطاردك الغربة أكثر، تود لو تسافر، لكنك لا تملك من أدوات السفر شيئا.. حتما ستسافر إلى داخلك، لعلك تكتشف أن عالما بداخلك أجمل من العالم الذي حواليك.
مسجات:
من أولي..
أصعد إلى آخر تخومك
صحرائي الممتدة دون سراب.
من آخر،
أعود متيمما بالماء
وأبكي على صدر الكلمات.
##
كان المطر كالأنثى
يضع تمائمه
وكانت الطفولة تغني
كي يعطي الغيم آخر جواباته للعاصفة.
تساقط البرد غيمتي
وأنا دون مطرك، أترقب مواسمي
تفيض بك، نصفي الأول..
أكتمل بك.
يانصفي المكتمل، بي.
##
حين أزاح الجدران من حوله..
رآها أنثى من عطر
كان لا يشعر بها،
سوى امرأة من عناد.
كم احتاج ليحطم الحواجز
كي يراها؟
كان يبني طرقا إليها.
##
البيت يلوّح للعصافير لتحلم
على نوافذه.
تحتاج إلى ما يدفعها
كي تقف، وتغني، على النوافذ
أكثر من اليد الملوّحة..
الأمان.
كل العصافير في الدنيا، تحتاج إليه.
ما يحدث من عوالم غريبة نتلقاها ليل نهار، عبر وسائل الإعلام والتكنولوجيا، تكسر ذلك اللوح الزجاجي المصنوع في حياتنا من لدائن غضة، فتزيد الهوّة بين عالم افتراضي يعود بنا دوما إلى منازل الخطوة الأولى (كما أسماها الشاعر سيف الرحبي) وبين عالم واقعي يسير سلكيا ولاسلكيا بين الشريان والشريان، فتبدو كغريب أحاطت به قبائل الزولو في غابة أفريقية موحشة، أيدي رجال القبيلة ممسكين بالسهام كما تحيطنا الأخبار الغريبة تماما، متصورين في أية لحظة أن سهما ما سينطلق من خابية أحدهم ويصيبنا في مقتل.
كم منّا يشعر بالغربة والاغتراب حتى وهو داخل بيته؟
نواجه شاشة كبيرة لديها القدرة على بث 500 قناة تلفزيونية، وعليك أن تختار.. فتحتار ماذا تفعل إزاء كل ذلك الهجوم الكوني عليك، تشتكي من وقت الفراغ، لا بأس، هناك قنوات تتنقل بك بين ما يهم الدين، وما يهم شقاوتك، تشتكي من وزنك الزائد فلا تقلق، افتح أية جريدة من تلك التي تصل إلى باب بيتك مجانا وستجد عشرات المراكز والعيادات الجاهزة لإضعاف الرقم الذي يقلق جسدك، كما ستجد الخلطات والأجهزة التي تعيد إليك شبابك بما يحقق السعادة الزوجية (كما تقول الإعلانات) وستحاصرك الأخبار والإعلانات والفضائيات والرسائل النصية والرنّات الهاتفية وستغدو كما قال الشاعر الباخرزي: (فما هو فيما رام إلا كباسط/ إلى الماء كفيه ليبلغ فاه).. وما هو ببالغ من أمره شيئا.
نشعر دوما بتناقض غريب، تناقض الآخرين، تناقضاتنا الداخلية، وتلك الممارسة مع الحياة، نوسّع الفجوة أكثر حينما لا نتغيّر حجة الحرص على المبادىء، لا نفرّق كثيرا بين ما هو مبدأ، وما هو ثقافة، تماما كما يحدث في علاقتنا مع الأشياء المرتبطة بالدين والتقاليد.
ثورة الحياة من حولنا تزلزل تقاليدنا بقوة، نريد أن ندخل بوابات التقنيات التكنولوجية لكن كوابح التربية بكل ثقلها تزيد من حدة اغترابنا، نقول أن المشاعر ليس لها مكان في عالم اليوم، مع أن مركّباتنا قائمة على مجموعة لا تحصى من العواطف والمشاعر، لا نملك أن نكون حياديين تجاه الآتي من فضاء يدور حولنا، أرض تدور بنا..
على الصفحات الأولى للصحف ما يثير القلق والخوف من تداعيات الحروب وهواجس الأمراض وقلق الحصول على ماء وغذاء، وفي الصفحات الأخيرة ما يدعو للاكتئاب، غرائب تحدث كأنها ليست حياتنا، النجوم الذين يشترون منازلهم بملايين الدولارات والفقراء الذين لا يجدون مأوى، الكلاب التي تأكل الأغذية الفاخرة والمشردون الذين يموتون جوعا، العلم الذي يتوصل لنوع مرعب من السلاح والعلم العاجز عن علاج السرطان.
تقلب الصفحات من حولك، تتجول في صفحة حياتك، تودّ لو تكتب فيها المزيد من الكلمات، قد لا تتسع المساحة الفارغة فيها، قد لا تمتلك الحبر اللازم.. أو ربما ليس لديك القدرة لكتابة أي جديد..
حينها ستطاردك الغربة أكثر، تود لو تسافر، لكنك لا تملك من أدوات السفر شيئا.. حتما ستسافر إلى داخلك، لعلك تكتشف أن عالما بداخلك أجمل من العالم الذي حواليك.
مسجات:
من أولي..
أصعد إلى آخر تخومك
صحرائي الممتدة دون سراب.
من آخر،
أعود متيمما بالماء
وأبكي على صدر الكلمات.
##
كان المطر كالأنثى
يضع تمائمه
وكانت الطفولة تغني
كي يعطي الغيم آخر جواباته للعاصفة.
تساقط البرد غيمتي
وأنا دون مطرك، أترقب مواسمي
تفيض بك، نصفي الأول..
أكتمل بك.
يانصفي المكتمل، بي.
##
حين أزاح الجدران من حوله..
رآها أنثى من عطر
كان لا يشعر بها،
سوى امرأة من عناد.
كم احتاج ليحطم الحواجز
كي يراها؟
كان يبني طرقا إليها.
##
البيت يلوّح للعصافير لتحلم
على نوافذه.
تحتاج إلى ما يدفعها
كي تقف، وتغني، على النوافذ
أكثر من اليد الملوّحة..
الأمان.
كل العصافير في الدنيا، تحتاج إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق